من التفتيت إلى الزوال
أمتي، أمتي أنت المنى والطلب، أنت سويداء القلب،
أدفع عنك بمهجتي كلّ سوء، وأغذّيك بعقلي وعلمي كما تغذّينني بالفكر وتزودينني بدم الحركة والنشاط.
أنت أمتي التي خلقها الله جسداً واحدا، تتنفس من عطائه، وتثري الخليقة بما منحها الديّان.
أمّة واحدة، وقلب واحد، وآمال واحدة،
لا أسمّيها ، لن أقول عربيّة ولاإسلاميّة أو مسيحية،
هي كلّ هذا: إيمان بإله واحد، وإن قالوا: يبدو لنا في ثلاثة أقانيم،
إجماع على أن الله أرسل رسله إلى البشريّة ليقوّمها، وإن تباينت أعدادهم عند كل فريق،
يردّدون: أبانا الذي في السماء تقدّست أسماؤك بأسلوب عربيّ فصيح أو مترجم إلى العربيّة.
الصدق والوفاء والشرف قيمها التي تدافع عنها.
تنوّعت أجناسها وعروقها، فتوحدّت في دم واحد يسري في جسدها،
وتعدّدت سواقي لغاتها لتصبّ جميعها في نهرلسانها الأصيل.
ثانياً: الدفاع عن هذه الأمّة
الدفاع عن هذه الأمّة التي وهبها الله مزايا ليست لأمّة أخرى يفرض علينا الدفاع عنها بالغالي والرخيص، وبالمال والروح،
هذه الأمّة التي تلوّنت فأحسن الله تلوينها نموذج تقتفي الإنسانيّة دروب حياتها في التراحم والتآزر والقيم الأصيلة، وتعطي مثالاً للناس على أن ما يربطه الله أقوى من رباط المال والذهب والفضّة، لا أن تقتفيَ هي أثرأقوام ممزّقة تقتفي دروب التراحم والتآزر والقيم مادامت تحافظ على ذهبهم وفضّتهم، وتتنكّب درب الخير إذا كان فيه خسارة ماديّة وفقدان للمكاسب، تجارها يحافظون في موطنها على (مواصفات) سلعهم لأنهم إن خالفوها خسروا(وإن كان هذا لايمنعهم من المخالفة إن وجدوا إليه سبيلا )، ويتناسَوْن (المواصفات) حيث تخرج سلعهم من رقابة( هيئة الكيل والميزان ). لا نتبع أقواما يًتوحّدون حين تجمعهم مصارف وشركات، ويتنافرون حين لا يجدون إلى تقسيم ( الكعكة ) سبيلا!!
ثالثاً: مصيبة التفتيت
في التاريخ عبر وذكرى لمن تنفعهم العبر والذكرى، أولاها أن الخير المطلق غير موجود في هذه الحياة، ولكننا أمام أصول لا نتخلّى عنها من قيم كبرى ووحدة بين أفراد الأمّة الواحدة.
مرّعلى الأمّة عصور من العدل، وسادها فترات من الظلم ككل الأمم ، لا بل أقلّ من أمم كثيرة لو درسنا تاريخ الأمم حقّ الدرس.
حكمهاحكّام من أبناءجلدتهاممن كانت دماؤهم تنتسب إلى الأصول الأولى أو من الدم الذي سارفي نهر الحياة المشتركة. لم يتذمّر أحد لهذا، بل لأمور إنسانيّة منها ما كان واجباً ومنها مالم يكن مقبولا. مرّت علينا أسرة تركيّة، وحكام من ( المماليك ) والأيوبيين والأخشيدين والطولونيين.. وقبلهم كان العبّاسيون والأمويون.
لكنناقبل قرنين بدأنا نسير واعين أوغافلين في نهج خطيرلا يوازَن بالأخطاءالكثيرة التي ارتكبت في تاريخنا. كان الجهل والفقر والمرض يسود المجتمع، فأردنا أن نتخلّص منها، وساعدنا عليه آخرون، ولكننا سرنا في طريق هم رسموه، كان العلاج في نظرهم تفتيت الأمة الواحدة، فكان الأفغانيّ–لاأتّهمه بشيء كما يفعل بعض من تنقصهم علميّة البحث – رائد الجامعة الإسلاميّة، وهي تفتيت للدولة الواحدة – دون أن نتهمه بأنه أراد ذلك،فلو كنّا في الظروف نفسها فقد يجبرنا التيارالجارف على السير فيما يخططون له - . ويوم أن كان جمال باشا ومدحت باشاوأضرابهمافي دمشق وبيروت واستنبول قاموا ببذرالضغائن لدفع عجلةالتفتيت، وساعدهم عليه إغراءالإنجليزوالفرنسيين للشريف حسين– لاأتّهمه بشيء كمايفعل بعض من تنقصهم علميّة البحث – بأن يكون ملك العرب، فقاتل العربُ العربَ حتى أنجزالإنجليزوالفرنسيون ما وعدوا بتخليص هذه البلاد من ربقة التسلّط العثمانيّ!! لكن على منهج التفتيت والالتهام كما فعلت ببيت المقدس وما حوله، وما فعلته في الاقتطاعات الأخرى تمهيداً لتفتيت أعظم والتهام أكبر. وأرضوا التطلّعات الشعبية بنسيان الدولة الواحدة والقبول بجامعة دول متعدّدة،كنا وقتها نعدّ ذلك جريمة، أما اليوم فنقول: ماأروع أن تكون لدينا اليوم جامعة!
لا أريد أن أسمع بالتعليلات، ولا أن أقبل بالاتهامات، إنّماأريد أن نردد قائلين: نحن على عهدنا ماضون متآزرون، لن ينفعنا انقسام يؤدّي بنا إلى مزيد من التفتيت ومزيد حتى نصل إلى المصير المحتوم: الزوال والخروج من الوجود من أرض الأمم والشعوب.
فهل أصبت الهدف، أم سأزيد الهمّ على الهمّ؟!