الإدمصاص السياسي الشعبي العربي
الإدمصاص (Adsorption) هو غير الامتصاص(Absorption)، فالامتصاص هو أن تقوم التربة أو قطعة من قماش بامتصاص السوائل التي تلتقي بها، من الأمطار أو من السقاية أو من عمليات التنظيف. في حين أن الادمصاص هو أن تتحد ذرات المسحوق الناعم بسطح قطرة الماء المتدحرجة، ويلاحظ من أراد تجربة ذلك عندما يلقي بدفقة من الماء على مكان به من التراب الناعم جدا ذلك كيف أن كرات مائية (قطرات) تتدحرج وقد غطى سطحها جزيئات صغيرة جدا من الغبار.
هذه الظاهرة، يقابلها ظاهرة أخرى، وهي إجبار وعاء معين على استيعاب كمية من الماء في زمن قياسي، فإن أراد أحدنا أن يفرغ محتويات (تنكة) من الماء في أخرى فارغة، وأراد الاستعجال، فإن كمية الماء التي ستدخل في فوهة الوعاء الفارغ ستكون من القلة بمكان لا يلاحظ فيها أنها استقرت في الوعاء، وما غير ذلك سيتدفق خارج (التنكة) الفارغة.
في الأحداث السياسية العربية الحادة، تتدفق الأحداث كالفيضانات على المواطنين، فتلتصق ذرات المواطنين بقطرات الحدث التصاقا، وعندما يهدأ الفيضان لا أحد يستطيع التعرف الى ما آل إليه مصير الفيضان، فلا أرض ارتوت ولا شجرة أينعت، ولا أثر لقوة من أشخاص أو جماعات قد ظهرت، حتى يكاد من يراقب تلك الأحداث ينسى من اشترك في الحراك ضدها أو معها.
بالمقابل، فإن من يشتركون بالالتصاق بتلك الأحداث يعبرون عن ضجرهم من كل محاولاتهم، فلا تغيير يحدث، ولا أمل في تغيير سيحدث! وعندها ستراودهم أنفسهم بعدم تعريضها لمثل تلك الفيضانات مستقبلا!
في تقنيات المعالجة، إذا كان قرصان من الأسبرين يزيلان ألم الرأس، فإن عبوة بها ثلاثون قرصا ستقتل من يتناولها مرة واحدة، وهذا ما يجعل توالي الأحداث يقتل الهمة في نفوس المواطنين.
وفي تقنيات الزراعة، إذا كان العمر الافتراضي لشجرة الزيتون حتى تعطي ثمرا على مستوى اقتصادي ست سنوات، فليس هناك من يزعم أن أنه يستطيع أن يجعل الشجرة تعطي ثمارها في أسبوع.
وفي تقنيات التدريب الرياضي، لا يفيد جمهور مكون من مئات الألوف يشجع فريقا غير متدرب ليجعله يفوز، كذلك يفعل الاكتفاء بالتظاهر والتعبير الوقتي عن الرأي فيما يحدث حولنا.
لقد اكتشف أعداؤنا كما اكتشف حكامنا ظاهرة الإدمصاص عند شعوبنا، فأخذوا يراقبونها كأنها (نوبة صرع) سرعان ما تزول، فلا يقيمون لها وزنا ولا يكيفون خططهم المستقبلية على ضوءها.