[ كتبها: أسعد الأطرش
علّق عليها: فيصل الملوحي
كتاب الله عز وجل الذي تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياً من السماء . وبلغه كما أنزل , وكان أصحابهالكرام رضي الله عنهم يحفظونه في الصدور- أي في الذاكرة -ويكتب جمع منهم ما يسمعهمن آيات يتلوها الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما تيسر لديهم من وسائل الكتابةكجريد النخل , وقطع الجلد , والأحجار ، والعظام . وبقي الحال على هذا النحو إلىما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم-. وفي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه،حين كثر القتل بين حفاظ القرآن لاسيما في حروب الردة خاف خليفة رسول الله - صلىالله عليه وسلم - على القرآن الكريم من الاندراس ، ففكر في جمع القرآن في مصحف واحد،وكلم في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقال: وكيف تفعل ما لم يفعله رسولالله صلى الله عليه وسلم؟ يقول: ومازال أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، وبذل أبو بكررضي الله عنه جهداً كبيراًومعه جمع غفير من الصحابة الكرام حتىتمكنوا من جمع القرآن وتدوينه من صدورالحفاظوالكتبة. وبقي هذا المصحف لدى أبيبكر رضي الله عنه إلى وفاته، ثم عند عمر رضي الله عنه إلى وفاته. وآل أخيراً إلىابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها. ولما أفضت الخلافة إلى عثمان بن عفان رضيالله عنه،وكثرت الفتوحات في عهده المبارك، انتشرت جيوش المسلمين هنا وهناكتبلغ دعوة الحق وتفتح البلدان والقلوب. نقل للخليفة ذيوع اللحن في تلاوة القرآن،قال له بعض جنده يا أمير المؤمنين:"أدرك الأمة قبل أن تختلف في كتابهااختلاف اليهود والنصارى". فنهض عثمان رضي الله عنه لهذه المهمة نهضة الليث، ودعازيد بن ثابت. وقال له: (أنت رجل عاقل ، لا نتهمك، تتبع القرآن واجمعه , قبل أنتختلف الأمة في كتاب الله اختلاف اليهود والنصارى. قال زيد رضي الله عنه(والله لو كُلّفْت نقل جبل من مكانه لكان أهون علي من هذا الأمر). وبدأ رضي الله عنهبجمع القرآن وتدوينه على أيدي كتاب الوحي، وكان لا يقبل آية من حافظ إلا إذا وَثّقهابشهادة شاهدين، يشهدان أنه سمعها من الرسول - صلى الله عليه وسلم- ،و ليكون هذاعلى الوجه الكامل بعث عثمان رضي الله عنه إلى أم المؤمنين حفصة رضي الله عنهابطلب المصحف الذي بقي عندها بعد وفاة أبيها لنسخه ثم لإعادته إليها. وبذلك تمّ جمع القرآن،ونسخهسبع نسخ، وزعت على الأمصار الإسلامية ، وبقيت واحدة في المدينة ،وأرسلت الستالبواقي إلى مكة وبلاد الشام و البصرة والكوفة ومصر واليمن ، وغيرها من الأمصار. والكل يعلم أن القرآن حين دُوّن لم يكن مشكولا بالحركات الإعرابية : فتحة، وكسرة، وضمة، وسكون. ولم توضعفي النقاط على الحروف على النحو الذي نعرفه اليوم. ولا يكاد مسلم يجهلاسم واضع الحركات الإعرابية على حروف القرآن وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي العَلَم اللغوي المعروف . ولا يغيب عن ذهن أحد أيضاً ذلكم اللغوي العَلَم أبو الأسودالدؤلي , الذي قام بتنقيط القرآن بأمر من أمير العراق الحجاج بن يوسف الثقفي . ( أو عمر بن الخطاب )وتلقت الأمة هذا بالقبول ولم يلق أي استنكار. والقرآن الذي يتلوه المسلمون اليوم فيكل أصقاع الأرض دليل قاطع على ذلك . ولو كان ذلك يخل بقدسية النص القرآني لما فعلوهقطعاً: مما يؤكد لنا الحق في عرض الرؤية التي فتح الله بها علينا وتوصلناإلى فهم للقرآن له قيمته العلمية والحضارية .
علامات الترقيم وضرورتها في فهمالقرآن الكريم: كل علماء اللغة العربية والمختصين بدقائقها، يدركون قيمة تلكمالعلامات في تنسيق النص العربي نثراً كان أو شعراً. ويدركون أيضاً عملها في فهمهوتمييز الجمل بعضها من بعض . و أرىأن نعيد طبع القرآن الكريم بعلاماتالترقيم . دونما خلل في عدد الآيات، مع المحافظة على نهاياتها - أي رؤوس الآيات-مع عدم المساس بعلامات الوقف التي اتفق عليها علماء التجويد، فذلك يمهد السبيللفهمها بدقة و لعلنا نتوصل إلى تفسيرات جديدة تخدم الأمة في كثير من قضايا العصرومستجدات الحياة، وما أكثرها !
- أمثلة قرآنية بعلامات الترقيم توضح ما نهدفإليه:
۱- قول الله تعالى(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟!) سورة البقرة /٤٤/ .كما ترى هذه آيةقرآنية . قمنا بوضع علامات الترقيم المناسبة لها. أدركنا من خلال ذلك الأمورالتالية :
أ- أن تأمر الآخرين بالبر المتضمن كل عمل صالح مقروناً بحسن الخلق،هذا جهد تستحق عليه الثناء، شريطة ألاّ تنسى نفسك فتكون أول القائمين به، ولايذهب عملك أدراج الرياح . هذا ما أضفته الفاصلة بعد كلمة البر في الآية الكريمة،أما إشارة الاستفهام بعد وتنسون أنفسكم . فقد أكدت لهجة الاستنكار بوضوح تام .
ب- وضع النقطة في نهاية الجملة الاسمية ( وأنتم تتلون الكتاب. ) أفاد معنىهاماً وهو: إقامة الحجة على هؤلاء وإفحامهم .
ج - وضع إشارة الاستفهام عقبجملة(أفلا تعقلون؟)عرّفنا بالحالة العقلية للقوم، وهم بحق ذوو قدرات متدنيةعقلياً، و نلمح الحثّ على تحفيزهم للارتقاء بقدراتهم العقلية إلى مايضمن لهم حماية أنفسهم قبل الالتفات إلى الآخرين .
۲- قوله سبحانه وتعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ، وَالْغَوْا فِيهِ. لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ. ) سورةفصلت / ۲٦/ .
وضعنا علامات الترقيم في مواضعها ، في الآية الكريمة. فوقفنا علىالفوائد التالية : آ – بعد القول وضعنا النقطتين، فساعدتانا على معرفة أول المعنى ثمّ معرفة تفصيلاته وجزئياته .
ب –وضع الفاصلة في نهاية جملة ( لا تسمعوا لهذا القرآن) سهّل لنا أن نعرف رفض الكافرين الاستماع للقرآن، وإغراء الآخرين بذلك وحضّهم عليه.
ج –وضع النقطة في نهاية جملة ( والغوا فيه. ) نبّهنا إلى اختتام القول بتعليم البسطاءمن الكافرين وسائل الإعراض عن سماع القرآن بالانشغال بلغو الحديث حتى لا يبلغالقرآن آذانهم فيسمعوه .
د – وضع النقطة في ختام الآية سهّل لنا أن نفهم ثمرة الالتزام بماسبق، وهي وهملا قيمة له في منهج العقلاء، بل هي الضحك على عقولهم والعبثبمبادئهم من خلال الظفر الموهوم والغلبة الكاذبة .
تلك رؤيتي , أضعها بين يديأصحاب الاختصاص. آملاً أن تقابل بجد، وتنال حقها من التأمل، فالغاية في النهايةخدمة كتاب الله وتسهيل فهمه لأبناء الأمة .
۱– هذه دعوة كريمة ضرورية، مازلنا نؤازرها، وندعو إليها في الجامعات والثانويات وغيرها.. ونشدّ على أيدي مَنْ وافقونا الرأي.والمعلوم أن علامات الترقيم تساعد القارئ في المرة الأولى على فهم القول، أما في المرّات التالية فيكون الأمر سيّان. ولكنها تستخدم في كتابة أجزاء من القرآن الكريم في غير المصحف الشريف لأنّنا نحاول أن نحافظ على رسم المصحف كما جاء خوف التحريف. يكفي أنه حوفظ عليه كلّ هذه القرون، فلا تترك لمعيدي الكتابة احتمال الخطأ والسهوعنه - منهم وممّن يأتي بعدهم -، ولا يشبه موقفنا– ( نا ) لا تعنيني وحدي وإنما كل من وقفوا معي في هذا الفهم - موقف عمر بن الخطاب من أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما- في قضية جمع القرآن الأولى. ومعلوم أن الجمع الأول كان جمعاً بكل معنى الكلمة ، أما الجمع الثاني في عهد عثمان بن عفان فكان جمعاً من الصدور، وزاد بتدوين سبع نسخ على الرقاع، معتمدين أولاً الجمع الأول. ولم يُسمّ المصحف العثماني لأن عثمان بن عفان جامعه- فقد كان واحداً من جامعيه، وإنما لأنه جمع في عصره.
۲ - تساعد علامات الترقيم القارئ في المرة الأولى على فهم المعنى، ولكنّها
لا تضعه ، وأنا أعلم ألّا أحد يقول بهذا، ولكن العبارات توحي أحيانا بذلك.
٣ – كُتب المصحف العثماني بطريقة يُحافظ فيها على القراءات،و لم تغيّر كلّ الإضافات اللاحقة شيئاً في رسم المصحف الشريف ( الرسم قواعد الإملاء ...، وهوغير الخطوط كالفارسي و النَّسخ و الديوانيّ ...)