بناء جيل معافى في حوار شامل مع الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري قدمته إذاعة فلسطين من غزة

اعد الحوار الأستاذة ريمة الخاني ( مديرة موقع فرسان الثقافة ) وأداره الصحفي اللامع احمد زكارنة ..

القسم الثاني

قدم للحوار الأستاذ احمد زكارنة بتعريف الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري لمستمعي الإذاعة الفلسطينية حيث ذكر أن الباحث أستاذ جامعي تخصصه العلمي في اللغة العبرية والأدب العبري واللغات السامية ( اللغات الجزرية ) وتخصصه العام الشؤون السياسية والعسكرية والفكرية.. فيما شكر الباحث إذاعة فلسطين من غزة على هذه الفرصة للتحدث عن موضوع مهم وشكر أيضا الأستاذة ريمة الخاني التي قامت بترتيب اللقاء وإعداده والتحاور إلى جانب الأستاذ الزكارنة ، ثم تحدث وأجاب على أسئلة الأستاذ الزكارنة ومداخلات عدد من أساتذة علم النفس والاجتماع الذين شاركوا في اللقاء سواء عبر الهاتف أو من كان منهم موجودا في الأستوديو وكانت خلاصة إجابات الأستاذ عبدالوهاب حول إعداد جيل معافى كما يأتي :
أود أن أشير في بداية حديثي إلى أن هناك جيلا يمضي وجيلا يعيش حاضره وجيلا يعمل لمستقبله ونحن بين حاضر وماضي لابد أن نقف طويلا عند التحديات التي تواجه جيل المستقبل وحتى لا نتركهم لمهب الريح علينا كأفراد وكمؤسسات ومثقفين ومتخصصين وأساتذة ومسئولين أن نضطلع بدورنا – وكل من موقعه وإمكاناته وقدراته – بمهة توجيه هذا الجيل وتوعيته فكريا وثقافيا وبدنيا وبالتالي تحصينه ليكون قادرا على مواجهة التحديات المسمومة والثقافات الدخيلة ، الغربية والصهيونية منها ، على وجه الخصوص ...
فالشباب يعيشون اليوم مرحلة صعبة من التمرد على الأصول الفكرية والثقافية والدينية في ذاتهم كما هي في مجتمعهم ، فهم بين قيود قيمية محددة لسلوكهم وبين قيم تبثها الثقافة الوافدة في كل مجالات الحياة والبيئة والثقافة والإعلام والتربية والسلوك الفردي والجمعي ، وفي مواجهة هذا الواقع لابد لنا أن نتوقف عند الحالة التي يعيشها الفرد بين ذات تشده إلى الحياة وملذاتها ، بما تراه عيناه وتسمعه أذناه من أخبار وصور متعددة الألوان والاتجاهات ، وبين مؤثرات تجذبه بقوة نحو تخطي هذه التحديات لبلوغ النضوج الفكري وقبول التحدي فتعلو همته نحو القيم العالية بما تتطلبه من مقومات جذرية لتأسيسها ..

عوامل التأثير في المجتمع

يضيف الباحث : منذ سنين والعلماء يبحثون في تكوين المجتمعات وأثر الفرد في بنائها لغرض الوصول بها إلى مراحل متطورة ومتقدمة والمجتمع كما هو معروف يتأثر بعاملين متضادين ..
الجانب الايجابي الذي يخضع للعوامل الأخلاقية والفكرية والعقائدية حيث تتأثر شخصية الفرد بوجود هذه المفاهيم وخاصة القيم الرائعة التي أوجدها الدين الإسلامي كالإيمان والأمل والإرادة القوية التي ساهمت بشكل كبير في بلورة شخصية الفرد كما أن القوانين الوضعية لها تأثير مضاف في الحد من الميول البشرية المتمردة .. أما الجانب الثاني ، هو السلبي وهذا ما يجب تحديده ومكافحته وتحصين الأفراد تجاهه من اجل بناء مجتمع متحضر يعرف فيه كل فرد حقوقه وواجباته ودوره الإنساني وهناك عناصر مهمة تساهم في بناء الفرد هي الأسرة والمدرسة والبيئة حيث تكمل المدرسة ما بدأته الأسرة في البناء الاجتماعي ويتعزز هذا البناء من خلال تأثير البيئة في إعداد الفرد بشكل ايجابي أو سلبي وهنا نستذكر قول :- العالم النفساني الأمريكي (واتسن): (الذي يقول أعطني اثني عشر طفلاً وهيأ لي ظروفاً مناسبة اجعل ممن أريد منهم طبيباً حاذقاً أو أستاذاً قديراً أو مهندساً بارعاً أو رساماً وحتى لو شئت لصاً أو شحاذاً )إذن للبيئة دور كبير في التكوين النفسي والفكري للشخص ..
وان هذا التكوين لا يأخذ مداه إذا لم يكن هناك جسداً صحياً معافى يتمتع بلياقة بدنية وقوة جسمانية تؤهله لتقبل الأفكار والعلوم وهذا لا يتم – كما يقول المهندس جاسم محمد جعفر- إلا من خلال الرياضة التي لو وضعت لها برامج علمية تراعي المرحلة العمرية للأفراد منذ دخولهم المدرسة لتمكننا من بناء رياضة مدرسية منهجية بأسس صحيحة تعتمد الأنشطة الرياضية المختلفة وفق حصص دراسية ثابتة تجعلنا نتجاوز مرحلة الإهمال التي عانت منها الرياضة المدرسية فالطالب يحتاج إلى نشاط بدني ورياضي لديمومة تعلمه وتقبله للعلوم الأخرى وهذا ما أدركه المسلمون تاريخياً عندما وجدوا أن هناك صلة وثيقة بين الجسم والعقل وعبروا عنه بالحكمة القائلة (العقل السليم في الجسم السليم ) حيث وضعوا مبادئ خاصة في المدارس الإسلامية توازن بين الرياضة والمنهاج الدراسي وقالوا بان الجسم المريض أو المجهد لا يساعد العقل على الفهم من هنا فإن درس الرياضة ذو تأثير في نفسية الشاب / الطالب – والحديث للمهندس جعفر - حيث يؤدي في حالة تركه أو إهماله إلى :
ضعف القدرة البدنية وظهور حالات تعب جسدي ونفسي ، زيادة الكسل والخمول لدى الطلبة ، زيادة ظاهرة السمنة لدى الكثير من الطلبة ، استشراء ظاهرة العنف الجسدي بين الطلاب الذي من الأجدر أن يوظف في الألعاب الرياضية البدنية ..

مراحل التربية الأساسية

ويستطرد الباحث : من خلال تجاربنا الذاتية وحياتنا في مجتمعاتنا العربية يمكن القول أن المسالة التربوية تمر بثلاث مراحل أساسية متتابعة ومكملة لبعضها من حيث التلقي والمادة الفكرية التي يبدأ الطفل باستيعابها تباعا وحسب تطوره العمري والفكري والعلمي ، وهذه المراحل هي البداية وتتمثل بالبيت والمدرسة والبيئة ثم مرحلة التطور بكل تفصيلاتها فمرحلة النضوج حيث يصبح عندها جاهزا للاستيعاب والتمييز بين الغث والسمين وقبول التحدي وممارسة دوره القيادي كما سنتحدث عن هذا لاحقا ..
فمرحلة البداية هي الأهم وربما الأخطر .. واعني مرحلة البيت والمدرسة .. ففي هذه المرحلة الحساسة جدا في حياة الطفل والذي يكون فيها مستعدا للتلقي .. يجب أن يتزود الطفل بالمعرفة والثقافة على قدر استيعابه وفهمه كمبادئ أولية تترسخ في الذهن وطبعا تكون مستمدة من قيمنا العربية والإسلامية .. وهذه الجرعة من التوعية إن صح التعبير سيعتمد عليها الكثير من ثقافة الطفل وتربيته مستقبلا عندما يشب ويكبر ، وهذا يمكن تشبيهه بالجرعة العلاجية الطبية التي تحصن الطفل من الأمراض عندما يكبر..
في هذه المرحلة أيضا يجب أن يخضع الطفل للتوجيه ومتابعة ما يقرا وما يجري تلقينه من مفاهيم وقيم تربوية وأسس سليمة واعية ترسخ في ذهنه .. وتشمل معلومات هذه المرحلة طيفا منوعا وأوليا من الثقافة والمعلومات والمفاهيم في مختلف المجالات الفكرية والتربوية والعلمية وعلى قدر استيعابه لها .. وهنا أركز على إبعاد الطفل في هذه المرحلة وزجه في أفكار وعلوم فلســفية معقدة لان عقله سيكون غير قادر على اســتيعابها في هذه الــــسن المبكرة ..
ومع مرور الزمن وزيادة وعي الشاب وتطور أساليب التلقين والتوعية والتثقيف وزيادة شمولية المادة الفكرية ،فأنني أرى أن يستمر التوجيه والإشراف كي يبدأ التحول من مرحلة البداية إلى مرحلة البلوغ والنضوج ، وخلال هذه الفترة يتوسع مجال التلقي ليشمل دائرة العلوم والمعارف العامة والشاملة - خاصة تلك المستمدة من حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا - مع حجم معين من دراسة ومتابعة العلوم والمعارف العالمية لتوسيع دائرة الاطلاع والمعرفة والمقارنة دون التأثر بها سلبيا ، خاصة وان هذه العلوم فيها المفيد والمسموم والمضلل والمسرب لأغراض مقصودة كي يكون قادرا على التمييز والتحدي للثقافات الطارئة ..
طبعا كل ما اشرنا إليه يكون عن طريق الجهد الذاتي والتوجيهي الخارجي على حد سواء ومتى ما تولدت لدى هذا الإنسان الرغبة الحقيقية والجادة في حبه للمطالعة والتثقيف والتلقي لكل أنواع الثقافة والعلوم عن رضا وقناعة ، يكون قد احدث تحولا في مسيرته الثقافية والفكرية والإيمانية لينفتح على ثقافات العالم وآدابه وفنونه وينهل منها الثر والمفيد ويتنبه للزبد منها وبالتأكيد سيكون واعيا وحريصا لهذه الجانب بعد بلوغه هذه المرحلة من النضوج والتلقي والاستيعاب كونه سيكون مسلحا بفكر عربي إسلامي وثقافة عربية إسلامية علمية معاصرة ومنوعة دون خشية من السقوط في كمائنها وبهرجتها وأساليب تضليلها وأطرها الجذابة لأغراض معروفة ..
والشيء الأخر هو أن ما سيكتسبه الإنسان من معرفة وثقافة سيعينه على تشخيص الخلل والهموم والتخلف في المجتمع العربي ومتى ما شخص هذا الخلل سيكون قادرا على معالجته بما يمتلك من خزين فكري وعقائدي رصين ينطلق من اعتبارات وحدة الأمة وأصالتها فكرا وثقافة وحضارة وقدرتها على مواجهة عناصر تخلفها ومسبباته والعمل على خلق الكيان الفكري العربي السليم المؤطر بأسس إسلامية ، كيان فكري سليم موحد ومعاصر وشامل ومتكامل ينهل من منهل فكري وفلسفي سليم متناسب مع روح العصر .. كيان فكري أنساني يشع بنوره على العالم ولا يبقى محصورا في أطره الضيقة المنغلق ..
وهنا عندما ننظر لمراحل تثقيف الفرد ونشأته كوحدة ثقافية عربية رمزية فإننا ننظر للجماعة بنفس النظرة والمنهج وبالتالي ننظر للأمة ككيان شامل متكامل ..

دور الإعلام والشبكة العنكبوتية في التربية والتثقيف

قبل الحديث عن أهمية الإعلام والشبكة العنكبوتية أرى من المفيد التعريف بهذه الشبكة وأهميتها الإعلامية :
يكاد يتفق معظم الباحثين في هذا الموضوع - ومنهم المتكلم - على أن الشبكة العنكبوتية عبارة عن خطة لتوحيد المصادر المعلوماتية للمعاهد التعليمية ، والمؤسسات العامة والخاصة ، والأعمال التجارية في كافة أنحاء العالم .. فالشبكة العنكبوتية هي المكان الأكثر شيوعاً لزيارته من خلال الإنترنت ، ويتألف الموقع العنكبوتي من صفحة واحدة أو مجموعة من الصفحات تحتوي على نصوص وصور ومحطات ربط خاصة بتخزين المعلومات والبرامج بمختلف أنواعها ، ولكون هذه الصفحات مترابطه و تحتوي على فهارس ومراجع مترابطه ، فإنها تسهل عملية الحصول على المعلومات من عدة بلدان مختلفه خلال ثواني قليله ، وتتمتع الشبكة العنكبوتية والإنترنت الذي يعتمد عليها باستقلالية الحدود الجغرافية والسياسية ، وهنالك الملايين من المواقع على الشبكة العنكبوتية على وجه التقريب والتي يمكن الوصول إليها باستخدام برنامج على الحاسوب يسمى (متصفح الشبكة العنكبوتية ) ، وأضاف أن ابرز مزايا هذه الشبكة :



1. أنها تحتوي على مصادر كثيرة ومتنوعة من المعلومات عن كل العلوم والمعارف في شتى المجالات يمكن الاستفادة لشتى الأغراض ..
2 . أنها تشكل مكانا للتسلية والترفيه نظرا لتوفر أنواع اللعب والموسيقى والفنون وأفلام الفيديو وممارسة الهوايات المختلفة ...
3 . أنها تشكل فرصة لاستحداث مواقع شخصية ، حيث يمكن نشر كل النتاجات والكتابات والمؤلفات الشخصية المختلفة ..
4 . وسيلة تعارف وتبادل الآراء والأفكار من أناس لهم نفس الاهتمامات ..
بالإضافة إلى فائدة الشبكة العنكبوتية هناك محاذير وسلبيات يجب ملاحظتها والحذر منها أبرزها :
1 . تستخدم بعض المواقع معلومات مضلله وغير دقيقه وإشاعات مغرضة لأهداف مسمومة وتخدم جهات معينة قد تعمل لصالح أجهزة مخابرات معادية ..
2 . تبث مناظرا وصورا لا أخلاقية ومواد جنسية أخرى من اجل تخريب القيم والمبادئ والعادات والتقاليد العربية والإسلامية .. ..
3 . تهديد الحرية الشخصية من خلال المواقع التي تقوم بطلب المعلومات الشــــــــــــخصية ..
4 . ترويج نشاطات غير صحيحة وغير اجتماعية مثل تعاطي المخدرات والكحول ولعب القمار والانضمام لمجموعات القتل والعنف والمافيات ..
5 . مواد تحتوي على عنف ومخاطر وأعمال غير قانونية وغير شرعية مما تشجع على الجريمة والقـتل والاعتداءات وكل ما يعرض امــن وسلامة المجــتمع للخطر من أي نـوع كان ..
أما عن البريد الإلكتروني فالمعروف شكلياً بهذا الاسم بطريقة تشبه إلى حد كبير البريد العادي ولكن دون أي استخدام للورق والجهد الإنساني ، ويستخدم كوسيلة لإرسال النصوص الكتابية أو البيانات الأخرى من شخص لآخر عن طريق الإنترنت. حيث يصل البريد الإلكتروني خلافاً للبريد العادي في اللحظة التي يتم إرساله فيها بغض النظر عن المسافة التي تفصل المتراسلين ، ويعتبر الطريقة الأكثر شيوعاً للاتصال بين الأشخاص عبر الإنترنت، كما انه يوفر للمستخدمين إمكانية إرسال ملفات الكمبيوتر بكافة أنواعها كالمقالات والصور والرسوم والبحوث والدراسات وغيرها ..
ويعتبر البريد الإلكتروني إحدى الطرق الرائعة للاتصال الخطي مع العائلة والأصدقاء والمدرسين والزملاء إذا ما تم التعامل معه بطريقة جيدة .

ويضيف الأستاذ عبدالوهاب :

مما تقدم يمكن معرفة أهمية دور الشبكة العنكبوتية وتأثيراتها على التربية والوعي بان هذه الشبكة قد سيطرت على مظاهر كثيرة من حياة الناس بمختلف شرائحهم وطبقاتهم الاجتماعية، بل وأصبحت أحد أهم المراجع الرئيسة لتلقي المعلومات والبحث عنها، وهي قد تُعدّ -إلى حد كبير- أحد المصادر الرئيسة لكثير من المراكز العلمية، وما تحتويه من باحثين ودارسين ، وكل يوم تنتج الشبكة المعلوماتية من المميّزات والخدمات ما يشعر معه المستخدم بأنها تمثل بالنسبة له جزءاً لا يُستهان به من حياته، بل ومن يومه أيضا.. وباختصار شديد فان الشبكة العنكبوتية أصبحت وسيلة مهمة وضرورية في وقتنا الحالي ، لا تقل أهمية عن أي من الوسائل التعليمية والمعرفية الأخرى ، وفوائدها كثيرة لا تعد ولا تحصى ، ولكل شخص استخداماتها المتنوعة والخاصة ، وابرز فوائد الشبكة : عملية البحث والحصول على المعلومات بسهولة، تعلم العلوم ونشرها، تطوير الذات ، الحرية في إبداء الرأي، إقامة نوع من العلاقات الإنسانية والاجتماعية والفكرية والثقافية وغيرها من الأنشــــطة والفعاليات التي بدأت تشغل بال الإنسان والمجتمع في العصر الحديث ، مع ملاحظة الجوانب السلبية التي اشرنا إليها سابقا وتجنبها قدر الإمكان كي يتقي الإنسان شرورها ويحصن نفسه ويجنب الوقوع في مطبات خطيرة قد تؤثر على فكره وأخلاقه ومستقبله سلبا ..
ثم تحدث عن دور الإعلام والشبكة العنكبوتية في تربية الطفل والمجتمع فذكر أن للإعلام‌ أهمية‌ بالغة‌ في‌ الحياة‌ اليومية‌ وله‌ دور فعّال‌ في‌ بناء جيل معافى ومجتمع متحضر مبني‌ علي‌ أسس‌ علمية‌ بحتة‌. والإعلام‌ مرتبط‌ ومتأثر بشكل‌ أو بآخر بالنظم‌ الاجتماعية‌ التي‌ ينتمي‌ إليها ..
ويبرز خبراء الاجتماع‌، أهمية‌ الإعلام‌ القصوي‌'، في‌ التأثير علي‌ سلّم‌ المعرفة‌ والتطور في‌ المجتمع‌ بل‌ وحتي‌' علي‌ استمراره‌ وديمومته‌.

والإعلام‌ ليس‌ حالة‌ ظرفية‌، وإنما هو يتولي‌' نقل‌ آراء ومعتقدات‌ جيل‌ إلي‌ جيل‌ آخر، وينمي‌ العلاقة‌ بينهما، وبالتالي‌ فمهمة‌ الإعلام‌ والإعلاميين‌، يجب‌ أن‌ تستوعب‌ الإنسان‌ منذ مجيئه‌ إلي‌ الحياة‌ بل‌ ومنذ أيام‌ الحمل‌ والولادة‌ والرضاعة‌ وفترة‌ الطفولة‌ المبكرة‌ وحتى‌ الكبر.

ومما سبق‌ يتضح‌ لنا إن‌ الإعلام‌ يستطيع‌ أن‌ يؤثر بطرق‌ عديدة‌ علي‌ وعي‌ وسلوك‌ الإنسان‌ في‌ مختلف‌ مراحل‌ عمره‌، ويحدد وجهات‌ نظره‌ وقناعاته‌ وفهمه‌ للحياة‌.

وهنا تبرز أهمية‌ البرامج‌ الإعلامية‌ الموجّهة‌ للطفل‌ بتأثيرها الكبير وإسهامها الفاعل‌ في‌ تكوين‌ الطفل‌، ومن‌ ثم‌ الإسهام‌ في‌ بلورة‌ اتجاهاته‌ وميوله‌ ووجدانه‌ وقدراته‌ العقلية‌ والبدنية‌ وسلوكه‌ بصورة‌ عامة‌. ولكل‌ ذلك‌ ينبغي‌ علي‌ الإعلام‌ أن‌ يكون‌ وسيلة‌ جذب‌ للطفل‌ علي‌ اختلاف‌ مراحل‌ عمره‌ وبيئته‌ بما يخدم‌ أهداف‌ المجتمع‌.
وللطفل‌ عموماً، مجموعة‌ من‌ الحاجات‌، منها الجسدية‌ ومنها الاجتماعية‌ والنفسية‌ ، فحاجة‌ التحكم‌ في‌ مشاعره‌ وانفعالاته‌، وحاجته‌ إلي‌ دف‌ء العاطفة‌ والحنان‌ والحب‌، واكتساب‌ القيم‌ الاجتماعية‌، والفضائل‌ الأخلاقية‌، والحاجة‌ إلي‌ معرفة‌ بعض‌ المعلومات‌ الصحيحة‌ عن‌ الكون‌ وعن‌ الطبيعة‌، ذلك‌ كله‌ يستلزم‌ إعداد برامج‌ إعلامية‌ متخصصة‌، علي‌ أسس‌ نفسية‌ وتربوية‌ علمية‌، الأمر الذي‌ يحتّم‌ منذ البدء إعداد الكادر الإعلامي‌ المتخصّص‌ والمدرّب‌ للعمل‌ مع‌ الطفل‌ إعدادا يتيح‌ له‌ فهم‌ أبعاد شخصيته‌ وتوظيف‌ الإمكانات‌ الإعلامية‌ في‌ خدمة‌ الرسالة‌ والهدف‌ الذي‌ يسعي‌ إليه‌ أولياء الأمور لتنشئة‌ مواطن‌ يسهم‌ في‌ بناء مجتمع‌ الغد، لان‌ ذلك‌ هو المفتاح‌ الحقيقي‌ للنهضة‌ والتقدم‌. إن‌ خطة‌ الإعلام‌ الموجّهة‌ للطفل‌ لابد أن‌ تحمل‌ جملة‌ من‌ المضامين‌ التي‌ تؤكد عدداً من‌ القيم‌ والمبادي‌ء والمُثل‌ العليا ومنها:

ـ تحقيق‌ المواد الثقافية‌ ا لتي‌ تناسب‌ الطفل‌.

ـ إعداده‌ لحمل‌ أمانة‌ الغد الفكرية‌.

ـ توجيهه‌ إلي‌ ممارسة‌ الأنشطة‌ والهوايات‌ المختلفة‌.

ـ إثراء مفاهيم‌ القيم‌ الأخلاقية‌ والاجتماعية‌.

ـ تنمية‌ روح‌ الخَلْق‌ والابتكار والإبداع‌ في‌ شخصية‌ الطفل‌ حتى‌ يصبح‌ قادراً علي‌ تطوير مجتمعه‌.

ـ الاهتمام‌ بالمواد الترفيهية‌ التي‌ تحقق‌ ميوله‌ نحو اللعب‌ والانطلاق‌، ومل‌ء وقته‌ بأشياء مفيدة‌.

ـ تقديم‌ الفنون‌ علي‌ اختلافها بأشكال‌ مبسّطة‌ ومستساغة‌ لدي‌ الطفل‌ وتشجيعه‌ علي‌ تذوق‌ الفنون‌ واستيعابها.

ـ إلقاء الضوء علي‌ التطورات‌ المتلاحقة‌ في‌ العلوم‌ والمعلومات‌ بأسلوب‌ مبسّط‌ يتناسب‌ مع‌ عمر الطفل‌.

ـ غرس‌ وتدعيم‌ عادة‌ حب‌ القراءة‌ في‌ نفس‌ الطفل‌ وتدريبه‌ علي‌ احترام‌ الكتاب‌ وتقدير قيمته‌ الثقافية‌ والحضارية‌، مع‌ ضرورة‌ تقديم‌ كل‌ ذلك‌ بأسلوب‌ سهل‌ ميسَّر يصل‌ إلي‌ قلبه‌ وعقله‌ .

وفوق‌ هذا أو ذاك‌، تحصين‌ الأطفال‌ بالمفاهيم‌ والقيم‌ والمُثل‌ والمبادي‌ء العربية و الإسلامية‌ وغرس‌ ملكة‌ الانتقاء لديهم‌ لمواجهة‌ الإعلام‌ الوافد علينا من‌ الخارج‌ عبر القنوات‌ الفضائية‌ الدولية‌ ووسائل‌ البث‌ المباشر من‌ الأفكار والقيم‌ التي‌ لا تتفق‌ مع‌ عقيدة‌ مجتمعاتنا العربية و الإسلامية‌.


صناعة القرار تبدأ من الصغار

ويستمر الباحث الدكتور عبدالوهاب في حديثه عن تربية جيل معافى فيأتي على موضوع مهم هو كيفية تعليم الناشئة صناعة القرار منذ الصغر فيقول مستعرضا ابرز ما كتب عن هذا الموضوع :
إن من أهم الصفات القيادية التي يحوزها الناجحون في هذه الحياة ومنهم جيل الشباب هي (صناعة القرار) ومن غير هذه الصفة لا يمكن الوصول إلى الأهداف الإستراتيجية المخطط لها في برنامج إنشاء جيل معافى قادر على مواجهة الحياة وتحدياتها ، وكما أن هذه الصفة تعتبر من الصفات الأساسية للشخصية القوية الناجحة ، كذلك فإن الضعف باتخاذ القرار يعتبر من أسوأ الصفات في الفاشلين في هذه الحياة ..
و(صناعة القرار) ليست دواء يعطى علي جرعات فيتحول المرء من متردد ضعيف إلي متخذ وصانع قرار ، بل لابد من تنشئة الإنسان منذ نعومة أظافرة علي هذه الصفة ، حتي تكون طبعا فيه ويطورها كلما توغل في هذه الحياة وزادت سنوات خبرته وأشار الباحث أن
الدكتور فيرنون جونسون تناول هذا الموضوع ولخص مبادئ (صناعة القرار) عند الأطفال في عشر نقاط تعتبر من أفضل ما كتب في هذا الموضوع :

1 . القدوة بصناعة القرار: تحدث مع الأطفال عن القرارات التي واجهتك في الحياة واشرح لهم الخطوات التي اتبعتها.
2 . كن مصدرا لصناعة القرار بدلا من إعطاء الأطفال الحلول والتوجيهات ، لأننا نعرف ما هو الأفضل ويجب أن نقوم بدور المصدر أو المستشار لمساعدتهم في القيام بالخطوات الأربع الآتية لصناعة القرار وهي:
أ . تعليمهم نتيجة التأثيرات للشئ الذي سيختارونه علي المدى الطويل.
ب . تعليمهم كيفية تقويم هذه النتائج والتأثيرات وما يترتب عليها علي المدى الطويل.
ج . الصبر والتدريب علي تعليمهم كسب هذه المهارات لأنه ليس مكن السهل أن يهضم الطفل عملية اتخاذ القرار علي هذه الأسس.
د . نحتاج إلي ما هو أهم من الصبر وهو استمرار التفكير بطرق عملية لتعليم أطفالنا هذه المهارات.
3 . ماذا لو ؟ : شجع الأطفال علي البحث عن العواقب والحلول الأفضل بطريقة ) ماذا لو؟ ( وعلي سبيل المثال يقول الطفل لنفسه ماذا لو سألت كذا وكذا ، أو حدث كذا وكذا.. أي تعليمه قانون الاحتمالات.
4 . إعطاء فرصة للخطأ : فنحن لا يمكن أن نتعلم كيف نقود العجلة إذا تجنبنا خطورة الوقوع عدة مرات ، لذلك يجب إعطاء الأطفال الفرصة لبعض الخيارات التي لا توافق أنت عليها.
5 . مجاميع الأطفال : شجع أطفالك للدخول في مجاميع أطفال أو الدخول بأنشطة يومية تتيح لهم فرص صناعة القرار ومساعدة غيرهم لصناعة القرار.
6 . ابحث عن الفرص : ابحث عن الفرص التي تستطيع من خلالها التحدث عن صناعة القرار لأطفالك ، خاصة في الأجواء الخالية منت الخطورة ، حيث لا يترتب أي خطورة عند اتخاذ قرار خاطئ مثل بعض البرامج التليفزيونية والأفلام ، والكتب المسلية و المضحكة والصحف اليومية كل هذه الوسائل تعرض الكثير من الفرص لخيارات متعددة اتخذها الآخرون.حاول أن تسألهم عن تلك القرارات_إن كانت صحيحة أو خاطئة_واستمع منهم لما يبدونه من وجهات نظر ، و اقتراحات لأنواع من قرارات سيتخذونها لو كانوا مكان أشخاص تلك المسلسلات.
7 . التشجيع : اهتم بالنتائج علي المدى البعيد لما يقوم به الأطفال ، وشجعهم بالهدايا وباقي المكافآت لتكملة ما يقوم به من المشاريع والأنشطة التي بدأوا بها ، ذلك لأن كثيرا من الأطفال يبدأ بحماسة عظيمة لا تلبث أن تخمد.
8 . المساعدة بمشاريعهم : في الحقيقة إن العمل جنبا إلي جنب مع الأطفال في مشاريعهم يحتاج للكثير من المعاناة ، و الصبر حتي إتمامها ، ولكن لابد من مساعدتهم في بداية مشاريعهم و ذلك عن طريق سؤالهم عن أفكارهم لإتمام هذه المشاريع و عن طريق إفساح المجال لهم بصناعة خيارات صعبة كاختيارهم للمواد و الألوان .. .
9 . تجنب صناعة القرار:لا بد من تجنب اتخاذ قرارات من المفروض اتخاذها من قبل أطفالك ، كنوعية الملابس التي يريدون شرائها ، و توفير المصروف اليومي ، أو شراء شئ به وإن كنا نعرف ما هو الأفضل لهم ، ولابد من إدراك أنه ليس من المجدي التدخل في الخيارات التي تقع من ضمن مسؤولياتهم ، حيث أن هدف الوالدين بعد كل ذلك هو تربية الأطفال لمواجهة الحياة بحقائقها ، لذلك لابد لنا من إشراكهم في ظروف تؤهلهم لتعلم مهارات الحياة ، والتي سوف تساعدهم علي التعامل الفعال مع جميع الظروف اليومية.
10 . لا تحاضر: و إنما استمع ، فقاعدتنا في عمليات(صناعة القرار) عند أطفالنا هي أن نكون مصادر ومراجع ذلك لأن الأطفال يتعلمون بالعمل.

هذه الخطوات العشر في تنمية(صناعة القرار عند الأطفال) من الأمور الأساسية لصياغة الشخصية القوية لأطفالنا لتلافي الصفات السلبية التي تكثر لديهم بسبب عدم العمل بهذه الخطوات العشر، و التعامل مع الأطفال كالعرائس الخالية من الأرواح ، نحركها كيفما نشاء ، ومتي نشاء، وأينما نشاء لذلك كثر عندنا الأطفال ، من نوعية، اقرب إلى المعاقين منهم إلى الأصحاء ، يعتمدون في كل شئ في حياتهم على والديهم وخادماتهم ..

في نهاية اللقاء شكر الأستاذ زكارنة الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري والأستاذة ريمة الخاني على هذه الحوارية التي أكد أنها حققت أهدافها وتمنى للعراقيين عودة السلام والاستقرار لربوع بلاد الرافدين وانتهاء محنتهم ومعاناتهم .. بدوره شكر الباحث عبدالوهاب الأستاذ زكارنة على هذه الفرصة التي أتاحت له فرصة اللقاء بأبناء شعبنا الفلسطيني ومستمعينا في فلسطين وكل الأقطار العربية والتحدث معهم – من خلال إذاعة فلسطين من غزة - عن موضوع مهم وحساس في حياة امتنا العربية والإسلامية ..

*********

تنويه / حديث الباحث عن إعداد جيل معافى للإذاعة الفلسطينية هو جزء من دراسة شاملة كان الباحث قد أعدها سابقا اعتمد فيها على عدد من المراجع العلمية وأجرى لقاءات مع أطفال وشباب وأساتذة ومختصين في العراق وذلك نظرا لأهمية الموضوع كما انه لم يتطرق – خلال اللقاء مع الإذاعة الفلسطينية - - عن مسالة وضع الشباب وإعدادهم في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق تاركا هذا لوقت آخر إن شاء الله ..
ومن المراجع المستفادة :
1 . المهندس جاسم محمد جعفر ، الرياضة المدرسية ، المنهج والطموح ، موقع كل العراق
2 . موقع نور – أطفال
3 . (المعلمون ودورهم الكبير في بناء الإنسان السليم والمعافى مهنة التعليم من أشرف المهن وأصعبها ) موقع العروبة ..
( حزيران 2009 )

********

العراق في 2/ 12 / 2009