للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
المقاومة المسلحة هي الرد على النكبة و تأسيس "اسرائيل"وتوسعها
د.غازي حسين

يهدد الوضع القائم في المنطقة السلم والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي بالخطر، وتقع مسؤولية خطورة الوضع على عاتق إسرائيل وممارستها للاستعمار الاستيطاني والإرهاب والعنصرية كسياسة رسمية. فهي تتمسك باحتلالها لفلسطين والأراضي العربية الأخرى، وترفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقات جنيف الأربعة لعام 1949 وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وتمارس الاغتيالات والقتل والتدمير والاعتقالات والعقوبات الجماعية.
أن الممارسات الإرهابية التي قامت وتقوم بها «إسرائيل» لم تقض على المقاومة أو تقلل من أعمالها البطولية أو تجمد نشاطاتها، بل تصاعدت عمليات المقاومة كما أثبتت الأحداث أن الحروب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» والإبادة الجماعية التي تمارسها تجاه الشعب الفلسطيني لم ولن تؤدي إلى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
إن المقاومة الفلسطينية والانتفاضة الثالثة ما هي إلا استمرار للانتفاضات المسلحة وغير المسلحة التي بدأها الشعب العربي الفلسطيني منذ أن دخل الاستعمار البريطاني أرض فلسطين العربية، ومنذ أن بدأت الأطماع الصهيونية بالظهور في هذا البلد العربي، والمقاومة الفلسطينية هي استمرار لكفاح الشعب الفلسطيني الذي بلغ ذروته في إضراب وثورة 1936، حيث استمر الإضراب ستة أشهر ضد القوات البريطانية وضد محاولات بريطانيا تهويد فلسطين، فالمقاومة الفلسطينية استمرار لكفاح الشعب الفلسطيني واستمرار لتضحياته الجسيمة التي بدأت مع الإعلان عن وعد بلفور المشؤوم.
لم يندلع الصراع بين عرب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال وجلاء القوات المحتلة وحق تقرير المصير وبين الصهيونية والاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية أو بعد عدوان حزيران فقط وإنما اندلع مع بداية ظهور الصهيونية كحركة سياسية منظمة ومع دخول الرأسمالية في أعلى مراحلها وهي مرحلة الاستعمار.
وعلى أثر صدور وعد بلفور واحتلال فلسطين من قبل القوات البريطانية وفرض نظام الانتداب عليها قام الشعب العربي الفلسطيني بعدة انتفاضات مسلحة ضد قوات الاحتلال الأجنبية وضد الصهيونية وقدم الغالي والنفيس في سبيل حرية وطنه واستقلاله.
ومن أهم هذه الانتفاضات المسلحة انتفاضة عام 1920 التي اندلعت معلنة استنكارها ورفضها لوعد بلفور وتهويد فلسطين وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى من العرب واليهود.
وبعدها انتفاضة عام 1921 حين هاجم بعض العرب المستعمرات اليهودية بالقرب من يافا وحدثت اشتباكات دامية خسر العرب فيها 50 شهيداً و75 جريحاً بينما خسر اليهود 50 قتيلاً و150 جريحاً.
وعقد العرب عدة مؤتمرات استنكرت وعد بلفور وشجبت الانتداب البريطاني وطالبت بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ثم اندلعت انتفاضة 1929 في القدس على أثر المطامع الصهيونية في حائط البراق وظهر بوضوح تحيز القوات البريطانية إلى جانب القوات الصهيونية وقامت انتفاضة 1933 بعد صدور الكتاب الذي وجهه ماكدونالد رئيس وزراء بريطانيا إلى وايزمان بتاريخ 17/2/1931، وعُرف بالكتاب الأسود، حيث اندلعت مظاهرات ضخمة في القدس ويافا واصطدمت بالقوات البريطانية وسقط من عرب فلسطين 30 شهيداً وأكثر من 200 جريحاً ثم تلا ذلك إضراب استمر سبعة أيام.
وظهرت بعد ذلك حركة عز الدين القسام في عام 1935 الذي وجد أن الثورة المسلحة هي وحدها القادرة على تحرير فلسطين من الاحتلال البريطاني والحيلولة دون قيام دولة يهودية في فلسطين، ولقد قام القسام بعدة عمليات عسكرية ناجحة ضد القوات البريطانية ولكنه استشهد في أحراش يعبد، واستمر نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الاستعمار والصهيونية، فأعلنت جماهير فلسطين العربية الإضراب عام 36 رداً على مراوغة بريطانيا ومناوراتها وأجبرت الأحزاب الفلسطينية على تأييدها في هذا الإضراب.
ولقد شل الإضراب جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فلسطين وأذهل سلطات الاحتلال والصهاينة ووضع حكومة الانتداب أمام موقف صعب في جميع أنحاء فلسطين.
وفي هذا الجو الثوري وتحت التأثير الشعبي تكونت الهيئة العربية العليا برئاسة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني وعضوية الأحزاب الفلسطينية وقررت الهيئة الاستمرار في الإضراب إلى أن توقف سلطات الانتداب الهجرة اليهودية وتوقف تسليم الأراضي لليهود، وتقوم بتشكيل حكومة وطنية، ثم تلا هذا الإضراب الثورة المسلحة التي أنزلت الرعب والفزع في سلطات الاحتلال البريطاني واليهود ولكن للأسف قبلت الهيئة العربية وساطة نوري السعيد لدى بريطانيا ثم جاء نداء ملوك العرب عن طريق الهيئة يطلب من الشعب العربي الفلسطيني الإخلاد إلى الهدوء والسكينة اعتماداً على عدالة صديقتهم بريطانيا كما وصفوها.
وجاءت عدالة بريطانيا المزعومة فأرسلت لجنة بيل الملكية التي أعلنت ولأول مرة تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق عربية ويهودية وبريطانية، وصدر بيان عن «حكومة العدالة» يؤيد توصيات لجنة بيل الملكية مؤكداً الاستمرار في السماح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وأعلنت الهيئة العربية العليا استنكارها لتقسيم فلسطين، كما أعلنت الحركة الصهيونية رفضها لتوصيات اللجنة لأنه لا يتضمن أهدافها في فلسطين، بينما أخذت سلطات الاحتلال في استعمال العنف والإرهاب ضد عرب فلسطين مما حدا بالجماهير العربية في فلسطين إلى حمل السلاح، لأنها رأت بأن المقاومة المسلحة الطريق الثوري السليم الذي يمكن له أن يحقق أهدافها الوطنية.
فاندلعت المظاهرات وأضربت المدن ثانية وقام الثوار بنسف الجسور وتخريب خطوط السكك الحديدية وغيرها، مما أجبر بريطانيا على التراجع عن مشروع التقسيم وموافقتها على إيقاف الهجرة بعد إدخال 75 ألفاً من المهاجرين، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى ركود الكفاح انتظاراً لنتائج الحرب، واستمرت هذه المرحلة حتى صدور قرار التقسيم في عام 1947
بلغ الصراع أوجه بعد تأسيس «إسرائيل» في الأراضي العربية واندلاع حرب 1948 التي أشعلتها سلطات تل أبيب العنصرية والعدوانية والتي أدت إلى طرد حوالي مليون عربي من وطنهم واحتلال أراض عربية زيادة عن الأراضي العربية التي اغتصبتها الصهيونية ضمن حدود التقسيم.
على أثر الجرائم الفردية والجماعية التي ارتكبتها القوات الصهيونية في حرب 1948 واحتلالها للأرض العربية، وطرد عرب فلسطين من وطنهم وبعد توقيع اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل والأقطار العربية المجاورة لها، لم يرض عرب فلسطين على هذا الوضع، وأخذوا يتمردون عليه تحت ظروف عربية وإسرائيلية صعبة، فأخذوا يتسللون إلى داخل أراضيهم المحتلة للانتقام من سلطات تل أبيب المحتلة، واغتصابها لأراضيهم وممتلكاتهم ورفضها السماح لهم بالعودة تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة.
وكان رجال المقاومة الأوائل يعبرون خطوط الهدنة بعيداً عن أعين رجال الحدود الأردنيين لكي يعيدوا بعض ممتلكاتهم المنقولة التي أجبروا على تركها هناك ولكي ينتقموا من سلطات تل أبيب التي كانت تنصب لهم الكمائن وتقتل بعضهم، ولم تكتف بذلك بل كانت تقدم الشكاوى ضدهم إلى لجان الهدنة المشتركة باعتبار أن أعمالهم تشكل خرقاً لاتفاقيات الهدنة.
وفي نفس الوقت كانت تقوم بشن الغارات الانتقامية على القرى العربية المجاورة للحدود، معلنة بأن أعمالها العدوانية هذه ما هي إلا رد فعل لأعمال التسلل التي يقوم بها عرب فلسطين من الضفة وغزة والبلدان العربية المجاورة.
وفي مقابلة أجراها موشي دايان مع مجلة إسرائيلية صدرت في آذار 1950 أعلن بصراحة عن الأهداف البعيدة للغارات الانتقامية التي تقوم بها "إسرائيل" داخل الأراضي العربية فقال: «إن هذه الحوادث الدموية التي تقع على الحدود يندر أن تحدث صدفة فإنها حوادث انتقامية تمثل جزءاً من خطة مدبرة يقصد بها إجبار العرب على المفاوضة لتحقيق السلام».
ولقد شهدت تلك الفترة بالإضافة إلى حوادث التسلل العفوية غير المنظمة، بعض المحاولات المنظمة للقيام بغارات داخل «إسرائيل» على أيدي بعض الفئات، إلا أن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح.
لقد كانت الغارات الانتقامية التي تشنها إسرائيل على القرى العربية أعنف بكثير من أعمال التسلل التي يقوم بها عرب فلسطين.
ولكن هذه الاعتداءات الوحشية التي كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين والمنشآت المدنية لم تضعف المقاومة الفلسطينية بل كانت سبباً في تصعيدها فأخذ العمل الفدائي الفلسطيني يشتد في نهاية 1954، ودل على أنه عملية منظمة مما أرعب سلطات العدو.
إن بداية العمل الفدائي كانت كردة فعل على تأسيس إسرائيل وحرب 1948 التي أشعلتها وطرد عرب فلسطين من ديارهم وتنكُّر «إسرائيل» لقرارات الأمم المتحدة التي تسمح للاجئين بالعودة إلى ديارهم، كما أن تمادي «إسرائيل» في اعتداءاتها على الحدود العربية وتنكرها لحقوق عرب فلسطين وإيمان عرب فلسطين بحقهم في تقرير مصيرهم وعودتهم الى ديارهم أدى إلى تأسيس وحدات فدائية فلسطينية قامت بعمليات بطولية.