( المرحومة )



كان يراها في ليالي الشتاءِ الباردة تجلسُ على باب المسجد و إلى جانبها ترقدُ طفلتها الصغيرة وقد دلت ثيابها الرّثة

عن حالتها المُزرية و روى وجهها الملائكيُ حكاية طفولتها البائسة كانت ترفعُ بصرها إلى الأعلى و تمدُ يدها إلى

الأسفل لُتُفهم الناس بفطرتها أن أصل الرزقِ من السماء فلا مِنةً و لا فضل لأهل الأرض فيما يتصدقون به

و كلما اقتربوا منها اسمعتهم بصُوت قد ٍمُزِج بدمعٍ القلب (( مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ))


لتخاطبُ فيهم ضمائرهم ونخوتهم وبقية إيمانهم لكن أكثرهم ما كان ليستجيب لذلك العرض الإلهي المُربح ما دام

القلب في غُلف والنفس غارقةُ في مُستنقع الأنا أما هو فقد كان كثيراً ما يُسارع إلى إعطاءها ما يقدرُ عليه من المال

خشيةً أن يُحشر يوم القيامة دون ظلٍ يظله مع الذين قد سمعها يوما ً تدعو عليهم بعد أن يئست من رجوع مروئتهم إلى


الحياة ................مُجدداً






( الجدة )





أراد أن يُدخل البهجة والسرور إلى قلب جدته المريضة و أن يُؤنس وحدتها و وحشتها فبدأ يسألها عن صحتها وهو أعلم

منها بالإجابة عن ذلك فالتقارير الطبية الأخيرة لم تحمل ما يُبشر بتحسن صحتها وتعافيها والمرض قد بات يفتكُ بجسدها

الضعيف كما تفتكُ الوحوشُ الضارية بالظبي الصغير المُستسلم لحتفه ووضع في حُسبانه أنه سينصت طويلاً لحديثها عن

معاناتها مع المرض لكنها لم تشكو إليه سوء حالها بل نظرت إليه بعين المُمتَحن الواثق من لُطفِ المُمتحِن وقالت :

يا بُني إني قد بلغتُ من الكبر عتيا ولا أحسبُ نفسي إلا تحت رحمة ربي و إني ما قضيتُ العمر إلا مُحبة لعبادته راغبةً بها

غير مُدبرة وهل يُعذب الملكُ الرحيم عبداً أحبه فأخلص في الحب وما زال على العهدِ حتى تفارق الروح جسده

و إني الآن أجدُ نفسي أشد اشتياقاً إليه وقُرباُ منه وما أن فرغت من حديثها حتى سارع إلى تقبيل يديها باكياً على

نفسه مُتحسراً عليها إذا ما وصلت لهذه الحال وليس لها من زاد الحب للذات الإلهية ما يكفي لسفر.......طويل














( الصدق )





أثقلَ بعض الناس عليه باللومِ والعتابِ بعد أن رفض نصحهم له بركوب قاربِ الكذبِ من أجل النجاةِ من تلك المحنةٍ

العظيمةٍ التي ألمت به ما دام في الضرورات إباحةٌ للمحظورات إذ أختار له أباه مهنةٍ قد رأى المستقبل المُشرق لأبنه

وهو لها كاره فأشاروا عليه أن يتظاهر بالمثول لرغبته إرضاءً له و من ثم العدول عن تلك المهنة

تحت ستارٍ من الحجج الكاذبة الواهية فيتقي بذلك غضبه و يحقق رغبته بامتهانِ مهنةٍ أخرى قد ارتضاها لنفسه فرأى

في الأخذِ برأيهم طعناً في أخلاقه وخطيئةً في سجلاته وخيانةً لأهله لن يعرف معها ضميره راحة البال فآثر الصدق في

الأمر وما أن صارح أباه بالرفض لتلك المهنة حتى حلّ عليه سخطه وبدأ يعامله بقسوةٍ وجفاء لم يعرف لهما مثيل حتى

رسلٌ السلام لم يكن لينفع أن يبعثهم إليه ليرضى إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته وإصراره على مصالحة أبيه و إقناعه

بالعدول عن طلبه فحاول مرة تلو الأخرى دون جدوى إلى أن جاء يوماً إلى من أشاروا عليه بالأمسِ بالكذب

مبتسماً وقال لهم : أولم أُخبركم أنه سيرضى و أن الصدق أنجى......إن الصدق أنجى




هذا وما الفضل إلا من الرحمن






بقلم.........صاحب القلم