كتاب حول إعادة تشكيل العقل المسلم للدكتور:عماد الدين خليل


إعداد و قراءة : عبدالصمد زيبار


ما يمتاز به الدكتور عماد الدين خليل هو سلاسة الأسلوب و غزارة المعاني يطوف بك في حدائق الفكر و بغوص في المناهج من غير تكلف و لا تعقيد, لقد قدم تجربة رائدة لتطبيق المنهج الإسلامي في كتابة التاريخ و السيرة, وساهم بشكل كبير في التنظير لصياغة العقل المسلم.

وكتاب حول إعادة تشكيل العقل المسلم منهج متكامل من القرآن لإعادة تشكيل العقل المسلم


يتكون الكتاب من مقدمة و أربعة فصول فخاتمة

في المقدمة يطرح المؤلف إشكالية البحث في أسئلة من قبيل:

ما الذي أصاب العقل المسلم فصده عن المضي في الدرب إلى غايته؟

كيف ضربه العقم بعد التوهج؟

ما هو طريق الخلاص؟


بعد الإشكالية ينتقل بنا إلى الفصل الأول:


يبرز عماد الدين خليل أن تشكل العقل المؤمن الجديد لم يكن اعتياديا لقد تم بإعجاز مذهل تجاوز صيغ المعادلات القديمة.

ويقول أنه أعيد تشكل العقل البشري على كافة المستويات.

فالدين الجديد يمثل تعبيرا عن التقابل الشامل بين علم الله الذي لا تحده حدود و بين قدرة الدماغ البشري...إنه عرض للأمانة...لقد بعث الإسلام أجيالا من العدائين الذين عرفوا كيف يحطمون الأرقام القياسية وهم يجتازون الموانع.

إن الانتماء للإسلام يقول الدكتور خليل يعني الموافقة المبدئية على الدخول في عمل مبرمج مرسوم.. والإيمان بالله يعني التحقق بالقناعات الكافية بجدوى هذا العمل..أما التقوى فهي تلك الطاقة الفذة التي تشعل مصباح الضمير فيظل متألقا متوهجا حتى يغيب الإنسان في التراب..ويجيء الإحسان لكي يضع الإنسان المسلم المؤمن المتقي ...في القمة... الإبداع الكامل في كل ما يقده الإنسان...

ثم يبرز أن الحركة الإسلامية في العالم هي حركة عودة صوب «الوفاق» مع نواميس الوجود.

فيتساءل : ما هي النقلات التي نفذها الإسلام إزاء جيل من الرواد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فأعاد بها تشكيل العقل البشري و دفعه إلى العطاء و الإبداع؟

فيجيب مبرزا هذه النقلات:



* النقلة التصورية الإعتقادية

وهي في نظره أكثر النقلات أهمية.

فهي تحويل التوجه الإنساني من التعدد إلى الوحدة,إنها خروج بالناس « من الظلمات إلى النور»

ولإبراز البعد الشاسع لهذه النقلة يستعرض الكاتب شيئا من ممارسات العقل العربي في الجاهلية: عبادة الأوثان وقصصها و أسمائها و المعتقدات فيها وأنه كان لكل بيت مثلا في مكة صنما يعبدونه.

ثم يخلص أنه

من هذا المستنقع الآسن ..من هذه النقرة الضيقة التي يختنق فيها العقل و الروح و الوجدان.. من هذه الخرائب المهجورة.. جاء الإسلام لكي يخرج بالإنسان إلى آفاق التوحيد,ونضج التصور,ونقاء الاعتقاد..فيحرر عقله وروحه ووجدانه, ويعيد تشكيلهما من جديد .


لينتقل للنقلة الثانية وهي النقلة المعرفية

وهي عمل في صميم العقل من أجل تشكيله بالصيغة التي تمكنه من التعامل مع الكون و العالم و الوجود.. يقول الدكتور عماد الدين خليل و يضيف منذ الضربة الأولى في كتاب الله..نلتقي بحركة التحول المعرفي « اقرأ..»

إن نداءات القرآن المنبثقة من فعل القراءة و التفكير...منبثة في نسيج كتاب الله

ثم يتجول بنا بين حشود من آيات القرآن عن الأفعال المعرفية اقرأ , تدبر, تفقه, انظر, تبصر .. إلى آخره

﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ القيامة:18

﴿وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ الإسراء:106

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ محمد:24

﴿وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ البقرة:221


لينتهي و يقول إن الإسلام لا يهتم بالتفاصيل..ولكنه يسعى إلى تكوين « بيئة» عمل و انجاز تتضمن الشروط و المواصفات كافة التي تمكنها من العطاء... وهاهنا, في حقل التوجه المعرفي, تمكن الإسلام من خلق هذه البيئة .. فبعث أمة من الناس لا يزال عقلها يعمل ويكد و يتوهج.. حتى أنار الطريق للبشرية يوم كانت تدلج في ليل بهيم..

إن النهار الذي أطلعته حضارة الإسلام الآتية.. ما كان له أن يطلع لولا الشعلة التي مست عقل كل مسلم و دفعته إلى التألق وهو ينطلق لتعزيز يقينه الجديد..


فيمضي إلى النقلة الثالثة النقلة المنهجية

يبرز المؤلف دور المنهج للوصول إلى الأهداف وأن النقلة المنهجية الإسلامية امتدت باتجاهات ثلاثة:



* السببية:

وفيها يقول : لقد أراد القرآن الكريم أن يجتاز بالعقل العربي مرحلة النظرة التبسيطية,المسطحة,المفككة التي تعاين الأشياء و الظواهر كما لو كانت معزولة..

ولقد تمكن أن يعيد تشكيلها ..:عقلية تركيبية,تملك القدرة على الرؤية الإستشرافية التي تطل من فوق على الظواهر بحثا عن العلائق و الارتباطات, ووصولا إلى الحقيقة المرتجاة..


* القانونية التاريخية:

يقول الدكتور خليل:

ولأول مرة في تاريخ الفكر يكشف الغطاء أمام العقل البشري عن حقيقة منهجية على درجة كبيرة من الخطورة ثم يفسر :

إن التاريخ البشري لا يتحرك فوضى وعلى غير هدف,وإنما تحكمه سنن و نواميس كتلك التي تحكم الكون و العالم و الحياة و الأشياء .. سواء بسواء .. وإن الوقائع التاريخية لا تخلق بالصدفة,وإنما من خلال شروط خاصة تمنحها هذه الصفة أو تلك,وتوجهها صوب هذا المصير أو ذاك ..

ويضيف إن كتاب الله يقدم أصول منهج متكامل في التعامل مع التاريخ البشري ... الذي لا يكتسب أهميته-التاريخ- إلا بأن يتخذ ميدانا للدراسة و الاختبار, تستخلص منه القيم و القوانين التي لا تستقيم أية برمجة للحاضر و المستقبل إلا على هداها, ويبرز أن القرآن أول من مارس المنهج قبل ابن خلدون .

ويأتي بطائفة من الآيات البينات تطرح مسألة السنن و ثباتها و نفاذها منها:

﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ الأحزاب:62

﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ﴾ الكهف:55

ثم يبين انه مع الديمومة و الثبات فالقرآن الكريم يحول السنن إلى دافع حركي يفرض على المؤمنين تجاوز مواقع الخطأ وأن يحسنوا في التعامل مع قوى الكون الطبيعية :

﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ الأنعام:34

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ﴾ الرعد: 6


* منهج البحث الحسي-التجريبي:

لا الكشف عن السببية ولا القانونية التاريخية يقول المؤلف يعدل الكسب المعرفي القيم الذي أحرزه العقل المسلم خصوصا, والعقل البشري عموما, والذي تمثل في البحث الحسي-التجريبي الذي كشف النقاب عنه, ونظمه وأكده, كتاب الله ..

فيأتينا الدكتور عماد كما عودنا بسرب من آيات الذكر الحكيم منها :

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ الإسراء:36

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا . فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِقَ غُلْبًا .وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ عبس:24-31

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ العنكبوت:20

﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ النقرة:111

هكذا يبدوا العلم بمفهومه الواضح الشامل, فاعلية في غاية الأهمية.. وكلمة العلم وردت في القرآن الكريم مرارا كمصطلح على الدين نفسه الذي علمه الله لأنبيائه عليهم السلام.. و من ثم يغدو العلم والدين سواء في لغة القرآن,لا كما يريد الوضعيون للفصل بين الكلمتين :

﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ البقرة:12.

﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ آل عمران:7

﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ الأحقاف:23

وغيرها من الآيات الكثير فكلمة علم وردت في القرآن الكريم بتصريفاتها ما جاوز السبعمائة و الخمسين يقول المؤلف.


فيقفز بنا إلى الفصل الثاني

و الذي يتحدث فيه عن أبعاد التحقق التاريخي:

نتيجة النقلات عقيديا و معرفيا و منهجيا .. تشكل عقل جديد قدير على الاستيعاب و الفعل و الإضافة و الإبداع ..

من هنا انتقل بنا الدكتور عماد الدين خليل إلى النقلة أو التحول الحضاري الكبير الذي حققه المسلمون نتيجة للعقلية التي صاغها الإسلام :

النقلة الحضارية وهي النقلة الرابعة

والتي لم تكن أقل خطورة من النقلات الثلاث التي مهدت لها , هنا فلنستمع لمؤرخنا و مفكرنا العظيم عماد الدين خليل يقول في تعابير غاية في التماسك و النضج الفكري و السلامة المنهجية:

إن الأفكار,أو النشاط العقلي .. هو الذي يسهم جنبا إلى جنب مع قوى الإنسان الأخرى وطاقاته المتشعبة,في صناعة الحضارات و ليس العكس مما تقول به النظريات التي أكدت رجعيتها آخر معطيات العلم الحديث ... .

وهكذا فإن قيام الدين الجديد بتشكيل عقل إسلامي فعال,بالمواصفات التي تحدثنا عنها,ومن خلال تحولات جذرية على المستويات كافة,العقيدية و المعرفية و المنهجية .. كان بمثابة إرهاص لمولد طاقة حضارية فذة,كان لا بد أن تلد عطاءها المتواصل بعد أن نضج الجنين في رحم تهيأت له شروط الميلاد ..

واليوم فإنه ليس بمقدور قوة في الأرض أن تبعث المسلمين من جديد للفعل الحضاري ما لم تتهيأ الشروط و المواصفات نفسها .. ما لم تتحقق بالتحولات الحاسمة ذاتها :

عقيديا و معرفيا و منهجيا ..

ثم يضيف: لقد امتد الفعل الحضاري الإسلامي لكي يغطي اتجاهات ثلاثة :



- احترام الحضارة الإسلامية للتراث الحضاري البشري الذي سبقها و عاصرها ..

كل الحضارات العالمية كانت بمثابة حقول مفتوحة جال في أطرافها العقل الإسلامي, فأخذ ورفض,وانتقى و محص واختبر ...لم يكن مجرد اقتباس,ولكنه هضم و تمثل ... فحقق مردوده الايجابي عبر نطاق الحضارات جميعا..وكان له أثر في حضارة أوروبة.

يستشهد المؤلف بعدد من المقالات لمفكرين غربيين كلويس يونغ و غرونباوم و غوستاف لوبون وغيرهم.


- الإضافة و التجديد و الإغناء .. لمعطيات حضارية كانت بأمس الحاجة لذلك ..

ويضيف بل إن العقل الإسلامي المتحضر قدر على أن يكتشف عناصر و قيما جديدة بالكلية,وأن يقدمها للعالم ثمارا يانعة لجهده الخاص.

ثم يورد شهادات لعلماء من الشرق و الغرب حول دور العقل الإسلامي في إغناء الحضارات البشرية ..

ثم يؤشر لعدد من منجزات المسلمين العلمية

في الرياضيات و الفيزياء و علم الفلك و الكيمياء وعلم النبات و الطب و الجغرافيا ثم العلوم التطبيقية مقدما البعض من إسهامات المسلمين في كل من هذه العلوم.


و الاتجاه الثالث- النقل الجغرافي و الانتشار ..

يقول فيه المؤلف : انفتاحا إنسانيا يتجاوز تقاليد الانغلاق على الذات,ويرفض الأنانية والاستعلاء ..

لقد فتح المسلمون صدورهم لكل طالب علم,أيا كانت الجهة التي قدم منها,فتحوا أبوابهم على مصراعيها لكي يخرج منها الضوء الجديد فيغطي قارات العالم ويلفها بالنور ...

إنه لا الحضارات ... ولا الفلسفات .. ولا المذاهب الوضعية الأوروبية منذ عهود النهضة و التنوير,وحتى طوباويات الاشتراكيين,ووجوديات هيدجر وكير كغارد و سارتر و كامي, ومثالية: هيغل,ومادية ماركس و انغلز .. بقادرة على أن تسامت الإسلام في قدرته,ليس فقط على تكوين الحضارة و إنمائها,ولكن أيضا في تحويل القيم و الأفكار إلى واقع منظور,وتجربة معاشة,وخبرات تتشكل حية نامية في مساحات الزمان و الكمان ..

أما الحضارة الغربية المعاصرة, فهي تعاني اختلال محزن في التوازن بين الثنائيات الذي قدر الإسلام على التحقق به بشكل يثير الدهشة و الاستغراب .. توازن بين الوحي و العقل,العدل و الحرية,الفردية و الجماعية,الروح و الجسد,المنظور و الغيب,المنفعة و الأخلاق,الحياة و الموت,الدنيا و الآخرة,الفناء و الوجود ..



ثم ينتقل بنا الدكتور خليل إلى الهيكل الحضاري للرؤية الإسلامية مع الفصل الثالث

يتساءل المؤلف في بداية الفصل الثالث : هل نطمح لاستعادة دورنا الحضاري؟

ويجيب : أبدا . فبدون الشروط التصورية و المعرفية و المنهجية .. لن نقدر على الإمساك بالحركة التاريخية لكي تمنحنا مكانا تحت الشمس.

ثم يقدم محاولة لتصور الهيكل الحضاري للرؤية الإسلامية والذي يتمثل حسبه بمثلث متساوي الأضلع,أو بعمارة من ثلاثة أدوار يقوم أحدها على الآخر, ويتناظر معه بتطابق هندسي معماري مرسوم :

الأرضية – والإنسان – وبرنامج العمل .



في ما يخص الأرضية يقول المؤلف :

أريد للعالم أن يكون صالحا لاستقبال الإنسان, وهيئت أرضيته لكي تحرث .. وتزرع .. ويكون الحصاد .

إن التوجه الحضاري في القرآن يمتد إلى ما قبل آدم .. ومادامت عملية بناء و تهيئة الكون سبقت خلق آدم,والمقاييس الآدمية قاصرة محدودة أمام خلق الله,فليس لنا أن نطمح للإحاطة الكاملة لقضية التكوين وليس لنا أن نفترض نظريات لا جدوى من ورائها .. وهذا لا يعني التشكيك بالمحاولات العلمية-التجريبية لدراسة الجانب الطبيعي القائم من الكون,فالقرآن دعا إلى هذا, إنما القصد هو الجانب الفلسفي التصوري لبدايات الخلق و البحث عن العلة والمعلول...إلى آخره

ويضيف إن خلق وتهيئة الكون ترتبط وفق القرآن ارتباطا عضويا بالدور المنتظر الذي بعث الإنسان لكي يؤديه.

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ هود:7

﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾ الإسراء:12

ويقول إن كتلة العالم و الطبيعة,وفق المنظور الإسلامي,قد سخرت للإنسان تسخيرا .. وهو تسخير متوازن إنه الحد الوسط الذي يتحدى الإنسان إلى نقطة التوتر و القدرة على الاستجابة و الإعمار .. يتجاوز الكشف الكامل أو الانغلاق الكامل الذي يستحيل معهما رد الفعل و الإبداع ..

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾ النحل:12

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ﴾ الحج:65


*أما الحد الآخر فهو الإنسان: يقول فيه عمادالدين خليل

المسألة تبدأ بخلق آدم باعتبارها حجر الزاوية في الوجود البشري ... ما يهمنا في قصة آدم كما وردت في القرآن الكريم هو : خلافة الإنسان عن الله في الأرض , ومنحه القدرة على التعلم و الفعل .. وتكريمه بسجود الملائكة .. مجابهته بإبليس و بدء الصراع والهبوط الزمني الموقوت إلى الأرض و تعليق الدور البشري في العالم على تلقي الهدى من الله وحده و تحديد المصير الذي سيؤول إليه موقف الإنسان الحر إزاء هذا الهدى في الأرض و السماء.

ويقول أن مسألة الاستخلاف وردت أكثر من مرة في القرآن الكريم الأمر الذي يؤكد مدى ثقلها في تصميم الهيكل الحضاري للرؤية الإسلامية.

﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ النمل:62


أما الحد الثالث فيتمثل ببرنامج العمل , أو الدين .. والدين في المنظور الإسلامي هو منهاج شامل للحياة يتحرك الإنسان على أرضية العالم وفق مقولاته وتوجهاته , ويمارس استخلافه الحضاري للطبيعة التي سخرت له وفق تعاليمه و معطياته ..ودونه يضيع الإنسان..

يقول المؤلف و يضيف: إن الدين وفق هذه الرؤية يبدو برنامجا حضاريا.. وهو يكمل طرفي المسألة الآخرين : الأرضية و الإنسان.

ومادامت الدنيا ابتلاء, فمعنى هذا أنها تتطلب منا عملا و إبداعا .. إنه ليس ارتجالا ولا مواقف جزئية ولا فوضى لا يحدها نظام .. إنما هناك تخطيط مرسوم و مواقف كلية , يصدران عن نظام مبرمج إلى غاية لا حدود لها تلك هي عبادة الله .. الهدف الذي يتوجب على الإنسان.

وليس مفهوم العبادة هنا مساحة ضيقة لا تتجاوز دائرة الشعائرية و الاتصال الروحي بالله .. إنه تجربة حياة كاملة .. أشبه بالبرنامج الشامل الذي ينظم حياة البشرية في الأرض , ويمنحها معنى , ويسير بها إلى هدف واحد مرسوم.


أما الفصل الرابع فيلامس فيه الدكتور الملامح الأساسية للفعل الحضاري الإسلامي من خلال مجموعة من المزايا



روح العمل ... و الإبداع..

نقرأ في كتاب الله الدعوة الشاملة للعمل:

﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ التوبة:105

ونستمع إلى الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وهو ينادينا:

(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها فاه بذلك أجر)

ثم يضيف في تعابير غاية في العمق و الشمول فيقول :

الدور الحضاري للإنسان المسلم يقوم على العمل و الإبداع المتواصلين منذ لحظة الوعي الأولى و حتى ساعة الحساب.

تأكيدا على العمل وردت اللفظة بتصريفاتها في القرآن فيما يزيد على الثلاثمائة و الخمسين موضعا.

..إن الإيمان بمثابة معامل حضاري يمتد أفقيا لكي يصب إرادة الجماعة المؤمنة على معطيات الزمان و التراب , ويجعلها تنسجم مع حركة الكون والطبيعة و نواميسها كما يمتد عموديا في أعماق الإنسان ليبعث فيه الإحساس الدائم بالمسؤولية و يقظة الضمير و يدفعه إلى سباق زمني .. على طريق القيم و الأهداف التي يسعى لبلوغها .. يرتقي بمجرد أن يتجاوز المسلم مرحلة الإيمان إلى المراحل الأعلى : التقوى و الإحسان ..


لينتقل بنا إلى الميزة الثانية مجابهة التخريب و الإفساد فيقول :

يندد القرآن بكل عمل خاطئ من شأنه أن يؤول إلى الفساد في الأرض .. وهو يسعى إلى حماية منجزات الإنسان الحضارية لا الجوانب المادية فقط بل تتجه الحماية إلى ما يعد أساسا للانجاز المادي نفسه تلك هي المعطيات الفكرية و الأخلاقية و الروحية و الثقافية بمفهومها الشامل من أجل الصمود في المواقع التي بلغها الإنسان عبر سلسلة طويلة من كفاح مبعوثي الله تعالى إلى بني آدم.

ثم يضيف : وأبعد من ذلك فالقرآن يطلب من الجماعة المؤِمنة أن تتحرك لوقف الفساد بأسرع ما تستطيع..

والرؤية الإسلامية ترفض صيغ التجزئة بين مساحات التجربة البشرية..


إما الميزة الثالثة فهي التوازن بين الثنائيات و توحدها... يقول

لقد جاء الإسلام يؤكد موقفه من العمل الحضاري من خلال رؤية متوازنة تضم جناحيها على كل ما هو روحي أخلاقي و مادي جسدي في الوقت نفسه..

﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ الروم:50

و الآيات في هذا السياق كثيرة

وفي مقابل حركة التوازن التي يؤكدها الإسلام .. تبدو أية تجربة بشرية تجنح باتجاه المادية, مهملة الروح , أو تتشبث بالروحية مهملة المتطلبات المادية , شذوذا و انحرافا.



الميزة الرابعة: التناغم و الوفاق مع الطبيعة و العالم و الكون..

إن الصراع بين الإنسان و العالم نظرة غربية صرفة .. صراعا يضعه هيغل في عالم الفكر و يبرر به أية جريمة شوفينية يمارسها شعب أوروبي لاستعباد الشعوب المستضعفة , ويضعه ماركس ليبرر به أية مذبحة تمارسها طبقة ضد طبقة .. يجرد الإنسان في قلب هذا الصراع من حريته و إرادته ..

إن التصور الإسلامي على العكس من هذا كله , يمنحنا معادلة حيوية و ةمنطقية لا خلل فيها .. ننطلق من نقطة التوازن الذي ينتفي فيه الصراع , ويتحول الجهد الإنساني إلى سعي خلاق من أجل التوحد و الانسجام .. ومادامت قوى العالم قد سخرت لمهمتنا الأرضية .. فإن علاقتنا بها إنما هي محاولة الكشف و التنقيب و الاندماج للوصول إلى أكبر قدر من التفاهم بين الإنسان و الطبيعة.


- الميزة التحريرية ...

لقد كان الإسلام منذ اللحظة الأولى عملا تحريريا .. و على المستويات كافة ..

القرآن يأمر بني آدم أن يمارسوا الزينة , وأين : عند كل مسجد , حيث يؤدي الإنسان غاية تجربته في التجرد و الانسلاخ عن زخرف الحياة الدنيا :

﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ الأعراف:30

تعقب ذلك دعوة إلى الأكل و الشرب بدون إسراف ..

و ما أكثر الآيات التي تستنكر على بعض أتباع الديانات المنحرفة السابقة تحريمهم الكثير من الطيبات التي أحلها الله

﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ..﴾الأنعام:150

إن كبت الغرائز هو تزوير للموقف الإنساني في الأرض,والشرك بالله هو أخطر تزوير,

إن كبت بعض جوانب الغريزة يجيء بمثابة عقاب وليس قاعدة من قواعد الدين- كما يتصور بعضهم-

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ النساء:160

ومهمة الأنبياء إعادة الأمور الى نصابها

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ الأعراف:157

الإنجاز الحضاري ليس هدفا نهائيا ...

حياة الإنسان في الأرض عابرة موقوتة .. والحياة الحقيقية هي الحياة الأخرى التي تتميز بالبقاء و الدوام

الإنجاز الحضاري في الإسلام وسيلة إلى غاية أكبر, ويكتسب في الوقت ذاته أخلاقية لا نجدها في سائر الحضارات, تصده عن استخدام طاقاته و قدراته في غير الطريق الذي تحتمه هذه الغاية الشريفة البعيدة.

وهذه ليست دعوة للزهد أو الفرار , إنه الموقف الوسط .. و تقرير للحقيقة النهائية , و تثبيت للموازين العادلة:

﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ العنكبوت : 64


وفي الخاتمة يتحدث عن تكنولوجيا إسلامية

يقول : منحنا الإسلام مفتاحين للخلاص:

التغيير الذاتي و الإعداد الذاتي بدونهما لن يكون التجاوز و الانطلاق ..

- التغيير الذاتي: طرح القرآن حده الايجابي

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد :11

وطرح حده السلبي

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... ﴾ الأنفال :53

إن تأكيد الإسلام على قانون التغيير يعني أنه يمنح الإرادة البشرية المؤمنة الفرصة في صياغة المصير, في التشبث به أو استعادته إدا ما أفلت من بين أيديها ..

لقد فهم كثير من المسلمين عملية التغيير أنها مجرد تجديد للثوب الروحي,أو الالتزام بالقيم الخلقية و السلوكية ..

إن التغيير الذاتي عملية شاملة تغطي الطاقات البشرية كافة:عقلية و روحية و أخلاقية و جسدية ..وأي تجزيء في الرؤية يقتل المحاولة في المهد ..

- الإعداد الذاتي:

إذا كان التغيير ينصب على الذات فالإعداد ينصب على الجماعة المسلمة بالدرجة الأولى لكي يحمي من ثم الذات المؤمنة من التضييق في العالم ..

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم... ْ﴾ الأنفال:60

والعلم الحديث ليس ابن الحضارة الغربية وحدها , لكي نتردد في احتضانه و تنشئته .. ولكنه تمخض أبدي لتراكم في الخبرة البشرية .. وكان لحضارة الإسلام نصيب وافر في وضع دعائمه , وتصحيح مناهجه ..

إننا نجد العديد من المبادئ الأساسية للحياة الإسلامية من مثل الاستخلاف و التسخير و التوازن و الارتباط المحتوم بين معجزة الخلق ووجود الخالق .. لا يمكن تنفيذها و تعزيزها دون الاعتماد على العلم أداة لتحقيق هذه الأهداف ..

ونجذ القرآن الكريم يطرح لأول مرة منهجا حسيا تجريبيا للنشاط المعرفي , هو نفسه الذي يعتمده اليوم العلم الحديث ..

يذكر القرآن قصة نبي الله داوود و سليمان عليهما السلام :

﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ . أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ سبأ:10-13

وقد سخرت لهما قوى الطبيعة الهائلة لتعمل تحت إمرتهما .. صناعة و عمرانا و بناء و فنونا .. إننا أمام النبي الذي يبني و يعمر و يتفنن ويبدع يتقدم بالحياة صعدا , على طريق الخلافة المسؤولة المؤمنة .

ثم هناك سورة في القرآن سميت باسم خام من أهم خامات الأرض ألا وهو الحديد .إن الدعوة لقيام مجتمع إسلامي تكنولوجي إنما هو استمرار طبيعي لموقف الإسلام المفتوح من معطيات العلم في آفاقه.

وسواء شئنا أم أبينا فنحن مسؤولون عن هزائمنا و تخلفنا..ولن ينقذنا إلا فعلنا الخاص و تحملنا الكامل لمسؤولياتنا..

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ آل عمران :165



والمفاتيح عندنا أولا و أخيرا فإن لم نصل اليوم الذي نبني فيه مختبراتنا و نشغلها بعقولنا .. ونصنع سلاحنا و نستخدمه بأيدينا .. إن لم نعد تشكيل عقولنا لكي تعمل كما أراد لها الإسلام أن تعمل .. فلن تكون لنا خارطة أو مكانا في هذا العالم , ولن يكون بمقدورنا ألف سنة أخرى من الإتكالية أن نصنع المعجزة..

ذلك هم التحدي الحقيقي الذي يقف قبالتنا صباح مساء ..

وهذا هو طريق الاستجابة المرسوم في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..

هذا هو الجواب


هكذا انتهى الكتاب تاركا في ذهننا بصمات و منهج لعلنا نعيد تشكيل عقولنا بما ينفعنا و أمتنا


أسألكم الدعاء عبد الصمد زيبار


/
رابط المقال من موقع الرواق :

http://www.alrewak.net/sub.asp?page1=v_baramej&id=33