الموشحات / من قلم غالب احمد الغول

الموشح : من قلم غالب احمد الغول
إن الذي يبحث في الموشحات من حيث إيقاعها ولحنها وتلون قافيتها وإدخال العامية في مضمونها , سيعرف مسبقاً انه دخل باباً لا يمكنه الخروج منه بسهولة لما فيه من تعقيدات وزنية متعددة .
ومن الصعب أن نحدد شكلاً واحداً من الموشحات يمكن الالتزام به عروضياً , أو حتى نحوياً , لأن للعروض قواعده وقوانينه , بينما الموشح ليس له قاعدة ثابتة يمكن أن يسير عليها لأنه يساير القوالب اللحنية والغنائية , وأزمنة أدواره مختلفة عن الأزمنة المخصصة لإنشاد القصيدة الشعرية .
نعم يمكن القول على أن الشاعر العربي يستطيع تأليف قصيدة متعددة القوافي أو متحررة من القوافي كما هو الحال في ( شعر التفعيلة ) ومع ذلك لا نستطيع أن نسمي هذا النوع من الشعر بأنه ( موشح ) لسبب واحد وهو التزامه بقوالب الوحدة الإيقاعية الموسيقية الشعرية العروضية , ثم التزامه بالكلمات الفصيحة والضبط النحوي , وهذا مما يزيد الأمور تعقيداً للتفرقة بين ما يسمى شعراً عربياً وبين ما يسمى ( موشحاً ) عربياً , علماً أن الموشح بشكله العام قد انتقل إلى شعوب أخرى بألحان غير عربية , منها الإيراني والتركي والكردي , أو بألحان عربية منها الحلبي والجزائري والمغربي والليبي وغيرها , ولكل من هذه الموشحات لحنها الخاص ولونها الخاص ولغتها المختلفة الخاصة .
وأعتقد أن الذي أصاب الموشح من غرابة واستحداث وتطوير , هو بالضبط ما أصاب ( الدوبيت ) من تعدد الأشكال الوزنية وعدم الاتفاق على أنموذج واحد لحسم الموقف الوزني أو اللحني , بل اتخذ أشكالاً متعددة لا يمكن الفصل بينها .
ومن هنا يمكن أن نسأل أنفسنا سؤالاً واحداً وهو:
هل يمكن للشاعر العربي التقليدي المتمسك بالعروض الخليلي أن يكتب الموشح لإنشاده شعراً ؟ أو غنائه لحناً ؟
والجواب هنا بقولي ( نعم ) ولكن مع التحفظ ببنود هامة وهي :
1
ــ أن يكتب الموشح باللغة العربية الفصيحة , ويلتزم بقواعد اللغة العربية .
2
ــ لا مانع من تلون القوافي أو تعدد الفقرات الإيقاعية لتكون مثلاً:
الفقرة الأولى والثالثة أي ( الدور الأول والثالث ) يخلق لها الشاعر وزناً عروضياً ثابتاً وقافية عروضية ثابتة وزناً وتلحيناً .
أما الفقرة الثانية والتي تسمى عند الملحنين ( الخانة ) فأعتقد أنه من الأفضل أن يلتزم الشاعر بالوحدة الإيقاعية للبحر الواحد , مع حرية اتخاذ قافية مختلفة عن قافية الدور الأول والثالث . وكثير من الموشحات الأندلسية اتفقت مع هذا النوع من القصائد الشعرية المستحدثة والمتفقة مع الموشحات , قبل تلحينها أو إنشادها .
وهنا يمكن أن أفسر الفرق بين اللحن والإنشاد .
اللحن لا يشترط به أن يكون إيقاعياً , بل يستطيع المنشد أن يمط الحرف كما يشاء , وأن يتفنن بالغناء والأزمنة الغنائية كما يشاء , ولكن في الإنشاد لا يستطيع المنشد الخروج عن إيقاع الوحدة الإيقاعية الموسيقية الشعرية ( التفعيلة ) بأزمنتها الإنشادية المقررة لها . أي أن القصيدة الشعرية في هذه الحالة قد تنقلب إلى موشح , بمعنى أن نغني القصيدة ونلحنها بالشكل الذي نريده نحن وليس بالشكل الذي يريده العروض بقواعده الإيقاعية , لأن للإيقاع أزمنة مخصصة تتكرر بحساب زمني دقيق لا يمكن الخروج عنه .
كما يمكن لنا أن نسأل أنفسنا سؤالاً أخر .
هل أي بحر شعري يصلح أن يكون ( قصيدة وموشح بأن واحد ) ؟
والجواب :
إن البحور الشعرية ليست على درجة واحدة بإيقاعها , وليست على درجة واحدة بحسن غنائها , ويستطيع الشاعر أن يختار للموشح بحوراً شعرية غنائية مثل بحر ( الرمل وشقائقه ) وهو المشهور باتخاذه موشحاً غنائياً رفيع المستوى , ولكن لا نستطيع أن نستبعد غيرها من البحور الغنائية الأخرى كالهزج والرجز والكامل ... .
وهل باستطاعتنا أن نسأل السؤال الثالث وهو ؟:
ما الفرق بين موشح بحر الرمل وقصيدة بحر الرمل ؟
نحن نعرف بأن تفاعيل بحر الرمل هي :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن متكررة مرتين
أي أن تفعيلة العروض والضرب ينبغي أن تأخذ زمناً إيقاعياً رباعي المقياس الموسيقي ( لأنها سباعية الحروف , ورباعية الوزن .) وعندما نريد إنشادها علينا أن نحافظ على أزمنة الضرب والعروض لكي يكون الإيقاع سليماً وموافقاً لعروض الخليل ,
أي أن فاعلا.. في العروض والضرب , هي سباعية الحروف وليست خماسية , ولو كانت خماسية أصلاً لما أطلق عليها الخليل لقب ( محذوف )
أما الذي نلاحظه في الموشح فإن المنشد يعتبر تفعيلة الضرب والعروض وكأنها خماسية الحروف , وعندما يتعمد ذلك فإن الموسيقيين يعتبرون أن هذا البحر ( الرمل ) قد خرج عن مألوفه , فأصبح موشحاً مستحدثاً وليس بحراً خليلياً تقليدياً .
ومن أمثلة ذلك ندرج لكن هذا الموشح من نوع ( الكار) غنته فيروز , وهذا النوع من الموشحات يمكن أن يساير العروض الخليلي قلباً وقالباً .
القصيدة :
في ليال كتمت سر الهوى بالدجى لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى مستقيم السير سعد الآثر
حين لذ النوم شيئاً أو كما هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا أو ربما أثرت فينا عيون النرجس

بالذي أسكر من عزم اللما كل عزم تحتسيه او جب
و الذي كحل جفنيك بما سجد السحر لديه وأقترب
و الذي أجرى دموعي عندما عندما أعرضت من غير سبب
ضع على صدري بيمناك فما أجدر الماء بإطفاء اللهب

يا أهيل الحي من وادي الغضا وبقلبي مسكن أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا لا أبالي شرقه من غربه

احور المقلة معسول اللمى جال في النفس مجال النفس
سدد السهم فأصمى إذ رمى بفؤادي نبلة المفترس
جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصل في الأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
@@@@@@@@@@@@@@@