دين الله لا يُنصر بالأكاذيب.. إنجيل تركيا مثالًا
وردني عن عدد من الأفاضل هذا المقال التالي الذائع على تويتر: "الفاتيكان يصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب!! بإعلانه العثور على نسخة من الإنجيل من العهد القديم عمرها أكثر من 2000 عام، تؤكد أن المسيح عليه السلام ليس الله، ولا ابن له، وأنه لم يُقتل" ا هـ
قلت: صاحب المنشور جمع إلى الجهل الكذب..
أما الجهل فقوله: "نسخة من الإنجيل من العهد القديم"، والإنجيل شيء غير العهد القديم، فكيف يكون منه؟!
ومن جهله قوله: "عمرها أكثر من 2000 عام"، والصحيح أنّ عمر هذه النسخة 500 سنة فقط؛ إذ إنّه مكتوب بخط واضح في هذه الوثيقة أنّها قد نسخت بيد رهبان دير في نينوى "في سنة ألف وخمسمائة من [ميلاد] ربّنا" "ܒܫܢܬ ܐܠܦܐ ܘܚܡܫܡܐ ܕܡܪܢ".
ومن جهله أنّ النص الإنجليزي للفديو يزعم أنّ هذه الوثيقة هي إنجيل برنابا، بحسم، والأمر ليس كذلك كما سيأتي..
ومن كذبه قوله: " الفاتيكان يصدم العالم المسيحي ويقلب النصرانية رأسا على عقب!!".. والفاتيكان لم يُصدم، ولم يُعلن شيئًا، بل كثير من الغربيين أصابتهم صدمة لانتشار هذه الدعوى بين المسلمين..
ومن كذب صاحب الفديو أنّ هذا الإنجيل قد كتب بلغة المسيح، والصحيح أنّ أنّّ المسيح قد تكلّم الآراميّة الجليلية، وأمّا هذه الوثيقة فمكتوبة بآراميّة متأخرة..
ومن كذب صاحب الفديو أنّ النصارى قد اختاروا الأناجيل الأربعة وتركوا ما عداها في مجمع نيقية في القرن الرابع.. والصحيح أنّ مجمع نيقية لم يتعرض البتة إلى أمر الأناجيل الرسمية والمرفوضة (ولي فديو على النت في ذلك).
هذ الإنجيل الذي أعلن عن اكتشافه في تركيا سنة 2012م –وقد وُجد في قبرص سنة 2000م-، مجهول المضمون، فلم تصدر في دراسة نّصه دراسة واحدة إلى الآن.. وكلّ ما نعرفه عنه أنّه إنجيل كتب بالسريانية منسوخ في نينوى سنة 1500م ..
يذهب عدد من الباحثين إلى أنّ هذا الإنجيل هو إنجيل برنابا. قلتُ: إنجيل برنابا إنجيل مزيّف كتب في العصر الإسلامي على يد نصرانيّ أسلم –على الراجح-، وفيه نفَسُ غلاة الصوفيّة المسلمين.. وهو معروف منذ القرن الثامن عشر –وأصله أقدم بقرنين أو أربعة على الراجح-.. وقد كنتُ قديمًا أدافع عن أصالة هذا الإنجيل -متابعة لما شاع في المكتبة العربية- ثم مع دراسة أبوكريفا العهد الجديد تبيّن لي أنّ نص هذا الإنجيل مقطوع الصلة كليّة بالتراث القديم، وأنّ ظاهر التلفيق فيه واضح..
انتشار خبر النسحة السريانية المكتشفة في تركيا باعتباره نصرًا للدعوة، لا يؤول إلّا إلى تشويه الدعوة نفسها بتقديمها على أنّها تتبّع الوثائق المزوّرة لنصرة الدين.. الإسلام في غنى هذه الوثيقة، والفاتيكان لم يصدم العالم النصراني.. الفاتيكان لن يصدم العالم النصراني إلا عندما يجتهد أبناء الإسلام في البحث العلمي المحقّق بدراسة النقد النصّي، والنقد الأعلى، واللاهوت المقارن، والنصرانيات المبكّرة، ويسوع التاريخي، والأركيولوجيا الكتابيّة..
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) الدكتور سامر عامري