بسم الله الرحمن الرحيم
بوركت الهمم العالية
منى الراعي – فرسان التفاسير
قال الله - تعالى - :
"وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا – النساء ٢٠"
تبهرني العقول المتفتحة التي تفسر لنا ما لا ندركه من كلام الخالق جل شأنه
السلام عليكم ورحمة الله
تعالوا وتعرفوا على البلاغة في القرآن الكريم، والدقة في التعبير والبيان، ثم قولوا سبحانك يا عظيم يامنان
متى تكون المرأة زوجاً، ومتى لا تكون ؟
عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظان،
نلحظ أن لفظ " زوج " يُطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها،
وكان التوافق والاقتران والانسجام تامّين بينهما، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي ..
فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملاً، ولم تكن الزوجية تامّة بينهما، فإن القرآن الكريم يطلق عليها " امرأة " وليست " زوجاً "، كأن يكون اختلاف ديني عقدي أو جنسي بينهما ..
ومن أمثلة هذا قوله تعالى :
" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - الروم ٢١"
"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا "
وبناء عليه فقد جعل القرآن الكريم حواء زوجاً لآدم، في قوله تعالى
:
"وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" – البقرة ٣٥
وكذلك جعل القرآن الكريم نساء النبي صلى الله عليه وسلم " أزواجاً " له
في قوله تعالى :
"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ. – الأحزاب ٦ "
فإذا لم يتحقّق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع
فإن القرآن الكريم يسمّي الأنثى " امرأة " لا" زوجاً ".
قال القرآن الكريم : امرأة نوح, وامرأة لوط, ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط
وهذا في قوله تعالى :
"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا" - التحريم ١٠"
إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها منع الانسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي ولهذا ليست " زوجاً " له ، وإنما هي " امرأة " تحته!
ولهذا قال القرآن الكريم : امرأة فرعون,
في قوله تعالى : "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ " – التحريم ١١."
لأن بينها وبين فرعون مانعاً من الزوجية،
فهي مؤمنة وهو كافر،
ولذلك لا انسجام بينهما،
فهي " امرأته " وليست " زوجه "
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين " زوج " و " امرأة "
ما جرى في إخبار القرآن الكريم عن دعاء زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام،
أن يرزقه الله ولداً يرثه فقد كانت امرأته عاقراً لا تنجب، وطمع هو في آية من الله تعالى،
فاستجاب الله له، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة. عندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن الكريم كلمة " امرأة
"
قال تعالى على لسان زكريا :
" وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا-مريم ٥"
وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه، وأنه سيرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امرأته، فكيف تلد وهي عاقر،
قال تعالى :
"قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِعِتِيًّا-مريم ۸"
وحكمة إطلاق كلمة " امرأة " على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما ليست في أتمّ صورها وحالاتها، رغم أنه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية. ولكن عدم التوافق والانسجام التامّ بينهما، كان في عقم امرأته،
والهدف " النسلي " من الزواج هو النسل والذرية، فإذا وُجد مانع حيويّ عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لن تكون تامّة .ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تكن متكاملة، ولذلك أطلق عليها القرآن الكريم كلمة "امرأة،"وبعدما زال المانع من الحمل، وأصلحها الله تعالى، وولدت لزكريا ابنه يحيى، فإن القرآن لم يطلق عليها " امرأة "وإنما أطلق عليها كلمة " زوج "لأن الزوجية تمّت بينهما.
قال تعالى :
"
"وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ *
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ
الأنبياء ۸٩ و ٩٠ "
والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي " امرأة " زكريا في القرآن الكريم ، لكنها بعد ولادتها يحيى هي " زوج " وليست مجرّد امرأته.
وبهذا عرفنا الفرق الدقيق بين " زوج " و " امرأة " في التعبير القرآني العظيم، وأنهما ليسا مترادفين!!