بات صوتها مقيداً في حلقها عندما أعلنت لنفسها قبل أن تعلن له أنها ضاعت يوم ولادة ذلك الإحساس الغريب، لقد كُتب عليها أن تظلّ غريبة مرفوضة، مهمشة، يوم كان المخاض.
عاشت قصته وحدها، قصة ولادة طفلها، فقد أخبرها الطبيب أن الولادة ستكون قيصرية.
مذ سمعت النبأ على لسان الطبيب وهي تفكر في نتائج العملية، ولو كُتب لها أن تنجح، هل سيُكتب للجنين النجاة، ويحيى بطمأنينة؟!، أسئلة شتى تتوه بها في أفق أخطبوط من ورق خيالها.
هي راضية عن كل شيء، ومقتنعة أشدّ الاقتناع بمعيشتها، فقد وقَّعت بخط يدها وبموافقتها على كل مراسم الجرم الذي يمارس في حقها، ورغم معاناتها وآلامها، وكل الشتائم والاهانات التي تعرضّت لهما منه، إلا أنها ما زالت تخاف عليه، وتغرف له"الكسكس"الذي يحبه من يدها.
كانت سعيدة لأن مولودها بخير، وسعيدة لأنها توسّمت في حضوره الخير الكثير، فظنّت أن طباع أبيه ستتغيّر إلى الأحسن، وأنه سيرأف لحالها، وسيغير من معاملته القاسية لها.
كانت اللكمات والضربات التي تتعرَّض لها كل يوم أو كلما أحس أن رجولته عطشى، قد أضحت جزءًا من حياتها، ومن سعادتها أيضاً.
تقول أنها قسمتها ونصيبها، وأن هذا ربما كان حباً من نوع آخر، وأننا لا نختار الحب بإرادتنا، فما يهمها هو أن يدخل عليها زوجها كل يوم، ولا بأس أنه ما زال يعترف بها كزوجة، فلم يطلقها بعد.
وتقول: كان بإمكانه أن يجد أنثى أجمل منها، أما هي امرأة ذات عينين متعبتين من شدة الإعياء، ومن كثرة الخياطة كل ليلة، لتساهم في مصروف البيت، وتلبي له رغباته كاقتناء سجائر "مالربورو" التي يعشقها، فهي حريصة أن ترضيه حتى على حساب نفسها، تلك كانت مواقف تمنّي بها نفسها، وتعزيها رغبة في الاستمرار، وعدم التوقف.
كانت تلك صفحات قصة لم تكتمل، قرأها صاحبنا عشرات المرات، ولا تطيب له نفس إلا عندما يخلو بنفسه مع أحداثها، ينسى مع تفاصيلها واقعه، ويغرق من آلام تلك البطلة، ربما لينسى آلامه، أو ربما لكونه يحلم بحب يشبه الحب الذي تعيشه البطلة مع زوجها الطائش، غير المقدِّر لنعمة كان ينبغي أن يحفظها ويتوِّج بزوجته حياته، فالبطلة يراها صاحبنا نعمة يفتقدها، ولم ينل مثل حظ زوجها الطائش، ولم يعرف صاحبنا الحب قط، ربما سمع عنه الكثير، وقرأ عنه فقط في الروايات والقصص.
كان يستمع فقط من أصدقائه المقربين عن رواياتهم الغرامية مع ابنة الجيران أو زميلاتهم في الجامعة، إلا أنه لم يعشق إلا الحب الذي تعيشه بطلته، فقد أصبحت تأخذ عقله وتسلبه كل أفكاره.
هل عشقها على الورق؟، أم أنه تصوّر نفسه الزوج المحبوب، أم هي الشفقة التي تأخذه اتجاهها!، أم أنه مشروع زوج طائش مستنسخ عن أصول متعدِّدة في مجتمعاتنا!!.