هلوسات شتوية
في ليلة شتاء رياحها صرصر قد لا تبقي ولا تذر كنت أحاول إيقاد المدفأة التي أقسمت ألا تعمل إلا عند ارتفاع المناخ إلى درجة ما تحت الصفر وكأنها تمتد بجذورها التصنيعية إلى الدول القطبية الثلجية ، متأثرة بموجة السياسات الدولية و الثقوب الاوزونية.
اقتحم البرد علي خلوتي وأفسد عليّ ليلتي و خشيت من قرب نهايتي المناخ أصبح في تبدل كالمواقف الدولية .. دراماتيكية .. أوتوماتيكية .
قفز ذهني وتبعه بصري إلى نافذة الحجرة .. السماء مكفهرة ولا تبشر بليلة هادئة ، الرياح قوية مصحوبة بنخات ثلجية وأخبار تناحرية .. ورشقات كلامية .
حاولت إيقاد المدفأة من جديد لم أوفق .. حاولت ثانية وثالثة ورابعة حتى الرابعة .. لم أفلح .
يداي تنكمش بردا وأسناني تصطك قراً وقشعرية انتابت جسمي خوفا وفزعا وهلعا ولم أعد أمتلك من زمام المبادرة أمراً.
شعرت بألم مفاجئ من داخل فمي قد حلّ بي ، لم أستطيع مقاومته ، بدأ يتسارع شيئا فشيئا.
راجعت حساباتي الشهرية وذاكرتي المنسية وتساءلت :
هل في الأيام الهاربة من التاريخ سهرت ليلية رومانسية وحلمت بالوحدة العربية وأبليت بالمكسرات شر بلية ؟؟
أم تحدثت لأحد ممن لا أعرفهم بحرية و تسلل فيروس أو سوسة سنية .. نكاية بالمر بعينية الشتوية أو بالمواقف العربية من جوهر القضية ؟؟.
بدأت أجيل الطرف من حولي لأجد ما يسكن ألمي فوقعت عيني على مرآة صغيرة كانت تمتلكها جدتي في صباها .
فتحت فمي ونظرت إلى داخله وصوبت باتجاه الألم فكان الضرس المنخور قد نظر إلىّ باستهجان وشرع بالقول :
أنا هنا .. سأسومك سوء العذاب وسأجعلك لا تعرف النافذة من الباب وتتمرغ بالأعتاب وتحسب لي ألف حساب وحساب .
وقفت مندهشا وللظاهرة شاجبا .. منددا .. مستنكرا .. مستهجنا .. من شدة الألم أخذت الأرض منبطحا.
أمام وقاحته وجرأته فرض عليّ موقف أن أتخذه حتى لا ينظر إليّ بالضعف والاستكانة وقبول الذل والاهانة حزمت أمري وقررت أن يكون الحل تفاوضيا واسبقه باللقاءات التشاورية والتمثيل على مستوى الفكوك السفلية والعلوية والغدد الدرقية الظاهر منها والمخفية .
البيان ختامي .. وجع الضرس كألم العرس .. وما أكثر أعراس أمتي .
وبما أننا سواسية حتى في أضراسنا التي تمضغ ولا تقطع ، والقطع و العض فهي للنواجز لتخفيف من حدة الألم عند الضرورة .
وخشية من التهاب المواقف الحادة في اللثة وعند أول محاولة اعتراضية .. تفاوضية يقع الالتهاب والتورم في العلاقات التجاورية .. الكروية، تحدث إفرازات صديدية تزيد من الألم فلا نستطيع فتح أفواهنا بسهوله ، و لا نستطيع بلع الطعام ، أو حتى الأشربة الطبيعية وبالتالي تصبح الرائحة كريهة من تكرار المفردات الكلامية ، وترتفع الجدران الفولاذية والسياج الأمنية ودرجة الحرارة الجسدية أمام رسالة هيفاء و هبة و ناسي الغفرانية ومواقفنا تجاه قضايانا المصيرية وأهدافنا التناحرية التقسيمية وتدخل مرحلة الهلوسة الكلامية ونقع في المحظور ونتهم بتمويل مشاريع تنموية إرهابية و تغيير في الخارطة الجغرافية السياسية والإحساس بالتعب والإعياء والاقياء و اضطرابات في الغدد اللمفاوية وتورم في الجيوب الأنفية ، ونظافة الجيوب الشخصية و يصبح ضرس العقل أو الحكمة مصطلحا ومخرجا وذريعة للكماشة القوية والغارات الصاروخية و بؤرة تسبب الألم بين الحين والآخر ، وقد يمتد الألم إلى الأذن والعين واللسان والعقل وإذا تسلل إلى العقل يكون الأمر يحتاج إلى تدخل الفرق الطبية لاستئصاله من أساسه أفضل من خلق مضاعفات تجاوزية على الأحناك ( فنكون في الطب نصير في البيطرة ) عندها تكون المسألة قد خرجت من دائرة السيطرة إلى دائرة البيطرة وبالتالي إلى خارج التغطية والسكن في المنطرة .

هل تعتقدون بأن وجع الضرس يفعل ما فعل بي من هذيان وهلوسات كلامية ؟؟
لا أعلم .. الحكم عندكم .
أبعد الله عنكم وجع الضرس .. وكسر النفس .. والهلوسات الليلية الشتوية .
بقلم
محمد سيد حسن