رسائل الرسول الاعظم محمد بن عبد الله الى الملوك والامراء



كتاب الرسول الي هرقل



وهذا نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل:

"بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم،
سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت
فإن عليك إثم الأريسيين (أي الرعايا من الفلاحين والزراع) {يا أهل الكتاب
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا
يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا
مسلمون}.



واختار لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم
بصرى، ليدفعه إلى قيصر، وفي تلك الآونة كان أبو سفيان بن حرب على رأس تجارة
لقريش بالشام، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سالم
فيها أبا سفيان وكفار قريش بعد الحديبية، فأرسل إليهم هرقل فأتوه وهم
بإيلياء (أي بيت المقدس) فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا
ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال
أبوسفيان: أنا أقربهم نسبا، فقال: ادن مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند
ظهره، ثم قال لترجمانه: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، يقول
أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه!



ثم قال أبو سفيان: أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت: هو فينا
ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان
من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل
ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم
سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، قلت: لا، قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول
ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة (أي هدنة) لا
ندري ما هو فاعل فيها، قال أبو سفيان: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئا غير
هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت:
الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت:
يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم،
ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: قل له: سألتك عن
نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك هل
قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا، قلت لو كان أحد قال هذا القول
قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت
أن لا، فقلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل
كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن
ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم
ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم
ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد
سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته
القلوب، وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بماذا
يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن
عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا
فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه أنه منكم،
فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه (أي لتحملت المشاق في سبيل لقائه)
ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط (أي
اختلاف الأصوات) وأمر بنا فأخرجنا، قال أبو سفيان: فقلت لأصحابي حين
أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة (أي كبر أمره وعظم، وأبو كبشة رجل كان قد
ترك عبادة الأصنام في الجاهلية فشبهوا النبي صلى الله عليه وسلم به) إنه
ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.



ثم قال هرقل بعد أن قرأ الكتاب لجمع من عظمائه وحاشيته: يا معشر الروم هل
لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت لكم ملككم وتتبعون ما قال عيسى بن مريم،
قالت الروم: وما ذاك أيها الملك؟قال: تتبعون هذا النبي العربي، فحاصوا حيصة
حمر الوحش (أي فروا وهربوا من هذا الرأي) وتناجزوا ورفعوا الصليب. فلما
رأى هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم وخاف على نفسه وملكه، فسكتهم ثم قال:
إنما قلت لكم ما قلت لأختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم
الذي أحب. فسجدوا له.



هذا ما رآه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان من أثره عليه
أنه أجاز دحية بن خليفة الكلبي، حامل كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمال
وكسوة، ولما كان دحية بمكان يسمى حسمي في الطريق لقيه ناس من جذام فقطعوها
عليه فلم يتركوا معه شيئا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل
بيته فأخبره، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى،
وهي وراء وادي القرى في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام فقتل فيهم
قتلا ذريعا واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة
آلاف ومن السبي مائة من النساء والصبيان.



وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن
رفاعة الجذامى أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاج إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، وكان قد أسلم هو ورجال من قومه ونصروا دحية حين قطع عليه
الطريق، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وأمر برد الغنائم والسبي







كتاب الرسول إلى الحارث بن أبي شمر






كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد
رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن به وصدق،
وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك".

واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة ، ولما أبلغه الكتاب قال: من ينزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولم يسلم.





كتاب الرسول إلى المنذر بن ساوى




وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين كتابا
يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب
المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما بعد يا رسول الله فإني قرأت
كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من
كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلى في ذلك أمرك، فكتب إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم:

"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام
عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، إنه من
يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد
أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه،
وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن
أقام على يهودية أو مجوسية فعليه جزية".







كتاب الرسول الي النجاشي






وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن الأبجر، كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع
عمرو بن أمية الضمري في آخر سنة ست أو في المحرم سنة سبع من الهجرة، ونص
الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي هو:

بسم الله الرحمن الرحيم



هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع
الهدى، وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم
يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني
أنا رسول الله فأسلم تسلم {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا
من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} فإن أبيت فإن عليك إثم
النصارى من قومك.



ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي
أخذه النجاشي ووضعه على عينه ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم على يد جعفر
بن أبي طالب وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا بذلك، وهاك نصه.



بسم الله الرحمن الرحيم



إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد:



فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض
إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به
إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد
بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين.



وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفرا ومن معه من
مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على
النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر.



توفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي صلى الله
عليه وسلم يوم وفاته، وصلى عليه صلاة الغائب. ولما مات وخلف على عرشه ملك
آخر كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتابا آخر ولا يدرى هل أسلم أم لا.







كتاب الرسول الي ملك فارس






وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

" بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام
على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله
إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن
أبيت فإن إثم المجوس عليك."



واختار لحمل هذا الكتاب عبدالله بن حذافة السهمي، فلما قرئ الكتاب على كسرى
مزقه، وقال في غطرسة: عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مزق الله ملكه، وقد كان كما قال، فقد
كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن: ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز
رجلين من عندك جلدين (أي قويين) فليأتياني به، فاختار باذان رجلين ممن
عنده، وبعثهما بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معه
إلى كسرى، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما:
إن شاهنشاه (ملك الملوك) كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك
من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولا تهديديا، فأمرهما النبي
صلى الله عليه وسلم أن يلاقياه غدا.



وفي ذلك الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت
جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله،
وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاولى
سنة سبع هجرية، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الوحي، فلما
غدوا عليه أخبرهما بذلك فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو
أيسر أفنكتب هذا عنك، ونخبره الملك؟ قال: نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن
ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى ! وينتهي إلى منتهى الخف والحافر (أي إلى
كل مكان على وجه الأرض) وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على
قومك من الأبناء، فخرجا من عنده حتى قدما إلى باذان فأخبراه الخبر، وبعد
قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه وقال له شيرويه في كتابه: انظر (أي أمهل)
الرجل الذي كان كتب فيه أبي إليك، فلا تهجه (أي فلا تتعرض له) حتى يأتيك
أمري.



وكان ذلك سببا في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن.







كتاب الرسول إلى ملك عمان






وكتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى ملك عمان جيفر وأخيه عبد ابني
الجلندي، ونصه : " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبدالله إلى جيفر
وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوكما بدعاية
الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة،
لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإنكما إن أقررتما بالإسلام
وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل، وخيل تحل بساحتكما،
وتظهر نبوءتي على ملككما ".

واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان إرساله بعد فتح
مكة في الغالب، قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى
عبد ـ وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا ـ فقلت: إني رسول رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا
أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعو إلى الله
وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال:
يا عمرو إنك ابن سيد قومك، فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة، قلت: مات ولم
يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وقد كنت أنا
على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا، فسألني
أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: وكيف
صنع قومه بملكه، فقلت: أقروه واتبعوه، قال: والأساقفة والرهبان اتبعوه؟
قلت: نعم، قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في الخصال أفضح له
من الكذب، قلت:ما كذبت، وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم
بإسلام النجاشي، قلت: بلى، قال: فبأي شئ علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج
له خرجا، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم قال: لا والله لو سألني
درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله فقال له النياق أخوه: أتدع عبدك لا
يخرج لك خرجا، ويدين بدين غيرك دين محدث؟ قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره
لنفسه، ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال: انظر ما
تقول يا عمرو؟ قلت: والله صدقتك، قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى
عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل، وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة
الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر
والوثن والصليب، قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو كان أخي يتابعني عليه
لركبنا حتى نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه
من أن يدعه ويصير ذنبا (أي تابعا) قلت: إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى
الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم، قال: إن
هذا لخلق حسن، وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل، قال: يا عمرو، وتؤخذ من سوائم
مواشينا (السوائم من المواشي التي تستخدم في أعمال الزراعة) التي ترعى
الشجر وترد المياه؟ فقلت: نعم، فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة
عددهم يطيعون لهذا، قال: فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل
خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه، فأخذ أعوانه بصنعي (أي يدي) فقال:
دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم
بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه، وقرأ حتى انتهى إلى آخره ثم
دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته إلا أني رأيت أخاه أرق منه، قال: ألا
تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه إما راغب في الدين، وإما مقهور
بالسيف، قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره،
وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدا بقي
غيرك في هذه الخرجة (أي المنطقة) وأنت إن لم تسلم اليوم وتبعته توطئك الخيل
وتبيد خضراءك، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل
والرجال، قال: دعني يومي هذا، وارجع إلى غدا.



فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه، حتى إذا
كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أني لم أصل
إليه، فأوصلني إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب
إن ملكت رجلا ما في يدي، وهو لاتبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله لقت قتالا
ليس كقتال من لاقى، قلت: أنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه،
فقال: ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه؟ فأصبح فأرسل إلى،
فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وخليا
بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونا على من خالفني.







كتاب الرسول الي صاحب اليمامة






وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة:

" بسم الله الرحمن الرحيم "، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف
والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك (أي أتركك على ملكك).



واختار لحمل هذا الكتاب سليط بن عمرو العامري، فلما قدم سليط على هوذة بهذا
الكتاب مختوما، حياه وقرأ عليه الكتاب، وكتب إلى النبي صلى الله عليه
وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، العرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر
أتبعك، وأجاز سليطا بجائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه
فقال: لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد (أي هلك وانقطع) وباد ما في
يديه، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه
السلام بأن هوذة مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إن اليمامة سيخرج
بها كذاب يتنبى، يقتل بعدي، فقال قائل: يا رسول الله من يقتله؟ فقال: أنت
وأصحابك، فكان كذلك

.