المديح النبوي في الشعر المغربي المعاصر .. ديوان (( على النهج )) للشاعر إسماعيل زويريق أنموذجا (2)
عبد الرحمن الخرشي
يعتبر مدح الرسول الأعظم قيمة مضافة للشعراء ؛ فقد زاد مدحه صلى الله عليه وسلم الشعراء مكانة مرموقة في الحياة الأدبية والدينية والاجتماعية للأمة ، وكذا في مجال الدراسة واستقصاء البحث ؛ فهذا الدكتور أحمد درنيقة صنف كتابا مهما في مجاله وسمه بعنوان (( معجم أعلام شعراء المديح النبوي )) أثبت فيه أربعا وخمسين وأربعمئة شاعر . وهذا إميل ناصيف صنف كتابا وسمه بعنوان (( أروع ما قيل في مديح الرسول )) انتقى فيه من هذا التراث الفني في مدح النبي الأجل تسعة وعشرين شاعرا .. وهذه المزية جعلت المتشبعين بروح دين الإسلام العظيم ينظرون إلى كل من أنشد قصيدة خالدة تنبع من عاطفة صادقة في مدح الرسول الأغر محط احترام وتقدير . ناهيك عن الدراسة والبحث وما أولياه من اهتمام بالشاعر / الشعراء وما أنجز / أنجزوا من رائع المديح النبوي من أشعار ؛ بل هل هناك ما هو أبلغ من إحساس أمير الشعراء أحمد شوقي لما أحس بقدره يعلو وهو يمدح خير البرية عليه صلوات ربي وسلامه ، يقول :
مدحت المالكين ، فزدت قدرا ............... فحين مدحتك اقتدت السحابا
ديوان المديح النبوي في المغرب :
ليس من غاياتي هنا الوقوف على ذلكم الكم الهائل من قصائد المديح النبوي في الشعر المغربي - فذاك موضوع يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة - وإنما رميت إلى أن أضع ديوان (( على النهج )) في خانة دواوين الأمداح النبوية في الشعر المغربي منذ القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ، إلى اليوم .
وحسب ما طاله بحثنا فالخزانة المغربية لاتعدم وجود ديوان المديح النبوي . ولكنها تعاني من قلة البحث والاحتكار عند بعض الجهات !!. فديوان المديح النبوي في المغرب - كما أسلفنا - متوفر لكنه متعدد المضان المعروفة وغير المتوفرةالوجود اليوم . . . إن ديوان (( على النهج )) للشاعر إسماعيل زويريق ليكسر ما سبق أن قررناه وهو غياب ديوان المديح النبوي من بين أيدي الدارسين والنقاد ليتأتى بعد ذلك الوقوف على الجهود المبذولة من طرف الشعراء المغاربة في هذا المضمار الذي قتله - في نظرنا -اهتمام عامة المغاربة بما ذبجته يد البوصيري من قصائده المشهورة ، وبقاء هذا الاهتمام محصورا فقط في بعض الزوايا وحلقات الاستماع .. !! .
لماذا مدح الشاعر إسماعيل زويريق الرسول في ديوان(( على النهج )) ؟
حقيقة مطردة مؤكدة عند الشعراء الذين مدحوا الرسول الأكرم عامة ، هي أنه ما أن يترسخ إيمان الشاعر بالرسول الأعظم وما أنجز لصالح الإنسانية ، إخراجا لها من الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء ، إلا وجادت قريحته ، واستأسد ملاكه / لا شيطانه الشعري في مدح الرسول الأكرم بمدائح نبوية ، اعترافا له بالفضل ، أو إعلاء لمقامه ، وربما ذبا عن هذا المقام ...
الشعراء يختلفون في ذلك ؛ فهذا البوصيري - إمام فن المديح النبوي - مدح الرسول الأعظم مجاراة لما انتشر في عصره من اهتمام بالمدائح النبوية درءا لما عرفه هذا العصر من استبداد(1) ! . أما محمود سامي البارودي فدافعه نفسي ؛ ذلك أنه لما نفي إلى ( سيلان ) كان قد خلا إلى نفسه فكتب قصيدته المشهورة (( كشف الغمة في مدح سيد الأمة )) (2) أما أحمد شوقي فقد نظم قصيدة (( نهج البردة )) (3) تذكارا لحجة الخديوي عباس الثاني سنة 1327 ه - 1909م ...
إذا كان هذا هو ديدن شعراء شهدت لهم الدراسة والبحث بالفضل والسبق في مجال المديح النبوي ، فإن الشاعر إسماعيل زويريق قد أمكنني الوقوف على أسباب مدحه للرسول محمد أعظم الخالدين في وجدان البشرية أجمع أذكرمنها بالإجمال :
1) تأثره بسفح الدم الفلسطيني بلا هوادة في باحة الأقصى . وفي شوارع وأزقة مدن : جنين ، وغزة ، ورام الله و ...
2) سقوط حصون منيعة للأمة في يد الغزاة المحتلين ككابول وبغداد وتأثير ذلك على الوجدان العام للأمة .
3) انحسار القيم والمبادىء في المجتمعات العربية الإسلامية .
4) إحساسه بما آل إليه سوق السياسة من كساد وانعدام الفعالية في الأمة وكلها أدت إلى ضياع ثغورها المنيعة .
5) شعوره الزائد باختلالات الحياة الاجتماعية ، وهو ما جعل مؤشر الفقر يقارع مؤشر الرخاء في حياته هو ، وفي حياة الناس .
6) إحساسه بتجاذبات : السياسة ، والعلم ، والتربية ، والأدب ، والدين ، والفن في الحياة ، وما ترتب عن ذلك من قلب للمفاهيم .
7) ويمكن الحديث عن أن الشاعر يصدر عن حاسة دينية عميقة عمقها في حوبائه - منذ الطفولة - عاملا : وسطه العائلي (4) ، باعتباره بذر البذرة . والوسط العلمي و الاجتماعي والتربوي ، باعتباره نماها ورعاها حتى كانت شيئا ذا بال أفصح عنه - باقتدار - في ديوان (( على النهج )) بجزئيه .. وقد وقفت على تجليات ذلك في الديوان مرتسما في حب شفيف ، وتعلق مثين بنبي الرحمة ، وبالدين الخالد ، الذي أنقذ البشرية من جهالتها الجهلاء وضلالتها العمياء أليس هو القائل :
حسبي حسبي حبي المصطفى ........... والمرء مع المحبوب على نهج (5) .
ومن الطريف أن الشاعر قد أفصح في قلب الديوان - بجزئيه -عن مؤشرات أجملها اليوم على أن أفصلها في الجزء الثالث وهي :
1) حبه للرسول الأعظم .
2) شوقه المتأجج للرسول الأكرم .
3) انبهاره بالتكامل الإنساني في شخصه الكريم .
4) إعجابه بالشمائل المحمدية والخصال المصطفوية .
5) إتيانه صلى الله عليه وسلم بجلائل الأعمال .
6) إرشاده صلى الله عليه وسلم الناس إلى طريق الهداية .
-------------------------------------
(1) مقدمة ديوان البوصيري . ش . ض . ق - الدكتور : عمر فاروق الطباع - شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم . بيروت . لبنان . ب . ت . ص : 22 .
(2) مطلعها : يا رائد البرق يمم دارة القلم ........... واجد الغمام إلى حي بذي سلم
(3) مطلعها : ريم على القاع بين البان والعلم ........أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
(4) خاصة حضوره جلسات العلم في بيت خاله الحاج عبد السلام الباز بحضور فقهاء وعلماء مشهود لهم بالفضل والعلم في مراكش حينذاك .
(5) ديوان (( على النهج )) ج : 2 . ص : 63 .
( يتبع )