إلى أصدقائي . . . أرجو أن تعجبكم مقالتي ( طقوس رمضانية قديمة ) المنشورة في صحيفة الوطن اليوم الأربعاء 16 / 7 / 2014 .


طقوس رمضانية لاتزال حاضرة

كان لرمضان طقوس فريدة لا تكون في غيره، تمنحه عبقاً خاصاً؛ وتهبه بعداً اجتماعياً مميزاً، وتكسوه برداء من الألفة قشيب؛ هاجمتها الحضارة الحديثة بأساليب الحياة المعاصرة فقضت عليها أو كادت، وسلبتنا متعة كبرى لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، ولا يتحسر عليها إلا من عرفها؛ منها:
اللمّة
من سمات شهر رمضان أنه يساعد على كبح النزاعات والمشاحنات وتوثيق الصلات الاجتماعية ولاسيما صلات الرحم؛ لذلك كان جميع أفراد الأسرة يجتمعون في اليوم الأول من رمضان بشكل تلقائي ودون دعوة في بيت العائلة، لتناول طعام الإفطار، ثم يجتمعون في اليوم الثاني عند أكبر أفراد العائلة سناً، ويتناوبون طول شهر رمضان على اللقاء على مائدة الإفطار عند أحدهم حيث تقوم ربة المنزل باستضافتهم.
كان هذا في زمن مضى قبل انتشار الفضائيات، وكانت المحطة الأرضية السورية هي المحطة الوحيدة في كل البيوت، وهي لا تبدأ ببث المسلسلات الممتعة والبرامج المتميزة إلا بعد الإفطار... أما اليوم وبعد انتشار الفضائيات التي تبث برامجها (الشيِّقة) على مدار الساعة، فقد اختفت اللمة حيث غدا كلُّ منا يفضل تناول طعام الإفطار بمفرده أحياناً وهو يتابع برنامجه المفضل أو مسلسله الرائع على الفضائيات العربية.
السكبة
لا يلقى شهر اهتماماً بالطعام كما يلقى رمضان، وقد اعتاد الناس في هذا الشهر على تبادل أطباق الطعام والشراب المتعددة والتي أعدتها النساء، لترسل قسما منها لجيرانها المقربين منها الذين يقومون بدورهم بإرسال قسم مما أعدوه للإفطار إلى الجيران...
ما أجملها من ظاهرة اجتماعية تدعو إلى التراحم والتوادد، ولا يمكن أن ننسى منظر صحن المقلوبة التي تتألف من الأرز المطبوخ مع الباذنجان واللحم والسمن العربي والمزين بأنواع المكسرات كالجوز والصنوبر واللوز والفستق الحلبي محمولاً قبيل الإفطار لينتقل من بيت إلى آخر في الحارة، أو نازلاً إلى طابق آخر في البناء أو صاعدا.
الزينة
كانت المدن قديماً تنعم بالإنارة الدائمة طول شهر رمضان من الغروب إلى السحور، وكانت واجهات أغلبية المنازل وشرفاتها مزينة بفوانيس ولوحات مضاءة كتب عليها رمضان كريم ورسم عليها الهلال والنجمة، وكانت المساجد تشع بأنوارها وألوان زاهية.
أبو طبلة
كان من طقوس رمضان الممتعة صوت أجشٌّ يوقظ النيام ينادي: (يا صايم وحِّد الدايم- قوموا على سحوركم جاء رمضان يزوركم...) ترافقه طبلة تعطي إيقاعاً محبباً إلى النفس...
أما اليوم فجاءت المنبهات الصغيرة لتوقظ الناس، واستُخدم جهاز (الموبايل) للتنبيه، فكادت تنقرض مهنة (المسحراتي).
ولقد كان من الممتع حقاً أن الطعام الزائد عن الحاجة يتم تجميعه في وعاء واحد وإن كان غير متجانس في مواده، ويُقدم للمسحر مع مبلغ من المال تحت اسم (العيدية) في الأيام الأخيرة من رمضان... وهو يأخذ هذا الطعام راضياً قانعاً مسروراً، لذلك اليوم إذا خلط المرء في وعاء الطعام نوعين من الطعام مختلفين يُقال له أنت تأكل مثل المسحر.
الحكواتي
كان من طقوس رمضان الممتعة الذهاب بعد الإفطار إلى المقاهي الشعبية للتمتع بالاستماع إلى الحكواتي، الذي كان يمثل كل وسائل الإعلام آنذاك، وكان الاستماع إليه متعة لا تضاهيها متعة، وقد كان الحكواتي بارعاً في الإلقاء يلون صوته بحسب مقتضى الحال، فيجعل المستمع يسرح في خيال بديع ويغوص في عالم القصة التي يستمع إليها متفاعلاً معها بأدق التفاصيل، ولعله كان مشدوداً متمتعاً أكثر مما نشاهد اليوم ما تبثه بعض الفضائيات من برامج ومسلسلات لا تصلح لأن تكون واقعاً أو خيالاً. جاءت الحضارة بأساليبها المعاصرة فسلبت من رمضان بعضاً من رونقه القديم.