الباب الأول
الفصل الثاني
لأن قابيل لم يستخدم
ضاع الملك فاروق
لقد كنت أدير مؤشر الراديو ذات يوم ، لأحصل على تردد البرنامج العام المصري ، وعندما أوقفت المؤشر على تردد البرنامج العام كان هناك برنامج حواري مع احد الضيوف ، والذي كان يقول حينها بمجرد أن أدرت المؤشر " علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نسائكم سورة النور " ثم قال الضيف صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرفت أن هذه الكلمات هي جزء من نص حديث شريف ، فنقلته بسرعة على غلاف احد الكتب التي كانت في متناول يدي حينها ، لأبحث فيما بعد عن نص الحديث كاملا" في المراجع الدينية .
ثم تساءلت بيني وبين نفسي ، لماذا يتعلم الرجال سورة المائدة وتتعلم النساء سورة النور، ولم استطع فهم ذلك الأمر فهما" صحيحا" إلا بعد أن احتجت قصة ابني ادم ؛ قابيل وهابيل لأثبت بها وجهة نظري فيما سأكتبه ألا بعد مرور العديد من السنوات. فسألت احد أئمة المساجد عن السورة التي توجد بها هذه الآيات فأشار لي بأنها في سورة المائدة ، واحضر مصحفا" ، فوجدنا الآيات في الصورة محصورة بين الأرقام في الآيات 27 ، 31 وهنا و بعد قراءتي لهذه الآيات عرفت لماذا يجب أن يتعلم الرجال سورة المائدة والنساء سورة النور .
إن في سورة المائدة دعوة للرجال ولو ضمنية بأن يستخدموا عقولهم لا عواطفهم وشهواتهم ، كما انه أيضا" فى سورة المائدة دعوة لمن يتفكر ويتدبر بالا يضحى بأي شي من اجل جمال امرأة وخصوصا"إذا كانت التضحية من بني جنسه الذكور ، ويكفى أن ما وصف به قابيل ، بعد قتله لأخيه هابيل بأنه أصبح من الخاسرين ،وأصبح من النادمين ، واليك القصة مختصركما وردت في تاريخ الطبري ، والتي ورد ذكرها تقربا" في جميع الديانات السماوية.
" عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان لا يولد لأدم مولود إلا ولدت معه جارية فكان يتزوج غلام هذا البطن جارية البطن الأخر ويزوج جارية هذا البطن غلام البطن الأخر ، حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل ، وكان قابيل صاحب زرع ، وكان هابيل صاحب ضرع ( أغنام وماشية ) وكان قابيل أكبرهما ، وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل وان هابيل طلب أن ينكح ( يتزوج ) أخت قابيل ، فأبى عليه قابيل ، وقال له هي أختي ولدت معي وهى أحسن من أختك ، وان أحق أن أتزوجها ، فأمره أبوه أن يتزوجها هابيل فأبى ، ثم أنهما فربا قربانا إلى الله أيهما أحق بالجارية ، وكان ادم يومئذ قد غاب عنهما واتى مكة ينظر إليها .
فال الله لأدم : يا ادم هل تعلم أن لي بيتا" قال : اللهم لا ، قال : - عز وجل – فإن لي بيتا" بمكة فأته فقال ادم للسماء : احفظى ولدى بالأمانة فأبت ، وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت ، فقال لقابيل فقال نعم ، تذهب وترجع وتجد اهلك كما يسرك .فلما انطلق ادم قربا قربانا" ، وكان قابيل يفخر عليه فيقول ، أنا أحق بها منك ، هي اختى وأنا اكبر منك ، وأنا وصى أبى ، فلما قربا ، قرب هابيل ضرعة سمينة ، وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها ، فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ( وكان معنى ذلك أن الله عز وجل قد تقبل قربانه ) ، فطلبه قابيل ليقتله فراغ منه فى رؤوس الجبال، فأتاه يوما" من الأيام وهو يرعى غنمه في جبل وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء لا يعلم كيف يدفنه ، فبعث الله الغرابين ليرياه كيف يدفن أخاه ..... إلى أخر القصة .
ومن قرأة هذه القصة علينا أن نلاحظ : -
أن العلاقة بين الرجل والمرأة نشأت جمالية جنسية ؛ لأن قابيل أراد البنت الجميلة .
أن المرأة تطلب لشكلها لا لعقلها ، أو فعلها الحسن ، أو لشخصيتها .
أن العقل وحساباته لم تستخدم فيها لان قتلك لأخيك من اجل امرأة دون حتى أن تكون زوجتك هو منتهى سفاهة العقل وضعفه ، لأن اى امرأة لن تنفعك كأخيك .
أن علاقة الزواج بين الرجل والمرأة بدأت قصرية إجبارية ، لا يوجد لكل منهما اختيار ، فقابيل كان مرسوما" له أن يأخذ أخت هابيل ، وهابيل كان مرسوما" له أن يأخذ أخت قابيل ، وعندما تدخل العنصر البشرى لتغيير هذه القاعدة ، ارتكب الإنسان أول جريمة .
أن الحب قديما" جدا" لم يكن موجودا" بين الرجل والمرأة وإنما الحب وسهم كيوبيد هو اختراع معاصر حدث في أيامنا المعاصرة ؛ ساهمت في اختراعه عوامل عديدة ، وساعد في ظهوره بالصورة التي نراها عليه الآن والتي ستتطور فيما بعد ، وقد تكون هذه العوامل ، عوامل سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية .
وقد يؤكد فكرتي السابقة وضع المرأة في الإنسانية عبر التاريخ وعصوره المختلفة والتي سأنقل لك منها بعض المقتطفات المقتضبة والسريعة ، ففي العصور القديمة وضع المرأة في اى مكان وزمان كان واحدا" ، إلا فيما خلا وندر ، ولا يعبر عن القاعدة العامة التي سوف يأخذ عليها هذا الكتاب .
فما حدث بعد تفرع وتكاثر نسل البشر على الأرض فقد بدأ يتضح لنا ما كان عليه أمر الزواج في حالة تعدد الرجال وتعدد النساء بطريقة تسمح بالاختيار و الانتقاء ، لكن علىً هنا أن أشير إليك وأحيطك علما" بأن المرأة في هذه الفترة لم يكن لها اى دور إطلاقا" إلا في حالات نادرة وشاذة . فبالبحث عن دور المرأة بعد ذلك نجد إنها مجرد شيء ؛ ليس مثلها إلا مثل خيمة تقام في اى مكان ، وحسبما يريد صاحب هذه الخيمة ؛ مثل درع أو سيف يباع ويشترى ؛ مثل ارض ترعى فيها القبيلة ثم تهجرها متى شاءت ، مثل الإبل والغنم ؛ تسلب فتؤخذ عنوة ، فقد كانت في كل الأحوال غنيمة وبلا قيمة .
فمما وردنا عن الأقدمين ، وكتبهم وسيرتهم أن الملوك والأثرياء ، بل حتى الناس العاديين ، كان لديهم من النساء المئات ؛ منهم الزوجات ، والمحظيات والجواري ، والإماء، حتى لتتمنى إن تكون في عصر سيدنا سليمان لو قرأت عدد النساء التي كان يملكها ، فلم تكن المرأة قديما" إلا شيئا" للمتعة وإنجاب الذكور، وهى نفسها شيء ثانوي وبلا قيمة في ذاتها.
ولقد ظلت المرأة على هذه الحال ملكا" للرجل دائما" ، بل ليس ذلك فقط ؛ بل إنها كانت مجرد هدية يبعث بها إلى من يحب من الرجال من اجل التودد والتقرب، أو توهب لأحد المساعدين والأنصار ، أو تزوج لأجل معين ، أو تؤجر مقابل اجر أو عمل ؛ وليس أدل على ذلك إلا ما رواه البلاذرى في كتابه ( فتوح البلدان ) من أن رجلا"من أهل الشام ، اتفق مع أخر على أن يرعى له غنمه في نظير أن يهبه زوجته تبيت عنده ، وقد دعاهما عمر بن الخطاب لما علم بذلك منهما .......
للإطلاع على بقية الموضوع يرجى الرجوع إلى كتاب ( الحب قبل الزواج ... رؤية من الماضي للمستقبل ) للمفكر والأديب / فؤاد سلطان