الفنان زكي سلام : «نحاسيات» الذاكرة الحية
احتاج الفنان زكي سلام لسنوات طويلة وجهد دؤوب كي يقيم معرضه (نحاسيات) مستخدماً أدوات قديمة كالقنديل وقدور الطهي وبابور الكاز والأزرار النحاسية، وما يمثل أطياف الذاكرة وتحولاتها ليرسم معالم الحاضر بعد أن يضيف إلى دلالات الماضي ما يجعلها حية وطازجة، وقد اشتغل الفنان زكي سلام النحات المعروف على توليفة ما بين القديم والجديد، فكانت البداية عندما اقتنى أول عمل نحاسي، وأضاف إليه من المعدن نفسه بهدف المزاوجة ما بين النحت الحديث والفن التطبيقي القديم.
وعن ذلك يقول: الأشياء القديمة هي أثمن من أن يضاف عليها أشياء وإضافات تسرق بريقها، وعليه فقد قمت بالاحتفاظ بهذا الإرث الإنساني بعبقه التاريخي ولمسة صانعه خاصة وأن ثقافة العرب إجمالاً تعتمد على الذكراة، وكوني فلسطينياً، فإنني أتنفس تلك الذاكرة وأعشقها، فالقضية الفلسطينية تشكل الحلقة الأساسية في الصراع العربي - «الإسرائيلي»، وبالتالي فإن استحضار الماضي هو بمثابة تاريخ شخصي واجتماعي وسياسي، ويمكننا أن نقرأ ذكريات وتاريخ أسر بأكملها من خلال «بساط قديم»، حيث التأريخ من خلال المقتنيات والموجودات.
هذا وتنوعت موضوعات المعرض حسب استخداماتها ضمن مجموعات، وكل مجموعة مقسمة إلى ثلاثة نماذج واضحة من الزخرفة، وهي عموماً قد اصطفاها الفنان من الزخرفة الإسلامية، حيث الخط العربي الذي يعتمد على الخط الهندسي الفارسي والتوريق - إلى الأنموذج العثماني المتضمن جداريات صغيرة ذات طابع عثماني، وأخرى نجد فيها خلطاً بين هذه الطرز و الزخارف المختلفة على القطعة نفسها، زخرفة عثماني - عربي وبعض التأثيرات الغربية.
كما اشتغل الفنان على مادتي الخشب والحجر في بداية مسيرته الفنية ليقتصر عمله فيما بعد على مادة البرونز، التي رآها قادرة على حمل أفكاره بسهولة أكثر حيث يطغى فيها العمل النحتي على المادة «البرونز»، وحول ذلك يوضح قائلاً: «وجدت أن مادة البرونز تحمل كل الخيارات بخلاف مادة «الخشب»، التي هي شجرة حية لها لون وطبقات وشكل وقدرتها على أخذ الملمس محدودة، وإمكانية ارتكازها وفتح فراغات كثيرة ضئيلة جداً إضافة لكل ذلك فأنا كفنان وإنسان أحبّ وأعشق «النار»، التي صنّفها الفلاسفة بالمرتبة الأولى وهي بكل الفلسفات جاءت بمعنى التطهير، والمعدن بتعامله معها ينسى شخصيته الأساسية، ويحتفظ بشكل تطهيري بالشخصية الجديدة، إضافة إلى الجانب الجمالي في الموضوع حيث أتعامل مع النار من خلال مادة الخزف والبرونز، وبعد كل هذه السنين ما زالت تسحرني تحولات المادة بدرجات الحرارة العالية وديناميكية اللون داخل النار»، فهو يعتقد بأزلية المادة رغم تحولاتها، فربما كانت بأشكال أخرى في زمن ما واحتفظت في راهنها بهذه الأشكال الساكنة في داخلها كما الروح في الجسد، ومن الممكن تغيير هذا الشكل لكن يبقى جوهرها /نحاس/ مضيفاً: لم أقترب في أعمالي من هذه «الأدوات الفنية» ، أنظر إليها بدهشة الزمان والمكان، لكن كنحات علاقتي بالنحت هي تفريغ طاقة ذاتية ونوع من العلاقة الجدلية الحيادية... النحاس الماضي وأنا الحاضر.
ومعرض «نحاسيات»، في صالة رؤى للفن بجرمانا محاولة تأريخ لليومي الإنساني بذاكرته، التي أسست لملامح وعينا وهويتنا، وصاغت أمكنتنا وأرواحنا.
نعيمة الإبراهيم