يا أهل مصر: هذه مواقف السعوديين !


تحدثُ في مقالٍ سابق عن حقيقة الانقلاب الذي جرى على الرئيس محمد مرسي [1] , وأنه انقلاب صريح مكتمل الأركان ولو حاول البعض التبرير , أو التفصيل , لأجل أن يشرعن الانقلاب العسكري الفاضح.
وقد وضحت في المقال وبينت موقفي وموقف الشرفاء في السعودية والخليج من هذه الجريمة ؟!
نعم: هي جريمة لسببين: السبب الأول: أنه خروج على والٍ شرعي منتخب , السبب الثاني: الكفر الصريح بالدمقراطية التي يدندنون عليها لأعوام خلت , فهم لم يلتزموا بالأحكام الإسلامية ولا بالأحكام الدمقراطية الكفرية !
( رشوة في مسلاخ دعم )
ما إن استقام الأمر للفريق السيسي وجماعته " وأسأل الله ألا يستقيم لهم أمر " , حتى هلّت عليهم الأموال السعودية والخليجية في " قالب " دعم الإخوة الأشقاء " زعموا " فغصّت البنوك المصرية بمبلغ: 12 مليار دولار , منها ما هو نقد ومنها ما هو غاز ونفط , في أكبر دعم معلن عنه للدولة المصرية.
هنا لن نتساءل عن سبب الدعم , ولا عن سبب اختيار هذا التوقيت , ولا إلى من ستؤول إليه هذه المليارات , ولا عن الذين سيستفيدون منها.
السؤال المطوح هنا هو: لماذا يتم دعم البغاة الذين خرجوا على الحاكم المنتخب , وفي بلدان أخرى يجرم الذي يناقش الحاكم أو المسؤول عن سبب تأخر مشروع ما .. أو عن سبب انتشار الفقر, وبل ويُتَهم بأنه يزعزع الأمن وله ارتباط بالخارج أو مطامع بالحكم , فيجدُ الذلة والهوان والتشريد .. !
ولماذا يُحرَم حزب إسلامي , أو نصف إسلامي " كما تقولون " من الدعم الذي تَوجّه إلى يمثل العلمانية واللبرالية , أليس المسلم أحق بالمال الذي قد منح للمحارب المُقصي لدين الله .. مجرد سؤال ؟
( غضب المصريين )
لا ألوم المصريين على الغضب الذي تملّكهم حينما سمِعوا بالدعم السعودي الخليجي الذي هو بمثابة دعم وتثبيت لركائز الانقلاب , فكثير منهم قد خرج على الشاشات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي منددينَ بهذا العمل , وكيف أن بلاد الحرمين تقوم بمحاربة حكومة الإخوان الإسلامية , وفي الوقت نفسه تدعم ممثلي الانحراف والضلال , وأن هذا لا يليق ببلد إسلامي يحكم بكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم-.
لقد صدق المصريين: ففي حكم الشريعة الإسلامية أن الذي يتولى المحارب لدين الله المقصي لتعاليمه وينصره ويدعمه بأي وسيلة يتقوى بها على مؤمن فقد " كفر " أو وقع في جُرم عظيم ,فضلاً عن أنه قد خان الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين , وخان أمانته , وهذا متفق عليه , ولا خلاف ليُذكر , ونحن هنا لا نتحدث عن فريق بعينه أو على معيّن بل على الفعل نفسه.
قال الله – تعالى -: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }. [2].
وقال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة }. [3].
قال الشيخ سفر الحوالي: وأما مناصرتهم – الكفار - بدواعي الشهوة وحب الدنيا , كأن ينم إليهم بشيء أو يتجسس إلى الكفار بشيء , أو يتتبع عورات المسلمين لمصلحة يظنها أو ما أشبه ذلك , فهذا كما وقع لحاطب – رضي الله عنه – وهذا ذنب عظيم بلا شك , ولهذا أقر النبي – صلى الله عليه وسلم - عمر لما قال: ( يا رسول الله دعني أضرب عنقه ) فأقر عمر على شدة الإنكار , لكن لم يأذن له بقتله , وجعل المانع شيئًا آخر: قال: " إنه من أهل بدر ". إذن ليس المانع أنه ليس ذنباً أو أن صاحبه ليس منافقاً أو أن صاحبه لا يستحق العقوبة , بل المانع أمر آخر خارج عن القضية وهو في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ).[4].
( مواقف أهل السعودية )
علاقتنا بأهل مصر كانت ولا زالت وثيقة , يغمرها الحب ويكتنفها العطف , وأصل علاقتنا التعاون على البر والتقوى , وهذا بلا شك تمثيل حقيقي للأُخوة الإسلامية , هي كما ذكرت ولو أنفقوا المليارات وأفرغوا ما في بطن الأرض من نفط وغاز ! .. للصد عن سبيل الله بدعمهم للفِرَق والأحزاب المنحرفة الخارجة بمنهجها عن الإسلام , ولنقض عُرى المودة التي بيننا وبين المسلمين هناك.
وسأسوق لكَ أيها القارئ الكريم نصوصاً تاريخية للحِقبة الزمنية الماضية التي غفل عنها الإعلام أو تغافل , لترى ( قمة التعاطف ) المصري – السعودي , وكيف أننا قاتلنا لأجل أهل مصر وأزهقنا لأجلهم الأرواح , وبذلنا لأجلهم النفيس.
<!--[if !supportLists]-->·<!--[endif]-->يقول الأستاذ: محمد جلال كشك: [ هناك نقطة نريد أن نتوقف عندها قليلاً , وإن كان جميع المؤرخين قد تفادوها " بحسن نية " وبراعة يحسدون عليها .. ! ألا وهي موقف السعوديين من الغزو الفرنسي لمصر .. لماذا لم يساعدوا العثمانية , أو الشعب المصري في مقاومته للاحتلال الفرنسي ؟ وهذه أول حملة صليبية في العصر الحديث , وأول احتلال سافر من الاستعمار الأوروبي , ومقاومة باسلة من بلد عربي .. هي " عُشُّ العلماء " كما كان يسميها الشيخ " محمد بن عبدالوهاب ".
لنبدأ بالحملة الفرنسية على مصر التي دامت من عام 1798 إلى 1801 , وفي تلك الفترة كان الأشراف يشكلون حاجزاً بين الدولة السعودية والمقاومة في مصر , وذلك بسيطرتهم على الحجاز.
ولكن جماهير المسلمين في الجزيرة اشتركت على نحو بارز في دعم المقاومة المصرية للاحتلال الفرنسي رغم إرادة الأشراف , ورغم علاقتهم الطيبة مع الفرنسيين , قال هيرولد: " كان أرهب إمداد وصل للمماليك هم المقاتلون القادمون من الحجاز , الذين عبروا البحر الأحمر بالألوف , وقد تبين أن كثيرًا منهم من الحجاج المغاربة , ولكن أكثرهم – وأشدهم تعصبًا بالطبع – عرب خُلَّص من شبة الجزيرة " ].[5].
<!--[if !supportLists]-->·<!--[endif]-->ويقول الأستاذ أحمد رائف: ( وقد رأيناهم – أي السعوديين – يدافعون عن المصريين ضد الفرنسيين إبان الحملة الفرنسية في سبيل الإسلام , ورأيناهم مرة أخرى على أسوار رشيد يدافعون ضد حملة فريزر الإنجليزية عام 1807 م , حتى منعهم ومنع غيرَهم باشا مصر , وأفهمهم أن حق الحرب والقتال والدفاع ليس مباحًا لأي أحد , بل هو خالص للأتراك والأرناؤوط.
وهذا الاختلاط العملي نقل الكثير من سلوكهم وأفكارهم إلى الناس , فتأثروا بهم , واعتنقوا مبادئهم , وقد رأينا في الحملات التي ذهبت إلى جزيرة العرب بغرض القضاء على دولة السعوديين , كيف " تخلف " الكثير من المصريين , وانضموا إلى من جاءوا يحاربونهم , وكذلك فعل عدد من الأتراك والأرناؤوط , ولم يفعل هذا هؤلاء الناس طمعًا في مال السعوديين , " فلم يكن للسعوديين مال في ذلك الوقت , ولم يكن هناك نفط أو دولار أو ريال , فقد فعلوا هذا بالتأكيد حرصًا على الوقوف في " معسكر التوحيد " تاركين بلادهم المتحضرة ومدنهم العامرة إلى هذه الصحراء القاحلة , ثم ذابوا في صفوفهم , ولم يعد لهم أثر على مر السنين.[6].
وعلى مستوى السُلّطات: ذلك الموقف الذي قدمه " عباس الأول " وهو: عباس باشا ابن طوسون بن محمد علي , فقد استطاع " قبل ولايته " وحينما كان محافظًا لمصر آنذاك لجده " محمد علي " أن يخرج الوهابيين من أبناء ابن سعود وعلى رأسهم: " تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود " والذين سجنهم " محمد علي " في القلعة بحيلة دبرها , ولم يستطع الجنود أن يخبروا محمد علي إلا بعد ثلاثة أيام خوفًا منه , ولكنه على كل حال لم يفعل شيئًا لأنه كان يثق بعباس , ومن ذلك الحين صار عباس صديقًا حميمًا لفيصل بن سعود إلى نهاية حياتهما. [7].
هذه هي مواقفنا يا أهل مصر .. تضحيات جسام ,وأفعال رجال لا كالذي قدمته الدول الداعمة , لكن والحق يقال: لا تُلام هذه الدول بتفريطها وإهدارها لأموال الأمة فنظام المحاسبة والمراقبة والشورى ( لا ) يطبق , على أن رقابة الأمة على الحاكم – في السياسة الشرعية الإسلامية – حق من الحقوق الأساسية , فمن حقها مراقبته للاطمئنان على حسن قيامه بما وكل فيه من أمر عظيم , ولأجل ألا تضيع أموال الأمة على تبذيرهم وإسرافهم وسفههم بلا حساب.
عن خولة الأنصارية – رضي الله عنها – قالت: سمعتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( إنَّ رجالاً يتخوضون في مالٍ الله بغيرِ حق , فَلَهم النارُ يوم القيامة ].[8].
( الله يعيد التاريخ )
التاريخ يخبرنا عن أسر وطوائف وبيوتات حكمت بلاد المسلمين كما هؤلاء الأن , رفعت شعارات الدعوة إلى الإسلام والقومية والوطنية والتقدمية وغيرها من العناوين , وأعلنت ظاهراً نصرتها للإسلام وخدمتها للأمة وعملها على صيانة حقوقها والقيام بما يسعدها ..! ولم يمهلهم الزمن طويلاً حتى كشف زيفَ الدعاوى وكذب الشعارات , وهَوَتِ الأمة كلها في حالقٍ.
فحكومات اليوم كحومات القرن الماضي والذي قبله سيادتهم أتت من طريق الحكم الوراثي أو الجَبري والانقلابات العسكرية , فوسد الأمر إلى غير أهله في الوزارات والقضاء والمؤسسات العامة في الدولة , وكُبِتَت الحريات , وحاربوا المطالبة بالحقوق العامة والخاصة , مع حرمان للمعارضين والمخالفين , وإغداقٍ على المؤيدين والأتباع والمتملقين , فضلاً عن: الاعتقال السياسي والمطاردة والملاحقة والسجن , وتعذيب الناس وتسليط السفهاء عليهم من الجلادين والجَلاَوِزة والشُرط.
ولا يخفى عليكم " التجسس " على الناس وتتبع عوراتهم وعثراتهم , للإيقاع بهم وإرادهم المهالك , مما جعل عامة شعوبنا لا يتكلمون إلا في سرهم ونجواهم , حيث انتشر في بلاد المسلمين جهاز ضخم من أتباع الحكام للحفاظ على أمنه وسلامة نظام حكمه.
عن أبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – قال: كنت مُخاصراً النبي – صلى الله عليه وسلم – يوماً إلى منزله , فسمعته يقول: ( غيرُ الدَّجَّالِ أَخوَفُ على أمَّتي من الدجّال ) ! فلما خشيتُ أن يدخلَ قلت: يا رسول الله ! أيُّ شيءٍ أخوفُ على أمَّتِك من الدجال ؟ قال: ( الأئمة المضلين ).[9].

أخيراً: إن العلماء والمفكرين والدعاة والنُّخب السياسية وأرباب المنابر وأصحابَ الإعلام وحملة الأقلام .. عليهم واجبات كبيرة ومسئوليات جليلة أمام الله والدين والمسلمين والتاريخ , فأنا أدعوهم وأطلب منهم ألا يُلقوا السلاح السلمي , وليبقوا مكافحين مناصرين للحق حتى يعلو , وليعلم هؤلاء الفضلاء: ( أن هناك تيار قوي من الحكام والأمراء والمتنفذين وأصحاب القرار والتوجيه والتأثير يسعون جاهدين لقلب الحقائق , وتنكيس الموازين , وتغيير الثقافة , ومسخ الشخصية , وإذابة الهوية , وجعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً ... فهل يفلحون ؟!.
كتبه / بسام بن عبدالله الهويمل.
Twitter ( b_huw )

[1] مقال: ليلة الانقلاب على مرسي العيّاط.
[2] سورة المائدة.
[3] سورة آل عمران.
[4] محاضرة: جوانب من توحيد الألوهية.
[5] السعوديين والحل الإسلامي.
[6] الدولة السعودية.
[7] خواطر حول الوهابية.
[8] صحيح البخاري.
[9] أخرجه أحمد , وصححه الألباني في الصحيحة , وصحيح الجامع.