مساحة شاغرة .. قصة قصيرة
بقلم : أميرة فايد
(1)
- عشرة الاف مساحة شاغرة للنجاح
- عشرة الاف مساحة شاغرة للإبداع
……………………………………
…………………………………….
- ومفاجأة المفاجآت لفتياتنا الوادعات :
عشرة الاف مساحة شرعية شاغرة في بيت وسرير رجل
- فرص عديدة للحاق بقطار الستر وقافلة الآدمية
اشرأبت أعناق طوال الأعناق..ولوى قصار الأعناق أعناقهم ..في حين طأطأ الأقزام حانقون …ولم يتسن لأحد الاطلاع على رد فعل ساكني القصور النائية المسقوفة بالقرميد الزجاجي الأحمر.
ما زال السيد المرشح ممثل المجموعة ;ج; يطنطن في أبواق السفور.. لا وساطة .. لا تزكية .. الأفضلية للملتصقين ببواطن النعال يليهم الأقزام يليهم ………………………………………
(2)
عند شجرة الأثب العملاقة التي تضرب فروعها أعماق اليابسة والقنال وقف يطارد لعاب الشمس ، وعند انهزامها ..أخذ يرقب ارتجاج الماء إثر سقوط حجر عنود فيه . تابع في توتر تحلقات عديدة تتمدد مهاجرة صوب العدم . ند عنه ظل ابتسامة مرحبة حين باغته صديقه الراوي كعادته:
- لكنها تلاشت.. وعاد إلى سابق بلادته.
وقبل أن يرخي الليل سدوله كان ;ع ; منغرسا في رقعته يتسكع في أمره.
(3)
مع تسلل أولي خيوط النور يصاعد أنينهم يجترح الفضاء حيث يتفتت بددا.
آآآه..أوووه..آآآي..واو..أواه..أيييييييييييييي
تستوطن كل زفير.. تصاحب أداءهم الارتجالي لرقصة الالتحام.
تبدأ بمط الرقبة في محاولة عقيمة لمنحها استطالة ما أو اصطياد مشهد مبهر، غير اعتيادي.
هز الصدر والأكتاف والعجيزة يبدأ برفق نسبي .. يصل عنفوانه مع قيظ الشمس .. ويبلغ ذرى جنونه مع هبوط الظلام.
في مرحلة النطح ، والرفص تذوب إحتمالات التعامل بشرف أو في أطر قانونية.
(4)
انتشر نبأ أجنحة ;ع; النابتة إنتشار الطاعون ، وهو شيء كفلته اللامسافة بينهم . إنفلتت الهمهمات من كل فم تغذي جذوة حلم وردي في الصدور.. توارى كومضة مهيضة تحت رماد يأس . أكد الأقزام أنها علامة ورسالة الويل لمن ينكرها أو يتجاهلها ، أفتى نظراؤه بتميزة لكنهم أردفوا هامسين أنه موصوم في النهاية بكل مثالب الكتلة وليس الأمر أكثر من حسن طالع وضربة حظ .
إعتبره طوال الأعناق موضة وفرقعة الموسم وهتفوا بحماس قلما يطول أمده ، أو يساقط ثمرا جنيا !
كان التفافهم التام حول ;ع; ، وتعاضدهم الأسطوري على دعمه، والعزم الذي لا يلين على الزج به في مطبخ السياسة أو في أتون صهاريجها لا يقل اعجازا عن ظهور الأجنحة.
(5)
لا تفتأ شاشات العرض العملاقة المتبجحة بالغواية ، وبممارسة العهر في كل صوب ، والمستبيحة ذرات الأثير، تبرقل عن مساحاتها الشاغرة.
شيدت مسارح عبثية في كل الأنحاء ، يعتلي صهوتها نصف شخوص . رؤوس فوق أكتاف . تختفي أجزاؤهم الغامضة خلف حجب سوداء كثيفة .. تشي بلا يقين.
ذهب البعض إلى أن لهم بطونا هائلة قميئة تحتم إخفائها لبشاعتها حرصا على الذوق العام و ترفقا بالجموع.
بينما تقوّل آخرون عن أقدامهم القصيرة الشائهة التي استبدلها أولو الأمر بأرجل خشبية يتكفلون بتحريكها وتوجيهها.
وفي مساحة مستحقة من الحرية .. يؤرجحون أقدامهم في بلاهة بينما يرتسم على محياهم الوقار.
(6)
قرر ع بعد تفكير عميق ، متسلحا بتأييد الكتلة وحده ، خوض المعركة والتعاطي السياسي مع حاجات مؤيديه ، والإرتقاء بأحوالهم المذرية . كان يتوقع صعوبات بالغة وإحباطات كثيرة لكن موقف صديقه الراوي المناهض لكل أحلامه.. كان أعنفها وقعا على نفسه وأشدها ايلاما. إستند الراوي في استقرائه لفشل ع الحتمي الذريع إلى سجل ضخم من الأحداث التاريخية ، وقراءة عميقة لفلسفة عصر ، وثقافة أمه وتاريخ أجيال.
تأزم الموقف بين الراوي و ع حين وصفه الأول بغير المؤهل وعديم الخبرة، وحين شكك بيقين دامغ في فطنته واستعداده المنقوص لساحة الوغى القادمة..
- من لا يستند إلى ركن شديد يبخرونه ..وكأنما نبت من فراغ وانتقل إلى فراغ.
لم تفلح محاولات ع في تغيير منطق صديقة . ليس حين صرخ فيه حانقا:
- أُنظر إليهم.. ألا تبلغك صيحاتهم ..ألا تدرك على أية هاوية يشرفون ..أوضاعهم آخذه في التردي، وكوارثهم آخذه في التفاقم ، هل ترى تناحرهم ، ألا يؤرقك تقلص مساحات التسامح في صدورهم ..تسيد الحقد ، الجنوح للتدمير - الموجه للذات قبل الأعداء .
ألا تثير غثيانك جوقات الخطابة والعنتريات الزائفة وبؤر الفساد و….
، وليس حين إتهمه بالجبن والسلبية والانهزامية…
- إختاروا فارس ..وهأنا ذا.
- بلا ركن شديد أنت ريشة في مهب ريح . بل أهون شأنا.. ثم إنهم يحتاجون ما هو أكثر من فارس ..يحتاجون إلى إلتحام أرواحهم وانصهارها في عمل جماعي قومي موحد..الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو لك.
- أنت لا تعرف قدري ..أنا صاحب الأجنحة الأوحد .لا أسمح لك ……
- هاااا ..الزهو والتفاخر يا صديقي . تلك مكرمة متوارثة.
وقبل أن يغيب خلف رتاج عنجهيته همس له الراوي في أسى :
- إحترس من حلفائك .. و بَرّق لمن لا يعرفك
(7)
واجهت ع أولى مشكلاته ، والتي سببت له ضيقا جما ، حين فرضوا عليه إختيار رمزه من مدلولات كريهه ( الحوت ، الخرتيت ، الثعلب ، القرد…. ) مع رفضهم الفظ لإتاحة رمز الشعلة أو الفارس !
كان حلم ع متوقدا وفرحه غامرا ..كيف لا وهو يشعر ربما للمرة الأولى على الإطلاق بالأهمية والتحقق ، بالواجب والإنتماء ..بانسانيته!
(8)
ربما ابتلعته دوامة ، أو ربما هو اعترض طريق شلال هادر، لمياه قذرة نتنة الرائحة. لم يقف أبدا على حقيقة الأمر .. صور الفساد والضعة التي يمارسها رضاع اللؤم .. كل شيء يباع وكل قيمة تشترى.
المدهش انه حين أدرك أن لا مساحة شاغرة لأمثاله ولا أمل ، وحين تلبسه القنوط ،وحين قرر التراجع والإقرار بالهزيمة ، وما هو أكثر ..الإعتذار للراوي واسترضاؤه . حدث ما هو أبعد ما يكون عن التوقع .
سقط منافسه فجأة وخلت مساحته . وفي سرعة البرق وقبل أن يتدارك أحد الأمر كانت كتلة الالتحام قد رفعته وغرسته في رقعته. معجزة أخرى بلا شك .. تؤيد سابقتيها وتؤكدهما.
(9)
لم يفق ع من الصدمة بعد ، ويبدو أن لن يفارقه الذهول والقهر آماد طويلة.
كان الأمر أشبه بالإغتصاب .. بل أبشع .
إنتبهوا لإختلافه بخبرتهم الضاربة في عمق القيح.. طوقوه بعد أن رسخوا عجزه . تأكدوا أن عصبته قد إنصرفت إلى ايقاعها و هذيانها وغفلتها ، بعدما إطمأنوا إلى أنهم قد أدوا دورهم على الوجه الأكمل.. وليس هناك المزيد .
كانت عيونهم تلتمع
كالذئاب شحذوا أنياب تسح لعاب شهوة.. إفترسوا أجنحته حد البتر.. تركوه مترنحا بجسد بارد ووجه شاحب شحوب الموت .
حين حانت لحظة تمثيله للكتله كان شاخصا كالصنم.. يتفصد عرقه كمن بَحر وتقطعت أنفاسه . حاول جاهدا أن ينطق .. ترمرم ثم هوى.
أميرة فايد الناحل
ديسمبر 2010