القدس فى استطلاعات الرأى الإسرائيلية
إفرايم عنبـار
ترجمة: عمرو زكريا خليل
أجرينا فى نهاية شهر فبراير 2008 استطلاعاً للرأى حول موقف الشعب الإسرائيلى من قضية القدس، قامت به شركة "مأجر موحوت".وجه الإستطلاع أسئلة للقطاع اليهودى فى دولة إسرائيل وتمثل نتائجه موقف الرأى العام اليهودى فى إسرائيل من قضية القدس. وسأستعرض هنا باختصار النتائج الرئيسية للاستطلاع محاولاً تفسير نتائجه.
كان أهم استنتاج فى الاستطلاع أن نسبة 71% من الذين أجابوا عن أسئلة الاستطلاع يعتقدون أنه لايجب على إسرائيل، حتى مع وجود اتفاق دائم مع الفلسطينيين والاعلان عن انتهاء الصراع مع العالم العربى، الموافقة على نقل الأحياء العربية فى القدس إلى الفلسطينيين بما فى ذلك البلدة القديمة وجبل الهيكل (المسجد الأقصى). فى حين أن 21% من الشعب مستعد لتقديم تنازلات من هذا النوع فى المدينة المقدسة. وحين أوضحنا أن الاتفاق الذى ذكرناه مرتبط بالتنازل عن الأحياء العربية فى المدينة (بدون البلدة القديمة وجبل الهيكل)، حينئذ أيد 40% من الشعب مستعد لتقديم تنازلات. أى أن هناك زيادة كبيرة فى الاستعداد للتنازل عن أجزاء من المدينة المأهولة بالسكان العرب ولقد قلَّت المعارضة فى تلك الحالة من 71% إلى 38%.
وفى سؤال آخر حول إمكانية أن تصبح القدس عاصمة إسرائيل وعاصمة الدولة الفلسطينية عند قيامها فى نفس الوقت، إعتقد 65% من الشعب اليهودى أن الوضع الذى تصبح فيه القدس عاصمة إسرائيل وفلسطين فى نفس الوقت أمر غير ممكن. ذلك فى مقابل اعتقاد 27% أن مثل هذه التسوية ممكنة فى المستقبل.
من الجدير بالذكر أن غالبية تصل إلى 62% من الشعب تعارض حتى طرح قضية القدس فى إطار المباحثات مع الفلسطينيين حول التسوية الدائمة. بل أن غالبية كبيرة من الشعب اليهودى، بنسبة 71%، تعتقد أنه إذا دارت مباحثات مع الفلسطينيين حول القدس فيجب إجراء استفتاء شعبى قبل التوقيع على الاتفاقيات، للتصديق على الاتفاقيات التى تم التوصل اليها وعارض 18% فقط. ورغم إنكار حكومة أولمرت (السابقة) فإن 59% من الشعب يعتقدون أن قضية القدس مطروحة بالفعل على مائدة المفاوضات التى أجريت مع الفلسطينيين فى إطار مؤتمر "أنابوليس للسلام". وفى المقابل فإن 23% فقط يصدقون رئيس الوزراء أولمرت الذى زعم أن قضية القدس سوف تناقش مع الفلسطينيين فى نهاية المفاوضات فقط.
تُطرح قضية القدس أحياناً كقضية ليست إسرائيلية فقط بل كقضية يهودية تستلزم مراعاة مشاعر اليهود فى الشتات. وعندما سألنا الشعب فى إسرائيل حول هذا الموضوع أجاب 48% أنه لا يجب الاهتمام بآراء يهود الشتات أثناء مناقشة مستقبل القدس.
وفى المرحلة التالية من الاستطلاع طرحنا على الذين تم سؤالهم، فرضية التوقيع على اتفاق تنازلت فيه إسرائيل عن أحياء البلدة القديمة وجبل الهيكل (الأقصى) وسألنا ماذا سيكون بعدها. إعتقدت غالبية كبيرة من الشعب، 61%، أنه لا يمكن أو هناك فرصة ضئيلة فى ألا يكون للفلسطينيين مطالب أخرى من إسرائيل. كما اعتقدت نسبة كبيرة 69% أنه لا يمكن أو أن الفرصة ضئيلة فى أن تتوقف أعمال العنف بعد التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وأوضح الاستطلاع أن نسبة 56% يعتقدون أن الاحتمال كبير فى أن تتحول الأراضى التى تُنقل الى الفلسطينيين فى القدس إلى قاعدة لأعمال العنف والارهاب.
كما ظهرت الشكوك من الفلسطينيين لدى أغلبية 51% من الشعب حيث اعتقدوا أنه ليس هناك أى احتمال أو أن الاحتمال ضعيف فى أن يحافظ الفلسطينيون على الأماكن المقدسة لكل الأديان فى البلدة القديمة وفى شرق المدينة.
ومن المثير رؤية أن نسبة 52% يعتقدون أنه لا إحتمال فى أن تساند الأغلبية فى إسرائيل الاتفاق الذى يقدم تنازلات عن الأحياء العربية والبلدة القديمة وجبل الهيكل (المسجد الأقصى). كما اعتقد 44% من السكان اليهود أن اتفاق من هذا القبيل سوف يؤدى الى اندلاع مواجهات عنيفة فى إسرائيل. ويُعتبر هذا الاستنتاج غير مفاجئ وهو أمر عادى فى استطلاعات أخرى تناولت الانسحاب والتنازل عن الأراضى.
يفكر 10% من معارضى الاتفاق الذى يشمل تنازلات فى القدس، أى 7% تقريباً من الذين شملهم الاستطلاع، فى القيام بأعمال عنف من أجل منع تنفيذ الاتفاق. ولم نستطلع ما المقصود بالضبط بأعمال العنف لأنه أمر واضح.
يتضح من الاستطلاعات الأخرى أن الأحياء اليهودية فى القدس الموجودة وراء الشريط الأخضر مثل راموت وجيلو وهار حوما يعتبرها الشعب جزءاً من المدينة ومن دولة إسرائيل ولا تعتبر ذات وضع مشابه للمستوطنات الأخرى وراء الشريط الأخضر. وظهر فى الاستطلاع الذى أجرته جامعة تل أبيب عام 2006 أن نسبة 71% من الشعب غير مستعد لطرحها فى المفاوضات. كما أن 66% من الشعب غير مستعد للتنازل عن مستوطنة معاليه أدوميم والتى تعتبر جزءاً جوهرياً من القدس.
توضح الأرقام والمعطيات السابقة نفسها لكن سأضيف إليها بعض التفسيرات:
أولاً: يفرق الشعب فى إسرائيل، بالطبع، بين أنواع التنازلات المختلفة فى القدس. فجبل الهيكل (الأقصى) ليس كجبل مكبر الموجود أيضاً فى شرق المدينة. ويبدو أن الرؤية السائدة حول جبل الهيكل والبلدة القديمة هى الرؤية التاريخية والدينية والرمزية. وكما ذكرنا فإن 71% يعارضون التنازل عن تلك الأراضى.
وصلت نسبة الاستعداد للتنازل عن الأحياء العربية إلى 40%. لكن الشكل الديموغرافى هو المتحكم فى هذا الموضوع. فجميعنا نعلم أن اليهود فى إسرائيل لا يرغبون فى وجود مواطنين عرب آخرين وذلك من أجل الحفاظ على الطابع اليهودى لدولة إسرائيل. وعادة ما يرتبط الاستعداد للتنازل عن الأراضى بوجود سكان عرب بها. لذلك أرى أيضاً وجود معارضة كبيرة لتقديم تنازلات فى هضبة الجولان وبقاع الاردن التى لا تضم تركزات عربية كبيرة. لكنى مضطر إلى القول إنه فى حالة المسجد لأقصى والبلدة القديمة فالغالبية تفضل الاعتبار التاريخى والدينى والرمزى على الإعتبار السكانى.
ثانياً: النظام السياسى، حيث توجد شكوك كبيرة تجاه الحكومة فنسبة 59% لا تصدق رئيس الحكومة، أولمرت، كما إن71% من الذين شملهم الاستطلاع لا يثقون فى رجال السياسة بخصوص قضية القدس ويرغبون فى إجراء استفتاء شعبى قبل التوقيع النهائى على الاتفاق مع الفلسطينيين. وهذا استنتاج واضح وبارز جداً.
ثالثاً: بخصوص علاقة الاسرائيليين بالفلسطينيين، توضح نتيجة الاستطلاعات أن هناك شكوك كبيرة حول نوايا الفلسطينيين. فالغالبية لا تعتقد أن الفلسطينيين سوف يحترمون اتفاقياتهم مع إسرائيل وأنه رغم التنازلات المقدمة إلا أنه سيكون لديهم مطالب أخرى. كما أن الغالبية على ثقة فى استمرار الفلسطينيين فى أعمال العنف ضد إسرائيل بعد تنفيذ الاتفاقيات. كما يعتقد معظم الاسرائيليين أن الأراضى التى ستنقل إلى سيطرة الفلسطينيين سوف تستخدم كقواعد للإرهاب. أى أن هناك شعور كبير بالتهديد من الفلسطينيين. وتوضح بيانات الاستطلاع الذى أجريناه التطابق التام مع نتائج استطلاعات أخرى. وسأكتفى بذكر نتيجة استطلاع واحد أُجرى قبل عام يوضح أن 70% من الذين تم استطلاع رأيهم يعتقدون أن الفلسطينيين يرغبون فى القضاء على دولة إسرائيل. وهذا الشعور الكبير بالخوف من الفلسطينيين يقوى بالطبع الإتجاه المعارض لتقديم أية تنازلات كبيرة فى القدس. وسُـإلت كثيراً فى الماضى، إن كان سيحدث تغيير فى مواقف الاسرائيليين لو تصرف الفلسطينيون بشكل مختلف؟ الحقيقة أنى لا أعلم ولست متأكداً إن كان يمكن التنبؤ بذلك. ومن المحتمل أن تتغير الصورة فى المستقبل ذلك لو شهدنا تغييراً فى السلوك الفلسطينى على المدى الطويل. فالتجربة التاريخية الاسرائيلية مع الفلسطينيين غير طيبة ومن الصعب تغيير أفكار راسخة لدى الشعب.
على أية حال من الجدير بالذكر أنه بالنظر إلى الوراء نجد تراجعاً فى موقف أن القدس هى مدينة موحدة تحت السيادة الاسرائيلية. ويشير "معيار البطولة" فى هرتزليا، إلى انخفاض أهمية القدس، كمدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل، فى السنوات الأخيرة.
وبمقارنة نسب التأييد التى انعكست فى استطلاعات الرأى فى التسعينيات بخصوص قضية القدس مع نسب اليوم، نلاحظ انخفاضاً واضحاً. ولقد أجرى مركز بيسا (بيجن السادات) استطلاعات فى التسعينيات، لكن تقرر عدم طرح أسئلة حول القدس فى مرحلة معينة وذلك لثبات المواقف. فقد أشارت كل الاستطلاعات فى حينها الى نسبة معارضة 80-85% لأى تنازل فى القدس. أما اليوم فنسبة معارضة تقديم تنازلات فى جبل الهيكل هى بين 70-75% ووصلت فى استطلاعنا الى 71%.
فى يونية 1999 أشار استطلاع "معيار السلام" الذى أجرته جامعة تل أبيب أن 83% يعارضون وجود عاصمة فلسطينية فى القدس، ولقد انخفض هذا الرقم اليوم. فالمعارضون فى استطلاعنا لوجود عاصمة فلسطينية فى القدس وصلوا الى 65% فقط من الشعب.
لا ريب فى أن نقطة التحول التى كسرت ذلك الحاجز، بخصوص القدس، كان فى يولية 2000 فى كامب ديفيد عندما حاولت حكومة إيهود باراك التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين حول كل نقاط الخلاف. فقد بدا باراك فى حينه أنه سيتنازل عن السيادة الاسرائيلية على الأقصى وأنه مهتم بمحاولة تقسيم المدينة بين إسرائيل والفلسطينيين. ومنذ استعداد باراك تقسيم القدس ونحن نلاحظ انخفاضاً بنسبة 10-15% فى تأييد الشعب الحفاظ على القدس الموحدة. ولقد توقف هذا الانخفاض عند حاجز 65%-70%. أى أن أغلبية كبيرة ما زالت تؤيد القدس الموحدة تحت السيادة الاسرائيلية. واستقر ذلك الرقم فى السنوات الأخيرة.
لا شك فى أن أعمال العنف الفلسطينية (الإنتفاضة الثانية) قد شددت من مواقف الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين. يبدو لى على أية حال أن انخفاض تأييد وحدة المدينة قليل نسبياً مع وضع بعض العوامل فى الإعتبار. حيث سمعنا عن أن التعليم من أجل القدس أصبح هامشياً فلا يوجد اليوم تقريباً تعليم من أجل الحنين الى القدس. وقد ذُكر من قبل أننا جميعاً نعلم أن 50% من الجنود فى الجيش الاسرائيلى لم يزوروا القدس قبل دخولهم الجيش. فالقدس فى نظر جزء كبير من الاسرائيليين مدينة خطيرة. لذا لا يزورونها كثيراً. كما أنها فى نظر البعض مدينة اليهود المتدينين (الحريديون) وهم غير محبوبين فى إسرائيل.
يزور جبل الهيكل اليوم بضعة آلاف شهريا ويزور معظمهم حائط المبكى (البراق) أكثر من جبل الهيكل لذا أتعجب فى ظل هذه الظروف أن تكون نسبة الانخفاض كانت 10-15% فقط. وأرى، مع وضع كل هذه العوامل فى الاعتبار، انه مازال هناك ولاء كبير للقدس لدى اليهود فى إسرائيل.
إن العامل الذى يوضح موقف الشعب من قضية القدس وتمسكهم بها هو قوة الهوية اليهودية لديهم. أى أنه من الناحية الاحصائية يرجع التمسك بالقدس بشكل كبير الى التدين.
ومن النتائج الأخرى للاستطلاع أن معظم الشعب لم يَـمَل ومستعد للحرب من أجل القدس. وحتى إن كانت النتيجة التوقيع على اتفاق مع كل العالم العربى فهو مازال غير مستعد لتقديم تنازلات فى جبل الهيكل. ويبدو أن عدد كبير من الاسرائيليين مستعد للاستمرار فى هذا الصراع الدائم. ويرفض 70% من اليهود على الأقل اتفاق سلام تُـقدم فيه تنازلات فى جبل الهيكل حتى إن ارتبطت النتيجة باستمرار الصراع. فالشعب غير متعب من الاستمرار فى الاحتفاظ بالقدس الموحدة.