دمشق
صحيفة تشرين
بيئة
الثلاثاء 13 تموز 2004
سعاد جروس
ربيع دمشق الساحر، كان يغرينا بقطع المسافة بين الجامعة في المزة الى منطقة البرامكة القريبة من مركز المدينة، سيراًعلى الاقدام. كنا مجموعة من الطلبة الوافدين الى العاصمة للدراسة واخرين من الدماشقة، في طريقنا، كان نهر بردى يؤنسنا، ولاندري وهو يماشينا ان كان سيحط رحاله متعباً في مكان قريب، قبل ان يصل الى مصبه، كان على خلاف سمعته الحسنة، قد أصابه الاضمحلال والضعف، يجري ساهياً بتؤدة الى حتفه، انموذجاً للموت الصامت للانهار وقد يكون للمديح الذي احيط به على ألسنة العامة وفي المحفوظات المدرسية رد فعل طائش من جانبنا، جعلنا نسخرمما شاع عنه اكثر من ان نحزن عليه.

نهر بردى حكاية غير طلية اليوم، لكنه سر جماليات دمشق، هذا السر لم يختلقه عوام الدمشقيين، وانما كتب عنه المؤرخون والرحالة الشرقيون والغربيون، فالرحالة ابن بطوطة عندما فضل دمشق على جميع البلاد واطلق عليها جنة المشرق، وصفها بأنها ارض سئمت كثرة الماء حتى اشتقات الى الظمأ. بل إن حصة بردى من الشعر اكبر، فلم تخل منه قصيدة تغنت بالعاصمة دمشق، ولم يأت شاعر الاوطابت له الإقامة فيها، واستمد من ماء نهرها السلسبيل،مداداً لقصيدة عصماء كانت عرفاناً بالجميل لمنظر اعاد الى روحه الصبا والشباب واوحى اليه بالحب وعشق الحياة. حتى أمير الشعراء أحمد شوقي استهل قصيدته به وخلط ماءه بالدمع مشيداً بالحرية وثورة السوريين عام 1925: ‏

سلام من صبا بردى أرق ودمع لايكفكف يا دمشق ‏

مجرى الذهب ‏

إذا نحينا الشعر جانباً، تبقى المفارقة فاقعة بين جدول معتل، بؤرة للقمامة ومرتعاً للحشرات، وماسجله الاديب الدمشقي نعمان قساطلي في وصف دمشق عام 1879 بأنها مدينة كثيرة المياه والبساتين، موقعها في سهل خصيب في غوطة تعد من افضل جنات الدنيا، والى شمالها جبل قاسيون يزيدها بهاء ونضارة فتصبح جنة تجري من تحتها الانهار فيها كل انواع الفواكه والبقول، وكل ماتشتهيه نفس الانسان من مأكول ومشروب ومشموم ونزهة وانشراح... ويشير القساطلي بأنه في جميع اسفاره لم يرماء كمائه في النقاوة والجودة. كذلك الوجيه الدمشقي عبد العزيز العظمة 1930 في كتابه« مرآة الشام» واصفاً ماء دمشق :« ماء دمشق عذب فرات سائغ شربه، وليس فيه كماغيره اثر للجراثيم التي تولد البثور قط».

عورغريب يسيطر على شباب وافدين عرفوا بردى حبراً يفيض على ورق الكتب المدرسية بندى المسك والعنبر، وشبان دمشقيون احفاد اولئك الذين تتيموا بخرير مياهه وزرعوا من جيل الى جيل حنين حكايات صبواتهم المشبوبه عن السيارين على ضفافه في الربوة والهامة وبساتين الغوطة. كلاهما يعجزان عن ايجاد تفسير لما حل بنهر سماه الاراميون ابانا وأمنا، تناسلت منه حياتهم، ووصفه اليونانيون بـ( خرايسوراس) مجرى الذهب، دلالة على صفاء مائه وبهاء جريانه، واطلقوا عليه اسم « باراذيوس» وتعني الفردوس، التي جاء منها اللفظ العربي « بردى». ‏

حضارة الماء ‏

منذ ذلك الزمن والى أمد قريب، لم يبخل بردى بمياهه الوفيرة على كل من حل بحوضه، فتكاثرت بفعل كرمه التجمعات السكنية لتشكل مركزاً لحضارة مدنية في العهد الروماني، تمثلت في سدود وشبكة ري متقدمة، قبل استخدام الالات لحفر الابار واستخراج المياه الجوفية، ساد في حوض دمشق توازن مائي تقليدي اعتمد على الينابيع الكثيرة المنتشرة في سهل سرغايا والزبداني والديماس وصيدنايا وسفوح جبل الشيخ، كانت تمد السكان باحتياجاتها من مياه الشرب والزراعة،عبر اقنية تدعى بالفجارات الجماعية، اوصلت المياه حتى سهل القطيفة، وجيرود، بالاضافة الى اقامة سدود تحويلية على وادي بردى والاعوج ووادي منين لتتفرع الى انهار هي: يزيد* ثورا* بانياس* القنوات* الديراني* المزاوي* وجرى انشاء شبكة ري توصل المياه الى احيائها المتشعبة وازقتها الضيقة، عبر انابيب وقساطل فخارية وحديدية تحت الارض، عندما تبلغ الاحياء تتوزع في المقاسم« الطوالع» الكبيرة والصغيرة، بنسبة اتساع الحي المخصصة له، والطالع عبارة عن حوض متوازي المستطيلات يأخذ ماءه من فرع رئيسي من النهر. ويطلق على نقطة انطلاق الماء من النهر الى الطالع اسم الماصية، ويتدفق من خلال انابيب فخارية محكمة القفل الى الطالع، ومنها الى انانيب فرعية تتوغل في الدور والمنشآت، وبعض الاحياء الدمشقية اخذت اسمها من الطوالع كحارة السبع طوالع، وحارة طالع الفضة. من جانب اخر لعبت المراتب الاجتماعية بين العائلات دوراً في توزيع حصص المياه التي كانت تباع مقاديرها بموجب حجج شرعية مع العقار وحصل البعض على حق استخدام فروع ثانوية عند الحاجة. ‏

الثواب ‏

استمر هذا النظام المائي لقرون طويلة، قبل ان تبدأ رحلة عذاب النهر، ويداهم التلوث بعض افرعه نتيجة زيادة عدد السكان، ما اضطر الحكومة العثمانية الى جر قسطل حديدي من عين الفيجة الى المدينة مباشرة دون ان تمتزج بمياه الافرع الاخرى، جعلت له خزاناً عاماً في الصالحية لماء الشرب فقط يعمل بضغط انسياب الماء، فيما استمرت الفروع الاخرى بالجريان لاغراض الغسيل وري النباتات، ومافاض منها،يجري مستوراً مغطى في قنوات الصرف الصحي لتصب في انهر خاصة كنهر بانياس الذي سمي لقذراته بـ« قليط» فكان يدخل القلعة ويقلط اقذارها لتصب فيه لاحقاً فضلات مياه الاحياء الواقعة في جنوب القلعة. فيما تنحدر باقي الانهر متوجهة الى الشرق والجنوب، بعد ان تسقي حدائق المدينة وقرى الغوطة وبعض قرى المرج ووداي العجم المتصلة بالمدينة، حيث تتفرع في الغوطة الى عدة أفرع منها: العقرباني والداعياني والمليحي والزبيديني والزابون والبيلاني والملك والشيداني والابيض، وكل منها يسقي جهة من ضواحي دمشق. عبرتخصيص نهر لكل مجموعة من القرى. تتناوب على الاستفادة منه خلال ايام محددة، ماعرف بنظام« العدان» يشرف على تنظيمه الشاوي، تعينه القرية لقاء أجرمعلوم لضمان وصول الماء الى القرية ومنع التعديات والتجاوزات على «العدان» ويتولى تسليم الدور لنظيره في القرية التالية في قاموس الصناعات الدمشقية للقاسمي يعرف الشاوي بـ« المحافظ على طوالع الماء وسير الدمن»، وهو « القنواتي» المكلف ايضاً بالتفتيش على الطوالع الواقعة ضمن مسؤوليته ويتعهد تنظيفها من الاوساخ واوراق الشجر، كيلايسد قساطلها، وعمل الشاوي يتكامل مع حرص السكان، وبالاخص المستفيدين من نهري يزيد وثورا بتعزيل النهرسنوياً، فكانت المياه تقطع عن النهرين بأذن من الحكومة لينظف العمال مجراهما قبل قدوم موسم الفيضان، عناية كفلتها التقاليد الاجتماعية المتوارثة، احد سكان حي العمارة اكد ان المسنين من اهالي الحي كانوا يقومون بتنظيف الطوالع بأيديهم كل صباح لدى مرورهم من أمامها في الطريق الى عملهم لما في هذا السلوك من ثواب كبير عند الله. ‏

احتضار ‏

لامبالغة في وصف دمشق اوائل القرن التاسع عشر بجنة تجري من تحتها الانهار، تحديداً اثناء الحكم العثماني، فقد ابدى الولاة اهتماماً بالغاً في زيادة السقايا والسبلان، وعملوا على تدفق المياه منها الى الشوارع والاسواق والحارات، وبدورهم قام السكان بجرها الى البرك والنوافير في المنازل، واعتنوا ببناء البحرات بأشكال مختلفة تضمن سقاية احواض النباتات المنزلية والشرب والطبخ والاستحمام كمالعب ايصاله الى قاعات الجلوس و الاستقبال دوراً في تخفيف وطأة حر الصيف، ولولاه لما اغتسلت صباحاتهم الندية بمائه المضمخ بعبق الياسمين ورائحة زهر الليمون. الا أن التقاليد والجهود الاهلية للعنايةبسلامة النهر آلت الى الماضي، ولم يكد القرن العشرون ينتهي حتى ماتت بعض أفرعه تماماً وزالت من الوجود كنهري يزيد وثورا ومخلفين وراءهما صدى قصيدة الشاعر الدمشقي فتيان الشاغوري من العصر الايوبي: ‏

يزيد يزيد القلب شوقاً اليكم وثورا اسير الوجد فهو جليل ‏

اماباقي الانهر الشقيقة، فقد أمست سواقي صغيرة تلفظ انفاسها الاخيرة تحت ركام الوخم ومخلفات المصانع المنتشرة في محيط دمشق، وحده الفرع الرئيسي مازال صامداً، ينتظر كل سنةعطاء مواسم المطر ليجدد معركته الخاسرة مع الجفاف، مراوغاً قدرته على البقاء بقدر العطاء. ‏

ماكان، كان ‏

المحير، الدأب على تجاهل مايحل ببردى من خنق واختناق مستمرين منذ بداية القرن العشرين وحتى الان فبردى يعاني منذ عقود من تراجع غزارته وجفافه، بسبب تفاقم الاستهلاك تحت ثقل الانفجار السكاني وزيادة حفر الابار بتأثير شح المطر. وقد يتعين على الاجيال التي لم تعرف دمشق ونهرها قبل دخولهما القرن العشرين، العودة الى كتب التاريخ للتعرف على ماضي مدينتهم، التي اشتهرت بنقاء هوائها، وحلاوة مائها، وشذا حدائقها، وكثرة أشجار بساتينها ولذة فاكهتها دمشق حين كانت قطعة من الطبيعة البكر، تتخلل جنباتها الانهار، وتتسلق جدرانها العرائش الخضراء وتلغو باحات بيوتها بالورود الشامية المتنوعة. مشاهد لم تعد سوى خيالات مبعثرة حفظتها الصور الفوتوغرافية للفرنسي بونفيس الملتقطة مطلع القرن الماضي. منذ ذاك الوقت،بدأت دمشق رحيلها المتتالي والدؤوب، ولم يبق منها على الارض مايشير اليها سوى الأسماء الحامل الاخير لظلال الماضي، في حين باشر الزحف السرطاني للعمران دون هوادة ولارحمة، القضاء على غوطتها بلغ أوجه في العقدين الاخرين، مستبدلاً الحزام الاخضربحزام من الصفيح والفقر. ‏

من الحب ماقتل ‏

لم تفقد دمشق عشاقها، الولع بها يتوراثه الاحفاد عن الاباء والاجداد، بل وربما كانت تعاني من تكاثر العاشقين المتلافين الجهلاء الكسولين، حتى ليصدق عليها القول ومن الحب ماقتل. فالهجرة المتنامية اليها من الريف تكاد تقضي عليها،فإن تركز حوالي 42% من سكان سورية، في مدينتي حلب ودمشق تستأثر دمشق بالحصة الاكبرمنها مؤشر يثير القلق حول المستقبل، اكثربكثير من القلق على ضياع الماضي واندثاره بفعل اختفاء بعض معالمه من الوجود، اذ لاسبيل للعثور على اثر لفندق فكتورية المبنى الجميل والضخم المطل على بردى وكذلك دار الحكومة المهيبة، التي اعلن من على شرفتها بيان استقلال سورية الاول 1920. اما ساحة المرجة التي اخذت اسمها من مرج الحشيش، البساط العشبي الاخضر الذي يحف بنهر بردى ويقصده الاهالي للتنزه والترويح عن النفس، مع ما اقترن به لاحقاً من ذكرى شهداء 6 ايار الاليمة الذين اعدمهم جمال باشا السفاح قد تحولت الى منطقة اسواق شعبية تكتظ بفنادق من الدرجة العاشرة، بكل مايحمله ذلك من ازدحام بشري وتلوث مزمن، يجعل اغنية «زينوا المرجة والمرجة لينا شامنا فرجةوهي مزينة» مثار اسى، واسف بعد ان كانت اهزوجة العزة الوطنية. ‏

الشام كانت فرحة حقاً، ولنا ان نتخيل انهار مياهها تتدفق صاخبة لتصب في المجرى الرئيسي «بردى» النابع من مدينة الزبداني بين سلسلتي جبال حرمون والقلمون45 كم غرب دمشق، ليقطع 71 كم قبل ان ينتهي في بحيرة العتيبة* جفت عام 1955 * ينحدر خلالها وقبل دخول دمشق شرقاً ليمر في عين الفيجة ويمتزج بمائها الغزيرة، رافدة بردى الى جانب مياه ينابيع كثيرة تنتظره على الطريق الطفها وأصفاها مياه عين الخضراء، وبعدها يتجاوز النهر منطقة الهامة ليبدأ بالتفرع الى سبعة جداول تغلغل كالشرايين في جسد المدينة حاملة معها الحياة والخضرة والنماء، دون ان يجد سبيله الى بحر بعيد، كما هي عادة مسيرة الانهار وكأنه هبة الطبيعة لهذه المنطقة من بلاد الشام لتقوم اقدم مدينة مأهولة في العالم. ‏

النبع والانسان ‏

حسبنا استعادة مناظر بردى في اتجاهات دمشق الاربعة، واصطفاق مائه في طوالع البيوت وتناثرها من نوافير البحرات، لنفهم احاسيس الدمشقيين، وهم يسمعون غناء فيروز اثناء حفلات معرض دمشق الدولي منذ اواسط القرن الماضي الى العقود الاخيرة منه كان التصفيق يعلو كلماشدت بكلمات سعيد عقل: شام يا ذا السيف لم يغب، وليشتد التصفيق مقاطعاً صوت فيروز كلما بلغت مقطع: ‏

اناصوتي منك يابردى مثلما نبعك من سحبي ‏

وليس ثمة افتعال ولا انفعال،بل واقع الحال في وصف الاديبة الدمشقية سهام ترجمان في كتابها «يامال الشام »تأثير تلك اللحظات، عندما يرتوي صوت فيروزبماء الشام فيروي غليل السميعة تغني فيروز ويبتل الصوت في حلقي، اسمعها عطشى فارتوي اشرب من بردى وكأنني اشرب صوت فيروز. واضيع بين الحقائق والاوهام بين النبع والانسان معاني الشعراء البليغة في بردى اصبحت صوراً من الماضي التليد، اذ اين نجد اليوم موازياً لشعر الياس أبوشبكة: ‏

الماء في بردى عذب مرقرقه كأنه لؤلؤ في عين حوراء ‏

ماتبقى ماء عكر جاد عليه الزمن بشتى ألوان الحظ العاثر، رغم الجهود الكثيرة التي تبذلها الحكومة السورية لانقاذ مايمكن انقاذه من بردى، في ظل تفجرسكاني يسجل احياناً تزايداً يتجاوز 4% ما ادى الى ارتفاع عدد سكان سورية من نصف مليون في بداية القرن العشرين الى 3 ملايين في منتصفه الى حوالي عشرين مليوناً في نهايته، تتركز نسبة كبيرة منهم في دمشق، ما عكس خللاً كبيراً في الموازنة المائية، والدراسات جارية منذ سنوات للبحث عن موارد مائية جديدة، الى جانب مشاريع لحل مشكلة تفاقم تلوث لم تعد تجدي معه اجراءات محافظة دمشق للتعزيل والتنظيف السنوي التي تسبق موسم الفيضان الذي يبدأ في كانون الاول ويستمر حتى شهر اذار من كل عام ومع تغير المناخ العالمي فقد يتأخرموسم الفيضان. اماموسم التحاريق فيبدأ من حزيران ويستمر حتى تشرين الثاني، يكون فيها النهر بأسوأ حالاته. ففي عام 1999 تعرضت دمشق لموسم جفاف دفع محافظة دمشق للقيام عام 20002 بمشروع تبليط مجرى النهر وبناء نوافير صناعية في بعض المناطق لايقاف ماينجم عن الجفاف من انتشار للأوبئة والحشرات، وهوما اثار اعتراضات كثيرة على ماقد ينتج عن هذا المشروع من ضرر بيئي بالغ بالنهر، بعزله على محيطه الطبيعي وتدمير بعض حلقات الدورة البيئية الطبيعية ولعل موسم الهطول المطري الوفير الذي جاء العام الماضي وهذا العام اعاد الحياة لبردى، فارتفع عز منسوبه على نحو غير مسبوق منذ عقود، وجرف معه الرواسب والنفايات متحدياً التعديات عليه وتفاءل الناس خيراً بعودة بردى يتدفق كما في سابق زمانه وان لم يكن معافى تماماً. معيداً الى الاذهان ذكريات الفيضان الزودة وصدى نداءات الاهالي« يا جيران يا إجت الزودةش فيهرع الناس ويلملمون اثاثهم وحاجياتهم من الطابق الارضي «التحتاني »المهدد اولاً، والهروب الى الطابق العلوي« الفوقاني» اما من يضطر لمغادرة بيته الى عمله، فعليه اللجوء الى شباب اقوياء البنية يمتهنون في هذا الظرف الطارئ حمل الناس على ظهورهم او نقلهم بعربات جر، لقاء فرنكات قليلة مقابل توصيلهم الى الضفة الثانية. ‏

ترنح الحلول ‏

نظام جريان بردى مازال محكومًا بعوامل عدة منها: نظام التشغيل لسد التكية، والسحب المائي من نبع بردى ونبع الفيجة وصرف المياه المستعملة لمدينة دمشق، وتزويد مناطق الاصطياف وتوسع مدينة دمشق، والسحب المائي لري مزارع جديدة خارج اراضي غوطة دمشق التقليدية، تسهم هذه العوامل في بقاء الخطر قائماً يتهديد النهرلذا تتجه الحلول نحو البحث عن موارد مائية جديدة كجر مياه الفرات الى حوض دمشق، اوجرمياه من الجولان المحتل. الحل الاول مكلف جداً، اما الثاني فغير ممكن طالما الجولان محتلاً من قبل« اسرائيل»، وهناك من يفكر بوضع حد للهجرة الداخلية الى دمشق والعمل على الاغراء بالهجرة الى شمال سورية حيث الفرات ودجلة وذلك عبر ايجاد فرص عمل لهم هناك. حلول ترنح ضمن امكانات اما مفتقدة اوهزيلة مهمابلغت لن تعيد الى بردى امجاده، ولن تعيد الى دمشق، القها المائي فالحضارة التي تمثلت في احترام الانسان لهبات الطبيعة، بلغت حدود التقديس انحرفت عن مسارها حين ظن الانسان ان التقدم على خصام مع الطبيعة، وسمح لنفسه باستباحتها مستغلا صمتها الى ان بدأت تتخلى عنه فعلا ليصبح اعتلالهادليل تخلفه وهمجيته يقول المؤرخون: لولابردى ماكانت دمشق الان،من يرى دمشق والهجمة ‏

العمرانية العشوائية والقبيحة، يقول لولا دمشق لما مات بردى، فالنهر الذي صبر ‏

قروناً طويلة فقد القدرة على التحمل، لقد اوفى للسكان بعهده ومدهم بنسغ الحياة. لكنهم اليوم تنكروا له وحوله مجمعاً لنفاياتهم، دون ان يثنيهم ذلك عن التعزل به والتغني بماضيه. والتحسر على ضياعه، وفي الوقت نفسه لايوفرون جهداً للزراية به وتدميره ونفيه من الحياة. كحال الاشياء العزيزة مأواها الماضي والذاكرة و الشعر، اما الحاضر فقد اعتاد على الجفاف والقبح وتشويه الطبيعة وسلخها عن الانسان، حتى لو علمتنا الحضارة ان الجمال متعة للعين وبهجة للنفس عاشها اجدادنا على ضفاف بردى، في رحلة مع الماء والخضرة والوجه والحسن. اما نحن فنستسلم لقضاء غاشم، نرمق بردى بحسرة، ونعزي النفس بأن دوام الحال من المحال، وكأن نصيبنا اليوم أن نشهد الاحتضار البطيء والطويل لنهر دمشق العنيد. ‏