الدكتور جيلالي بوبكر
التجديد والإصلاح بين محمد إقبال ومالك بن نبي
البشر من طبيعته يملّ الآلية والتكرار والرتابة، وفضوله الدائم يجعله يطمح دوما إلى بلوغ الجديد في معارفه وفي سلوكه وفي ذاته وفي محيطه الخارجي، يوظّف جميع إمكانياته الإنسانية والبيولوجية ويستغلّ كافة طاقات العالم الذي يعيش فيه، فيحصل على الجديد، فهو ينفر من هذا الجديد تارة لأنّه تعود على القديم الذي تحجّر وتصلّب فيه، كما قد يُقبل على الجديد بالتأييد والإعجاب لأنّه سئم من القديم ويرغب في التغيير. وظاهرة التجديد التي تمس حياة الإنسان برمتها أو في جزء منها تحصل في الفكر والسلوك ونمط العـيش والحياة عامة, وفي العمل من حيث وسائله وعلاقاته ومنتجاته التي تشكل ظواهر إنسانية منها تتشكل الحضارة, وبها يتحرك التاريخ ويقوم البناء الاجتماعي, فكل ذلك التغيير في جوانب حياة الإنسان وكل ذلك التقدم الذي يحرزه الإنسان من خلال العمل في حياته الفردية والاجتماعية وفي الطبيعة وفي صلته بالكون وخالق الكون, كل ذلك يُعرف بالتجديد الحضاري.
ظاهرة التجديد الحضاري تقوم عليها آيّة محاولة إنسانية حضارية تستهدف بناء الإنسان اجتماعيا وتاريخيا, وتسعى نحو إدخاله حقل التاريخ، كما ترتكز عليها كل انطلاقه لأية أمة متجهة نحو التاريخ والحضارة والتقدم, فهي وراء أيّة نهضة حضارية أو صحوة بعد غفلة وانقطاع عن التاريخ وعن الحضارة، وطبيعي أن ظاهرة التجديد الحضاري ليست وحيا ينزل من السماء, ولا هي هبة من الطبيعة, بل تنتج عن الكدّ و الجد والاجتهاد, ينهض بها مناضلون يؤمنون برسالتهم ويكرسون حياتهم لها. فالتجديد الحضاري هو فعل حضاري من صنع أناس أخذوا على عاتقهم مهمة الإصلاح ومسؤولية التجديد ورسالة الحضارة, وما تنطوي عليه هذه المهمة وهته المسؤولية والرسالة من مخاطر, وما تسببه من متاعب و معاناة, فكانوا بذلك رواد النهضة, وقادة فكر, وصناع التاريخ, وأصحاب كلمة وعمل، فالكلمة الطيبة الحرّة المستقلة مسؤولية و أمانة, والفكرة السليمة جوهرة ودرّة تستحق التضحية لأجلها, وهي جديرة بتحمّل كل الصعاب والتحديّات في سبيلها.
فالتاريخ يشهد أن أيّة حضارة ظهرت قديما أو في العصر الحديث جاء ظهورها بفعل مناضلين كلّ في موقعه, دعا إلى التجديد الحضاري ودافع عنه وحدّد شروطه ولوازمه, هذا التجديد الذي ينبغي أن يجري على مستوى الإنسان ذاته, وفي داخل أعماق نفسه, ثم يجري في المحيط الذي يعيش فيه الإنسان – المجتمع والطبيعة- هذا ما عرفته كافة الحضارات التي شهدها تاريخ الإنسانية منذ وجود الإنسان على الأرض أوّل مرّة إلى يومنا هذا, مثل الحضارات الشرقية القديمة, ومثل الحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية, وكذلك الحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة.
لما كان التجديد الحضاري شرط بناء الحضارة, هذه الحضارة التي نبتت عناصرها وأطوارها ومنتجاتها في محيط مليء بالنقص والفساد والتخلف في جميع ميادين الحياة, وهي إما تقوم في قوم ضارب في حالة البداوة والسذاجة و البساطة والتخلف, أو تقوم في قوم نهض بعد غفلة, وصحا بعد نوم, وتذكر بعد نسيان, وتخلف بعدما كان متحضرا, وفي الحالتين معا فإنّ الأمر يتطلب من القائمين على التجديد الحضاري, وعلى بناء الحضارة وعلى صنع التاريخ, بذل المزيد من الجهد والتفاني في العمل, في المجال الروحي والفكري والعلمي من جهة وفي المجال العملي التطبيقي من جهة أخرى، لأن الحضارة في أصلها تقدم وازدهار وبناء في الجانب الروحي والفكري والعلمي من جهة وتطور في المجال العملي التطبيقي من جهة ثانية, ويتعلق الأمر بالعلوم والأفكار وبالفنون والصناعات والتقنية والعمل ووسائل العمل وعلاقات العمل وبتنظيم حياة الفرد والمجتمع، هذا الازدهار يكون مزدوجا في حياة الإنسان الروحية والمادية. فالحضارة الإسلامية شهدت في أوجها ازدهارا كبيرا في المجال الروحي وسجلت الفتوحات الإسلامية ذلك, كما شهدت ازدهار كبيرا في مجال الزراعة وصناعة الأسلحة و الفن المعماري و غيره.
إنّ حركة التغيير التي ينهض بها زعماء الإصلاح والتجديد لا تنبعث من العدم بل لها أسبابها وشروطها ومراحلها, تجعلها تنمو وتتبلور حتى يكتمل نضجها, فتصبح صالحة للاستعمال, ذلك ما عرفه المسلمون في حضارتهم الزاهية منذ أن أسسها "رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم" إلى وقت أفولها وانهيار معالمها و كيانها ولم يبق منها سوى الذكريات والعبر محفوظة في الأذهان والكتب وغيرها من مصادر التاريخ المباشرة وغير المباشرة، وجاء عصر الانحطاط والضعف في حياة المسلمين وتكلّل بالاستعمار الأوروبي الغربي للعالم الإسلامي فازداد انحطاطا وضعفا على الرغم من بقايا محاولات الدفاع التحررية والفكرية الصادرة ممن تسلحوا بالروح الثورية الإسلامية، سواء في مجال العقيدة أو في مجال الفكر والسياسة أو في مجال الكفاح المسلح، وشهد العالم الإسلامي الحديث بعد الانحطاط والضعف وبعد الاستعمار محاولات عديدة للإصلاح والتغيير والتجديد، وعرف عددا من المصلحين والمجددين، منهم "محمد إقبال" و"مالك بن نبي".
يكاد يتفق الباحثون والنقاد في عصرنا هذا على أنّ زعماء الإصلاح ودعاة التجديد في العالم الإسلامي الحديث والمعاصر يفتقرون تماما إلى رؤية فلسفية ونسق فكري متكامل في تناولهم لقضية الحضارة ومسألة التاريخ، ورؤيتهم للواقع وللتاريخ عاجزة عن الإحاطة بسنن التغيير وعن الإلمام بشروط ولوازم النهضة الحضارية و التقدم التاريخي، فهم ليس بأيديهم فلسفة حضارة أو فلسفة تاريخ ، وهو عوز جعل العالم الإسلامي لا يبرح مكانه، و لا يكون له أمل في النجاة، لكن هذا لا يعني عدم وجود محاولات فكرية نهضوية إصلاحية تجديدية تتسم بالنسقية والرؤية الفلسفية في العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، فأزماته ومحنه صنعت رواد فكر تميّز بالأصالة والتجديد، تجاهلتهم تماما تلك الرؤية، نذكر منهم دائما " محمد إقبال " و" مالك بن نبي "، وهنا لنا أن نتساءل لماذا " محمد إقبال " ؟ ولماذا " مالك بن نبي "؟.
لقد كان " محمد إقبال " على حد وصف من عرفوه و عرفوا فكره وفلسفته متدينا، وفيلسوفا وشاعرا ومتصوفا، وقلّما تجتمع هذه الأوصاف في شخص واحد في عصر مليء بمغريات الحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة التي أبهرت العديد من المفكرين فانغمس في طلبها وغرق في البحث عن استثمار منتجاتها، ولو على حساب قيّمه الذاتية و تراث أمته العتيد. إنّ ارتباط " محمد إقبال " بالإسلام وبتاريخه وفهم كل منهما، وبالحضارة الغربية وبالفكر الغربي والإلمام بهما، وسعة اطلاعه بتاريخ الفكر الإنساني، وإحاطته بظروف وأوضاع المسلمين في عصره، وما تميزت به من تخلف وانحطاط في جميع جوانب الحياة، هو ما جعل منه المفكر المتميز والمجدد الفريد في نوعه، وصاحب فلسفة تمثل الأولى من نوعها في عصره لما توفرت عليه من نسقية وتكامل في المنظور والرؤية إلى الإنسان والحياة والوجود، وكل ما يتصل بها في عالم الدنيا وفي العالم الآخر. والإسلام دين يتميز بالوحدة والحيوية و العالمية بعيدا عن التعصب لعرق أو لون أو لإيديولوجية أو لأرض. والحقيقة في أصلها روحية، مبدؤها روحي ومآلها روحي، والسبيل إليها التجربة الواقعية والتجربة الصوفية معا، من خلال العلم والدين معا، واستخدم" محمد إقبال " عبقريته الشعرية وموهبته الأدبية في نشر فلسفته ودعوته إلى الإصلاح والتجديد، فكان مثالا حيّا للشاعر المسلم، والعالم الداعي والفيلسوف المتميز، والصوفي العامل، وخطته في التجديد تقوم على النقد وإعادة البناء، وهو منهج سلكه وعمل مارسه في فكره وفي كتاباته، أهمها كتاب" تجديد التفكير الديني في الإسلام " الذي عرض فيه عناصر خطته ومنهجه في التغيير والتجديد بشيء من التفصيل في النقد والتصحيح والتقويم، هذه الخطة تمثل جزء من نسقه الفلسفي ورؤيته الفلسفية، وما تميزت به هذه الخطة من عمق ودقة وأصالة وتجديد تجعل الإنسان المسلم وغير المسلم يجد فيها ضالته في التغيير، للوصول إلى مستوى التغيير المطلوب، ذلك ما جعلني أركز في بحثي على هذه الخطة وأوازنها بخطة "مالك بن نبي".
أما "مالك بن نبي" فكان واحدا من المفكرين المسلمين النوادر في عصرنا، اهتم بقضية النهضة وموضوع الحضارة اهتماما متميزا، حيث ركز في ذلك على شروط النهضة ودواعي التحضر، وعلى حصر أسباب التخلف والانحطاط، وعلى تحديد عوامل التراجع وانهيار الحضارات و أفوالها، وقدّم نظرية في الحضارة هي الأولى من نوعها وفريدة في طابعها، كما قدّم رؤية فلسفية إلى التاريخ وإلى الحضارة تختلف عن تلك التي جاء بها "ابن خلدون"، وعن تلك الرؤى التي جاء بها مفكرون غربيون أمثال" أرنولد توينبي" و"أزولد سبنجلر" و"فيكو" وغيرهم، شغلته قضية الحضارة فأدرك أنّ مشكلة كل شعب في أصلها وجوهرها مشكلة حضارته، ولما كانت الشعوب الإسلامية المعاصرة تعيش حالة التخلف والانحلال والانعزال والاستعمار بمختلف أشكاله عاش هو لشعبه ولأمته الإسلامية، ولفكره ولنظرته التي تؤمن بأن العالم الإسلامي يملك الطاقات والإمكانات الروحية والمادية ما يدفع به فعلا إلى المساهمة في حل مشكلاته وهي مشكلات حضارة لاغير وما يؤهله لبلوغ الحضارة والرقي، وما يسمح له بالمساهمة الحقيقة في تطوير العالم.
إنّ التخلف الفكري والثقافي، والانحطاط الاجتماعي والاقتصادي، والاستعمار والقابلية للاستعمار، كلها أوضاع وظروف تنمحي من الوجود إذا تمسكت الأمة بالقاعدة القرآنية التي تدعو إلى التغيير والتجديد والتحوّل على مستوى ذات الإنسان وفي داخل أعماقها، أما تغيير الواقع الخارجي فيكون بعد ذلك بفعل التغيير داخلي، ويكون الله في عون المسلم ما دام يغير ذاته أولا ثم يغير محيطه. يقول تعالى:﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾.[1]
إنّ خطة "مالك بن نبي" في الإصلاح والتجديد هي التي دفعتني إلى الاهتمام بفكره وفلسفته في الحضارة، من خلال موضوع التجديد الحضاري عنده، وهي خطة من دون شك يجد فيها المسلم وغير المسلم تعبيرا عن أوضاعه وعن تطلعاته، و يجد فيها الوسائل والسبل للتخلص من دنيا التخلف والانتقال إلى عالم الحضارة وحقل البناء التاريخي وفضاء الازدهار الاجتماعي.
لما كانت كل من خطة "محمد إقبال" وخطة "مالك بن نبي" في الإصلاح والتجديد متميزة ومتفردة وذات طابع خاص، تستحق العناية والاهتمام، وتستحق الدراسة و البحث و الاستثمار، جاء موضوع بحثي منصبا على التجديد الحضاري في فلسفة "محمد إقبال" وفي نظرية"مالك بن نبي" وعنوانه: "الإصلاح والتجديد بين"محمد إقبال" و"مالك بن نبي" والإشكالية الرئيسية في البحث تضبطها التساؤلات التالية: بماذا يتحدد التجديد الحضاري في فلسفة "محمد إقبال" وفي فكر"مالك بن نبي"؟، أين يختلف"محمد إقبال" مع"مالك بن نبي"في ذلك ؟، وأين يلتقيان؟، ما هي النتيجة التي نخلص إليها بعد حل الإشكاليات السابقة الطرح؟، وما قيمة ومكانة فلسفة إقبال و فكر مالك بن نبي في الحركة الإصلاحية الحديثة والمعاصرة؟.
إنّ بحث موضوع الإصلاح والتجديد بين"محمد إقبال"و"مالك بن نبي"يعود إلى ما آل إليه المجتمع الإسلامي من تدهور وانحطاط في كافة مجلات الحياة، وارتبط ذلك مع وجود حضارة غربية راقية، وبوجود اعتبارات تقول بأن مقوّمات الإبداع والتحضر من نصيب بعض الناس دون البعض الآخر، مثلما هوالحال عند "أرنست رينان" وفي التصور النازي للجنس الآري، والذي يقضي بمركزية التقدم الحضاري في أوروبا وحدها قديما وحديثا ومعاصرا، بينما صيحة "محمد إقبال" ودعوة "مالك بن نبي" إلى الإصلاح والتجديد تبطلا كل زعم من المزاعم الداعية إلى العنصرية المدمرة والمكرسة لظاهرة التباهي والتفاضل بالأجناس القاتلة، فالحضارة لا وطن لها، والعلم ليس حكرا على أحد، والتقدم الحضاري من نصيب أية أمة طالما توفرت شروطه ولوازمه.
أما منهجية البحث التي أوحى بها موضوع البحث وأوحت بها عناصره قامت على العرض والتحليل والموازنة و النقد والاستنتاج، فبحثنا لا يخلو من العرض والتحليل لفلسفة "محمد إقبال" في التجديد و الإصلاح، ولنظرية "مالك بن نبي في التجديد الحضاري، ثم المقارنة بين النظريتين، وبعد ذلك نقد النظريتين مع بيان مكانة كل منها في الحركة الفكرية الإصلاحية الإسلامية الحديثة والمعاصرة، وعلى ضوء هذه المنهجية وزعت البحث على المحور التالية:الإصلاح والتجديد في فلسفة "محمد إقبال"، الإصلاح والتجديد في فلسفة "مالك بن نبي"، نقاط الاتفاق بين المفكرين وعنوان ذلك أصل الحضارة فكرة دينية، نقاط الاختلاف وعنوان ذلك الحضارة بين النظرة الفلسفية الصوفية وبين الفكر العلمي المعاصر، أما الاستنتاج من المقارنة فعنوانه التكامل بين النظرية والتطبيق.
وبما أنّ موضوع بحثي- مفهوم التجديد الحضاري- مرتبط بمفكرين وفلسفتين مختلفتين فالفصل الثالث خصصته للموازنة بين الفلسفتين في الإصلاح والتجديد، انطلاقا من أوجه الاختلاف ثم نقاك الالتقاء ثم استنتاج. وحتى لا يخلو البحث من النقد خصصت مبحثا انتقدت فيه مفهوم التجديد الحضاري عند كل من"محمد إقبال"و"مالك بن نبي"، وكان عنوان المبحث الفكر الإصلاحي عند"محمد إقبال"وعند"مالك بن نبي" في الميزان، ثم وقفت على المكانة التي يحتلها كل من "إقبال" الفيلسوف المصلح المجدّد و"مالك بن نبي" فيلسوف الحضارة المجدّد، في الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي الحديث والمعاصر.
إنّ هدفي الرئيسي ومقصدي من هذا العمل البسيط استيعاب فكر وفلسفة "محمد إقبال" والإلمام بفكر وفلسفة "مالك بن نبي"، والكشف عن جوانب القوّة والدقة واليقين والأصالة والإبداع في فلسفة وفكر كل منهما في الإصلاح والحضارة والتجديد الحضاري، علّنا نجد في إحديهما أو في كلتيهما ما يهدينا إلى سبل النجاة من وضعنا المتردي والمتأزم ومن جهة أخرى أسهم نسبيا في البحث والدراسة التي تختص في الفكر الإصلاحي الإسلامي الحديث والمعاصر، ووضع لبنة في ذلك لأن "البحث هو شعار الحياة في الإسلام، الحياة المتجددة، العاملة، الهادفة، البانية، الحياة التي تصنع الحضارة والرفاهية والأمن والسلام للإنسانية جمعاء".[2]
إنّ مقارنة فلسفة الإصلاح والتجديد عند محمد إقبال بنظرية مالك بن نبي في الحضارة والتجديد الحضاري تقتضي الإلمام بكل محاولة من المحاولتين إلماماً يضمن امتلاك المادة الفكرية الكافية للسيطرة بدقة وعمق على جوانب التماثل والتماسك، وعلى نقاط التباين والتمايز، كما تتطلب أسلوبا يكفل التغطية الشاملة لهذه الدراسة المقارنة. وفي حدود الإمكانيات المتاحة قام هذا البحث، ووصل إلى نتائج ارتبطت بفكر إقبال و بفلسفة مالك و بالصلة بينهما.
فالمتصفح للمحاولة الفكرية الفلسفية في الإصلاح والتجديد عند محمد إقبال يجد أن رؤية هذا الأخير في التغيير و التجديد والحضارة ارتبطت بفلسفته ككل، و بنظرته إلى الحياة عامة. ورؤيته تختلف عن رؤى زعماء الإصلاح الآخرين في العصر الحديث. فهو يرى أن دوافع التغيير و التجديد حالّة في وحدات الوجود، الإنسان، والكون و الله، والحياة متغيّرة باستمرار لا تعرف الثبات والجمود، وتستمد تغيّرها و خلودها من طبيعتها النهائية و من الأصل الأول وهو الذات المطلقة. و التغيير لا يحصل في الإنسان ولا يجرى في الواقع دون أن يحدث في أعماق الذات الإنسانية أولاً، ويتعلق هذا التغيير بمعنى الحياة و الوجود و الإنسان، و بأساليب التفكير والعمل و بالمبادئ و القيّم التي يؤمن بها الإنسان، و بالأهداف والغايات التي يصبو إليها. و التجديد في أصله، و في مساره وفي مقصده و مبتغاه روحي، والمادة ذات أصل متأصّل فيما هو روحي. فالتجديد تجديد في قوى النفس و محتوياتها الروحية والفكرية والأخلاقية، و تجديد في قوى المجتمع من خلال اجتهاد البشر لتنظيم وتطوير و ازدهار حياتهم الاجتماعية، و تسخير قوى العالم لخدمة مطالب و مرامي الإنسان الروحية في أصلها. والحضارة هي السمو الروحي الذي يبلغه الإنسان من خلال النهوض بالعمل في المجتمع والطبيعة. وليس المهم بالنسبة للذات الإنسانية أن ترى الأشياء بل المهم عندها أن تصير و تصبح شيئا. من خلال التجديد الحضاري والإبداع العلمي و الازدهار الثقافي والاجتماعي.
ما تميزت به نظرة إقبال الفلسفية إلى الحضارة و التجديد الحضاري خاصة، و فلسفته بصفة عامة هو أنها تشكل رؤية فلسفية إلى الحياة و الإنسان و الحضارة، و كل ما يرتبط و يتعلق بهذه الجوانب. و تتميز هذه الرؤية الفكرية الفريدة في نوعها بالوحدة، لما بين عناصرها و أجزائها من اتساق و انسجام و تكامل، فهي عبارة عن نسق فكري فلسفي واحد، لا تفكك و لا انفصال بين جوانبه، و تتصف بالقوة و المتانة لارتباطها بالإسلام و بتعاليمه و قيّمه العليا، وبالعمق لرحابه وسعة التأملات الميتافيزيقية التي قامت عليها، و بالدقة في التحليل و النقد والاستنتاج، وهي أوصاف قلّما نجدها لدى مفكر في عصر طغى عليه التخصص، وسيطر الفكر التجريبي الوضعي وسادت النزعة البرغماتيـة.
ارتبطت فكرة الإصلاح و التجديد عند إقبال بالإسلام، وبمبادئه و قيّمه، باعتباره مشروعا حضاريا إنسانيا، يمثل رسالة إنسانية عالمية، دخلت التاريخ، ودخلت المعترك الثقافي والحضاري والديني، ليأخذ مكانته في ساحة هذا المعترك، و يفرض وجوده بقوة، لما له من قوة و مناعة في جميع جوانبه.وإستراتيجية النقد وإعادة البناء في فلسفة إقبال استمدت قوتها منه، بما انطوت عليه من تصورات وأفكار تمثل مشروع رؤية فلسفية، ومخططا فكريا يستهدف بناء فلسفة الدين في الإسلام بناءا جديدا، و توجيه الذات الإنسانية إلى الحياة الروحية الكاملة، و إلى تخلقها بأخلاق الله . وتسخير العالم المادي لخدمة مرامي الإنسان، هذا العالم المادي المتأصل فيها هو روحاني، و توجيه الإنسان لإعادة تنظيم حياته الاجتماعية وفق مبادئ إنسانية عالمية مستمدة من الإسلام و من الطبيعة البشرية في جانبها الفردي وفي جانبها الاجتماعي. استمدت هذه الفلسفة وانبثق هذا المشروع من الظروف والأوضاع النفسية والفكرية والخلقية والاجتماعية الفاسدة في القرن العشرين، بسبب غياب أسلوب حياة يضمن التوازن بين المادة والروح، ولا يوجد غير الإسلام الذي يحفظ هذا التوازن، ومن الفكر الإسلامي القديم، ومن الحضارة الإسلامية وما تميزت به من نماء وازدهار في كافة المجالات، الأمر الذي جعل الحضارة الأوروبية الحديثة تحمل الكثير من عناصرها و معالمها، ومن الحضارة الغربية، ومن الفكر الغربي، وارتبط ذلك بمناهج ونتائج العلوم المختلفة، وما حققته تلك العلوم في الجانب التطبيقي في مجالات الحياة المختلفة، سواء بالنسبة للفكر العلمي في التأثير على الطبيعة بواسطة التقنية، أو بالنسبة لهذا الفكر في تأثيره على حياة الإنسان النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
اقترنت الحضارة وارتبط التجديد الحضاري في فكر إقبال بالدين، فالحضارة توازي الدين و هي ثمرته. و الإسلام حضارة. قوتها وخلودها مستمد من قوة و خلود الدين، أما ضعفها و أفولها يكون بسبب فقدانها لعناصر القوة و الخلود، و هي عناصر دينية تتمثل في النهوض بالعمل في الحياة الفردية عن طريق التجربة الصوفية و عن طريق الاجتهاد في الواقع. كل هذا لبلوغ قمة التحضر، وهو الديمقراطية الروحية والسمو الروحي والعلى الأعلى، وذلك مبتغى الإسلام و مقصده.
إنّ المتصفح لفلسفة مالك بن نبي في الإصلاح، و لنظريته في الحضارة و التجديد، يكتشف عالما فكرياً فلسفياً مليئاً بالمفاهيم، وغنياً بالتصورات، وفريداً في نوعه، و جديداً في العديد من جوانبه، خاصة فيما يتعلق بالحضارة وعناصرها وشروطها و أطوارها. فهو يري أن ظاهرة التخلف ليست طبيعية في البشر، بل تعود إلى أسباب ذاتية وأخرى موضوعية، و تستفحل عندما تغيب الشروط والأدوات اللاّزمة للنّمو الفكري والأخلاقي والاجتماعي. هذا النًمو هو السبيل إلى التحضر، تقابله مجموعة من المشاكل والوضعيات والظروف الفاسدة المنهارة في حياة الفرد والجماعة في جميع جوانبها الفكرية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. هذه المشاكل والظروف والوضعيات ترتبط بظاهرة التخلف والانحطاط، وتقوم الحضارة باعتبارها إطاراً يضمن لكل فرد داخل المجتمع مطالبه وحاجاته في كل طور من أطوار وجوده، بإعطائـه الأدوات و اللوازم الضرورية للمجتمع النامي المالك لقدرات فكرية و اجتماعية و اقتصادية إرادة استعمال سائر القدرات في حل المشاكل التي تواجه المجتمع المتخلف، والحضارة هي التي تكوّن هذه القدرة وهذه الإرادة معًا، وهما لا تقبلان الانفصال عن دور المجتمع النامي. فالحضارة هي شرط إيجاد القدرة و الإرادة لتجاوز التخلف و التدهور في ذات الفرد وفي مجتمعه، وهي ترتبط بالإنسان والتراب والزمن والفكرة الدينية التي تجمع بين العناصر الثلاثة. ولهما عمر و أطوار هي: طور الروح، طور الأوج، و طور الأفول، تسبقها مرحلة ما قبل الحضارة وتليها مرحلة ما بعد الحضارة، لكل واحدة من المرحلتين خصائص ومميزات. وتشترط الحضارة التغيير على أسس القاعدة الإلهية التي تعبر عنها الآية القرآنية، ﴿إنّ الله لا يغيرّ ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾.[3] والتغيير مجاله النفس أولا ثم المحيط الخارجي ثانيا، تشرط القدرة على الإبداع والقدرة على الإنتاج، ولا تقوم على التكديس والاستيراد بل على البناء، وأن تلد الحضارة منتجاتها لا العكس، لأن العكس يستحيل منطقيا وماديا ويغرق المجتمع في الشيئية من جهة وفي المديونية والتبعية الحضارية من جهة ثانية، وتشترط التوجيه الأخلاقي والعملي والفني الجمالي، وهي شروط تضمن الانسجام و التكامل بين المجهود الإنساني المبذول في مستوى الفرد وفي مستوى المجتمع مع سنن وقوانين الآفاق والهداية والتطلعات، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تكفل تلك الشروط التكامل والانسجام بين المجهود الإنساني والسنن الكونية مع جملة الشروط النفسية والاجتماعية والروحية والمادية، من أجل النمو والازدهار في جميع مجالات الحياة الإنسانية. والحضارة بهذا المعنى هي فعل بنائي تقتضي أُسُساً فكرية وروحية وجهوداً كبيرة في عالمي الأشخاص والأشياء، وذلك يشترط مخطط تربية يهدف إلى تغيير الإنسان في الداخل، وفق شروط معينة ليتمكن من أداء دوره في المجتمع ويحقق البناء الحضاري.
وإذا كانت الحضارة بناءا لا تكديسا واستيرادا فهي فاعلية إنسانية تقوم على تغيير الإنسان في عالمه النفسي أولا ثم تغيير محيطه ثانيا، وتحصل هذه الفاعلية بتوفر جملة من الشروط والعوامل النفسية والاجتماعية، الروحية والمادية، وبيتوفر الإرادة والقدرة على إبداع المعرفة وإنتاج الأشياء، واستغلال ذلك لخدمة الإنسان وضمان راحته. ولفصل الحضارة الحقيقية عن الحضارة المزيفة، فالأولى تلد منتجاتها أما الثانية فهي من صنيع منتجات حضارات الغير. والتجديد الحضاري ظاهرة إنسانية ترتبط بالحضارة وشروطها، وعناصرها وأطوارها وازدهارها وتكون سابقة على الحضارة فتصنع النمو والتحضر والازدهار، كما تكون ملازمة لها، فتستمر في تنميتها وتطويرها، وقد تكون سببا في انهيارها وأفولها، والمقصود هنا عندما تبلغ الحضارة طور العقل يضعف سلطان الروح، وتسترد الغريزة نفوذها، فتهوي بالإنسان إلى حضيض الحيوانية حيث شريعة الغاب.
لقد تميزت نظرية الحضارة عند مالك بن نبي بجملة من المميزات التي لم يشهدها مصلح آخر في فكره الإصلاحي. فهي نظرية انبثقت من تحليل تميّز إلى حدّ بعيد بطابعه العلمي، وبالدقة والعمق والموضوعية، والواقعية،في طرحه ومعالجته للمشكلات و الظواهر في حياة الفرد و المجتمع. كما تميزت الحلول التي جاء بها لتلك المشكلات و التصورات التي خرج بها من دراساته وبحوثه المعمقة للتاريخ والواقع بالقوة، لارتباطها بالعلم والواقع والتاريخ والدين. وتميّز منهجه في البحث بطابعه العلمي وبتنوعه، فهو يستخدم منهج الرياضي، وطريقة المؤرخ، ومسلك عالم الاجتماع، وسبيل الكيميائي وغيرها، هذا زاد في متانة و قوة أفكاره، و زاد في انسجام هذه الأفكار و التصورات مع ما يجب فعله في العمل الإصلاحي التجديدي.
وتمثل نظرية مالك بن نبي في الحضارة، استراتيجية إصلاحية تجديدية تستهدف تغيير الواقع الإنساني عامة و واقع العالم المتخلف ـ العالم الإسلامي جزء منه ـ بصفة خاصة، بحيث تضع بين يديه آلية فكرية نظرية للخروج من التخلف، وبلوغ مستوى الحضارة، فهي مشروع منهج وضعه صاحبه للقضاء على ظاهرة التخلف بعدما درسها، وكشف عن عوامل وأسباب وجودها، ولغرض الوصول إلى الحضارة بعدما درسها و كشف عن قوانينها وآلياتها الروحية والمادية. وتميّز هذا المنهج بالقوة والمتانة لارتباطه بالعلم والدين والتاريخ، وبقوانين هذه الأطر الفكرية و الروحية باعتبارها مصادر توجيه وقيادة في حياة الإنسان، ولارتباطه بالفكر الإنساني القديم والحديث و بواقع الإنسان المعاصر في العالم المتقدم بما له و ما عليه، وفي العالم المتخلف بما عليه، و خاصة في العالم الإسلامي الذي لا ينقصه سوى تطبيق المناهج الكفيلة بإخراجه من عالم الانحطاط، و تمكينه من الحضارة، و هو أمر ليس بعسير على إنسان بين يديه كافة شروط التحضر. فهو منهج في الإصلاح يستند إلى رؤية فلسفية إلى الإنسان و الحضارة و التاريخ، و إلى فكر اجتمعت فيه الأصالة مع التجديد، فكان مشروع خطة للنهضة و للصحوة و للحضارة، و نموذجا من نماذج الفكر الإصلاحي لا يستهان به، بل يقدر حق قدره لِمَا لصاحبه من نظرة ثاقبة و قدرة على الطرح والتحليل و النقد و الاستنتاج، ولما لهذا المنهج من تكامل بين عناصره، ومن انسجام مع ما تقتضيه مستلزمات البناء التاريخي والنهضة الحضارية.
لقد تبيّن لي و بوضوح من قراءتي لبعض الجوانب الهامة في فلسفة إقبال، خاصة فيما يتعلق بنظرته إلى الإصلاح والتجديد، أي فكرة النقد وإعادة البناء عنده، ومن قراءتي لفلسفة الحضارة والتاريخ عند مالك بن نبي، أن ما يجمع بين المحاولتين أكثر مما يفصل بينهما، ويتعلق الأمر بالظروف التاريخية الزمنية والمكانية التي عاشا فيها المفكران، والتي فيها نبتت فكرة الإصلاح عندهما، فهي واحدة تماما، حيث الإسلام و الاستعمار و التخلف في العالم الإسلامي من جهة و الحضارة و العلم و التكنولوجيا في أوربا الحديثة من جهة أخرى، هذا الذي شكل روافد و مصادر تلك الفكرة، و أوجد وحدة في المبادئ و الأهداف و التطلعات، والاختلاف بين المحاولتين ليس في الجوهر أو في الأساس أو في الهدف، بل في بعض الجوانب التي تخص طبيعة البحث والدراسة وطبيعة الإصلاح ومنهجه، ونوع المحاولة وخصوصياتها.
بالنسبة للبحث فعند إقبال كان فلسفيا ميتافيزيقيا على منهج الأقدمين، وهو عند مالك بن نبي ذي طابع علمي واقعي، وطبيعة الإصلاح عند إقبال روحية فردية دينية إسلامية، وهو عند مالك بن نبي ذي طابع اجتماعي علمي واقعي تاريخي، ومنهج إقبال في الإصلاح من طبيعة روحية تقوم على التجربة الصوفية والرياضة الروحية، والعمل الصوفي الصحيح هو سبيل الوصول إلى الحقيقة، أما منهج مالك فيقوم على التغيير في الفرد والمجتمع، وعلى القضاء على أسباب التخلف و الأخذ بأسباب الحضارة كما هي في نظرية الحضارة، كما يقوم على التوجيه الديني والأخلاقي والعملي مع الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين العلمية والحضارية. وتتميز محاولة إقبال بكونها ذات عمق فلسفي كبير و تأمل ميتافيزيقي رحب، حتى قيل عنها أنها موجهة للخاصة و النخبة من المثقفين لا للجميع، أما محاولة مالك فهي للجميع لم تكن في مستوى العمق الفلسفي و التأمل الميتافيزيقي الذي عرفته محاولة إقبال.
يتضح مما سبق أن فلسفة مالك بن نبي امتداد لفكرة محمد إقبال في الإصلاح و التجديد، على الرغم من أن الأولى يغلب عليها الطابع العلمي الواقعي الاجتماعي. أما الثانية فيغلب عليها الطابع الروحي الفلسفي الميتافيزيقي الصوفي. ولقد ذكر مالك بن نبي محمد إقبال في كتاباته، وأشاد بقوة فكره، ونظرته الثاقبة السليمة إلى الإصلاح والتجديد. جاءت فكرة الإصلاح عندهما نتيجة واقع المسلمين المتردي، وتُشكّل محاولة فكرية لتغيير النفس والفكر والواقع في العالم الإسلامي، تميزت بالقوة لارتباطها بالإسلام وبالعلوم المزدهرة وبالفكر الإسلامي، وتشكل رؤية فلسفية إلى الإنسان والحياة والتاريخ والحضارة، وتمثل مشروع خطة ذات طابع فكري نظري، للنهضة وللتجديد ولبناء الحضارة، وللدخول إلى التاريخ، و إلى حلبة المعترك الحضاري، و احتلال أمة الإسلام لمكانتها اللائقة بها في إطار الحوار و التفاعل الحضاريين .
وإذا كان الفكر الإصلاحي عند إقبال ومالك تميز بالقوة والمتانة نظرا لصلته المباشرة بواقع و حياة المسلمين في العالم الإسلامي المعاصر، ولتعبيره عن مشاكلهم وهمومهم، وعن آمالهم وتطلعاتهم، وبلوغه مستوى رفيع من الحقيقة في مناهجه و أساليبه لأنه أخذ بالدين و العلم و بالتاريخ، واستطاع أن يكفل التوازن بين طرفي الكمال، الروح و المادة، الدين و الدولة، الدنيا و الآخرة. و إسناد فكرة إقبال إلى فكرة مالك أو العكس أمر ممكن خاصة من الناحية النظرية، فالواحدة منهما تثري الأخرى وتعمقها. ويمكن اعتبار فكرة إقبال أرضية فلسفية ميتافيزيقية و إطار نظري لفكر مالك. واعتبار فكر مالك الوجه الاجتماعي العلمي والعملي الواقعي الخارجي لفكر إقبال. و ما أحوج العالم الإسلامي المعاصر إلى المشروعين الإصلاحيين معًا للتجديد و لبلوغ السمو الروحي والأخلاقي، ولبناء حضارة تلد منتجاتها الفكرية والمادية، ولضمان التوازن بين المثال والواقع، بين الروح والمادة، وبين الدين والدولة، ذلك هو عين التحضر وقمّته، وهو مبتغي الإسلام و مقصده، فالحضارة هي التمكين لقيم و مبادئ الإسلام على أرض الله.
[1]- قرآن كريم: سورة الرعد، الآية 11.
[2]- محمد عبد المنعم خفاجي:البحوث الأدبية مناهجها ومصادرها،ص5.
[3]- قرآن كريم: سورة الرعد، الآية11.