الخيال العلمي فى الأدب العربي المعاصر.




  • الكـتاب: الخيال العلمي فى الأدب العربي المعاصر.
  • المؤلف: يوسف الشاروني.
  • النـاشر: مكتبة الأسرة، سلسلة الأعمال الكاملة 2004.

فى العام التاسع من عمر مهرجان القراءة للجميع، قدم المهرجان عدداً من السلاسل الجديدة، كان من أهمها: سلسلة الأعمال الكاملة، والتى تحوى الأعمال الكاملة للعديد من الكتاب، وكان كتاب (الخيال العلمى فى الأدب العربى المعاصر) ضمن الأعمال الكاملة للكاتب القصصى والناقد الأدبى (يوسف الشارونى).
فى مقدمة الكتاب يحكى المؤلف عن السيرة الذاتية للكتاب، والتى بدأت مع (نهاد شريف) عام 1971 وروايته (قاهر الزمن)، التى أصبح الخيال العلمى بعدها أحد اهتمامات (الشارونى)، وكما يقول: ".... تتيقظ حواسى النقدية، كلما عثرت على عمل إبداعى ينتمى إلى هذا النوع الأدبى، ويستحق التقديم للقارئ العربى .."
وعلى مر الشهور والسنين، تبلورت وتكونت فصول هذا الكتاب، ورأى المؤلف من حقها أن تتجاور لتتكامل، وتخرج إلى الوجود كائنًا أدبيًا، شاهدًا على الجهود المبذولة فى هذا النوع من أدبنا العربى المعاصر، حتى نهاية القرن العشرين.
الفصل الأول بعنوان (دراسات فى أعمال أدبية) يبدأ بالكلام عن رواية (قاهر الزمن) للكاتب (نهاد شريف)، والتى تقوم على تساؤل هام: هل للطبيب العالم أن يستخدم جسد الإنسان حقلاً لتجاربه، وهل يباح ارتكاب جريمة باسم العلم، وتعذيب إنسان بغرض إطالة حياة إنسان آخر ..؟!
وفى المجموعة القصصية الأولى لـ (نهاد شريف) بعنوان (رقم 4 يأمركم) والتى كانت سمتها الأولى الصراع الدرامى بين قوى تستخدم العلم لقهر الإنسان، وقوى أخرى تستخدمه للقضاء على هذا القهر، ويكون النصر فى جانبها.
ثم ينتقل المؤلف للكلام عن الرواية الثانية لـ (نهاد شريف) بعنوان (سكان العالم الثانى) والتى تدور حول حلم البشرية فى استغلال قيعان البحار والمحيطات، عن طريق مجموعة من العلماء الشبان، الذين لجئوا إلى قاع البحر، لبناء ما يشبه المدينة الفاضلة، بهدف العمل الجدى من أجل خدمة الجنس البشرى وسعادته.
يتوقف المؤلف عند هذا الحد فى الكلام عن أعمال (نهاد شريف)، وينتقل إلى كاتب آخر هو (محمد الحديدى) وروايته (شخص آخر فى المرآة) والتى تدور حول لاعب الكرة (تامر مدكور) الذى أصيب بحادث هشم مخه تمامًا، والدكتور (رمزى حبيب) الأستاذ بالجامعة، والذى وقع له حادث هشم جسده تمامًا، فأجريت له جراحة عاجلة، نزعوا خلالها جزءًا من مخ الدكتور (رمزى) لزرعه فى رأس لاعب الكرة، ليصبح أمامنا شخص اسمه (تامر) نجم من نجوم الكرة، يحمل فى أعماقه شخصية الدكتور (رمزى) أستاذ الجامعة، وتكون هذه الازدواجية هى الأساس الدرامى للرواية.
بعد ذلك يعرض المؤلف لرواية (هروب إلى الفضاء) للكاتب (حسين قدرى) المنشورة عام 1981، والتى تدور حول سفينة فضائية سرعتها فى الثانية الواحدة تساوى ست ساعات أرضية، والتى استخدمها العلماء للوصول إلى كوكب بعيد، حيث يتواجد بشر آخرون، لكنهم يعيشون فيما يشبه المدينة الفاضلة.
وفى آخر صفحات هذا الفصل، يقدم لنا المؤلف رواية (جريمة عالم) للدكتورة (أميمة خفاجى) والتى نشرت فى موسكو عام 1990، والتى تدور أحداثها حول الهندسة الوراثية –مجال دراسة المؤلفة- ومخاطرها.
فى مقدمة الفصل الثانى المعنون (الخيال العلمى فى الأدب العربى)، يتكلم المؤلف عن فكرة أدب الخيال العلمى، وعن اتجاهين أساسيين فى أدب الخيال العلمى، الأول قاده الروائى الفرنسى العظيم (جول فيرن) والذيى يقوم على استخدام العلم على أساس واقعى، أو كما يقول (فيرن) نفسه: "لقد بنيت دائماً اختراعاتى على أساس من الحقائق، واستخدمت فى صناعتها طرقًا وموادًا ليست فوق مستوى المعلومات المعاصرة والهندسة الماهرة." ويهدف هذا الاتجاه إلى استغلال الحقائق العلمية لتسلية القراء بمغامرات ممتعة.
أما الاتجاه الثانى فقاده الكاتب الإنجليزى (هـ. جـ. ويلز) الذيى يقول عن رواياته أنها: "تدريبات للخيال، ولا تدعى تناول أشياء يمكن تحقيقها." وهذا الاتجاه يقوم على تسخير الأدب والمتعة القصصية والتشويق لخدمة الثقافة العلمية.
ثم يتناول الكاتب فى نقاط هذا الفصل عددًا من الشخصيات التى تناولت الخيال العلمى فى أعمالها الأدبية، ومن ضمن هذه الشخصيات: الدكتور (مصطفى محمود) .. (رءوف وصفى) .. (يوسف السباعى) .. (فتحى غنيم) .. (توفيق الحكيم) .. وغيرهم.
وتدور صفحات الفصل الثانى حول تيمة (اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة فى قصص الخيال العلمى، ويتصدر هذا الفصل مقدمة أو لمحة تاريخية عن نشأة فكرة المدينة الفاضلة، ثم يعرض نماذج لهذه التيمة من خلال أربع روايات لأربعة مؤلفين.
أما الفصل الرابع فيدور حول تيمة أخرى، هى تيمة (الأطباق الطائرة) فى أدب الخيال العلمى، ولكنه فى هذه المرة يقتصر على نموذج واحد فقط هو (نهاد شريف) فى مجموعته القصصية (أنا وسكان الفضاء) وروايتيه (الشيء) و (ابن النجوم).
ويعود المؤلف فى الفصل الخامس إلى فكرة تجميد أجساد البشر، والتى سبق مناقشتها فى الفصل الأول، ولكن هذه المرة من خلال كاتبة كويتية هى (طيبة أحمد الإبراهيم) وثلاثيتها: (الإنسان الباهت) .. (الإنسان المتعدد) .. (إنقراض الرجل) .. والتى تندمج فيها فكرة الاستنساخ أيضاً، وتنتهى بنهاية مفتوحة مثيرة إلى أقصى حد .. تحمل خيارًا من اثنين: إنقراض البشرية .. أو بداية جديدة لها !
وفى الفصل الأخير من هذا الكتاب، يتناول المؤلف عرضًا لكتاب (الخيال العلمى أدب القرن العشرين) للكاتب (محمود قاسم)، الذى كتب عن مراحل تطور الخيال العلمى، وتناول الأقسام الفرعية لأدب الخيال العلمى، مثل الفانتازيا العلمية، والظواهر العلمية الخفية، ويختم (محمود قاسم") كتابه بفصل عن أدب الخيال العلمى عن الأدباء العرب، وفصل أخير عن السينما وعلاقتها بالخيال العلمى.
لست طبعًا فى مستوى نقد عمل متميز كهذا، لكاتب قدير مثل (يوسف الشارونى)، لكننى فقط سأعلق على بعض السلبيات ، من وجهة نظرى ، التى لفتت انتباهى أثناء تصفح الكتاب، وأولى هذه السلبيات: التكرار الممل لسرد أحداث الروايات التى تعرض لها المؤلف فى فصول الكتاب المختلفة، فعلى سبيل المثال: تكرر سرد (رقم 4 يأمركم) مرتين فى الفصل الأول، و (سكان العالم الثانى) و (قاهر الزمن) مرة فى الفصل الأول، ومرة أخرى فى الفصل الثانى، ثم (سكان العالم الثانى) مرة ثالثة فى الفصل الثالث !
تجلت هناك حفاوة غير عادية بكتابات (نهاد شريف)، فقد خصص له المؤلف نصف الفصل الأول تقريبًا، والباب الرابع بأكمله، كما تناول أعماله مرة أخرى فى الفصلين الثانى والثالث، هذا سوى الحديث المتناثر عنه فى بقية صفحات وفصول الكتاب.
كما تعرض الكاتب لبعض التجارب الروائية والمسرحية، والتى لا تنتمى إلى الخيال العلمى فعليًا، وإنما هى على حد تعبير المؤلف: "على هامش الخيال العلمى" ولا يعتبر الخيال العلمى فيها هدفًا أو أساسًا فى حد ذاته، وإنما كان مجرد وسيلة لإيصال فكرة أو مضمون فلسفى، ينتقد الواقع الذى نحياه. ويذكر من ذلك تجارب لأديبنا الكبير (توفيق الحكيم) و (فتحى غنيم) و (يوسف السباعى)، فى الوقت ذاته تجاهل المؤلف كتابًا بارزين فى عالم الخيال العلمى، أمثال د. (نبيل فاروق)، الذى قرأت له أجيال عدة من المحيط إلى الخليج، وأصبحت له مدرسته الخاصة جدًا والمتميزة فى كتابة الخيال العلمى.
وربما جاءت الفقرة الأخيرة من الكتاب بمثابة اعتذار عن تلك النقطة بالذات، حيث يقول المؤلف: "وأخيرًا فإن هناك نقدًا قد روجه إلى الكتاب أنه أغفل كثيرًا من الأسماء اللامعة، التى كتبت فى أدب الخيال العلمى، ولا سيما من بين الكاتبات، لكن الرد على ذلك هو أن هذا الكتاب لم يقصد به مؤلفه أن يكون موسوعة فى أدب الخيال العلمى، بل هو مجرد بداية ومؤشر، وخطوة على الطريق."