هل كلنا أحرار أم كلنا خونة ؟؟!!!
الحرية هي حقك أن تكون مختلفاً،،،
هناك احتمال أن نكون كلنا خونة، سواءً بقصدٍ أو بغير قصد، وما يثبت ذلك أو ينفيه هو طبيعة الخلاف الذي ينشأ بيننا حول أي موضوعٍ سياسيٍ أو اجتماعي أو وطني .
فإن كنت أنا خائناً برأيك لأني أقف ضد الثورة في سوريا مثلاً، كون النظام السوري ـ حسب وجهة نظرك ـ خائناً عميلاً لإسرائيل، حامياً لحدودها الشمالية، لم يطلق نحوها من الجولان طلقةً واحدةً، يذبح شعبه المسالم في تظاهره، الذي يطالب بالحرية والديمقراطية وإحقاق حقوق الإنسان،،،
وإن كنت أنت برأيي خائناً لأنك تقف مع الثورة السورية، كونها ـ حسب وجهة نظري ـ ثورة عصابات تحمل وتنفذ برامج أجنبية، موجهة من الخارج، تحاول جر البلاد إلى حربٍ أهليةٍ أو طائفية، تعمل على تخريب البلاد، وتقسيمها ليسهل بالتالي السطو على مقدراتها ومصادرة قرارها بوصفها قلعة الممانعة الأخيرة، والدولة الوحيدة الباقية على قول "لا" للمشاريع الأمريصهيونية في منطقتنا العربية،،،
وبما أن رأيي ليس هو رأيي الشخصي فحسب، بل يمثل رأي شريحةٍ عريضةٍ من الناس على امتداد خارطة الوطن العربي، ورأيك كذلك، وبما أن خلافنا "بهذا الشكل" يجر مؤيدي وجهتي النظر المتعاكستين إلى خلافٍ أوسع وأشمل لا يخدم قضايانا، بل يصب في خدمة أعدائنا بالضرورة من منطلق أن "كل ضرر لنا هو منفعةٌ للعدو"، فهل يعني هذا أن كلنا خونة ؟؟؟
وإن كنا جميعاً خونة، فبأي حق نتكلم باسم أي عربيٍ أو مسلمٍ ؟؟
وإن كنت أنت على حق فيما تقول برأي الكثيرين الذين يؤيدون ويتبنون وجهة نظرك، وأنا على حق لنفس السبب، فلماذا نختلف بهذا الشكل المهين للكلمة والفكر والكينونة والقضية ؟؟؟
فهل المطلوب إجباري على الاعتراف بصواب وجهة نظرك وخطئية رأيي أو العكس ؟؟ أم المطلوب هو اختلاف التصالح، وتكثير الآراء للخروج بتصورٍ جماعيٍ يصب في نصرة قضايانا المصيرية ؟؟
فهل الاختلاف صحي، أم حالةٌ مرضيةٌ تنخر جسد المجتمعات العربية وتفتت اللحمة إن وجدت ؟؟؟
برأيي، الاختلاف حسب "الإعدادات الافتراضية"، صحيٌ للغاية بل ومطلوبٌ، من أجل التعرف على كم ونوع النضج الفكري، ومن أجل ترقية الرؤية، وبالتالي الارتقاء بقضايانا الوطنية والاجتماعية،،،

والاختلاف هو التكاتف والتعاضد والتعاون، وليس التضاد والتناحر كما قد يفهم الكثيرون، هو أفضل بكثيرٍ من الاتفاق، لأن الخلاف إن كان صحياً سيضع الحقائق أمام الجميع، ويعلم كل منا ما كان غائباً عن ذهنه ووجده عند الآخر، فيثري معرفته وينمي مداركه،،،
ومن جهةٍ أخرى، فالرأي يحتمل الصواب بنفس النسبة التي يحتمل فيها الخطأ، خصوصاً في ظل ضبابية الرؤى، وانعدام الأدلة القطعية، أو وجود الأدلة المادية المشوهة أو المتهمة بالتشوه من كلا الرأيين، فالاختلاف يعني في المحصلة النهائية صوابية طرفٍ دون الآخر، بمعنى أن يكون في النهاية "صواب"، فلو لم نكن مختلفين، بل كنا متفقين جميعاً على رأيٍ واحد، لكان هناك ـ وحسب نسبية ما أسلفنا ـ احتمال أن تكون النتيجة أن نكون كلنا على خطأ، تماماً كاحتمال أن نكون كلنا على صواب، بمعنى أن لا يكون هناك أي صوابٍ في المحصلة، فهل نستطيع تصور كارثة أن نخرج من تجاربنا الثورية والسياسية والوطنية جميعاً "غلطانين" ؟؟؟
متى يكون الاختلاف خيانة ؟؟
لا يمكن لبالغٍ، عاقلٍ، واعٍ، حرٍ، أن يكون متعصباً لرأيه رغم بزوغ شمس الحقيقة أمام أفقه الواسع، إلا إذا كان جاهلاً، أو مختل الفكر، أو منفذاً لبرامج مشبوهة لا يمكنه الإفلات من استحقاقاتها، فإن كان تعصبنا لآرائنا يصب في هذه الخانات، فليس من المطلوب أن تتعب نفسك وتجتهد لتعرف بعد رحيل العمر أنك كنت تطارد خيط دخان .