ثمانية أيام في الجحيم
أ.د. محمد اسحق الريفي
قصص كثيرة تُروى حول وحشية جيش الاحتلال الصهيوني وسلوكه الإجرامي إبان حرب غزة، ولكن السيدة هديل، من حي الزيتون بمدينة غزة، تروي لنا قصة من نوع آخر، إذ تبين هذه القصة ليس فقط وحشية الجنود الصهاينة وإجرامهم، وإنما كذلك جبنهم واتهاماتهم الباطلة للمقاومين باستخدام المدنيين دروعاً بشرية.
إنها قصة استخدام الجنود الصهاينة للنساء والأطفال دروعاً بشرية لثمانية أيام متصلة، ذاقت خلالها عائلة هديل أشد أنواع العذاب والمعاناة القاسية، وتعرضت للأهوال والمهالك، سيما أن الجنود كانوا يهددون العائلة بالقتل على مدار الساعة طيلة تلك الأيام! فبعد أيام من بداية الحرب البرية على غزة؛ اقتحم الصهاينة أحد المنازل في الأطراف الشرقية لحي الزيتون، بالقرب من الحدود الشرقية لمدينة غزة، وهو منزل مكون من عدة طوابق وتقطنه عدة أسر من عائلة واحدة. وقام الجنود بأسر جميع من بداخل المنزل من الرجال، ثم قاموا بنقلهم إلى السجون بعد تعصيب أعينهم وعرضهم على عملاء للاحتلال لتحديد الانتماء السياسي لهؤلاء الرجال!!
ثم قام الجنود الصهاينة بزج من تبقى في المنزل من النساء والأطفال في غرفة واحدة واستخدامهم دروعاً بشرية تحميهم من ضربات المقاومين، بينما انتشر جنود آخرون في باقي شقق المنزل واعتلوا سطحه؛ لرصد المقاومين في المنطقة أثناء الاشتباكات الضارية بين المقاومين وجنود الاحتلال الصهيوني، الذين اختبئوا داخل دباباتهم تحت غطاء كثيف من الطائرات والقذائف المدفعية.
وتناوب الجنود الصهاينة على المكوث في الغرفة مع النساء والأطفال لمدة ثمانية أيام متتابعات! وتقول السيدة هديل، وهي مهندسة ولها طفلتان إحداهما رضيعة، إن النساء لم تتمكن من الخروج من الغرفة إلا بإذن من الجنديين، وكان أحد الجنود يصاحب النساء والأطفال عند خروجهم من الغرفة لقضاء حوائجهم، بينما بقي الجندي الآخر في الغرفة. وكانت النساء تجدن حرجاً كبيراً عند إرضاع أطفالهن، وكانت حماة هديل تطلب من الجنديين الخروج من الغرفة لتتمكن النساء من إرضاع أطفالهن، ولكن الجنديين كانا يرفضان ويكتفيان بغض النظر!
وعانى الأطفال والنساء من الخوف الشديد، والجوع، والعطش، والحرمان من النوم، بسبب تهديد الجنديان لهم بالقتل إذا لم يلتزموا الصمت والسكون. أما الرجال، فلا يزالون في سجون الاحتلال حتى الآن، فقد لفق الاحتلال لهم تهمة مساعدة المقاومين، وبرر الاحتلال تهمته بالعثور على صور بعض قادة حركة حماس معلقة في المنزل! وتروي هديل كيف عاث الجنود الخنازير في المنزل تخريباً وتدميراً، إضافة إلى القذارة التي خلفوها في كل مكان، والتي تدل على سلوك بهائمي لا يقبله أي إنسان.
وفي خضم الخوف والذعر والمعاناة، حاول أحد الجنود طمأنة المحتجزين في الغرفة، فسألته هديل عن سبب قتلهم لعائلة السموني، فأجاب قائلاً: "لقد كانوا من حماس والجهاد". وتدحض هذه الإجابة شائعات العملاء وأذناب الاحتلال بأن الجنود الصهاينة ارتكبوا مجزرة ضد عائلة السموني بعد العثور في أحد منازلها على أسلاك لألغام أرضية انفجرت في إحدى الدبابات!
ظل الجنود الصهاينة مختبئين في المنزل إلى نهاية الحرب، ولم يخوضوا أي مواجهة مع المقاومين، فقد اكتفوا بالتترس بالنساء والأطفال، وهي تهمة ألصقها العدو الصهيوني بالمقاومة واتخذها ذريعة لارتكاب الجرائم القذرة ضد الأطفال والنساء والشيوخ!
ربما كانت عائلة هديل سعيدة الحظ! إذ لم تتعرض بفضل الله وحده لما تعرضت له عائلات أخرى من قتل جماعي؛ كما حدث لعائلة السموني والداية وغيرها من العائلات المنكوبة، لأن الجنود الصهاينة حرصوا أن تبقى عائلة هديل أحياء حتى يحتموا بها!
3/2/2009