غالب الغول / دراسات في الضرورات الشعرية
2016/ 24/ديسمبر


بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لإخواني الشعراء ,موضوعاً هاماَ الا وهو (( الضرورة الشعرية ) معتمداً على أبحاث أساتذة متخصصين ومنهم الأستاذ شاكر الغزي , , فنقلت ونسقت وجمعت بتصرف , كما اعتمدت على كتاب عمر الثمانيني في النحو , وعلى كتب العروض وبالأخص كتاب النظرة الحديثة للنبر الشعري,غالب الغول/ وكتاب الكافي في العروض والقوافي ,وركزت على معلومات وتطبيقات شعرية, لم تصل إلى كثير من الشعراء والنقاد , فلعلها تفيدهم , ليفيدوا بها غيرهم . ,

من المهم جداً أن نشجع الشعراء على قرض الشعر , لا بالتغاضي عن عيوب شعرهم مطلقا , بل بالتنويه بالتصرف اللائق لكي لا يضيعوا من بين ايدينا , ولكي لا ينقرض الشعر العمودي والشعراء نتيجة جهل كثير من النقاد للنقد الشعري , أو جهلهم بتصويب الهنات والهفوات بطريقة سلسلة وإيجابية .
وقبل أن أخوض في صلب الموضوع أقول :
من من البشر معصوم عن الخطأ ؟

من من الشعراء الفطاحل في الجاهلية و في الإسلام أو في عصرنا الحاضر تخلو قصائده من الهنات والضعف والركاكة والعيوب في القافية أو في النحو والصرف ؟
, ولكن لكل قاعدة شواذ .
إخواني الشعراء:
لو كل واحد منا خشي على نفسه عند كتابة القصيدة من الأخطاء , فلم تصلنا قصيدة واحدة , وكثير من الشعراء فروا بلا رجعة نتيجة النقد السلبي وكشف العيوب بدل الإفصاح عنها بلطف ولين . لأن عمالقة النقاد يقفون بالمرصاد يتصيدون أتفه خطأ أو أقل هفوة , ليشمروا عن سواعدهم لكي يتناولوا الحروف قبل الأفعال والأسماء , تحطيماً بالمعاول التي تهدم كيان الشاعر و لتجعله لا يعود إلى الشعر البتة .
والآن وبعد أن أكملت بحثي حول الضرورات الشعرية التي يجب على الشاعر رصدها ليبتعد عنها إن أمكن , ولا مانع من أن يلجأ إلى المباح من الضرورات الشعرية لصالح الوزن والإيقاع .
فما هو تعريف الضرورات الشعرية التي يمكن للشاعر استعمالها إن اضطر إليها , وما هي الأمثلة الشعرية للشعراء تطبيقا لهذه الضرورات ؟
الضرورة الشعرية : هي الكلمات التي يضطر الشاعر إليها للحفاظ على الوزن , وهذا للشعر خاصة ولا يباح في النثر ,لأن الشعر أسمى وأرقى من النثر . لنسلم من عيوب القوافي وأوزان القصائد , علماً أن القصيدة الخالية من الضرورات الشعرية فهي الأنفع والأفضل .
وكما قالوا قديماً ( للضرورات أحكام ) وهذه الضرورات منها القبيح ومنها المليح , وللشاعر أن يختار الأفضل .
لذا ليس للضرورات الشعرية قاعدة معينة يمكن الالتزام بها , ولا كلمات خاصة يمكن التقيد بها , فهي كثيرة جداً حسب حاجة أو ضرورة الشاعر لوزن وإيقاع القصيدة , ولكن المشهور منها ما ذكره الزمخشري بهذين البيتين :

ضرورة الشعر عشرٌ عدّ جملتها ـ قطعٌ ووصلٌ وتخفيفٌ وتشديدُ
مدّ وقصرٌ وإسكانْ وتحركة ـ........ ومنعُ صرف وصرفٌ تم تعديدُ

1 ـ القطع: جعل همزة القطع وصلاً , ومثاله:
قال الفرزدق :
وكيف يؤم الناس من كانت امهُ * تدينُ بأن الله ليس بواحد ِ


2 ــ الوصل: جعل همزة الوصل قطعاً :
قال عبدالرحمن بن حسان بن ثابت:
فلذا أغتربتُ في الشام حتى * ظن أهلي مرجماتُ الظنون ِ

3 ــ التخفيف : تخفيف الحرف المشدد :
تخفيف الحرف المشدّد : ويكثر استخدامه في روي القوافي المقيدة ( المنتهية بحرف صحيح ساكن )
ولم يجيزوه ويستسيغوه في حشو البيت الشعري , ومثاله:

قول أمرئ القيس :
يُعل ّ به بردُ أنيابها * إذا النجم وسط السماء استقلْ
فقد خفف التشديد في (استقلّ)

4 ــ والتشديد
* تشديد الحرف المخفـّف : وغالباً ما يستخدم ذلك في كلمتي (دم و فم) ، ومثاله قول الشاعر :
أهان دمّك فرغاً بعد عزّ ته ِ * يا عمرو بغيك إصراراً على الحسد ِ
فقد شدّد كلمة (دم) وهي مخففةٌ أصلاً .

5 ـ المدّ: مدّ المقصور : وهو أقل شيوعاً من قصر الممدود ، وغير محبذ في بعض الكلمات ، كقول الشاعر :
سيغنيني الذي أغناك عنـّي * فلا فقرٌ يدوم ُ ولا غناء ُ
يريد (ولا غنىً ) فمدّها فأصبحت (غناء )

وكقول أم البرّاء بنت صفوان في مدح الامام علي
حاشا النبيّ لقد هددت قواء نا * فالحقّ أصبح خاضعاً للباطل ِ
فقد مدّت( قوى) وجعلتها( قواء)

6 ــ والقصر: ومثاله: يقول أبو نواس :
لا قلتُ شعراً ولا سمعتُ غنا
............ .ولا جرى في مفاصلي السكرُ
7 ــ الإسكان : تسكين المتحرك : قال أبو العلاء المعري:
وقد يقالُ عثار الرجْل ِ إن عثرت * ولا يقالُ عثار الرَجْل ِ إن عثرا
سكَن الجيم في كلمة ( الرّجُلِ) لضرورة الوزن

ويكثر تسكين , هوَ وهيَ إذا سبقتا بحرف الواو لتصيران( هوْ وهيْ )
فأخطأتهُ المنايا قِـيس َ أنملة ٍ * ولا تحرّزَ إلا وهْو مكتوبُ


8 ــ والتحريك : وتحريك الساكن فهو كثير جداً ومنها :
تباً لطالب دنياً لا بقاء َ لها * كأنما هيَ في تصريفها حُـلـُُمُ
فقد حرك اللام في ( حلـْم ) الساكنة اصلاً .

ومثال ذلك أيضاً قول المتنبي في رثاء جدته :
لئن لذ ّ يوم الشامتين بيومها * فقد ولدت مني لأنفهـِم ِ رغما
فقد حرك ميم (أنفهم ) بالكسر

امرئ القيس :
تطاول َ ليلك َ بالإثمد ِ * ونام َ الخلي ّ ولم ترقد ِ
فقد كسر دال ( ترقد ) وهو فعل مضارع مجزوم بحرف الجزم ( لم

9 ــ الممنوع من الصرف:
قال امرؤ القيس :
ولمّا دخلت الخدر خدر عنيزة ٍ * فقالت لك الويلات إنّك فاضحي

10ــ وصرف الممنوع :
قال الشاعر: مقري الوحش:
والروض جامعُ والأزاهرُ حوله ...
............. وقناديل الإترنج لاحت في الغد

ومن الضرورات الشعرية أيضاً ما يلي :
*
حذف الشرط وجواب الشرط : ومثاله قول الشاعر : رؤبة بن العجاج، أبو الجحاف
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن * كان فقيراً معدماً قالت : وإنْ
فقد حذف فعل الشرط وجوابه من قوله ( وإن) بمعنى وإن كان فقيراً معدماً أرضى به .
وكقول إبراهيم بن هرمة :
احفظ وديعتك التي استُودعتها * يوم الأَعارب إن وُصلْت وإن لم ِ
بمعنى وإن لم توصل فاحفظها، فحذف الفعل والجواب .

، ومثال ذلك قول الشاعر أبي ذؤيب الهذلي :
فقلت: تَحَمَّلْ فوق طوقك إِنها * مطَّبعة من يأْتها لا يضيرها
فقد حذف الفاء من (إنها) الواجب اقترانها بالفاء لأنها جملة اسمية ، ومن (لا يضيرها ) لانها جملة فعلية منفية .

ومثال الثاني قول الشاعر محمدعباس الدراجي :
أما بنوها الطاهرون صحائفٌ * لولا كتاب الله كادت ترفع ُ
فقد حذف الفاء من جواب (أما) الواجب اقترانها بالفاء وهي (صحائفٌ) .
* تنوين المنادى المبني على الضم : ومثال ذلك قول جميل بثينة :
ليت التحية كانت لي فأشكرها * مكانَ يا جملٌ حيّيت يا رجلُ
فقد نون (جمل ) وهو منادى مبني على الضم لأنه نكرة مقصودة .
وكقول الشاعر :
سلامُ الله يا مطرٌ عليها * وليس عليك يا مطر ُ السلام ُ
فقد نون( مطر ) وهو منادى مبني على الضم لأنه علم .
وقد ينون المنادى المبني على الضم تنوين فتح ٍ ، كقول عدي بن أبي ربيعة ( المهلهل ) :
ضربتْ صدرَها إِليَّ وقالت: * يا عديّاً لقد وقتْك الأَواقي
فقد نون (عدي ) تنوين فتح وهو منادى مبني على الضم لأنه علم .

* حذف نون التوكيد الخفيفة : كقول الشاعر :
يميناً لأُبغضُ كلّ امرىءٍ * يزخرفُ قولاً ولا يفعل ُ
فقد حذف نون التوكيد من الفعل (أبغض ) الواجب تأكيده بها لأنه جوابُ قسم ٍ ، مثبتٌ ، متصلٌ باللام ومستقبلٌ .
وقد تحذف نون التوكيد الخفيفة عند الوقف عليها وتستبدل بالف ، كقول الاعشى :
وإياك والميتاتِ لا تقربَنَّها * ولا تعبدِ الشيطان، والله فاعبدا
فقد حذف النون من (فاعبدن) وعوض بدلها (الفاً)
وكقول مساور بن هند العبسي :
يحسبه الجاهل ما لم يعلما * شيخاً على كرسيه معمّما
فقد حذف النون من (يعلمن) وعوض بدلها (الفاً) .
* الجزم بأداة الشرط (إذا) : وهي أداة جزم غير عاملة ، فلا تجزم فعل الشرط وجوابه ، وتعامل كأداة جازمة ٍ في الشعر ، كقول عبد الرحمن بن حسان :
استغن ما أَغناك ربك بالغنى * وإذا تصبْك َ خصاصة ٌ فتجمّل ِ
فقد جزم بإذا فعل الشرط (تصبْ)

.
وأما الضرورات القبيحة :
1-
ترخيم المنادى : إذا كان علماً غير مركب ٍ ، زائداً على ثلاثة احرف ٍ كقول زهير بن ابي سلمى :
يا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكم بداهية * لم يَلْقَها سُوقةٌ قبلي ولا ملِكُ
فقد رخم (حارث ) وهومنادى علم غير مركب ، زائد على ثلاثة أحرف فصار (حار (
وكقول الشاعر :
يا مروَُ إِنّ مطيتي محبوسة ٌ * ترجو الحِباءَ وربُّها لم ييأَس ِ
فأصل (مرو ) قبل الترخيم (مروة) .

تنبيه :

يجب الانتباه الى أنّ ترخيم المنادى المختوم بالتاء جائزٌ وكثيرٌ جداً ولم يميزوه عن مقصودهم من الضرورة القبيحة، ومثاله قول امرئ القيس :
أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلـّل ِ * وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي
وقول جميل بثينة :
ألا ليت أيام الصفاء ِ جديدُ * ودهراً تولى يا بثينَ يعودُ
وقول كثيـّر عزة :
وقد زعمت أنـّي تغيـّرت بعدها * ومن ذا الذي يا عزّ ُلا يتغيـّرُ



حذف حرف من كلمة ٍ أو حذف كلمة ٍ بأكملها : كحذف نون (لكن ، اللذان ، اللتان )

واذا الفتى طرح الكلامَ معرّضاً * في مجلس ٍ أخذ الكلامَ اللذ ْ عنى
فقد حذف الياء من (اللذي) فصارت (اللذ ) ، وربما حذف أكثر


، وربما حذفت كلمة أو أكثر من البيت الشعري ، كقول المتنبي :
فقلْ في حاجة ٍ لم أقضِ ِ منها * على شغفي بها شروى نقير ِ
فأصل الكلام ( فقل ما شئت َ ) وحذف الكلمتين لضيق المقام .
3-
إشباع حركة حرف صحيح ٍ في الحشو : كقول الشاعر :
أخاك أخاك إنّ من لا أخا لهُ * كساع ٍ الى الهيجا بغير سلاح ِ
فقد أشبع فتحة الخاء في (أخ ) في (لا أخا) فصارت (اخا) .
وفي رأيي أن ( أخا ) هنا منصوبة بتنوين الفتح ( لا أخاً ) لأنه يجوز تنوين اسم لا النافية للجنس
كقولهم (لا أباً لكم ) وليس في البيت شاهد ٌ .
أما اشباع الهاء في الرفع والجر فكثيرٌ ولا عيب فيه ، ومثاله في البيت السابق (لهُ) فهي بمثابة (لهو ) عروضياً .
واشباع حرف الرويّ أيضاً مما لا اشكال فيه ، وهنا فقط يجوز اشباع الحرف الصحيح في نظري
ولا يجوز في الحشو مطلقاً لأنه يسبب كسر الكلام ونبوّه ِ ، ومثاله في البيت السابق ( سلاح ِ ) فهي بمثابة ( سلاحي ) عروضياً .

وهذا بيت للشاعر إبراهيم بن علي ابن الهرمة يقول :
وأنت من الغوائل حين ترمي... ومن ذمّ الرجال بمنتزاحِ
والشاعر هنا يريد القول ( بمنتزحٍ ) دون الألف , ولم تألف العرب قلب الحركة مداً بل حافظت على الحركة اللغوية دائماً , ولكن للضرورة الشعرية , أباح لنفسه هذا التغيير .
وأخذتُ من الكتاب النحوي للعلامة عمر بن ثابت الثمانيني هذا البيت صفحة 233 ,:
محمد تفدِ نفسك كل نفسٍ .. إذا ما خفت من شيء نبالا

فلام الأمر قد حذفت في كلمة ( تفد) والأصل (لتفد) مثل ( ليضرب زيدٌ عمراً ) ولا يجوز نحوياً أن نسقط اللام , ولو قلت لغير الضرورة الشعرية ( زيدٌ عمراً ) لم يجز , لكن تقويم الوزن الشعري اضطره إلى ذلك .
ثم الإخلال بالتركيب الصرفي كقول الشاعر :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ** نفي الدراهيم تنقاد الصياريف

فالصحيح (( الدراهم )) و (( الصياريف ))

وختاماً أقول إن المثل القائل : ( يحق للشاعر ما لا يحق لغيره ) هو قول سديد , ولكن بالمعقول الذي إن نفع فلا يضر بسلامة اللغة والنحو والعروض )

غالب الغول 24/12/2016