تنسى... كأنك لم تكن"
11/6/2010|
عندما تقرأ كلمات محمود درويش، في قصيدته "تنسى... كأنك لم تكن"، من ديوانه "لا تعتذر عمّا فعلت": "تُنسى، كأنك لم تكن، تُنسى كمصرع طائر، ككنيسة مهجورة تُنسى، كحب عابر، وكوردة في الليل، أنا للطريق، هناك من سبقت خُطاه خطاي، هناك من نثر الكلام، على سجيته ليدخل في الحكاية، تنسى".
عندما تستمع لها بغناء الفنان السوري سميح شقير، هذه الأغنية تشعر كم يمكن أن تجتمع القسوة والجمال معًا. أكاد أهرب من الأغنية لقسوة الكلمات، وكثيرا ما انتقل للأغنية التالية لوجع هذه الأغنية، فكم صعبٌ أن تُنسى، كما لو لم تكن! ولكن التعبير قوي للغاية وموسيقى شقير تقدّمه بأداء جميل وموسيقى أخاذة يدفع للاستماع والتأمّل.
تساءلت يوما، ربما بسذاجة يغفرها لي عدم تخصصي بالأدب: هل للقصيدة علاقة بزواجَي محمود درويش القصيرين؟!
قبل أيّام وأنا أرى أجزاء جديدة من فلسطين لم أرها في حياتي، خطرت خواطر كثيرة كانت القصيدة تقفز لها! فمدن فلسطين الساحلية جميلة جدا حدّ البهاء ولكن حقيقة أنّها محتلة ومستعمرة من عنصريين إقصائيين أمر قاس جدّا، وحقيقة أنّ كل الحلول السياسية، سواء ما ادّعينا أنّها مؤقتة مرحلية تكتيكية، أو استراتيجية حقيقية دائمة تدور حول الضفة الغربية وقطاع غزة. وحتى أهالي فلسطين 1948 تساموا على جراحهم وباتوا يندفعون برا وبحرا وجوا لدعم نضالات القدس وغزة.
وإذا ما تحدّث شخص ما عن ضرورة تعزيز نضالات أهالي فلسطين المحتلة عام 1948 وضرورة أن يصبحوا ركنا عضويّا من حركة تحرر عربية فلسطينية أشمل، أثار ذلك مخاوف (ربما مبررة جزئيّا) من أهالينا هناك من محاذير أن ينظر لهم باعتبارهم جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية أو فصائل المقاومة. كما ستجد من يتهمك بدعم الدولة الواحدة تحت اسم وعلم الدولة الصهيونية، وأنك تروّج لبقاء إسرائيل.
تشعر أنّه سواء من بالغ في واقعيته حد "اللاواقعية" في تأييده حل الدولتين، أو الذي اتّخَذَ حتى وقت قصير مضى شعار "التحرير من البحر للنهر" جواز سفر ليميّز نفسه عن غيره، كلاهما لا يفعل شيئا حقا لهذا الجزء من فلسطين، ولأهل هذا الجزء، بل باتوا ينتظرون دعمهم. يمتزج التفكير بالعاطفة، ونحن نَقول هذا الجزء لا يجب أن ينسى يجب أن يجد خططا عملية تكتيكية واقعيّة يوميّة وأخرى استراتيجية، على قاعدة الحق التاريخي الذي لا تلغيه موازين القوة المهيمنة في اللحظة الراهنة.
بين يدي أمثلة لقصص شباب وشابات تكاد تكون فلسطين محور حياتهم ليل نهار، ولدوا وعاشوا خارج فلسطين، وبعضهم فلسطيني وبعضهم ليس كذلك، وأعرف عن قرب الطاقة التي يضعونها في هذه القضية، وأعرف أنّه حتى ذووهم يخشون عليهم من اندفاعهم لدرجة أن يشككوا في واقعية تصوراتهم وخيالاتهم عن فلسطين، وأنّ بعض من حولهم يحاول أن يقلل من شأن فلسطين وارتباطهم بها، وهؤلاء مندفعون تماما وإن – حتى الآن - بأدوات المجتمع المدني والعولمة والإعلام والاتصال، على ذات النحو الذي اندفع فيه شباب عربي وفلسطيني يوما لترك دراسته في أوروبا والجامعات العربية والالتحاق بمعسكرات الثورة.
أعرف أنّ فلسطين من بحرها لنهرها لا تنسى، ولكن أعرف أنّ مسيرة ثورة البنادق دخلت الكثير من الأخطاء وأنّ الطاقات الجديدة موجودة ولكن مشتتة ودون مسار واضح، يضعها في إطار مقاومة وفعل حقيقيين موحدين (أو منسقين).
فلسطين (كل فلسطين) لن تنُسى، ولكن جمع طاقات العاملين لأجلها سريعا وعلى نحو فاعل لا يجب أن يُنسى، حتى لا نبقى ندور في حلقة مفرغة.
أنّ الشيء لا يُنسى فهذا لا يكفي ولا يعني أنّ نطمئن!