عنوان كتابي الجديد والذي سيكون جاهزاً إن شاء الله قريباً بنسختين، نسخة باللغة العربية والأُخْرَى باللغة الانجليزية
أدعو الله جَلَّ وَعَلاَ أن يصل هذا الكتاب إلى كل البشر ، وخاصة الاخوة في الغرب عسى أَنْ ينير الله قلوبهم و يهديهم إلى طريقه ودينه
تحياتي
أرفق المقدمة للقراءة والاطلاع


منير مزيد
'''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''' ''''''''''''''''''''''''

الْمُقَدِّمَةُ


سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ، الْحَمْدُ للّهِ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَىٰ الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّىٰ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ، وَأَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ فقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا .

اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، بِنُورِكَ اهْتَدَيْتُ، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْتُ، وَبِنِعْمَتِكَ أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ.

اللَّهُمَّ إِنِّي اُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شِهِيداً، وَاُشْهِدُ مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيائَكَ وَرُسُلَكَ، وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَسُكّانَ سَماواتِكَ وَأَرْضِكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ، بِأَنَّكَ أَنْتَ الله لَا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، وَحْدَكَ لاشَرِيكَ لَكَ، وَإِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُحْيِي وَتُمِيتُ، وَتُمِيتُ وَتُحْيي، وَإِنِّي أَعْبُدُكَ حُبّاً وَعِشْقاً لذَّاتِكَ الإِلَهِيَّةِ، لَا خَوْفاً أَوْ طَمَعاً، ولَا عَنْ جَهْلٍ بَلْ عَنْ عِلْمٍ يَقِينٍ .

َأَشْهَدُ َأَنَّ مُحَمَّداً صَلّىٰ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وصحبه عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَرْسَلَتهُ بَالبَيِّنَاتِ وَالهُدَىٰ ، وَمَا أَرْسَلَتهُ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ الجَنَّةَ حَقٌ، وَأَنَّ النّارَ حَقٌ، وَالنُشُورَ حَقُّ، وَالسّاعَةَ آتِيَةٌ لارَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ.

أَمَّا بَعْدُ :
لَمْ أعُدْ قَادِراً عَلَىٰ تَحَمُّلِ هَذِهِ الكَرَاهِيَةِ المُنتشِرةِ فِي هَٰذَا العَالَمِ والناتِجةِ عَنْ اخْتِلاَفِ عَقائِدنَا حَوْلَ اللهِ فِي حِيْنَ إِنَّ اللَّهَ يَدْعُونَا جَمِيعاً إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَأْمُرُنَا بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإقامَةِ الْعَدْلِ وَالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَىٰ البِرّ والتَّقْوَى وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَبِالصَّبْرِ وَبِالْمَرْحَمَةِ حَتَّى يَعِيشَ الْإِنسَانُ حَيَاةً كَرِيمَةً يَسُودُهَا الأَمْنُ وَالطُمَأْنِينَةُ، وَيَشْعُرَ بِكَيْنُونتهِ.

لَقَدْ كَتَبْتُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ فِي ظِلِّ اِنْتِشارِ ظَواهِرَ قَاتِلَةٍ بَدَأَت تَجْتَاحُ الْعَالَمَ الْعَرَبِيّ وَالْإِسْلَامَيّ
وَتَجُرّهُ نَحْوَ الخَرَابِ وَالدَّمَارِ، فِي ظِلِّ تَنَامِي وَاِنْتِشارِ الرُّهَابِ الْإِسْلَاميّ وَتَنَامِي مَظَاهِر العَدَّاءِ لِلْإِسْلَامِ فِيالغَرْبِ، فِي ظِلِّ تَفَشِّي ظَواهِر الجَهْلِ الْمُرَكَّبِ فِي الْخِطَابِ الدِّينِيّ، وَفِي ظِلِّ تَنَامِي دَعْواتٍ مِنْ بَعْضِ رِجَالِ الدِّينِ إِلَىٰ إقامَةِ دَوْلَةِ الخِلاَفَةِ الاِسْتِبْدَادِيّةِ، حَيْثُ الاخْتِلاَفِ الْكَبِيرُ مَعَ مَضامِينِ الدَوْلَةِ الْمَدَنِيَّةِ الْحَدِيثَةِ إِلَتي تَسْتَنِدُ عَلَىٰ مَبَادِئ الْمُوَاطَنَةِ وَالعَدَالَةِ وَالتَّعدُّديَّةِ الحزبيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَالأَيدِيُولُوجِيَّةِ وَاِحْتِرَامِ حُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَتَقُومُ عَلَىٰ السَّلاَمِ وَالتَّسَامُحِ وَقَبُولِ الْآخَرِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِباتِ، حَيْثُ يَتَمَتَّعُ الْمُوَاطِنُونَ بِحَقِّ الْمُوَاطَنَةِ عَلَىٰ اخْتِلاَفِ مَذَاهِبهمْ وَأحْزَابِهِمْ .

لَمْ أَكُنْ أتَوَقَّعُ أوْ أَتَخَيَّلُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ قَدْ تُصْبِحُ شَرَارَةً تُلهِبُ نَارَ خَيَالي، فَأَرَانِي أتَوَقَّفُ عَنْ كِتَابَةِ الشِّعْرِ، مُنْطَلِقاً نَحْوَ مَشْرُوعٍ آخَرَ، أَعْتَبِرُهُ حُلْماً وَتَحَدّيًا كَبِيراً، وَهُوَ تَحْدِيثُ الْخِطَابِ الدِّينِيّ وَتَخْلِيصِهِ مِنَ الْجُمُودِ مِنْ خِلاَلِ فَتْحِ نَوَافِذ الْاِجْتِهادِ عَلَىٰ مِصْرَاعَيْهَا، وَتَقْديمِ صُورَةٍ أُخْرَى للفِكْرِ الْإِسْلَاميّ الْمُعَاصِرِ مِنْ أَجْلِ نَهْضَةٍ إِسْلَاميّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ وَقَادِرةٍ عَلَىٰ إِزَالَةِ غُبَار الْمَاضِي، تَرْمِيمِ أَرْكَانِهَا المُتَصَدِّعةِ، إِتْقَانِ فَنّ التَّوازُنِ، وَالتَّفَاعُلِ مَعَ حَاضِرهَا بِثِقَةٍ وَإِيمَانٍ، وَمُسْتَعِدّةٍ لِتَنْفِيذِ الأَمْر الْإِلَهِيّ الأَوَّل: اقْرَأْ، وَاِسْتِجَابَةِ دَعْوَتهِ إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ ، وَإِلَىٰ الْمُضِيّ فِي البَحْثِ وَالاِسْتِكْشافِ.

قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (سُورَة الْعَنكَبوت ، آية 20) .

جَاءَت فِكْرَةُ هَٰذَا الْكِتَابِ كَمُحَاوَلَةٍ لِوَضْعِ حَجَر الأَسَاسِ لِنَهْضَةٍ إِسْلَاميّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ حَيْثُ أتَنَاوَلُ بَعْضَ الْقَضَايا اللَّوَاتِي تَحْتَاجُ إِلَىٰ إِعَادَةِ النَّظَرِ فِيهَا بِالإِضافَةِ إِلَىٰ مُنَاقَشَةِ الْمَكَانَةِ الْمَرْمُوقَةِ إِلَتي يَحْظَى بِهَا الإِنْسَانِ فِي سُلَّمِ التَّفَاضُلِ القَيِّمي لِلْمَخْلُوقاتِ، أَسْبَابهَا وَمَسْؤُولِيَّتهَا. فَتِلكَ الْمَكَانَةُ تُعْتَبِرُ تَكْريماً وَتَشْرِيفاً وَتَفْضِيلاً إلَهِيّاً لِلإنْسَانِ، وَإِظْهاراً لِمَوْقِعه وَدَوْرهِ وَمَسْؤُولِيَّتهِ فِي الْمَنْظُومَةِ الكَوْنيّةِ، وَمَنْزِلَتهِ بَيْنَ الْمَوْجُودَات.

لَا خَلاَصَ لِلبَشَرِيَّة مِنَ الآلامِ وَالأَحْزَانِ ،مِنَ المُعَانَاةِ وَالْعَذَابِ إِلَّا بِالْعَوْدَةِ إِلَىٰ تَفْعِيلِ القِيَمِ الأَخْلاقِيّةِ وَالرُّوحَانيّةِ مِنْ خِلاَلِ التَّمَسُّكِ بِمَفْهُومِ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَبِالأَفْكَارِ الحُرَّةِ وَالنَّبِيلةِ، بِاحْتِرَامِ حُقُوقِ الإِنْسَانِ وَتَنَوُّعِنَا الثَّقَافِيّ وَالعِرْقيّ، بِالدَّعْوَةِ إِلَىٰ الْخَيْرِ وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَبِالصَّبْرِ وَبِالْمَرْحَمَةِ، وَإِلَىٰ التَّعَاوُنِ عَلَىٰ الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ، بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، بِالاِبْتِعَادِ عَنِ الْمَكَارِهِ وَالْمَخَاطِرِ وَالشَّرّ وَنَبْذِ اللُّجُوءِ إِلَىٰ اِسْتِخْدامِ العُنْفِ، بِالْعَوْدَةِ أَيْضاً إِلَىٰ الإيمَانِ بِاللهِ، فالإيمَانُ بِاللهِ هُوَ سُلُوكٌ فِطْريٌّ. إِذْ قَالَالْفَيْلَسُوفُ وَمُؤَرِّخُ الأَدْيانِ الرُّومانِيَّ مَيرْتشَا إِلْيَاده:"لاَ يُمْكِنُ أَنْ نتتَخَيَّلَ الوَعْيَ البَشَريّ يَعْمَلُ دُونَ أَنْ تَكونَ لَدَيْهِ قَنَاعَةٌ بِوُجُودِ شَيْءٍ (حَقِيقِيّ) فِي العَالَمِ ،دُونَ أَنْ يَضْفِي (مَعْنَى) عَلَىٰ دَوَافعِهِ وَتَجارِبِهِ" .

كَمَا ذَكَرْتُ سَابِقاً الإيمَانُ بِاللهِ هُوَ سُلُوكٌ فِطْريٌّ، فَجَاءَ الدِّينُ وَأَطَّرَهُ بِالعِبَادَاتِ وَالطُقُوسِ وَالشَّعَائِرِ.يَرَىٰ الْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيّ سُقرَاطْ:إِنَّ مَهَامَّ الْدِّينِ تَكْريمُ الضَّمِيرِ النَّقِيّ لِلْعَدَالَةِ الْإِلَهِيّةِ، لاَ تَقْديمَ الْقَرَابِين وَتِلاوَةَ الْصَّلَواتِ مَعَ تَلَطُّخِ النَّفْسِ بِالإِثْمِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَرَىٰ إِنَّ مَهَامَّ الْدِّينِ تَحْرِيرُ الإِنْسَانِ مِنْ الْخَوْف وَالوَهْمِ، تَطْهِيرُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْنَّوازِعِ مَنْ خِلاَلِ الْاِستِجابةِ إِلَىٰ النِّدَاء الْإِلَهِيِّ وَمَن لَا يَسْتَجِيبُ فَهُوَ يَتَّبِعُ أَهْوَاءَ نَفْسَهِ ،الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ ، وَالدَّلِيلُ فِي هَذِهِ الِآيَاتِ الْكَرِيمةِ فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:

﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (سُورَة يُوسُف، آية53).

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (سُورَة الأنْفالِ، آية 24).

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًىٰ مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (سُورَة القصص، آية 50).

إِذَنْ، لَيْسَ الْدِّينُ بِمَصْدَرِ الخِلاَفِ أَوْ التَصَارُعِ وَإِنَّمَا الجَهْلُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَفْهُومِ الدِّينِ وَالإيمَانِ، فَالجَهْلُ رَذِيلَةٌ كَمَا صرح الْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيّ سُقرَاطْ حِيْنَ أَطْلَقَ عِبَارَتَهُ الْمَشْهُورةَ " الفَضِيلَةُ عِلْمٌ وَالرَّذِيلَةُ جَهْلٌ "، وَيَتَبَدَّدُ بِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ بِحَقِيقِتهِ إِذْ قَالَ الْأَدِيبُ الْفِلَسطينيّ إِسْحَاق مُوسَىٰ الْحُسَينيّ :"أَوَّلُ بَوادِرِ الانْهِزَامِ فِي صِراعِ الفَضِيلَةِ مَعَ الرَّذِيلَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ الرَّذِيلَةُ وَتَظْهَرَ بِكَامِلِ قُوَاها"، لَكِنْ الخِلاَفُ الجَوْهَرِيُّ الَّذِي يَحْمِلُ بُذُورَ التَصَارُعِ أَوْ تَضَارُبِ الآرَاءِ هُوَ الْاِخْتِلاَفُ بَيْنَ مَفْهُومِ الإيمَانِ والإِلْحَادِ وَالشِّرْكِ.

هَٰذَا الْصِّراعُ فِي تَضَارُبِ الآرَاءِ وَاِخْتِلاَفِهَا وَتَبَايُنِهَا بَيْنَ الإيمَانِ والإِلْحَادِ وَالشِّرْكِ هُوَ صِرَاعٌ وَجَدَلٌ فِكْريٌ بَيْنَ النُّخْبِ الثَّقَافِيّةِ مَنْ الْعُلَماءِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، مَنْ الأُدَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالْفَلاسِفَةِ، فَهُوَ مِنْ أَجْلِ الْمَعْرِفَةِ، والْوُصُولِ إِلَىٰ الْحَقِيقَةِ، وَتَحْطِيمِ أَصْنَام الجَهْلِ وَالقُيُودِ، مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ حَقِيقِيّةٍ لِلإَنسَانِ .

إِذَنْ، هَٰذَا الْصِّراعُ هُوَ صِرَاعٌ سَلْميٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَىٰ سَابِحاً بِحُرِّيَّةٍ فِي فَضَاءِ الْفَكْرِ لَكِنْ حِيْنَ يَتَحَوَّلُ إِلَىٰ نِزَاعٍ مُسَلَّحٍ يُصْبِحُ صِرَاعاً سِياسِيّاً يَخدُمُ مَصالَحَ تَتَحَكَّمُ فِيهَا اعْتِباراتٌ شَخْصِيَّةٌ.

قَالَ ذُو الجَلالِ وَالتَّعْظِيمِ: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ (سُورَة الكَهْف، آية 24).

هُنَاكَ مَسْأَلةٌ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ يَجِبُ على الْجَمَاعَاتِ الْإِسْلَامِيّةِ الْتَكْفيريَّةِ إِدْرَاكهَا وَهِيَ: الْأَفْكَارُ وَالآرَاءُ مَهْمَا اِخْتَلَفَتْ حَوْلَ قَضِيَّةٍ مَا تُعْتَبِرُ إِثْرَاءاً فِكْرُيّاً لَهَا، وَبِالتَّالي الْكُتَّابُ، مَهْمَا اِخْتَلَفَتْ مَشارِبهُمْ وَأَجْنَاسهُمْ وَلُغَاتِهُمْ وَعَقَائِدهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ وَأَهَدَافهُمْ وَمَأْرَبهُمْ وَدَوَافعهُمْ وَتَجارِبهُمْ، الَّذِينَ يَكْتُبُونَ عَنَ الْإِسْلَامِ، شَرْحًا أَوْ تِبْيَانًا أَوْ تَفْسِيراً، تَأْوِيلاً أَوْ تَوْضِيحاً، اِسْتِظْهَاراً أَوْ اِسْتِنْباطاً، تَعْلِيلاً أَوْ تَجرَّيحاً أوُ حَتَّى نَقْداً لاَذِعاً يَصلُ إِلَىٰ حَدّ الْاِسْتِهْزاء، فَهَؤُلاَء يَخْدُمُونَ الْإِسْلَامَ مَنْ خِلاَلِ إِثْرَائهِ بِمَزِيدٍ مِنَ الْأَفْكَارِ وَالْتَصَوُّرَاتِ إِلَتي تُسَاهِمُ فِي تَحْرِيكِ الْمِياهِ الْرَاكِدَةِ.

أَمَّا الأمْرُ الأَكْثَرُ أَهَمِّيَّة فِي الخَلاَصِ فَهُوَ تَحْرِيرُ اللهِ مِنْ رُؤْيَةٍ ذَاتِيَّةٍ تَتَحَكَّمُ فِيهَا اعْتِباراتٌ وَأَهْوَاءٌ شَخْصِيَّةٌ تُحاوِلُ أَنْ تَفْرِضَ إِرَادَتَهَا عَلَىٰ الْجَمِيعِ بِكُلِّ الْوسَائِلِ، مِنْ مُحَاوَلَةِ تَصْوِيرِهِ بِاِمْتِلاَكِ صِفاتٍ بَشَريّةٍ أَوْ نَوازعَ شَيْطَانيّةٍ، وَمِنَ السُّلْطَةِ الرُّوحِيَّةِ إِلَتي تَعْتَمِدُ فِي خِطَابِهَا الدِّينِيّ عَلَىٰ سِيَاسَةِ "التَرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ" وَتِلْكَ الْسِيَاسَةُ هِيَ تَجْسِيدٌ لِفَنِّ التَّلاعُبِ بِالوَعْي الْإِنسَانيّ وَاسْتِغْلالِ الْعواطِفِ، وَعَلَىٰ عَقِيدَةِ الجَهْلِ الْمُرَكَّبِ إِلَتي تُولِّدُ التَّعَصُّبَ وَالكَرَاهِيَةَ، فَلاَ يُمْكِنُ تَحْرِيرَاللهِ مِنْ دُونِ تَحْرِيرِ الْإِنسَانِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجَهْلِ، مِنْ كُلِّ أَنْوَاع العُبُودِيَّةِ ،وَمِنْ كُلِّ أَنْوَاع الاسْتِلاب الفِكْرِيّ، وَهَٰذَا أمْرٌ عَلَىٰ جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنَ الأهَمِّيَّةِ وَيَطْرَحُ سُؤَالاً مُهِمّاً وَمِحْوَرِيّاً تَدُورُ حَوْلَهُ مَواضيعُ الْكِتَابِ : هَلْ جَاءَ الْإِسْلَامُ بِمَبَادِئَ أَوْ بِأَفْكَارٍ تُحَرِّرُ الإنْسَانَ مِنْ كُلِّ صُوَرِ العُبُودِيَّةِ الجَّسَديّةِ وَالفَّكْريّةِ وَالنَّفْسِيّةِ وَالأَيدِيُولُوجِيَّةِ ،وَبِقَوانينَ أَوْ شَرائِعَ تَحمِي حُرِّيَّةَ الإنْسَانِ، تَصُونُ كَرَامَتَهُ ، وَتُحافِظُ عَلَىٰ حُقُوقَهُ..؟

مِنْ هَٰذَا السُّؤالِ بَدَأَتُ رِحْلَتي فِي البَحْثِ عَنِ الجَوَابِ، فَنَحْنُ كَبَشَرٍ لَا نَمْلِكُ إِجَابَةً عَنْ كُلِّ الْتَسَاؤُلاتِ بَلْ نَسْعَى إِلَيْهَا مَنْ خِلاَلِ البَحْثِ وَالدِّرَاسَةِ، لِهَٰذَا كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ تَارِيخَ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ مِنْ مَصادِرَ مُتَعَدِّدةٍ لأَنِّي أُؤْمِنُ بِتَضَارُبِ الآرَاءِ لِلْوُصُولِ إِلَىٰ الْحَقِيقَةِ وَلِكَيْ لَا أسْقُطَ فِي الهَاوِيَةِ إِلَتي حَفَرَهَا الْمُؤرَّخونَ أَوْ أَنْزَلِقَ فِي السَّرْدِ الْأُسْطورَيّ، مُسْتَحْضِراً فِي ذَاكِرَتِي مُقوِّلة فَلْسَفِيَّة لِصَاحِبِ الحُلْمِ الثَائِرِ مَارتِنْ لُوثْر كَينْغ :{يجِبُ أَنْ تَكُونَ الوَسِيلَةُ إِلَتي نَسْتَخْدِمُهَا بِنَفْسِ نَقاء الغَايَةِ إِلَتي نَسْعَى إِلَيْهَا}.

حِيْنَ بَدَأَتُ فِي قِرَاءةِ تَارِيخ الْإِسْلَامِ وتَارِيخ الْمُسْلِمِينَ، كَانَت الْأَسْئِلَةُ وَالاسْتِفْساراتُ تَنْهَمِرُ بِغَزَارَةٍ عَلَىٰ أَرْضَ خَيَالي حَتَّى طَمَرتهَا لِهَٰذَا قَرَّرْتُ التَّوَقُّفَ عَنِ الْقِرَاءةِ حَتَّى ألْتَقِطْ أَنْفَاسيَّ وَالْعَوْدَةَ إِلَى كِتَابَةِ الشِّعْرِ، فَالشِّعْرُ حَسْبَ تَصَوُّرَاتي هُوَ غَايَةُ الرُّوحِ نَحْوَ الانْعِتاقِ وَالتَّحَرُّرِ وَالْعَلاقَةُ إِلَتي تَجعَلُ الإِنْسَانَ قَادِراً عَلَى تَجَنُّبِ جَمِيع مَخَاطِرِ الْضَّلالةِ أَوْ الْضِيَاعِ، وَتُحافِظُ عَلَى وَعْيهِ فِي دَوْرِهِ الْحَقِيقِيّ فِي هَذَا العَالَمِ، وَتَوْسَعُ ذَكَائَهُ الرُّوحِيَّ، لِهَٰذَا أَعْتَبِرُ الشِّعْرَ وَالْصَّلاَةَ وَالْتأمَّلَ مَصادِرَ لِلانْعِتاقِ وَوسَائِلَ لِلْتَوَاصَلِ مَعْ اللهِ، وَتِلْكَ الْمَصادِرُ وَالْوسَائِلُ قَادِرةٌ عَلَىٰ إِخْرِاجِ الإِنْسَانِ مِنْ زَيفِ العَالَمِ الْمَادِّيّ إِلَىٰ الرُّوحَانيّةِ ،حَيْثُ الْصَّفاءُ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ وَالسَّلاَمُ إِلاَّ إِنَّ أَحْداثَ التَارِيخِ بَقِيَتْ تُؤَارِقُني مِنْ فَظَاعَةِ مَا قَرَأْتُ، فَأَرَانِي أَقُولُ :

فِي البَدْءِ كَانَ الْسُّؤالُ
فَوَجَدْتُ الجَوَّابَ رَجُلاً غَرِيباً
يُشْبِهُني فِي كُلِّ شَيْءٍ

تَبْكِي الْكَلِمَاتُ
حِيْنَ تَرَى ٰ صَوْتَ الْجَهَالَةِ
يَنْمُو فِي حَدائِقَهَا
يَرْتَطِمُ الْبَحْرُ بِجِدَارِ الْلاّشَيْءِ القَائِلِ
تَحْتَ ظِلِّ الحِكَايَةِ
تَتَنَاثَرُ شَظَايَا الْخَيَالِ الْمَكْسُورِ
أنغَاماً
فِي أَفْوَاهِ الْغَيْبِ الجَائِعِ

فَكُلُّ شَيْءٍ يَذُوبُ فِي مُتْعَةِ الْخَيَالِ
كَمَا تَذُوبُ الْكَلِمَاتُ فِي عُمْقِ الْصَّمْتِ

أَرَىٰ الأَشْجَارَ فِي بُيُوتِ الشَّمْسِ
تَصْرُخُ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهَا :
"عُوَاءٌ أَسْوَدُ يَتَدَفَّقُ عَلَىٰ الْمَاءِ
مِنْ بَطْنِ اللَّيْلِ الْمَسْجُورِ حِيْنَ يَصِيحُ
وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ حُلُولَ رَبيعٍ أَبْيَضَ
يَمْلَأ ُ أَحْلاَمَنَا بِسِحْرِ الْحَيَاةِ"

فِي مِحْرابٍ تَأْوِي إلَيْهِ أَكَاليلُ الْمَاءِ
تَرَىٰ الشَّمْسَ حِيْنَ تَشرُقُ
تَّزَاوَرُ عَنِ الْمِحْرابِ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَحِيْنَ تَغرُبُ تَّقْرِضُ الأَكَاليلَ ذَاتَ الشِّمَالِ

صَوْتٌ ذَهَبِيٌّ فِي قَاعِ الْصَّمْتِ
يَأْمُلُ فِي أبَدِيَّةٍ خَالِدَةٍ
يَسقِي أَكَاليلَ الْمَاءِ الْثَائِرِ عَلَىٰ العَدَمِ
جُرُوحَ َالْيَاسَمِينِ
وَيَطْعَنُ مَرَايا الأَنَا العَمْياءَ
بِخَنْجَرِ الانْعِتاقِ

تَتَذَكَّرُ رِيَاحُ الذَّاكِرَةِ أَحْلاَمَ الْمَاءِ فِي صَوْتي
فَتُطَيِّرُ الْكَرَىٰ مِنْ أَعْيُنِ الْكَلِمَةِ
أَرَانِي بَدْراً أَبْيَضَ بَيْنَ يَدَي اللَّهِ
تَسْجُدُ لَهُ المَلاَئِكَةُ
أَخُطُّ عَلَىٰ جُدْرَان الضَّوْءِ
تَعَاوِيذَ الْبَحْرِ الضَائِعِ فِي ذَاكِرَةِ الرُّوحِ
فَتَرَىٰ ثَعَابِينَ الخَوْفِ مُقَيَّدةً بِسَلَاسِلِ الْمَطَرِ

مَعْ انْتِهاءِ كِتَابَة القَصِيدَةِ، بَقيَ سُّؤالٌ وَحِيدٌ مُستمِرّاً فِي اِنْهِمارهِ بِلاَ انْقِطاعٍ : كَيْفَ اِسْتَطَاعَ الْإِسْلَامُ الصُمُودَ وَتَخَطِّيَ الصِّعَابِ وَتَحَدِّيَ الْمَخَاطِرِ وَالاسْتِمْرارَ فِي غَزْو الْقُلُوبِ وَالعُقُولِ بِالرَّغْمِ مِنْ كُلّ الْمِحَنِ وَالْصُعُوباتِ إِلَتي واجَهَهَا ..؟

مُلَخَّصُ الْمِحَنِ وَالْصُعُوباتِ إِلَتي واجَهَهَا الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ

ـ دَسائِسُ وَمُؤَامَرَاتٌ وَمُساوَماتٌ وَتَشْوِيشٌ وَاِغْتِيالات.
ـ تَهْدِيدٌ وَحِصَارٌ وَتَجْوِيع .
ـ اِعْتِداءاتٌ وَحُروبٌ وَحَمَلاتٌ عُدْوانِيّةٌ مُسْتَمِرّةٌ وَلَا تَتَوَقَّفُ.
ـ اِتِّهَاماتٌ لاَ أسَاسَ لَهَا مِنَ الصِّحَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ اِتِّهامُ الرَّسُولِ بِالجُنُونِ، بِمُمَارَسَةِ السِّحْرِ، بِالْكَذِبِ، بِالإَتْيَان بِأَسَاطِير الْأَوَّلِين، بِالشَّهْوَانِيّةِ وَبالعُدْوَانِيّةِ، وَاِتِّهامُ الْإِسْلَامِ بِالإِرْهَابِ وَبِاِنْتِشارِهِ
بِحَدِّ السَّيْفِ .
ـ سَبُّ القُرْآنِ وَإِحْرَاقهِ وَاِنْتِهاكُ مُقَدَّسات الْمُسْلِمِينَ .
ـ صِراعاتٌ وَثَوْرَاتٌ إِسْلَاميَّةٌ دَاخِليَّةٌ وَحَرَكَاتٌ اِنْفِصالِيَّةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فِتْنَةُ مَقْتَلِ عُثْمانَ بْن عَفَّانَ، مَعْرَكَةُ الجَمَلِ، مَعْرَكَةُ صَفِينَ، مَعْرَكَةُ النَّهْرُوَان، مَعْرَكَةُ كَربَلَا ، وقْعةُ الحرَّة، ثَوْرَةُ التَّوَّابُين، ثَوْرَةُ المُخْتَار الثقفي، ثَوْرَةُ زَيْد بْنُ عَلْي ، ثَوْرَةُ عَبْد اللَّهِ بْنُ الْزُبيِر ، ثَوْرَةُ عَبْد الرَّحْمَن بْنُ الأَشْعَث، مَعْرَكَةُ الْزَّاب الْكُبْرَى، مَعْرَكَةُ المُصَارَة، مَعْرَكَةُ مَرَج رَهْط، حَرَكَةُ الْأَدْارِسَة، حَرَكَةُ الْأَغَالِبة،الُحَرَكَةُ الفَاطِمِيَّة.
ـ طَوَاغِيت مِنْ الْمُسْلِمُينَ حَكَمَوا الْعَالَمَ الْعَرَبِيّ وَالْإِسْلَامَيّ مُنْذُ بِدَايَةِ عَصْرِ الخِلاَفَةِ حَتَّى يَوِمِنا الْمُعَاصِرِ، نَشَرَوا الْفَسَادَ وَالرَذِيلَةَ، انْتهَكَوا الحُرُماتِ، سَجَنَوا الْعَلْمَاءَ، قَمَعَوا الحُرِّيَّات وَقَتَلوا كُلَّ الْمُعَارَضَينَ، وَجَلَسَ تَحْتَ ظِلِّ أَقَدَامِهمْ فُقهاءُ وَعَلْمَاءُ وَرِجَالُ دِّينٍ مِنْ أَهْلِ السَّوْءِ يصُوغُونَ إِسْلَاماً آخَرَ َ، إِسْلَاماً هَمَجِيّاً يَحُطُّ مِنْ كَرَامَةِ الإنْسَانِ، يَنْتَهِكُ حُرِّيَّتَهُ وحُقُوقَهُ، وَيُعَادِي مَفاهِيمَ الْحَضارةِ وَقِيَمَ الفَنِّ وَالجَمَالِ، إِسْلَاماً لَا يَمْتَلِكُ إِلَّا شَرائعَ الْقِصَاصِ إِلَتي يَجبُ تَنْفِيذهَا بِلَا رَحْمَةٍ أَوْ تَسَامُحٍ أَوْ عُذْرٍ .

أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُوَجِّهَ اِتِّهاماً ضِمْنِيّاً لِرِجال الدِّينِ ِ أَوْ الْفُقهاءِ بالتَحْرِيفِ بَلْ مُحاوَلةٌ لِفَهْمِ أَسْبَاب تِلكَ الظاهِرَةِ وَدَوَافعِهَا وَنَتَائِجِهَا، وَالبَحْث عَنِ الحَقِيقَةِ وَتَحَرِّيهَا، فِي حِيْنَ إِنَّ أَهمَّ الخِصَالِ الحَمِيدَةِ إِلَتي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُتَوَفِّرةً فِي رَجُلِ الدِّينِ هِيَ الاسْتِقامَةُ وَالصِّدْقُ وَالأَمانَةُ وَالنَّزَاهَةُ وَالإِنْصافُ، وَالاِبْتِعَادُ عَنِ الْمَكَارِهِ وَالْمَخَاطِرِ وَالشَّرّ ،وَالأَمْرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنكَرِ ،وَالعَمَلُ عَلَىٰ الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَدَعْوَتَهم إِلَىٰ الإيمَانِ بِاللهِ عَزّ وَجَلّ ، وَإِلَىٰ الْخَيْرِ وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَبِالصَّبْرِ وَبِالْمَرْحَمَةِ، وَإِلَىٰ التَّعَاوُنِ عَلَىٰ البِرّ والتَّقْوَى، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ.

مِنْ تِلْكَ الْمِحَنِ وَالْصُعُوباتِ نَكْتَشِفُ الحقِيقَةَ عَارِيةً تَقِفُ أَمَامَ أَعْيُنِنا وَهِيَ : حِيْنَ قَرَّرَ سَادَةُ قُرَيْشٍ الْقَضَاءَ عَلَىٰ الدِّينِ الجَدِيدِ وَأَهْلِهِ بِكُلِ الوَسَائِلِ وَالْأَسَالِيبِ، فَلَا يَزَالُ القَرَارُ سَارِيَ الْمَفْعُولِ، فَهُوَ صِراعٌ دَائِمٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، بَيْنَ مَفاهِيمِ وَقِيَمِ الشَّرِّ وَالْظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ وَالْفَسَادِ وَبَيْنَ مَفاهِيمِ وَقِيَمِ الْخَيْرِ وَالْحَقِّ والْعَدْلِ، بَيْنَ دُعَاة الرَّذِيلَةِ وَأَصْحَابِهَا وَبَيْنَ دُعَاة الفَضِيلَةِ وَأَصْحَابِهَا.

بِالْعَوْدَةِ إِلَىٰ الْسُؤَالِ: كَيْفَ اِسْتَطَاعَ الْإِسْلَامُ الصُمُودَ وَتَخَطِّيَ الصِّعَابِ وَتَحَدِّيَ الْمَخَاطِرِ وَالاسْتِمْرارَ فِي غَزْو الْقُلُوبِ وَالعُقُولِ بِالرَّغْمِ مِنْ كُلّ الْمِحَنِ وَالْصُعُوباتِ إِلَتي واجَهَهَا ..؟

قَدْ يَبدُو أَنَّ الْجَوَابَ عَلَىٰ هَٰذَا الْسُؤَالِ يَحْتَاجُ إِلَىٰ أبْحَاثٍ وَدِرَاسَاتٍ بل إِنَّه ُوَاضِحٌ كَوُضُوحِ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ : ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)﴾ (سُورَة التوبة) .

مُنيرْ مَزيَدْ

جَمِيعُ حُقُوقِ الطَّبْعِ مَحْفُوظَةٌ لِلشَّاعِرِ وَالأَدِيب مُنيرْ مَزيَدْ