هبوط الخطاب السياسي الفلسطيني
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – ( 21-12-2009م )
-----------------------------------------------
من الواضح أن الخطاب السياسي يعطي صورة واضحة عن وعي وفكر ورؤية السياسي نفسه ، وعن طبيعة تفكيره وأدائه ، خاصة لمن يملك القدرة على قراءة ما وراء السطور .
فتجارب القادة العظام أمثال عبد الناصر وياسر عرفات وجورج حبش واحمد ياسين وبومدين وصدام حسين ( رحمهم الله ) ، بما لكل واحد منهم من رصيد شعبي وسياسي ضخم ، لم تصمد كثيرا أمام جسامة المتغيرات والتحديات والتقلبات رغم قوة تأثير الخطاب السياسي في حينه ، وفي ذلك دروس وعبر لكل من أراد أن يتعلم الخطاب السياسي من اجل نجاح فكرته ونهجه ، والعالم غني بمثل تلك التجارب ، كما هو الحال في فرنسا وفيتنام والبرازيل والفلبين ، ومن قبل في الاتحاد السوفيتي سابقا وبولونيا ( فاليتسا زعيم العمال ) ، وكثير من مناطق العالم الذي كان الخطاب السياسي له حضور كبير وقوي في ذلك الوقت .
إن هبوط الخطاب السياسي الفلسطيني والذي لا ينسجم مع التحديات الجسام والأخطار التي تحيط بنا من كل حدب وصوب ، يشكل عاملا يعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى ضياع العباد والبلاد ، وإن عدم ارتقاء الخطاب السياسي إلى مستوى المسئوليات الأخلاقية والوطنية والإنسانية ( ومهما كان السياسي يحاول أن يوهم نفسه بأنه ذكي وماهر ) يؤدي به في نهاية المطاف إلى التلاشي أو الذبول ، وذلك بحكم جهله لطبيعة المكونات المتداخلة للمعادلات والأشياء المعنوية والمادية أو النظرية والعلمية على حد سواء ، لأنه يُعبر بذلك عن قراءة خاطئة ستؤدي به إلى نتيجة خاطئة ، كما أثبتت محطات مسيرة شعبنا النضالية خاصة في الفترة الخيرة .
وإن اعتماد السياسي على حركة الشارع الفلسطيني وحدها لا تكفي في كثير من الأحيان ، وهو يشبه إلى حد كبير الاعتماد على قرار حكومي مركزي لا يمتلك مرجعية ثابتة أو سلطة دكتاتورية طريق بقائها القمع والخوف ، وهي سرعان ما تعطي حقيقة معاكسة كما أثبتت التجارب الكثيرة لشعبنا والتي لا تخفى على المبصرين ، بل إن حركة الشارع الفلسطيني كثيرا ما يتم الرهان عليها وتعطي نتيجة عكسية ، ويكثر من خلالها الاستبيانات التي تعطي نتائج تفاجئ الكثير .
أما القراءة العلمية الدقيقة لفسيفساء السيكولوجية ، وللمكونات البنيوية المجتمعية ، دائما ما تعطي نتيجة دقيقة حتى لو كان العمل من خلالها بطيئا أو شاقا ، ومهما كانت الأمور معقدة أو مغلقة الأفق ، فلا بد في النهاية من تحقيق أهدافها ، لأن طبيعة الخطاب السياسي الناجح والناتج عن القراءة الصحيحة ( الغير وهمية ) للفسيفساء السيكولوجية وللمكونات البنيوية المجتمعية تُعتبر أداة دفع وبناء هامة ، ووسيلة للجمع والوحدة ، كما أنها مفاتيح لكثير من المغلقات والآفاق المسدودة .
فالخطاب السياسي الناجح هو الذي ينسجم مع العقلانية والتفكير العلمي ، ولا يرفل إلى ظلال وهمية زائفة ... فيزول السياسي وتزول ظلاله ، وتبقى الحقائق أقوى من كل تعريف وتبيان .
الخطاب السياسي الناجح هو الذي يجب أن يجمع ولا يفرق ، ويبني ولا يهدم ، مهما كانت الأخطار والتحديات والصعوبات ، وليس في ذلك سذاجة ولا سطحية ، وهو الخطاب الذي يجب أن يبتعد عن التوسل والاستجداء كبعده عن العنجهية والتعصب وقراءة الأمور قراءة ميكانيكية جامدة ، فاليد الواحدة لا تصفق ، وكيل الاتهامات والشتائم والنقد الجارح والتشهير وجلد الذات ، لا ينسجم مع نجاعة الخطاب السياسي والرؤية السليمة ، كما انه لا يخدم أجندة السياسي الخاصة على المدى المتوسط أو البعيد .
لقد خسرنا الكثير ولا زلنا بفعل هبوط خطابنا السياسي ، والساحة بكاملها وبكل مكوناتها ومعطياتها مهيأة لخدمة مصالح أعدائنا ، ونحن لا نجيد التعامل مع بعضنا ولا نرتقي إلى مستوى الحدث ، فكيف بالتعامل مع عدونا !! ؟ .
إننا نحن كفلسطينيين مستقلين على وجه الخصوص ( بالمعنى السياسي الحقيقي لا الانتهازي النفعي ) ندعو إلى الارتقاء في حجم المسئوليات الجسام من خلال خطاب سياسي ناضج يُعبر عن المسئولية التاريخية أمام شعبنا ، فالتاريخ لا يرحم أحدا مهما ضحكت له الدنيا ، وندعو إلى مراجعة شاملة ودقيقة لنماذج وأشكال خطاباتنا السياسية التي أثبتت التجارب أنها تحتاج إلى تغيير نوعي ودقيق وشامل ، فالناس يعيشون حالات من الإحباط واليأس والتشاؤم والتشتت والانهيار وعدم الاكتراث ، فهل يعني ذلك احد من أصحاب الخطابات السياسية الرنانة والمنفلتة من عقالها ! ؟ ، وهل نتفاجأ بمفاجآت طيبة تعيد لشعبنا الأمل ؟ .
---------------------------------------------
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي : واحة الكتاب والمبدعين المغمورين
جوال رقم : من داخل فلسطين 9421664
من خارج فلسطين 00970599421664