بعد الانقلاب العسكري: جريدة الأهرام.. وحرية التعبير!
أ.د. حلمي محمد القاعود
drhelmyalqaud@yahoo.com

عقب الانقلاب العسكري الآثم ، تغيرت الأحوال فجأة في الواقع السياسي ، فقد عين الضابط القائم بالانقلاب بالأمر المباشر رئيسا للدولة ، وأمر الصحف وأجهزة الإعلام بالحملة الضارية على الرئيس الشرعي والدستور الذي صوت عليه الشعب والإسلام والحركة الإسلامية ، كما قام بحل المجلس التشريعي واعتقال القيادات الإسلامية وإغلاق القنوات الإسلامية ومهاجمة مكتب قناة الجزيرة في القاهرة وتوقيف رئيسه ورئيسقناة الجزيرة مباشر – وتم استدعاء الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل من الساحل الشمالي حيث يقضي الصيف ليشيطن الرئيس الشرعي والحركة الإسلامية ويبارك الانقلاب العسكري ..

من مظاهر الانقلاب الأساسية تقييد حرية الرأي واستعادة جهاز أمن الدولة بصورة أكثر توحشا وترويعا ، وإنهاء ثورة يناير عمليا ، ونقل السلطة للأقليات السياسية المعادية للديمقراطية .

حرية الرأي التي كانت متاحة تحت حكم الرئيس الشرعي محمد مرسي ، تم شطبها من الواقع الصحفي والإعلامي تماما، فلم يعد يكتب في الصحف القومية إلا الموالون للانقلاب العسكري، وتمحجب جميع مايكتبه الرافضون للانقلاب سواء من الإسلامييين أو الوطنيين. جريدةالأهرام مثلا كانت تستضيف بعض الكتاب الإسلاميين أو المعبرين عن التصور الإسلامي، ولكنها في اليوم التالي للانقلاب العسكري، أوقفت جميع مقالاتهموأعمدتهم ، وكان من حظي أن يتوقف العمود اليومي الذي كنت أكتبه تحت عنوان " حفنة سطور"، وتلقيت بعد أيام أن الأمر مؤقت لحين ترتيبات جديدة ، والواقع أنها صيغة مهذبة للقمع المؤبد الذي فرضة جهاز أمن الدولة الإرهابي الفاجر على الصحف الحكومية، أما الصحف الخاصة والحزبية والطائفية فهي تعمل بتوجيهاته منذ عهد بعيد ، وقد تم منع جريدة الحرية والعدالة في طبعتها الثانية قبل أيام ، ورفضت مطابع الأهرام طبع العدد التالي ، واستنجدت الجريدة بنقابة الصحفيين ، ولكن النقابة دخلت مع الجريدة في مساومات موجهة من أمن الدولة بتقليل كميات العدد المطبوع ، وتخفيف لهجتها ضد الانقلاب العسكري . كما تواردت أنباء عن إيقاف جريدة الشعب التي يصدرها حزب العمل، وحذف موقع الجريدة الألكتروني من الشبكة العنكبوتية.

العجيب أن مقالات الرأي جميعا في الأهرام على سبيل المثال تشيد كلها بالانقلاب العسكري وتسب الرئيس الشرعي والحركة الإسلامية بأقذع الألفاظ، وتنشر أكاذيب لا أساس لها من الصحة مثل ضبط خلية فلسطينية في المقطم تابعة لحماس، أو ضبط سورى في الميدان يعمل لحساب الاخوان، وتتجاهل الواقع على الأرض والميادين التي تمتلئ بملايين الرافضين للانقلاب العسكري سواء في القاهرة أو المدن المصرية، ثم إن الجريدة في الأخبار والتقارير والحوارات التي تنشرها، منحازة تماما إلى الانقلاب العسكري والديكتاتورية العسكرية والأقليات السياسية الموالية للديكتاتور.

لقد أصبح التعبير عن حرية الرأي منعدما تماما بعد استيلاء أمن الدولة تماما على الصحف، وسيطرته على الاعلام الرسمي،وإغلاقة للقنوات الإسلامية،وقد عبر هذا الجهاز عن وحشيته عند إغلاق هذه القنوات حيث حمع العاملين فيها والضيوف بطريقة مهينة مذلة، وقد كان أفراد هذا الجهاز الارهابي يمارسون وحشيتهم مع بعض المذيعين أمام كاميرات التصوير الصحفية التي اصطحبوها معهم فضلا عن أجهزة الهواتف المحمولة الني كانت مع أتباعهم وهم يصورون بعض المذيعين وهم يضربونهم ويسبونهم بأقذع الشتائم والألفاظ.

وقد تكررت هذه المشاهد المهينة المذلة في انتهاك بيوت القيادات الاسلامية عند القبض عليهم ، ومن ذلك ما فعلوه مع نائب المرشد العام للاخوان المسلمين ، حيث اقتحموا بيته دون استئذان ودخلوا على زوجته وهي بملابس النوم وصوروه بملابسه الداخلية في مشاهد لم تحدث في عهد الطواغيت السابقين، مع أن الرجل وأسرته لم يهربوا ولم يقاوموا ولكنها تجليات الاستبداد الارهابي.

لقد أنهى الانقلاب العسكري ثورة يناير عمليا، وألغى حرية التعبير التي كانت من أهم مكاسبها مع الحريات العامة والديمقراطية، واستدعى حكومة الفساد العميقة التى ظلت تحكم مصر ستين عاما،وأعاد مصر العربية المسلمة إلى بيت الطاعة السعودي الذي جهز للانقلاب وموّله وساعد عليه بأمواله وقنواته الفضائية وخاصة قناة العبرية، ليحرم الشعب المصري من التعبير عن إسلامه وهويته وأمله .

لقد انتصرت دولة شاوشيسكو في مصر، بعد أن نال الجلادون ورموز الفسادوالقتل واللصوصية براءات نهائية، وينتظر أن يلحق بهم مبارك وأسرته .

إن الاستراتيجية الإعلامية للانقلاب العسكري تتمثل في تشويه الملايين التي نزلت إلى الميادين تأييدا للشرعية واتهامها بالإرهاب والعنف، وترسيخ هذه الاستراتيجية القنوات التى يحركها جهاز أمن الدولة الإرهابي، والقنوات التابعة للسعودية والإمارات، من خلال عرض الأكاذيب والتدليس والتضليل، والاستعانة بأبواق الزور وكتاب البهتان من الموالين للاستبداد والمعادين للتصور الإسلامي، مع التهيئة للمذابح والمجازر ضد الملايين الوطنية التي تعتصم في الميادين والشوارع وتثبت للعالم كله أنها ضد الانقلاب العسكري ودولة مبارك .

وتعتمد الاستراتيجية الانقلابية وهي تصادر حرية التعبير على معارضة هشة باعت نفسها للاستبداد العسكري ، وإشاعة أكذوبة كبرى تقول إن الإسلاميين لا يقبلون بالديمقراطية ، ولكنهذه الأكذوبه تسقط وتؤكد على أن المعارضة التي باعت نفسها للعسكر هي التي ترفض الديمقراطية وصندوق الانتخابات ، وهي التي تصنع العنف، وترفض الدستور والقانون وتنقلب على الشرعية وتقفز إلى الحكم على جنازير الدبابات.