علاقة المرأة المتعلمة بالثقافات الإنسانية
( العربية والغربية )
إن دور الأم كبير جداً في غرس المعاني الفاضلة في ذاكرة أبنائها , فهي المستفيدة أولاً وأخرا من ابنها عند بلوغ سنه , حيث تعيش في بيته مدى حياتها إن أرادت ذلك , لذا عليها أن توجه إمكاناتها ومالها وكل ما تملك إلى ابنها ــ فلذة كبدها ــ بخاصة إذا كانت متفرغة لتربية ولدها ــ ( 4 ساعات ) من وقتها لتعليمه وتثقيفه , وتلبية حاجاته , ثم تخصص ( 4 ساعات ) أخرى لشئون بيتها , أفضل لها من العمل ( 8 ساعات متوالية ) في المصنع , لأن المصنع يعطي الدولار فقط ’ وبه يضيع الأبناء , لكن العمل في المنزل يعطيها الدولار وسعادة الأبناء والكرامة والراحة طيلة عمرها .

أقصد بالمرأة المتعلمة , تلك المرأة التي تنظم حياتها الزوجية ضمن برنامج أكثر دقة من تنظيم التكنولوجيا التي تمتعنا بآلاف الوظائف في جهاز واحد .
إن واجبات المرأة في منزلها يفوق كل تصور , فهي المنظمة لأوقات أولادها في التغذية وتوفــــــــــــــير الراحة وتثقيفهم والخروج بهم إلى الحدائق العامة والخاصة , وإعداد الطعام والتزين لزوجها قبل عودته من العمل , وتنظيف المطبخ والبيت , وترتيبه وإعداد الملابس لغسلها , والاعتناء بأزهار حديقتها , أو أزهار القوارير على شرفة المنزل , وحيواناتها الأليفة , وإعداد أوقات زيارة الأقارب , وإعداد الأشرطة التعليمية لأولادها , وغيرها من الأعمال الشاقة , التي يمكن تقسيمها إلى قسمين , هما :
.
1 ــ أعمال لدنياها , وهي كل الأعمال التي تحتاجها لسعادتها الدنيوية .
2 ــــ أعمال روحية لليوم الآخر . في الصلاة والعبادة والطاعة , وأعمال الخير كالأمر بالمعروف والنهي عـــــــــن المنكر . إن أكثر اهتمام المرأة تتركز على تربية طفلها , لأنها تؤمن بأن تربية الطفل ينبغي أن تكون من مسؤوليات الزوجة كمرحلة أولى , تسقيه من لبنها , وعواطفها , وتلقنه أفضل الكلمات , وتنمي جسمه بالحيوية والنشاط كل يوم .

إن تربية الطفل ليست أمراً هيناً , بل يشوبها نوع من المشقة , وبخاصة عندما تعطيه جزءا من فلسفة الحياة التي تعلمتها , ليتعلم الخير والتسامح والجمع بين مصالح الدنيا والدين معاً , ليكتسب الطفل تربية واسعة وشاملة , ليبتعد عن حب الذات والتعصب والكراهية لغيره من الأصدقاء , ويتعلم حب الانتماء إلى الوطن , دون تمييز بين الطبقات والمذاهب والجنسيات وألوان البشر , وان تترك الطفل يلعب ويفكر من غير قيد ولا شرط ولكن ضمن التوجيه التربوي السليم لكي لا يخلط بين الفضيلة والرذيلة, وإن تعلم ابنتها بعد بلوغها بأن الحرية المطلقة كلما اتسعت , اتسعت معها دائرة الفساد الخلقي والدمار الحضاري , وأن تتعلم معنى الذوق والخجل والحياء , وتعلمها الصلاة والصبر على الأذى , وأن تعلمها أعمالاً منزلية تفيدها في الحياة الزوجية , وتختار لها أنبل الصديقات , وأن تثقف الفتاة نفسها فــــــي الجامعات ( الدراسة عن بعد ) وأن تتعلم كيف تقضي وقت فراغها , وتستطيع الفتاة الواعية , والزوجة الصالحة إن تستغل وقتها في الإنتاج المنزلي الذي يعوضها عن العمل خارج المنزل , كالأعمال اليدوية من خياطة وتطريز وصناعة أواني القش والفخار ,
وأزهار الزينة , وهذا يوفر على زوجها أضعاف راتبها خارج المنزل , وتستطيع كـــتابة المقالة والشعر والنثر والقصص والتأليف .

وينبغي للأب أن يكون مثقفاً واعياً , ويقدر شعور زوجته بالاحترام المتبادل دون كبر أو مكابرة أو عنف أو قسوة , بلين الكلام ولطيف العبارة , وإن يقف مع زوجته وقفة المربي الناجح , لأنه يدرك أن مناهج التربية والتعليم في العالم كله , لا تكون على مستوى واحد من المعرفة والثقافة والفلسفة بسبب تعدد المذاهب التعليمية , وقد تجد المعلمين أنفسهم على اختلاف في طرق مذاهبهم ومناهجهم وطرق تدريسهم , بل على الوالدين معاً , تنشئة الطفل تنشئة تربوية متعددة الأغراض , تربية شاملة تتضمن جميع مناحي الحياة , الاجتماعية والدينية والاقتصادية والفلسفية وغيرها , وأخذ ما صلح من الفلاسفة ونبذ ما لا يتوافق مــع المبادئ والخلق , وينبغي أن نفهم بأن الطفل لا ينشأ فقط لإرضاء المجتمع , ولا نقبل أن يكون الطفل وسيلة لميول وتطلعات المجتمع , كما لا نقبل أن يكون المجتمع وسيلة لمنح الطفل كل رغباته , فقد تتفاوت الرغبات بين الطفل والمجتمع وتكثر بعدها النزاعات بينهما ومحاولة الإفلات من قيودها , ولا بد من التقاء محاور ثــــــــــلاثة للنمو والتطور
الاجتماعي وهي :
متطلبات الطفل : المحور المتغير الأول
متطلبات المجتمع : المحور المتغير الثاني
متطلبات الدين : المحور الثـابت الثالث

وعندما يدور المحوران ( الأول والثاني ) حول المحور الديني الثابت في فكره الرئيسي من حيث إقامة العدل والمساواة بين الناس ومنع الزنا ومنع الشذوذ الجنسي بين البشر والتوجه إلى رب واحد يعاقب ويحاسب الناس على أفعالهم السيئة , بقيمه وتعاليمه وفلسفته الفاضلة , فإن المجتمع سيتجه إلى منهجين وهما :
المنهج الدنيوي : العمل فيه لمصلحة الناس بكل أمانة وإخلاص .
المنهج الديني : العمل فيه لعبادة الله والوقوف على عمل الخير والصلاح ليقف حائلاً دون ارتكاب المخالفات ومنع الجريمة خوفاً من عقاب الله قبل الخوف من القانون , فالقانون مضل إذا أهمل الشريعة التي بها الهداية إلى النور ليعم الخير والسلام على كل مجتمعات الدنيا .

إن الطفل لا يستطيع البحث عن الحقيقة بنفسه دون موجه ودون ضابط لسلوكه , وتواجه الأم صعوبة في تربية طفلها وهو في الثانية من عمره , حيث يكون عنيداً وتكثر طلباته للحصول على ما يريد , وعلى الأم مسايرة الطفل بالطريقة التربوية التي تراها مناسبة , فالطفل لم يكن متعلماً في بطن أمه , ولا ينبغي أن تتركه الأم على سليقته وفطرته الحيوانية كما ينادي بها ( فرويد ) , لأنه مخلوق يتميز بوجود العقل الذي يرفعه درجات عن سلوك الحيوانات , فوجب توجيه الطفل وتأديبه وضبط سلوكه نحو محور الدين والأخلاق ونحو محور العمل البناء لصالحه ولصالح مجتمعه لكي يتميز عن فطرة الحيوان الشهوانية فقط , وأن تكون حريته مقيدة بقيود الدين والأخلاق لكسب العفة والطهارة ,
وليست حرية مطلقة ضالة , وإلا لما كانت البشرية بحاجة إلى أديان لضبط سلوك الإنسان ضمن البيئة التي يعيش فيها .
والمرأة ينبغي أن تكون مرآة عاكسة للحنان الزوجي أيضاً , وتزرع لزوجها الود والرحمة في قلبها العطوف , ويسمع من ثغرها أنغام الشوق لأغلى مخلوق بين يديها ألا وهو زوجها , لتكون بين يديه واحة خضراء وروضة من رياض الجنة في حياته الدنيا , وتذيقه أحلى ما يشتهيه من ثمارها , وتنتظر قدومه من عمله بعد أن تعد له أطباق الطعام الشهي وباقات الزهور الفواحة برائحتها الطيبة , تقابله بابتسامة وتضمه إلى صدرها كوردة تتعطش للندى وضوء الشمس , وتعاشره بلطف كأنه طير من طيور الجنة , وتهيئ له أسباب الراحة بعد عناء طويل قضاها في عمله , ليزول عنه غبار التعب ويستقبل منها غبار طلع الزهرة التي ترشفها النحلة لجني العسل , لأنه والد أولادها , وينبغي أن تكون له الزوجة المطيعة , والزوجة التي تعمل من أجل إعانة زوجها على تكاليف الحياة , أو أن تقوم على تربية أطفالها بحنانها وعطفها , ولا تنزلق في الشهوات التي تجلب لها المـــــتاعب والهلاك , وأن تزود نفسها بثقافة تحميها من الشر, ولا تخالط الفاسقات فإنهن أذى لنفسها ولسمـــــــعتها , ويلــــــــــوثن
رائحتها العطرة برائحة خبيثة, فالحياة طويلة بين الزوجين , والحرص واجب على بقاء الخيمة الزوجية سليمة من مطبات الضلال والفساد في إطار التربية الزوجية الناجحة , ولتعلم كل امرأة أنها ملكة بيتها , ورئيسة أسرتها , فـــعليها واجبات جمة , لا تضيعها في الغيبة والنميمة أو في القيل والقال مع النساء, وإن تبعد عن نفسها عادة التكبر مع زوجها وصديقاتها , بل هناك مزيد من الأعمال تنتظرها كما سبق ذكره , فإن عملت كل ذلك فهي حقاً امرأة تكنولوجية واعية لمسؤولياتها .