الإيرانيون يَنزِلون إلى الشّوارع احتجاجًا على ظُروفِهم المَعيشيّةِ الصّعبة ويَحرقون صُور الخامنئي وروحاني غَضبًا.. لماذا لم يَسقط الآلاف مِنهم قَتلى وجَرحى برصاصِ رِجال الأمن؟ وما الفَرق بين مُظاهرات اليَوْمْ ونَظيرتها عام 2009؟ ولماذا لا نَستبعد التّحريض الخارجي والأمريكي بالذّات؟
شَهِدت أكثر من عَشرِ مُدنٍ إيرانيّة مُظاهراتٍ يًومي الخميس والجمعة الماضيين احتجاجًا على غلاءِ المَعيشة وصُعوبة الأوضاع الاقتصاديّة في البِلاد، وردّدَ المُتظاهرون شِعاراتٍ مُعاديةٍ للرئيس حسن روحاني وكذلك المُرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وانتقد بعض المُتظاهرين سياسة بِلادهم الخارجيّة، وحَملوا لافِتاتٍ تَقول “لا غَزّة ولا لُبنان أُضحّي بحياتي من أجلِ إيران”.
الحُكومة الإيرانيّة اعتبرت هذهِ الاحتجاجات غير قانونيّة ودَعمت وحَشدت لمُظاهرات مُضادّة مُوالية لها شاركَ فيها عَشرات الآلاف في أكثر من مَدينةٍ رَفع المُتظاهرون خِلالها صُور المُرشد الأعلى والرئيس روحاني، وأدانوا المُتظاهرين الذين جَرى وَصفهم بمُحاولة إثارة فِتنة في البِلاد.
إيران تُواجِه ظُروفًا اقتصاديّةً صَعبةً تَعود بالدّرجةِ الأولى إلى حِصارٍ اقتصاديٍّ خانِق مَفروضٍ عَليها من قِبل الولايات المتحدة وحُلفائِها مُنذ ثلاثين عامًا، ولم تَبدأ في تَصدير النّفط بكامٍل طاقَتِها إلا بَعد تَوقيع الاتفاق النوويّ مع الدّول الكُبرى قَبل عامَين فقط.
مَطالب المُتظاهِرين بالقَضاء على الفَساد والاهتمام بالظّروف المعيشيّة للمُواطِنين وتَحسينها، مَطالب مَشروعة، لم يُنكرها حتى التلفزيون الرسميّ الإيرانيّ الذي طالبَ مُعلّقوه بالاستجابة لها، وبَثّ لقطاتٍ من الاحتجاجات.
ما زال من غير المَعروف ما إذا كانت هذهِ المُظاهرات ستَتواصَل أم لا، لكن وكالة الصّحافة الفِرنسيّة أفادت في تَقريرٍ لها بأنّها هَدأتْ اليَوْمْ السبت باستثناء عَشرات من الطّلاب أمام جامِعة طهران، رَدّدوا شِعاراتٍ مُعادية للديكتاتوريّة، وتُطالب بالإفراج عن المُعتقلين، وإطلاق الحُريّات، ورَدّ أنصار السّلطة بتنظيم مُظاهرةٍ مُضادّة شاركَ فيها المِئات، حسب الوَكالة نَفسِها.
مُظاهرات يومَي الخميس والجمعة لا تُقارن بنَظيراتِها عام 2009، حيث نَزل مِئات الآلاف إلى الشّوارع في العاصِمة طهران ومُدنٍ أُخرى، ومن المُفارقة أن السيد حسن روحاني الذي تَزعّم تِلك المُظاهرات، هو رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة حاليًّا الذي يَتظاهر إيرانيون اليَوْمْ ضِد سياساتِه الاقتصاديّة، أي أنّه لم يشنق، أو يَتعرّض للاغتيال والسّجن المُؤبّد.
اللافت أن مُظاهرات إيران الأخيرة أثارت مَوجَةً من الفَرح في أوساطِ بَعض العَرب، وبالتّحديد في بَعضِ دُول الخليج، ووسائط التواصل الاجتماعي فيها، ومن الغَريب أن المُواطِن في هذهِ الدّول، أو مُعظَمِها على الأصح، يُحاكَم بعُقوبة السّجن 15 عامًا إذا كَتب قَصيدة أو تغريدة انتقد فيها نِظام بِلاده بلُطفٍ شديد، وطالبَ بالحَد الأدنى من الإصلاحات، ناهيك عن نُزولِهم إلى الشارع للاحتجاج، وهُناك نُشطاء، وحُقوقيون، ورِجال دين يَقبعون خَلف القُضبان بسبب التزامِهم الحِياد في الأزمةِ الخليجيّة الحاليّة.
السّلطات الإيرانيّة لم تُطلق النّار على المُتظاهرين المُناوئين لسياساتِها، والذين أحرقوا صُور مُرشِدها الأعلى، ولو حَدثت هذهِ المُظاهرات في عواصِم خليجيّة لسَقط العَشرات بين قتلى وجَرحى بِرَصاص رِجال الأمن.
ربّما يُفيد التّذكير في هذهِ العُجالة بأنّ نِسبة البَطالة في إيران عَشرة في المِئة، أي أقل من نَظيرَتها في المملكة العربيّة السعوديّة أكثر الدّول تَصديرًا للنّفط في العالم، وتُشير الإحصاءات الرسميّة أن أكثر من مِليون شَخص تَقدّموا رَسميًّا للحُصول على إعاناتِ بِطالة من الدّولة.
الديمقراطيّة في إيران ليست نَموذجيّةً، ولكنّها تَسمح للمُحتجّين بالنّزول إلى الشّوارع والاحتجاج ضِد النّظام ورئيسِه ومُرشِده الأعلى، دون أن يَتعرّض الآلاف مِنهم للقَتل بِرصاص رِجال الأمن، حتى احتجاجات عام 2009 التي كانت الأضخم في تاريخِ البِلاد، لم يُقتَل فيها إلا 32 شَخصًا نِصفهم من رِجال الأمن.
لا نَستبعد أن تكون هُناك جِهات خارجيّة تَعمل على زَعزعة أمن إيران واستقرارِها، وبالأمس أكّد البَيت الأبيض اتّفاقًا سِريًّا إسرائيليًّا أمريكيًّا في هذا الخُصوص، ووَضعَ خُطط لمَنعِها من تَطوير بَرامِجها النوويّة وصواريخِها الباليستيّة، والتصدّي لـ”حزب الله” في لُبنان، ونَحن على يَقين أن اتفاقاتٍ مُماثلة جَرى وَضعها لزَعزعة استقرار وأمن أي دَولةٍ عَربيّةٍ تُعارض الاحتلال الإسرائيليّ والدّعم الأمريكيّ له طِوال السّنوات السّبعين الماضية من عُمر هذا الاحتلال، وليس من قَبيل الصّدفة أن تكون العِراق وسورية وليبيا والجزائر واليَمن، هي مِن أبرز ضحايا هذهِ المُخطّطات والاتفاقات.عن الرأي اليوم