المؤتمر الوطني للخروج من الازمة الراهنة
بقلم: عماد موسى
في ظل الاوضاع الفسطينيةالمتردية،ووطأة الانقسام، وتربص كل طرف بالاخر، واستنادا الى تجربة الماضي، وحضورهذه التجربة في النتائج الحالية، وفي الاثار المدمرة للشعب الفلسطيني، وفي ظل استمراء ممارسة السلوك السياسي المفرط في الفئوية، والمهيمن ايضاعلى بنى الوعي للنظامين السياسيين الفلسطينيين في غزة والضفة، وفي خضم تحطم جسور الثقة بين طرفي المصالحة"فتح وحماس" وبقاءغزة مرتهنة للخلافات السياسية، لا بد من التفكير بصيغة عملية واكثر تشاركية وتفاعلية من اجل الخروج من الازمة البنيوية الفلسطينية المركبة، والمتراكمة،بحيث تضع الكل الفلسطيني أمام مسؤولياته الوطنية، وإننا نستخدم مصطلح: "الوطنية" وليس مصطلحات أخرى مثل: الحزبية او الفئوية او المناطقية. أو مؤتمر الداخل...الخ.من باب الحرص على البقاء في كينوة اللغة الموحدة والمؤطرة للهوية الفلسطينية والمحددة لهوية النظام السياسي في حال نجاح الوحدة الوطنية.
استنادا الى كل هذا ،فاننا نميل ، الى الرأي القائل بضرورة طرح فكرة "عقد مؤتمر وطني فلسطيني" خارج اطار الهيمنة الاسرائيلية،هذا الرأي الذي بدأ يشكل قناعة سياسية لدن اصحاب هذا الراي،بما يتطلب فعليا، التفكير الجاد لطرح هذه الفكرةعلى جميع التيارات السياسية، بما فيها المجتمع المدني، والشخصيات الاكاديمة، والمستقلين للترويج لها، وتبنيها مستعنين بالراي العربي الحريص على ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
ويهدف المؤتمر أولا وقبل كل شيء إلى بحث الازمة السياسية البنيوية المستشرية في الوضع الفلسطيني الراهن،والتي تراكمت خلال العقدين السابقين،منذ قيام السلطة الوطنية والى اليوم، فربما قد لا نكون مبالغين، اذا ما قلنا بعد تفكيك الازمة البنيوية الفلسطينية، ان هناك عدد كبير من الازمات المتأسسة على الازمة السياسية ، والتي بعضها قد جاء نتائج عقود من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي،وبعضها جاء نتيجةالصراع الفلسطيني الفلسطيني،وآخر نشأ نتيجة الصراع الفلسطيني العربي،ولكننا لن ندخل في اتون التفسيرات لكيفية تشكل كل ازمة على حدة، في هذه العجالة ، وإننا نرى بضرورة التعامل مع ازمتنا البنيوية المركبة، والمتراكمة في اطار البحث والدراسة بهدف ايجاد مخرج يساعد على الخروج من هذه الازمة، بحيث يمكن توحيد جهود الكل الفلسطيني، في حال لقيت الفكرة قبولا، وتم عقد مثل هذا المؤتمر، وتوجيهه صوب حل الازمات، وعلى رأسها الازمة السياسية، لان عليها تتركب كل الازمات الفلسطينية.
فالازمة السياسية، تتمثل في انسداد عملية السلام، وفشل المفاوضات السلمية،وعدم قيام الدولة الفلسطينية، اي فشل حل الدولتين، وتتمثل ايضا في الصراع على التمثيل للشعب الفلسطيني، في ظل ظهور تيارات (اسلامية) سياسية منافسة لمنظمة التحرير الفلسطينية،.والازمة تتمثل في قيام السلطة التي تمخض عن قيامها بروز ازمة ديمقراطية وازمة انتخابات للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة،وخلال فترة ممارسة السلطة الوطنية للحكم استنادا لاتفاقات اوسلو؛والذي من ابرز نتائجه ان السلطة الوطنية الفلسطينية رفعت المسؤولية والعبئ عن الاحتلال،فصار احتلالا غير مكلف من جميع النواحي،فأدى ذلك إلى ميلاد ازمة البطالة في مناطق السلطة في رام الله وغزة،وكشف عن ازمة التعليم، والتعليم الجامعي في غزة والضفة على السواء، حيث تغرق الجامعات الفلسطينية سوق العمل الفلسطيني بالالاف من الخريجين ، والذين اصبحوا يشكلون تهديدا للامن والاستقرار للنظامين السياسييين في غزة والضفة، بالاضافة إلى تزايد الازمات الاجتماعية المتراكمة، وابرزها ميلاد فئات برجوازية جديدة وتشكل طبقات جديدة لايربطها اي رابط بالهم الفلسطيني والعربي، لا وطنيا ولا ثقافيا،
وأخطر هذه الازمات،ازمة المجتمع الأهلي الريعي وتنفيذه لاجندات خارجية تعمل على تمزيق النسيج الثقافي والاجتماعي الفلسطيني على ارضه،مما ادى الى تفسخاته ،وقد تحول الى عبئ ديمقرطي، بعد ان تحول الى مشاريع اقتصادية اسروية، وتقف على قدم المساواة مع السلطة منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة المعضلة ذاتها، وهي عدم امكانية اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.
فالصراع المحموم على السلطة، والتنازع التمثيلي للشعب الفلسطيني،أفضى الى صراع دموي والى ازمة انقسام جيو سياسي مؤدلج،مما طرح قضية المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية على بساط البحث السياسي،وقد طرح الانقسام ازمة الهوية الفلسطينية أيضا، في ظل التخلي عن الشتات الفلسطيني، واقصائه وتركه، وحيدا لمواجهة مصائره،مع بروز ازمة جديدة، وهي: ازمة التشتيت للشتات الفلسطيني الاخذ في التمدد والازدياد، الامر الذي طرح ازمة العلاقة مع الداخل الفلسطيني، والذين نطلق عليهم اليوم مصطلح "عرب إسرائيل" نزولا عند الرغبة الاصطلاحية الاسرائيلية، ووتبرز ايضا علاقة فلسطيني الداخل الواقعين تحت الحكم الاسرائيلي بالسلطة الوطنية الفلسطينية،في رام الله ومع سلطة حماس ايضا.وعلاقة الداخل الفلسطيني بمجامعيه مع مجاميع الشتات.
ناهيك عما خلقه العدوان العسكري الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة من نتائج مؤلمة وتداعيات اجتماعية وسياسية وثقافية،والذي طرح ازمة العلاقة الحالية والمستقبلية، بين غزة والضفة، الناتجة عن تكريس الانقسام الرأسي والأفقي وتجلى ذلك في تباين المواقف لمعالجة نتائج العدوان الاسرائيلي على غزة،والمتمثل في اعادة الاعمار، والاخطر من ذلك كله على المستوى الاستراتيجي، هو ازمة غياب وتغييب للمشروع الثقافي الوطني الفلسطيني الرابط بين الفلسطينيين اأنفسهم داخل الضفة وغزة والقدس وداخل الخط الاخضر وخارج فلسطين، في ضوء المتغيرات الدراماتيكية.واخيرا ازمة الخطاب الاعلامي الفئوي والاسلاموي والانقسامي والتفتيتي والاقصائي والاستبعادي.
مما يطرح سؤالا مركزيا، هل ستفضي هذه الازمات الى ربيع فلسطيني يطيح بالبنى السياسية الفلسطينية القائمة؟أم سوف يفضي إلى رحلة ضياع ابدية للقضية الفلسطينية؟
وذلك،لأن جميع التيارات السياسية، لم تتمكن حتى الان من حل اي مشكلة من مشكلاتها السياسية القائمة، والتي تحولت مع الوقت إلى أزمة داخلية تكاد تعصف بكل تيار سياسي لوحده، وانتقال الازمات الى المجتمع الفلسطيني مما زاد في تشظياته واصطفافته على اسس قبلية ومناطقية.
ونعتقد: ان ذلك يرجع إلى مكونات العقل الفلسطيني من نزعة التأجيل والترحيل، والتجميد والتمديد، والتسويف والاستعلاء والتحقير والاستهزاء بالاخر، ومع تضخم للذاتوية ،بالترافق السيكولوجي المعزز بالخوف والمتحول الى فوبيا، المفضي الى التنازل عن الجرأة السياسية في الوقت الراهن،بحيث تتطلب هذه الجرأة التوجه الى الشعب الفلسطيني، في اماكن تواجده، والى أحزابه او فصائله السياسية اولا ، ليعلن في خطاب سياسي، واضح المخارج، وغير قابل للتأويل يعترف به بفشل سياساته، فالمنظمة يجب ان تعترف بفشلها، نتيجة فشل المفاوضات، وبالتالي الفشل في قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس، وعلى حماس ان تعترف انها مسؤولة عن حالة الانقسام ايضا، وانها قد فشلت في توحيد الشعب الفلسطيني، وفقا لاجندتها وبرنامجها الاخواني،وينبغي على اليسار الفلسطيني ، ان يقر بعجزه الدائم بدءا من توحيد نفسه، وانتهاءا بتطوير ذاته التنظيمية والحزبية، فكانت النتائج كما هي ماثلة للعيان والتي تتطلب بحث معمقا لهذه الفكرة وهي: عقد مؤتمر وطني فلسطيني جامع شامل للكل الفلسطيني، فلا نقصد عقد مؤتمر كرنفالي، متلفز مصور، تتلى فيه خطابات مجلجة واخرى مزلزلة ، وخطابات ثورجية، واخرى حربجية. بل، نقصد بالمؤتمر هنا: أن يكون سياسيا وطنيا يجمع شخصيات سياسية من كل الاتجاهات السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج، والشتات وشخصيات مستقلة،وشخصيات قانونية، وأخرى مختصة بعلم الاجتماع السياسي والاقتصادي ومختصة في الثقافة والاعلام ، من اجل بحث هذه الازمات، والخروج بتوصيات تكون دليلا ارشاديا ملزما اخلاقيا، ووطنيا بحيث تهتدي به الفصائل قبل الذهاب الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني، ونعتقد ان الجهة الاكثر قدرة على عقد مثل هذا المؤتمر هي منظمة التحرير الفلسطينية،لانها كانت وماتزال تحمل بذور الشراكة السياسية،والوحدة الوطنية،وانها جهة التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني،ولانها صاحبة خبرات سياسية متراكمة،وانها ما تزال على علاقة بالشعب الفلسطيني في اماكن تواجده، ومطلة على وضع الشتات والداخل على الرغم من تراجعاتها وخفوت تاثيرها على الشتات .ويمكن للمنظمة ان تشكل لجنة تحضيرية من فصائل منظمة التحرير ومن المنظمات الاسلامية ومنظمات المجتمع المدني ، ومن المستقلين ومن الشتات بحيث تقوم بالتحضير للمؤتمر من الالف الى الياء ولكن تحت مظلة منظمة التحرير لأنها الجهة الاكثر اهلية من غيرها،والجهة التمثيلية المعترف بها عربيا ودوليا والميراث السياسي والوطني للشعب الفلسطيني.
وخصوصا ان المنظمة هي التي وقعت اتفاقات اوسلو،وخاضت التجربة التفاوضية، التي لم تسفر عن قيام دولة فلسطينية،وبمعنى اكثر دقة؛ فشل العملية التفاوضية.والجهة المعنية باعادة النظر في مسيرتها، لتقويم وتقييم ومراجعة نجاحاتها واخفاقاتها.ولانها الوطن المعنوي لجميع الفلسطينيين.حتى لايفهم او يؤول البعض مقاصدنا باننا نرمي الى تاسيس جسم بديل للمنظمة او للاخرين من الفصائل والمنظمات الفلسطينة الاسلامية والوطنية.
Imad-a-mousa@gmail.com