للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
موقف إسرائيل من المستعمرات
د.غازي حسين
أعلنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دعمها للاستيطان وتبرر أطماعها في الأرض والثروات العربية بتبريرات أمنية ودينية وقومية. ووصلت أطماعها حداً أعلنت فيه في 8 حزيران 1990 "أن الاستيطان في أرض إسرائيل (فلسطين) كافة حق وجزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وستعمل الحكومة لتعزيز الاستيطان وتوسيعه وتعميقه".
صادرت سلطات الاحتلال ما يقرب من 60% من الأراضي الخصبة في الضفة الغربية وحوالي ثلث مساحة قطاع غزة للمستعمرات اليهودية ولأغراض عسكرية تخدم تهويد الأراضي والمقدسات الإسلامية. وأقامت حتى الآن حوالي 300 مستوطنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 منها 25 مستوطنة في قطاع غزة. وأقامت في الجولان السوري المحتل 30 مستوطنة يسكنها حوالي 25 ألف مستوطن. وتقدم الحكومة الإسرائيلية المساعدات والإعانات والحوافز المالية لليهود في المستعمرات في الأراضي العربية المحتلة لزيادة عددهم والمحافظة على بقائهم فيها.
وتبين الأموال التي تقدمها الحكومة للمستعمرات بجلاء أن "إسرائيل" وضعت الاستعمار الاستيطاني على رأس اهتماماتها وأولوياتها.
وتنشر شركات البناء الإعلانات في الصحف الإسرائيلية تحث اليهود على الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة وعلى سبيل المثال الإعلان التالي: "شيّد منزل أحلامك في السامرة (لواء نابلس)".
وتقيم "إسرائيل" المستعمرات بشكل يسمح بتوسيعها في المستقبل، وتبيع الشقة من ثلاث غرف بحوالي (8000) جنيه استرليني بينما يبلغ ثمن مثيلتها في تل أبيب (45.000) جنيه، وذلك من جراء المنح والقروض المدعومة والحوافز التي تقدمها للمقاولين، ولأن الأرض التي تقام عليها الشقق مجانية صادرتها من أصحابها العرب.
ونجحت "إسرائيل" عن طريق المستوطنات بتقطيع أوصال الضفة الغربية والقسم الشرقي من القدس العربية، وحاصرت المدن والقرى العربية بالمستعمرات وحولتها إلى معازل.
ويعلن قادة إسرائيل باستمرار أن هدف المفاوضات مع الفلسطينيين هو تحقيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في غضون عشر سنوات، أي شرعنة الاحتلال وكسر إرادة القيادة الفلسطينية وتركيعها وفرض المشروع الصهيوني عليها.
ووصلت وحشية حكام "إسرائيل" حداً دعا فيه السفاح شارون اليهود بالتوجه فوراً إلى رؤوس الجبال والتلال الفلسطينية واحتلالها وإقامة المستعمرات اليهودية عليها. وبالفعل توجه الآلاف منهم واحتلوا التلال الباقية وأقاموا عليها أكثر من (45) مستعمرة. ولذلك فإن الأراضي والممتلكات العربية آخذة بالتلاشي وإن عدد الفلسطينيين وتكاثرهم آخذ بالتقلص.
وربطت سلطات الاحتلال الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، مما أدى إلى ركود الاقتصاد في الأراضي المحتلة واعتماد السكان على استهلاك المنتجات الإسرائيلية والعمل في الكيان الصهيوني حتى انتفاضة الأقصى عام 2000.
وأصبحت أسواق الضفة الغربية أسيرة لاقتصاد المحتل الإسرائيلي، حيث تهيمن "إسرائيل" هيمنة مطلقة على الصادرات والواردات من خلال الضرائب والرسوم والقوانين الإسرائيلية.
ويجد المرء أن المحلات التجارية في الضفة الغربية مليئة بالبضائع الإسرائيلية. وتصدر إليها "إسرائيل" المواد الغذائية بعد انتهاء مدتها والتجهيزات والسيارات والباصات الإسرائيلية المستعملة، ولا تسمح إلاّ باستيراد المواد الخام التي لا تتوفر في "إسرائيل".
وأدى الاحتلال وبناء المستعمرات على الأراضي العربية المصادرة إلى تغيرات في تركيبة القوة العاملة، حيث كان قطاع الزراعة يستخدم 46% من العمال في عام 1969 إلاّ أنه هبط إلى 26% بسبب مصادرة الأراضي العربية وتحويل المزارعين إلى عمال يعملون في المستعمرات والمنشآت اليهودية في أراضيهم المحتلة وداخل الكيان الصهيوني.
وبينما يتم استخدام العمال غير المهرة في الأعمال الإسرائيلية الشاقة "نجد أن الأشخاص المهرة والمدراء والمحترفين والمقاولين ينزحون إلى الأميركيتين وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وأوروبا الغربية بمعدل وصل إلى الآن
(20.000) سنوياً.
وبالتالي خلقت "إسرائيل" الظروف الملائمة للحيلولة دون تطور الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة وإبقاء الضفة الغربية والقطاع من أهم الأسواق للاقتصاد الإسرائيلي.
"إن الاستيطان" الاقتصادي وراء 70% من عمليات الاستعمار اليهودي، وإنه رغم قيام سلطات الاحتلال بشق الطرق والشوارع الالتفافية لتمزيق أوصال الضفة الغربية وتحقيق السيطرة الأمنية على التجمعات الفلسطينية، إلاّ أن ذلك لم يحقق الأمن لهذه المستعمرات ولا للمستعمرين من سكانها.(75)
موقف الليكود من المستعمرات
وصل الليكود إلى الحكم في عام 1977. وأخذ يعمل بسرعة فائقة على تكثيف الاستيطان في الضفة والقطاع، وركز بشكل أساسي على تهويد الشطر الشرقي من القدس العربية وفي الأغوار، لتهويد الأرض والمقدسات العربية وتعميق وترسيخ الأمر الواقع الناتج عن الحرب العدوانية تطبيقاً لبرنامج الليكود الذي يعتبر أن الضفة الغربية وقطاع غزة جزءاً لا يتجزأ من أرض "إسرائيل" المزعومة. وبالتالي أخذ الليكود والعمل يتباريان في تصعيد وتيرة الاستيطان ليكسبا تأييد الشعب الإسرائيلي الاستعماري والعنصري.
ولعب مجرم الحرب شارون دوراً أساسياً في إقامة مئات المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووضع خطة لإنشاء حزام ثالث من المستعمرات بمحاذاة مرتفعات الضفة الغربية يمتد من جنين في الشمال إلى الخليل في الجنوب، وإنشاء الطرق الرئيسية ومعسكرات الجيش لربط الأحزمة الثلاث من المستوطنات ولإحكام الطوق على القرى والمدن العربية.
وعمل الليكود على الإسراع في تكثيف الاستيطان لخلق واقع جديد وتشكيل ورقة ضغط في المفاوضات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لشرعنة الاحتلال واغتصاب الأراضي العربية، وذلك لتقرير مستقبل الأراضي المحتلة كجزء من الكيان الصهيوني.
وأطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة العنان لقطعان المستوطنين لاحتلال رؤوس الجبال والتلال الفلسطينية التي تعجبهم وإقامة المستعمرات فيها.
وتصاعد الاستيطان بشكل لا مثيل له منذ الاحتلال في عام 1984 عندما تشكلت في "إسرائيل" حكومة ائتلاف بين العمل والليكود، تم الاتفاق بينهما على التناوب على رئاسة الوزارة لمدة عامين لكل من بيرس رئيس حزب العمل، وشامير رئيس حزب الليكود، الأمر الذي انعكس على تصعيد الاستيطان بشكل غير مسبوق. وكانت حكومة الائتلاف هذه من أكثر الحكومات التي تم في عهدها تكثيف الاستيطان بإجماع العمل والليكود لكسب ود الشعب الإسرائيلي.
وتجمع الأحزاب اليمينية المتطرفة، تسوميت، موليدت، هتحيا على أن الاستيطان حق مشروع وأساسي "لشعب الله المختار" ويجب الاستمرار به وتكثيفه في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويطرحون وجوب ترحيل العرب إلى البلدان العربية المجاورة ويؤكدون أن السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة هي لشعب "إسرائيل" لأنها جزء من أرض "إسرائيل" بحسب التوراة، ولن يكون عليها سيادة أجنبية.
وتطالب أحزاب راتس، شينوي، ومابام، بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير بما في ذلك إقامة الدولة المستقلة وتنادي بوقف الاستيطان. ويبدو أنها تؤيد إزالة بعض المستوطنات، لكنها تصر على بقاء عدد منها.
ويرفض المستوطنون أي حل سياسي ويصرون على بقاء مستعمراتهم، ولكنهم بحسب اعتقادي سيوافقون على إخلائها مقابل تعويضات كبيرة يتلقونها كما حصل للمستوطنين في مستعمرة ياميت.
إن إزالة المستوطنات جميعها هو الحل الوحيد المقبول فلسطينياً وعربياً وتؤيده قرارات الأمم المتحدة.
فالمستعمرات عقبة أساسية في طريق المفاوضات والتوصل إلى تسوية أوجدتها إسرائيل من أجل ممارسة المزيد من الضغط والابتزاز على القيادة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات على حساب أراضي وممتلكات وحقوق الشعب الفلسطيني.
فالحكومة الإسرائيلية هي التي خططت لإقامة المستوطنات وأوجدت البنى التحتية المتكاملة لها كخدمات البريد والمرافق العامة ورياض الأطفال والمدارس الإعدادية والثانوية. وتعمل على تطويرها. وبالتالي تدعم الحكومة الإسرائيلية والوزارات والمؤسسات التابعة لها تطور البنى التحتية للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشارت الدراسات الإسرائيلية أن 50% من المنشآت السكنية والاقتصادية قدمت من الحكومة الإسرائيلية سواء في عهد حكم العمل أو الليكود
وصرفت الحكومة الإسرائيلية ملياري دولار من ميزانية "إسرائيل" عام 1991 من أجل بناء 106.000 وحدة سكنية في الضفة الغربية ولإقامة الطرق الالتفافية والسريعة.
وتشكل "مصاريف المستوطنات لوحدها 20% من ميزانية وزارة الإسكان الإسرائيلي، وإن 43% من البنايات العامة التابعة لوزارة الإسكان تم بناؤها في المناطق المحتلة.
ويمتد تمويل الاستيطان ويشمل بالإضافة إلى وزارة الإسكان، وزارة الاستيعاب، ووزارة الزراعة، ووزارة التعليم، الدعم المالي الذي تقدمه المنظمة الصهيونية العالمية سنوياً والبالغ 25 مليون دولار. وبالتالي إذا توقفت الحكومة الإسرائيلية عن تمويل المستوطنات فسيقوم المستوطنون من تلقاء أنفسهم بتركها، لأن الغالبية العظمى منهم لا تستطيع الاعتماد على نفسها.
وتتبع المستوطنات سياسياً وعسكرياً واقتصادياً الحكومة الإسرائيلية والتي تتمسك بها وتقيم المستعمرات الجديدة انطلاقاً من جوهر الصهيونية والكيان الصهيوني القائم على التوسع والاستعمار الاستيطاني.
لذلك تتحمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مسؤولية إقامة واستمرار بقاء المستوطنات والتي تشكل برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة.
ويعتمد بناء المستوطنات ودعم استمراريتها الاقتصادية والخدمية وتمويلها وإقامة شبكات الخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية على عاتق الحكومة الإسرائيلية. وتموّل الحكومة إقامة المدارس الدينية في الخليل والقدس المحتلة وبقية أنحاء الضفة الغربية.
فبناء المستوطنات والمحافظة عليها وتطويرها وتمويلها يعتمد بالأساس على قرار الحكومة الإسرائيلية.
إن المستوطنات اليهودية تابعة اقتصادياً وأمنياً للحكومة وإن استمرارها مرتهن لموقف الحكومة، وهي صاحبة الكلمة الأخيرة في الموضوع، لذلك لا يجوز للقيادة الفلسطينية أن توافق على وجود مستوطنة واحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالمواطن الإسرائيلي أخذ يعتقد أن المستعمرات تشكل عبئاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً على "إسرائيل" وعلى مستقبلها في المنطقة.
قررت "إسرائيل" إقامة المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة وخلق وقائع جديدة على الأرض العربية لتجسيد المزاعم والأكاذيب والأطماع التوراتيّة والتلمودية والصهيونية وبلورتها على أرض الواقع.
والهدف الأساسي للكيان الصهيوني هو السيطرة على ما تبقى من فلسطين العربية ونزع طابعه العربي الإسلامي وتهويده.
جاء في تقرير جماعة "السلام الآن" الإسرائيلية بتاريخ 3/12/2000 بأن هناك ما يقارب مائتي ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في 145 مستوطنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك (200) ألف مستوطن يعيشون في الشطر الشرقي من مدينة القدس.
وهكذا يعيش في الأراضي المحتلة عام 1967 حوالي (400)ألف مستوطن يهودي ويرتفع عددهم باستمرار لإصرار "إسرائيل" على الاستمرار في الاستيطان وتوسيعه.
نشرت جريدة يديعوت أحرونوت الصادرة في 8/12/2000 ثلاثة استطلاعات حول موقف الإسرائيليين من الاستيطان، وجرى الاستطلاع الأول في عهد حكومة الجنرال رابين والثاني في عهد حكومة نتن ياهو والثالث في عهد حكومة باراك. وسأتناول فقط استطلاع عام 1999 في عهد باراك.
تبين أن معظم المستوطنين من ذوي التعليم العالي فحوالي 32.6% يحملون شهادات جامعية وعدد الذكور 47.6% والإناث 52.4%. وهاجر
78% من المستوطنين إلى "إسرائيل" قبل عام 1988، وإن نسبة المتدينين 52.4%، وإن 34.7% يعملون داخل "إسرائيل". ويملك 25.9% منهم منازل داخل "إسرائيل".
ويبررون استيطانهم في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بأسباب إيديولوجية ودينية وأمنية واقتصادية واجتماعية. واعترف 46.4% منهم أن أسباب سكنهم في مستعمرات الضفة الغربية تعود لاعتبارات اقتصادية لتدني أسعار البيوت ورخصها وللحوافز المالية التي تقدمها الحكومة، واعترف
31.1% من المستوطنين أنهم يسكنون في المستعمرات لأسباب دينية، انطلاقاً من الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين.
وبرر الحاخام العنصري يهودا كوك الاستيطان بإرادة الرب وقال: "إن أي قرار سواء كان قراراً يهودياً أو غير يهودي ويهدف إلى انتزاع أي جزء من أرضنا هو قرار غير شرعي لتعارضه مع إرادة الرب التي ستنتصر في النهاية".
وأعتقد 12.7% منهم بإمكانية تحسن العلاقة مع الفلسطينيين بعد عملية السلام، بينما رأى 73.3% بأن العلاقة ستسوء.
وحول الاستعداد لترك المستوطنة في حالة تعويض عادل من الحكومة أجاب 70.7% بـ لا و25.3% بـ نعم. وحول الاستعداد للعيش في المستوطنة كمواطن إسرائيلي تحت السيادة الفلسطينية أجاب 67.3% بـ لا و19.7% بـ نعم.
ورفض 76.2% قبول فلسطينيين للعيش في المستوطنة ووافق 23.2%.
وعارض 79.1% أي مواجهة مع الجيش الإسرائيلي للإخلاء بينما قال 19.1% أنهم مستعدون لحمل السلاح في وجه الحكومة لمقاومة الإخلاء. وصوت 71.8% منهم لنتن ياهو و18% لباراك في انتخابات 1999.
أجرت شركة هوب برعاية عدد من أساتذة جامعة تل أبيب استطلاعاً شمل (3200) عائلة في 127 مستعمرة بتاريخ 24 تموز 2002، أكد فيه 68% من المستعمرين أنهم سينصاعون لقرار ديمقراطي يقضي بإجلائهم من المستعمرات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن 6% سيعارضون الإخلاء. وأبدى ثلثهم أي 20% استعدادهم لاستخدام السلاح للحيلولة دون إبعادهم، وأن 59% سيختارون الحصول على تعويض مالي ومعظمهم من العلمانيين. وعارض المتدينون القوميون الموافقة على الإخلاء.
وأعرب 77% من المشاركين في الاستطلاع أن السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى الانتقال والسكن في المستعمرات هو مستوى الحياة فيها، بينما قال 20% إن انتقالهم للسكن في المستعمرات تم بدوافع دينية.
يقضي اتفاق أوسلو بتأجيل بحث قضية القدس والمستوطنات واللاجئين إلى المرحلة النهائية من المفاوضات أي عند مناقشة الحل النهائي. ولكن إسرائيل انتهزت هذا الموقف وأخذت تسرع في عمليات التهويد.
ويؤيد الشعب الإسرائيلي إلى الاستمرار في التهويد وعدم الرجوع عنه حتى تشمل القدس الكبرى ثلث مساحة الضفة الغربية.
موقف حزب العمل من المستعمرات
إن الإدانة العربية والدولية للاستيطان لم تضع حداً لتهويد القدس والخليل وبقية الضفة الغربية. وضربت "إسرائيل" عرض الحائط بجميع القرارات الدولية. وحاولت إعطاء الاستيطان شرعية سواء على المستوى الأيديولوجي أو العمل الميداني بحجة توفير الأمن.
إن استمرار وجود المستعمرات حتى في ظل التوصل إلى تسوية يعني فرض الاستعمار الاستيطاني وشرعنة اغتصاب الأرض العربية، وتكريس الظلم والغبن، مما يقود حتماً إلى انعدام الأمن والاستقرار في المنطقة. وبالتالي يشكل بقاء المستعمرات عقبة في طريق السلام ويشكل سبباً في اندلاع الاشتباكات والحروب في المستقبل. ويبقى الصراع على الأرض بين المهاجرين اليهود وأصحاب البلاد الأصليين إلى أن يرحل الاستعمار الاستيطاني والمستعمرون اليهود.
وضع حزب العمل حجر الأساس للاستيطان اليهودي، حيث استولى على الأراضي التي كانت تعتبر ملكيتها للدولة الأردنية قبل الاحتلال. وهكذا بدأ الحزب بالاستيطان من 1967 وحتى 1977. وكان مشروع ألون خطة الاستيطان للحكومة الإسرائيلية، وذلك بإقامة سلسلة من المستعمرات على امتداد غور الأردن حتى الحمة وحول القدس وجبال الخليل.
ونشرت الحكومة العمالية في 12 أيار 1976 تصور حزب العمل للاستيطان وقسمت الخطة الضفة الغربية إلى قسمين، منطقة شمالية وتدعى السامرة وأخرى جنوبية وأسمتها يهودا. وتقع مدينة القدس بين المنطقتين. وتضمنت الخطة إقامة حزامين من المستعمرات: الأول من شمال الضفة إلى جنوبها على محاذاة الحدود الشرقية، وتمتد من الجزء الجنوبي للبحر الميت إلى حدود الضفة الشمالية مع الكيان الصهيوني.
ويقع الحزام الثاني على مرتفعات نهر الأردن بدءاً من جنوب الضفة بالقرب من القدس ورام الله إلى الحدود الشمالية للضفة الغربية. واعتبر الحزب أن الاستيطان جزء لا يتجزأ من الخطط الاستراتيجية لإسرائيل. وبالتالي مهد حزب العمل الأرضية السياسية والقانونية لبدء الاستيطان وركز بشكل أساسي على الاستيطان في القدس المحتلة وغور الأردن وبذرائع أمنية كاذبة. وعمل على تحويل القدس بشطريها الغربي والشرقي إلى مدينة يهودية. وضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية المحتلة عام 1948. وأزالت الحكومة العمالية أحياء عربية كاملة من الوجود في القدس الشرقية منها حي المغاربة وحي الشرفى وصادرت الأراضي العربية على جبل سكوبس، وأقامت ضاحية رامات أشكول ومستعمرة جيلو.
دعم حزبا العمل والليكود الاستيطان لتغيير البنية الديمغرافية والجغرافية للضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس وتغيير طابعها الحضاري العربي الإسلامي وجعلها بشطريها المحتلين مدينة يهودية. ويهدفان إلى حسم تهويد وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق فرض الأمر الواقع. وينطلق الليكود من أكذوبة "أرض إسرائيل الكاملة" لتبرير الاستعمار الاستيطاني والأطماع اليهودية في الأرض والثروات والمقدسات العربية وضمها للأراضي العربية المغتصبة عام 1948، ويعتبر الليكود أن المستعمرات اليهودية جزء لا يتجزأ من أرض الآباء والأجداد المزعومة، وأن الحل السياسي الذي يتبناه هو الحكم الذاتي للعرب بدون ممارسة السيادة على الأرض وبدونها.
لذلك يسرع الليكود في إقامة المستعمرات ويصر على عدم إزالتها للتأثير في نتائج الحل النهائي الذي ستفرضه إسرائيل على القيادة الفلسطينية. واستمر الليكود في بناء المستعمرات حتى خلال فترة المفاوضات مع ياسر عرفات وأبو العلاء.
ويتمثل موقف حزب العمل عندما يكون في المعارضة في اعتبار أن الاستمرار في بناء المستوطنات يعرقل سير المفاوضات ويشكل عقبة في طريق استمرارها، لذلك يرى الحزب بضرورة تجميد إقامتها طول فترة المفاوضات.
ولكن الحزب يرفض تفكيك جميع المستعمرات ويميل إلى إزالة المستعمرات الصغيرة وضم الكبيرة "لإسرائيل" ويتبين من قراءة البرنامج السياسي للحزب أنه يطرح ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: من الصعب إزالة المستوطنات وإجلاء سكانها، مما يعني بقاءها في الأراضي المحتلة في ظل أي حل سياسي وتحديد مسؤولية الحكم على هذه المستوطنات من خلال المفاوضات فإما أن تكون تابعة لسيادة "إسرائيل" أو منحها الحكم الذاتي داخل الكيان الفلسطيني. ولكن حزب العمل يتناسى تفكيك الليكود لجميع المستعمرات في سيناء حتى مستعمرة ياميت.
الاحتمال الثاني: إزالة قسم من المستوطنات وإبقاء القسم الآخر، ومن الممكن الاستعاضة عن إزالتها ببيعها أو إعطائها للفلسطينيين كجزء من التعويضات. ويصر الحزب على بقاء كريات أربع في الخليل والمستعمرات في الأغوار.
الاحتمال الثالث: تعديل الحدود أي ضم مناطق استراتيجية من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية بموجب مشروع ألون والاحتفاظ بالمستعمرات التي أقيمت حول القدس وداخلها وشريط عرضه 10ـ 15 كيلو متراً على امتداد الغور وجيوب عند اللطرون وقلقيلية وطولكرم وجبل الخليل. ويرفض الحزب الانسحاب من القدس الشرقية ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من "إسرائيل". وبالتالي يصر على الاحتفاظ بالقدس والمستعمرات التي أنشئت داخلها وحولها كنقطة إجماع لكافة الأحزاب والقوى السياسية في إسرائيل.
سكتت القيادة والسلطة الفلسطينية عن الاستيطان في ظل حكومة ايهود باراك( العمالية) فتابعت الحكومة الإسرائيلية الاستيطان بخطى سريعة في باب العامود وفي شمال وجنوب ووسط مدينة القدس الشرقية. مما زاد تصميم سلطات الاحتلال على إقامة مستعمرة جديدة في قلب القدس العربية لتكون بؤرة دائمة لإراقة حمامات الدم التي لن تنتهي إلاّ بإخراج آخر يهودي من مدينة الإسراء والمعراج تطبيقاً للعهدة العمرية التي تنص على وجوب عدم وجود اليهود في المدينة المقدسة.
وكان الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية في عامي 1999 و2000 إبان عهد باراك ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، حيث نجحت في تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة وحوّلتها إلى كنتونات معزولة، ومحاطة بالمستعمرات اليهودية والطرق الالتفافية والثكنات والقواعد العسكرية. وصادرت أراضي جديدة بذريعة توسيع المستوطنات القائمة والتزايد السكاني وإقامة مستعمرات ضمن الأراضي المصادرة.
وظهر بجلاء أن مبدأ حكومة باراك العمالية قام على أساس إنه ليس من المهم عدد المستوطنين أو حتى عدد الشقق السكنية ولكن المهم مصادرة أراضي فلسطينية جديدة وإلحاقها بإسرائيل عبر الوسائل التالية:
ـ "إقامة مستوطنات جديدة تحت غطاء توسيع المستوطنات القائمة. ومثال جيد على ذلك هو مستوطنة إيتمار التي وسع باراك أراضي مخططها الهيكلي بستة أضعاف.
ـ المستوطنات الجديدة هي قانونية (حسب قانون الاحتلال) لأنها داخل حدود المخطط الهيكلي للمستوطنات.
ـ تربط بين كل المستوطنات طرق التفافية شبه فارغة تماماً. ترمي إلى خلق شبكة طرق إسرائيلية وإلى إغلاق المدن والقرى الفلسطينية".
"منذ توقيع اتفاق المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي في واشنطن يوم 13/9/1993، زاد عدد المستوطنين اليهود في مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 20%"
وجسّد وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق اسحق مردخاي في لندن بتاريخ 23/11/1996 الموقف الرسمي الإسرائيلي المتمسك بالاستيطان وتوسيعه عندما قال:
"مبدئياً لا يمكننا أن نقول لإسرائيلي أبداً، الآن وفي المستقبل، إنه لا يستطيع أن يعيش في المكان الذي يختاره في أرض "إسرائيل". لكن سياسة حكومتنا (العمالية) الحالية تقوم على أساس أننا لن نبني المزيد من المستوطنات. لكننا سنسمح بتوسيع مستوطنات قائمة استجابة للنمو الطبيعي لسكانها".
إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية هي سياسة وممارسات استعمار استيطاني زاحف لا يتوقف ما دامت الهجرة اليهودية مستمرة وما دامت إسرائيل تؤمن بأن فلسطين هي وطن الشعب اليهودي ولكل يهودي في العالم حق المجيء إليها، لإقامة "إسرائيل العظمى" من النيل إلى الفرات. لذلك لا يجوز أبداً أن يقبل عربي الاعتراف بها والتعايش معها.
وتكثف "إسرائيل" سياستها الاستيطانية والتوسعية والاستعمارية والقمعية ضد المدنيين العرب لإدامة احتلالها وشرعنته وقهر المقاومة وكسر الإرادة وفرض الإذعان والاستسلام.
لذلك كان يتعين على مجلس الأمن الدولي اتخاذ تدابير فعالة واستخدام القوة والعقوبات الاقتصادية لتنفيذ قراراته التي رفضتها ولا تزال ترفضها ولإنهاء الاحتلال والاستيطان والتوسع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، لاسيما وأن إسرائيل تمعن في انتهاك مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بتأييد ودعم كاملين من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.
إن سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي المحتلة تتنافى مع قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني وأبسط المفاهيم الإنسانية والحضارية.
ويشكل بقاء المستعمرات استهتاراً بالسلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، ويعرض السلم للخطر، ويعيد العلاقات الدولية مئة سنة إلى الوراء إلى مرحلة سيادة قانون الغاب. وتتصرف إسرائيل وكأنها فوق مجلس الأمن وفوق القانون بسبب دعم الولايات المتحدة لها، فلولا الولايات المتحدة لما استطاعت إسرائيل أن تحتفظ في الأراضي المحتلة حتى اليوم.
فالحل الوحيد هو إخلاء المستوطنات على الفور وتفكيكها وإعادة الأرض إلى أصحابها الشرعيين وتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقها بهم الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرون اليهود.
ويزداد التوتر بين المستوطنين والفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين، مما يفسح المجال "لإسرائيل" بالتدخل تحت حجج وذرائع كاذبة وواهية لمتابعة تحقيق المشروع الصهيوني.
إن المفاوض الفلسطيني مطالب أن يصر على إجبار "إسرائيل" دفع التعويضات على الخسائر والأضرار البشرية والمادية التي ألحقتها بالفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وتزيد التعويضات عن ثمن المستوطنات. لذلك عليه أن يطالب بملكيتها كجزء من التعويضات التي يجب أن تدفعها إسرائيل للشعب الفلسطيني.
إن موقف الشعب الفلسطيني والدولي بتفكيك المستعمرات ودفع التعويضات مطلب عادل وواقعي وشرعي يتماشى وينسجم ويحقق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. ويحقق مبدأ الأرض مقابل السلام التي وافق عليها المجتمع الدولي مقابل التخلي عن الاستعمار الاستيطاني والمستعمرات والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس والجولان، ودفع التعويضات عن الخسائر والآلام والعذابات التي ألحقتها "إسرائيل" بالإنسان العربي والأرض والمياه والثروات والبنى التحتية وبالبيئة العربية وحتى التعويض عن المدة الزمنية التي أشعلت فيها إسرائيل العديد من الحروب العدوانية بحق فلسطين وسورية ولبنان والأردن ومصر.
إن حصاد أوسلو المر واعتراف رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بـ78% من مساحة فلسطين "لإسرائيل" وتنازله عنها قاد إلى تسريع عملية الاستيطان في الضفة والقطاع. إن بقاء المستوطنات حتى في التسوية النهائية تحت سيطرة الدولة الفلسطينية خيار غير عملي وغير شرعي وغير عادل ومرفوض ولا يمكن القبول به ويعني شرعنة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني اليهودي.
فالحل الوحيد والشرعي والعادل يتطلب انسحاب المستوطنين وتسليم المستوطنات كتعويض عن استغلال الأرض والمياه والبيئة الفلسطينية وكجزء من التعويضات عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالشعب الفلسطيني. ويحمل وجود المستوطنين في الدولة الفلسطينية عامل أساسي في عدم الاستقرار وعدم إمكانية التعايش معهم، لذلك نصر على تفكيك المستعمرات ورحيل المستعمرين وإلزام "إسرائيل" بدفع التعويضات.
***