العدوان على غزة

قراءة أولى في الإستراتيجية العسكرية والسياسية الإسرائيلية

الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري

المتابع للعمليات العسكرية العدوانية الإسرائيلية الحالية في غزة يستنتج - لحد الآن – أن القوات الإسرائيلية لم تتحرك وفق إستراتيجية عسكرية واضحة على الأرض ، بقدر ما كانت تقوم به من عمليات عسكرية عدوانية لتحقيق أهداف محددة تكتيكية ( تعبوية ) كمرحلة أولى ومن ثم تطوير العدوان لتحقيق أهدافها وفق إستراتيجية عسكرية لم يعلن عنها لاحتمال الفشل في عدم انجازها بالكامل وكما حصل في العام 2006 في حربها الخاسرة مع المقاومة اللبنانية ، إلى جانب سعيها للاحتفاظ بالمناورة والمبادرة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي في حالة تطور الأوضاع سياسيا وعسكريا .. وتؤكد صحيفة معاريف الإسرائيلية الصادرة في 2/ 1/ 2009 هذا الأمر عندما ذكرت أن حكومة تل أبيب خرجت للحرب ضد قطاع غزة دون إستراتيجية واضحة ودون تحديد أهداف معينة ووقت انتهاء العمليات العسكرية ، وقالت الصحيفة : ( أن الحكومة قررت شن تلك الحرب دون عقد جلسات نقاش ذات آلية ثابتة ، تضمن إنهاء الحرب في اللحظة المناسبة لإسرائيل ) وأضافت ( أنه منذ السبت الماضي – أي منذ بدء العدوان البري على غزة - نجد القيادات الإسرائيلية تسعى لأن تثبت أنها تقود الحرب ضد غزة بشكل جيد على عكس ما كان الوضع في أثناء حرب لبنان الثانية 2006 )وكشفت عن كذب القيادات الإسرائيلية بشأن الحديث عن عقدهم للمداولات والمناقشات قبل الخروج لتلك الحرب، وهو ما يحدث كل مرة وينكشف أمرهم عند حدوث فشل عسكري ، وأشارت إلى أن جميع تصريحات القيادات الإسرائيلية بشأن التأهب الجيد لهده الحرب هو خداع للإسرائيليين ، وأنها تلجأ لذلك في محاولة لاستعادة الأيام الخوالي لإسرائيل عندما كان لديها ما سمي الجيش الذي لا يقهر ، وأكدت أن العملية العسكرية ضد قطاع غزة تدار يومياً بدون تفكير، ووسط تخبط بارز للقيادات الإسرائيلية ..

وأيا كانت مصداقية هذا الكلام والغرض من نشره ، فإننا نعتقد أن هناك ترابطا بين العدوان الإسرائيلي والانتخابات الإسرائيلية في شباط أو آذار القادم من ناحية وبين استلام اوباما منصبه كرئيس للولايات المتحدة من ناحية ثانية وما بين الحالتين هناك رسالة تريد إسرائيل إيصالها إلى الإدارة الأمريكية ودول المنطقة العربية والفلسطينيين في الداخل ، ناهيك عن سعيها إلى فرض تهدئة وفق شروطها والى إعادة ترتيب أوضاع الساحة الفلسطينية حسب مصالحها كما تأمل بذلك ..
الأمر الآخر الذي يمكن قوله هنا أن القيادة الإسرائيلية لا تريد وقف عدوانها إلا بعد أن تحقق جانبا مهما من أهدافها وعندها سوف تتعامل مع الجهود الدبلوماسية الدولية محاولة عدم التعامل مع حركة المقاومة الفلسطينية قدر ما تستطيع لكن استقراءنا للأمور هو أن هذا التصور الإسرائيلي خاطئ ومضلل وهو يمثل استمرارا للسياسة العنصرية والتعالي والغطرسة وان إسرائيل ستجبر على التفاوض مع المقاومة الفلسطينية باعتبارها عاملا مهما من عوامل استقرار المنطقة وان أي تسوية أو تهدئة دون المقاومة الفلسطينية لن تنجح وستفشل بالتأكيد وعلى إسرائيل أن تعي هذا الأمر جيدا ..

وبالنسبة لعلاقة العدوان بالانتخابات فقد تعودنا في السياسات الإسرائيلية أنه قبل كل انتخابات تحدث مزايدات حزبية بين الكتل السياسية الإسرائيلية يعبر عنها في الغالب بصناعة أزمات حادة على الساحة الفلسطينية مصحوبة بعمليات عسكرية عدوانية ضد الشعب الفلسطيني ، وبالطبع فان مثل هذه المزايدات يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، لأن الكثير من القيادات الإسرائيلية تحاول أن تُـثبت قدرتها وسطوتها على الوضع في فلسطين من خلال عدوانها المسلح مستهينة بكل الضحايا والآلام والدمار الذي تلحقه القوات الإسرائيلية بالشعب الفلسطيني ومرافقه العامة والخاصة غير مبالية بأي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية وهي التي عدمت مثل هذه الاعتبارات منذ أي نشأت الحركة الصهيونية كحركة عنصرية عدوانية وأصبحت عرابا للكيان المسخ ..

لقد رأينا هذا السيناريو من قبل عدة مرات، ربما نتذكّـر جميعا أنه في عام 1996، حدثت مجزرة شهيرة، وهي مجزرة قانا، وكانت أيضا تسبق انتخابات طارئة في إسرائيل وراح ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين واللبنانيين الأطفال تحت رعاية وتحت نظر قوات الأمم المتحدة، العاملة في الجنوب اللبناني ..

إذن الأمر لا يخرج كثيرا عن هذا الإطار، لكن في العدوان الحالي على غزة ربما هناك غايات ابعد وأكثر تفصيلا وتتمثل في محاولة إثبات أن الجيش الإسرائيلي قادر على إنهاء (حُـكم حماس) في غزة – حسب المسئولين الإسرائيليين - بعد أن فشلت، من وجهة نظرهم، الضغوط الاقتصادية والسياسية التي مورست طوال العام والنصف الماضي.. وقد سمعنا كثيرا من تصريحات القادة الإسرائيليين، لاسيما تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية وأيضا إيهود باراك، وزير الدفاع ورئيس حزب العمل، أنه حان الآن وقت الحرب ووقت القتال ووقت الآلة العسكرية ، بالإضافة إلى محاولة التعويض أو التخلص من عقدة الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي عام 2006 على يد المقاومة اللبنانية ..

ويرى بعض القادة الإسرائيليين أن أمامهم هدفا آخر يسعون إلى تحقيقه ، وهو إذا ما تعذّر القضاء تماما على حركة المقاومة الفلسطينية ، من الناحيتين السياسية والعسكرية ، فعلى الأقل تقليص هذه القوة العسكرية وإظهارها بمظهر القوة الضعيفة أمام الشعب الفلسطيني ، باعتبار أنها ليست بالقدرة وليست بالكفاءة المناسبة لكي تنازل إسرائيل وآلتها العسكرية ودفع الشعب الفلسطيني في غزّة إلى الثورة على( حُـكم حماس) حتى تقبل بعد ذلك الشروط التي أعلِـنت من قبل في اللجنة الرباعية الدولية والتي تدعمها إسرائيل وترى أنها شروط لا يُـمكن التنازل عنها ..

ويرى محللون أن هناك هدفا آخر تتوخاه الإستراتيجية الإسرائيلية من وراء العدوان على غزة ، وهو أن إسرائيل الآن تعيش في مزاج متطرف ويميل إلى العنف ويستهين تماما بكل ما هو متعلق بالتسوية السياسية، وِفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق التنازلات المتبادلة مع الطرف الآخر ، وفي اللحظة التاريخية الحالية، نحن نعلم أننا أمام فترة انتقالية في الإدارة الأمريكية، بعد فترة قصيرة سيأتي رئيس جديد، وأيضا تعودنا أنه في هذه الآونة تحديدا، تسعى إسرائيل إلى فرض شروطها على الجانب الأمريكي، والذي يحتمل أن يقبل بها، بل يدعمها ويؤيِّـدها، والموقف الأمريكي الحالي الذي عبر عنه الرئيس بوش من العدوان على قطاع غزة خير دليل على ما نقول ..
والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل تستطيع إسرائيل تحقيق هذه الأهداف مجتمعة في ظل الفراغ السياسي، إن صح التعبير، على مستوى الإدارة الأمريكية وفي ظل الموقف الرسمي العربي المتردد والضعيف وفي ظل تحرك دولي منح صوته مسبقا لصالح العدوان الإسرائيلي كما فعل الرئيس الفرنسي مؤخرا ؟


البعض من المراقبين والمحللين يرون أن جانبا واحدا من هذه الأهداف يمكن أن تحققها إسرائيل، فقد استطاعت خلال الأيام الماضية من العدوان المدمر والوحشي على غزة ، أن تحقق هذا الهدف على الصعيد الإسرائيلي الداخلي ، فلقد ظهرت تسيبي ليفني وإيهود باراك باعتبارهما صقرين كبيرين وباعتبارهما لا يتوانيان عن الإقدام على أشرس الأعمال وأعنفها ضد الفلسطينيين وضد المقاومة الفلسطينية بحجة حماية الأمن الإسرائيلي وحماية وجود إسرائيل ، وبالتالي ، فقد تحققت إحدى هذه الأهداف،حسب الإعلام الإسرائيلي وان كان لدينا رأي آخر سنشير إليه في سياق الاستنتاجات - وقد رأينا أنه في اليوم الأول من العدوان، أن بعض استطلاعات الرأي في داخل إسرائيل أظهرت تفوّقا كبيرا في موقف تسيبي ليفني، وهو الأمر الذي يختلف تماما عما كان عليه قبل العدوان على غزة ..

الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية
من خلال المعلومات التي ترشحت من وسائل الإعلام المختلفة عن سير القتال بين المقاومة الفلسطينية والقوات الغازية ، يمكن وضع تصور عام للإستراتيجية العسكرية التي تبنتها القوات الإسرائيلية في عدوانها على غزة على النحو الأتي :
1 . القصف التمهيدي : ضد الأهداف الفلسطينية بمختلف أنواع الأسلحة البرية والجوية والبحرية وبأكبر ثقل من النيران باستخدام الأسلحة الأكثر فتكا في العالم والذي استهدف مواقع المقاومة وتجمعاتها ومراكز إطلاق الصواريخ الفلسطينية والأنفاق وأهداف مدنية كثيرة مختلفة لتحقيق الصدمة النفسية لدى الشعب الفلسطيني وإيقاع اكبر الخسائر والضحايا بالأرواح والمعدات والممتلكات العامة والخاصة ، لإرباك الداخل الفلسطيني ومحاولة زعزعة الثقة بين الشعب والمقاومة .. وقد استمرت هذه الصفحة أو المرحلة حوالي سبعة أيام ، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها وأبرزها إضعاف المقاومة وإيقاف القصف الصاروخي الفلسطيني على البلدات والمستعمرات الإسرائيلية وإنزال الرعب بالمستعمرين ، كما فشلت أيضا في الإيقاع بين الشعب والمقاومة لان الشعب الفلسطيني بات يعرف جيدا انه هو المستهدف من هذا العدوان وليس المقاومة وحدها وهذا جزء من المشروع الصهيوني الذي يستهدف القضاء على الانتماء الروحي والوطني للشعب الفلسطيني بأرضه وحضارته وتاريخه ومستقبله وإلحاق المزيد من القتل والدمار بالسكان الفلسطينيين وممتلكاتهم لإجبارهم على الهجرة وترك ارض الإباء والأجداد للدخلاء لاستيعاب موجات جديدة من الهجرة اليهودية ..
2 . الاستطلاع بالقوة : وهذا يعني تقدم ارتال الدبابات والآليات العسكرية داخل قطاع غزة من عدة محاور واتجاهات من شمال القطاع وشرقه ومن مناطق غرب القطاع تساندها القوة الجوية والقوة البحرية والطائرات السمتية من طراز أباتشي الأمريكية وتنفيذ عمليات قصف مدفعية واسعة بالإضافة إلى استخدام أسلحة الدبابات من طراز مركفاه وأم اكس 48 و60 الأمريكية وأسلحة ناقلات الأشخاص المدرعة والهاونات الثقيلة والهدف من هذا الاستطلاع هو كشف مواقع المقاومة وقصفها مباشرة لمعرفة حجمها وتكتيكاتها وأسلحتها وأسلوب قتالها وأماكن تواجدها وتحركاتها ، وتضمنت هذه الصفحة انتشارا بريا واسعا في مناطق العمليات دون الدخول في المدن المأهولة لتجنب حرب الشوارع والمناطق المبنية وشملت هذه الصفحة أيضا إجراء عمليات إحاطة وتطويق واسعة لأحياء القطاع وتنفيذ عمليات قتالية ضد المقاومة ، وبالفعل حصلت مواجهات مسلحة وعمليات قتال عنيفة بين الطرفين أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على التعامل مع إستراتيجية القوات الهاجمة وكان هذا مترافقا مع استمرار القصف الجوي والبري والبحري لإيقاع الخسائر والتضحيات بالمواطنين العزل والأبرياء ومواصلة قصف المنشات الاقتصادية والصناعية والخدمية ودور العبادة والمدارس والمستشفيات وغيرها من الأهداف المدنية بوحشية مفرطة ، وهي مرحلة مكملة لمرحلة القصف التمهيدي لمواصلة تنفيذ مسلسل الرعب والصدمة والدمار ..
ويبدو أن القوات المعتدية فوجئت بأساليب قتال المقاومة وتصديها البطولي من خلال استخدامها تكتيكات قتالية جديدة فاجأت المعتدين وألحقت بهم خسائر جسيمة اعترف بها الناطق العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ، وكان من بين ما استخدمته المقاومة الفلسطينية تكتيكات متطورة لقنص الدبابات الإسرائيلية باستخدام أسلحة جديدة أعلن عنها المتحدث باسم المقاومة ، واستخدام الكمائن في زمان ومكان غير متوقعين من قبل القوات الإسرائيلية ، ناهيك عن فشل القوات الإسرائيلية خلال هذه المرحلة بتحييد عمليات إطلاق الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية وعلى أهداف إسرائيلية في مدينة بئر السبع ، بخلاف ما أعلنت عنه هذه القوات من أنها تمكنت من تدمير مواقع فلسطينية كثيرة لإطلاق الصواريخ .. وهذا يدل على الارتباك الحاصل لدى العدو ولجوئه للكذب والخداع لرفع معنويات جنوده والمستوطنين في الداخل ..
3 . الإحاطة والتطويق : في هذه المرحلة دفعت القيادة الإسرائيلية بأكثر من فرقتين مدرعتين وقوات خاصة توغلت في مناطق متعددة وخاصة تجاه المناطق السهلية المفتوحة التي تبعد عن مدينة غزة سبعة كيلو مترات ووسعت من عمليات القصف الجوي والبري والبحري على امتداد مناطق واسعة من القطاع شملت أهدافا اقتصادية وخدمية ومدنية ومواقع للمقاومة الفلسطينية وآخرها استهداف مدرسة وقتل أكثر من أربعين فلسطينيا في جريمة بشعة جديدة يندى لها جبين الإنسانية ، ولكن أيضا من دون المــجازفة بالدخول إلى المدن وخوض قتال في المناطق المبنية ..
لقد كان تقدم القوات الإسرائيلية في المرحلتين الثانية والثالثة بطيئا وصعبا ومكلفا نتيجة المقاومة الشديدة للمقاتلين الفلسطينيين وهنا نؤكد – والقتال لا زال مستمرا – إن القوات الإسرائيلية تسعى إلى جر المقاومة إلى القتال خارج المدن في مناطق مفتوحة مستفيدة من قدراتها النارية الجوية والبرية وإمكانياتها على الحركة والمناورة الواسعة في محاولة لإيقاع الخسائر الجسيمة بالمقاتلين الفلسطينيين لكن على هؤلاء المقاتلين – واعتقد أنهم يدركون هذا جيدا – أقول عليهم أن لا ينجروا إلى ساحة قتال تختارها القوات الإسرائيلية خارج المدن إلا في الحالات التي تساعدهم على القتال تبعا لقدراتهم التنظيمية والتسليحية وأساليب قتالهم على مثل هذا القتال لتجنب التعرض المباشر لنيران الدبابات والقوة الجوية والطائرات السمتية وان أفضل وسيلة لقتال هذه القوات هو جرها إلى مناطق قتل داخل المدن والمناطق المبنية لتحاشي أسلحة العدو الثقيلة كالقوة الجوية والمدفعية والصواريخ بالإضافة إلى الاستفادة القصوى من الأسلحة التي تمتلكها المقاومة وخصائصها التعبوية وخاصة أسلحة الار بي جي 7 وغيرها من الأسلحة الخفيفة التي تمنح المقاومة ميزة التفوق على القوات الإسرائيلية في المناطق المبنية حيث تكون الدبابات الإسرائيلية أمامها واهنة وسهلة الاصطياد والقتل ، كما أن استخدام أسلوب حرب العصابات الذي يتميز بالسرعة والتأثير الواسع على العدو وإرباكه وتحييد معظم أسلحته الثقيلة والذي يحتاج إلى إرادة وشجاعة وعزيمة تفتقرها القوات الإسرائيلية انطلاقا من مبدأ أن المقاومة تقاتل دفاعا عن وطنها وفي أرضها ، وان القوات الغازية تفتقر إلى هذه الصفات والخصائص ، كل هذا يتمتع به المقاتلون الفلسطينيون ويمنحهم ميزة التفوق التعبوي ( التكتيكي ) على العدو ولذلك سيكون تأثير هذا النوع من المعارك لصالح المقاومة وسيعينها على تحييد عناصر القوة لدى القوات الإسرائيلية ..
وهنا نؤكد على المدنيين الفلسطينيين أن يتحسبوا أو يغادروا دورهم أو مناطق سكناهم إذا ما دارت مثل هذه المعارك داخل المناطق المبنية خشية تعرضهم للنيران والقصف المعادي حيث ستكون الاشتباكات قريبة والنيران كثيفة والتلاحم شديدا ..

نتائج واستنتاجات
1 . في ضوء المعارك الجارية حاليا يمكن القول أن العدوان الإسرائيلي لم يحقق أيا من أهدافه ، اللهم إلا إذا اعتبر العدو قتل المدنيين وهدم دورهم وتدمير المنشات المدنية هي أهداف محسوبة في عدوانه فانه والحالة هذه حقق الشيء الكثير ، لكن الحقيقة هي انه فشل في تحقيق الأهداف التي أعلن عن البعض منها أو التي يمكن استخلاصها من خلال سير العمليات القتالية ، فقد حافظت حركة المقاومة والشعب الفلسطيني على تماسكهما رغم التضحيات الجسيمة والدمار الذي لحق بالمواطنين وان مخزون المقاومة من الأسلحة حتى ساعة إعداد هذا التحليل مازال بخير ولم يتعرض إلى أذى كبير وان استمرار الحرب وسقوط الصواريخ سيعني أن القوات الإسرائيلية قد دخلت في حلقة مفرغة حاولت أن تتهرب منها عندما لم يعلن قادتها عن طبيعة إستراتيجيتهم وأهدافهم الإستراتيجية كاملة خشية فشلهم في تحقيقها في بدايات عملياتهم ومن أن يبدو الأمر بمثابة هزيمة إستراتيجية في خواتيمها ..
ففي التقرير الذي أصدرته جهاز الأمن العام ( شاباخ ) بمناسبة نهاية السنة أن منظومات صاروخية متطورة ومقرات عسكرية فلسطينية أنشئت تحت الأرض خلال فترة التهدئة، وقد تبين مؤخرا أن هذه المنظومات ومنظومات الربط والاتصال والحماية لم تتأثر، وهذا يعني قدرة المقاومة الفلسطينية على مواصلة الحرب وقصف المواقع الإسرائيلية ، الأمر الذي سيوقع قيادة العدو الإسرائيلي في حرج كبير قد يفتح احتمالات العمل العسكري على تطورات ميدانية أوسع ..
2 . إذا لم يحقق العدوان الإسرائيلي كافة أهدافه فهل سيوقف الإسرائيليون العدوان دون نتائج حاسمة أم سيستمرون فيه إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وسط احتمالات مفتوحة إما أن تقضي على الاتجاه اليميني المتشدد وإما أن تأتي به بديلا عما يسمى حكومة الهزائم الإسرائيلية وذلك وفقا لما ستسفر عنه مجريات العدوان ، خاصة بعد تكتيكات المقاومة الجديدة واستخدامها لأسلحة مؤثرة على الدروع والدبابات والآليات الإسرائيلية بشكل اكبر ؟ من هنا يرى المحللون أن المعضلة التي تقف أمام الجيش الإسرائيلي هي أنه أمام خيارين أحلاهما مر ومدمّر :
الأول : مواصلة الحرب والقبول بالخسائر الكبيرة التي تعرضت أو ستتعرض لها القوات الإسرائيلية من خلال الادعاء بان ( هذه الحرب ) لها فضائل عديدة تضمنت ضرب مناطق إطلاق الصواريخ الفلسطينية والبنى التحتية والأنفاق ، والخيار الثاني : هو التوجه نحو الإسراع في إنهاء ( الحرب )والاكتفاء بما يسميه أصحاب هذا الرأي بالضربات الكبيرة والشديدة التي تلقتها المقاومة الفلسطينية ..

3 . إن هذه الحرب – العدوان – هي حرب غير متوازنة بين طرفين ، الأول تمثله ( دولة ) عنصرية تمتلك كل مقومات الدولة المتطورة عسكريا والمدعومة من أقوى دول العالم والثاني لا يمتلك سوى أسلحة متواضعة بسيطة ، ومع ذلك فان النتائج التي تحققت حتى الآن أو التي ستتحقق تمثل انتصارا وفخرا لشعب بسيط اعزل ، مما سيكون له انعكاسات كبيرة على وضع الأنظمة العربية وعلى التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة مستقبلا ..
4 . إن ما تحقق من نتائج عسكرية على الأرض يدلل على أن المقاومة الفلسطينية قد تحسبت لكل الاحتمالات العسكرية واللوجستية وأنها قد خططت للاحتمالات الاسوا مما أربك القوات المعتدية وجعلها تتريث كثيرا قبل إقدامها على أي عمل عسكري متهور قد يوقع بها خسائر غير محسوبة مما يزعزع ثقة المستوطنين بها ويضعها في موقف لا تحسد عليه كما حصل في العام 2006 في جنوب لبنان ..
5 . من المحتمل أن تطيح نتائج العدوان الإسرائيلي والخسائر التي تكبدتها أو التي ستتكبدها القوات الإسرائيلية ، في حالة استمرار العدوان لفترة أطول ، بعدد من المسئولين الإسرائيليين من مدنيين أو عسكريين ، وقد يكون لها تأثير في حصول متغيرات في الخارطة السياسية الإســـرائيلية خلال الانتخابات القادمة أم للمرحلة التي تليها ..
6 . إن ما استخدمته القوات الإسرائيلية لغاية هذا اليوم يمثل كامل القدرة العسكرية الإسرائيلية ومع ذلك لم تحقق النسبة التي كانت تتوقعها قيادتها ، وهذا يسبب إحباطا جديا لقيادة العدو ولقواتها قد يترك آثارا سلبية ويكرر ما حصل للحكومة وللقادة العسكريين في العام 2006 ..
7 . أن عدم التصريح الإسرائيلي بالأهداف الكاملة من العدوان يؤكد على وجود ضبابية وتضليل ليصبح حرب إبادة جماعية ودمار شامل لشعب اعزل مما يترتب عليه تقديم المسئولين في الحكومة والجيش الإسرائيلي إلى المحكمة الدولية الجنائية لمحاكمتهم على جرائم الإبادة الجماعية بحق شعب اعزل حسب الاتفاقيات الدولية ..
8 . في النتيجة النهائية فان المقاومة هي التي ستخرج منتصرة من هذا العدوان بعون الله وان الشعب الفلسطيني سيخرج أكثر قوة وتماسكا ونأمل أن تتجاوز الفصائل خلافاتها لتتخذ من الموقف الجماهيري العربي المتعاطف والمؤيد والتأييد العالمي فرصة لتعزيز تماسكها وتوحيد موقفها وان هذا الأمر إذا تحقق – ونحن واثقون منه بإذن الله – فان هذا يعني سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي مرة أخرى على يد المقاومة في غزة مثلما سقطت سابقا على يد المقاومة في جنوب لبنان وسقوط الأهداف الإسرائيلية بالمراهنة على الخلافات الفلسطينيبة وعلى تشرذم وتشتت الموقف الفلسطيني وقدرة الشعب على الصمود والالتفاف حول مقاومته الباسلة ..