صحابي جليل يولد في جوف الكعبة
ويشتري داراً في الجنة*
ومن خلال تلك السطور نعيش مع الصحابي الجليل الذي بدأ حياته مولوداً صغيراً في جوف الكعبة وختم حياته بشراء دار في الجنة.
لقد دخلت أم حكيم مع نسوة في جوف الكعبة فضربها المخاض – مخاض الولادة- فأتيت بنطع حين أعجلتها الولادة فولدت في الكعبة .
فكان هذا المولود هو ( حكيم بن حزام) الذي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه وغزا حنيناً والطائف وكان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها وكانت خديجة عمته وكان الزبير عمه .
ولقد نشأ حكيم بن حزام في أسرة ذات جاه ومنصب وثراء وكان حكيم من سادات قريش وكان عاقلاً سخياً فأناطوا به – أسندوا إليه – منصب الرفادة فكان يخرج من ماله لمساعدة الحجاج .
ولقد قتل أبوه يوم الفجار الأخير .
*حبه للنبي صلى الله عليه وسلم أيام الجاهلية:
قال ( حكيم بن حزام): كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية فلما نبئ وهاجر – أصبح نبياً- شهد حكيم الموسم كافراً فوجد حلة لذى يزن تباع فاشتراها بخمسين ديناراً ليهديها إلى رسول الله فقدم بها عليه المدينة فأراده على قبضها هدية فأبى .قال عبيد الله: حسبته قال:" إنا لا نقبل من المشركين شيئاً ولكن إن شئت بالثمن" قال: فأعطيته حين أبى علي الهدية.
وفي رواية :فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئاً أحسن منه ثم أعطاها أسامة – أسامة بن زيد – فرآها حكيم على أسامة فقال: يا أسامة ! أتلبس حلة ذي يزن ؟ قال: نعم والله لأنا خير منه ولأبي خير ممن أبيه فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقوله .
وهكذا كانت بين حكيم وبين النبي صداقة ومودة – قبل البعثة- وازدادت المحبة عندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عمته خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – وعلى الرغم من كل ذلك لم يسلم حكيم إلا يوم الفتح بعد أن مضى على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين سنة .
ولقد كان حكيم حزيناً على تأخر إسلامه فلقد كان يتمنى أن لو أسلم منذ اللحظة الأولى لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ليشهد معه المشاهد كلها وليبذل نفسه وماله لله – جل وعلا – ولكنه أما تأخر إسلامه إلى يوم الفتح كان حكيم يجتهد ليلاً ونهاراً على أن يستدرك كل ما فاته ويغتنم كل لحظة في طاعة الله وكل درهم في نصرة دين الله .
*وفاء بالوعد *** وقناعة وسخاء وزهد :
قال حكيم بن حزام – رضي الله عنه - : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال:" يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى " فقال حكيم : فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحد بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه فقال: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيم إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي .
وفي رواية : فكان عمر يقول:" اللهم إني أشهدك على حكيم أني أدعوه لحقه وهو يأبى فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً".
وعن أبي حازم قال: ما بلغنا أنه كان بالمدينة أكثر حملاً في سبيل الله من حكيم .
ولما توفي الزبير لقي حكيم عبد الله بن الزبير فقال: كم ترك أخي من الدّين ؟ قال: ألف أَلف قال: علي خمسمائة ألف.
بل قال حكيم بن حزام: ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها.
*أسلمت على ما أسلفت من خير:
إن من كمال رحمة الله – جل وعلا – أن الكافر إذا أسلم فإن الله يجعل كل خير عمله قبل الإسلام في ميزان حسناته بعد الإسلام.
فهذا حكيم بن حزام – رضي الله عنه – قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت أموراً كنت أتحنث بها الجاهلية هل لي فيها شيء ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أسلمت على ما أسلفت من خير ".
وفي رواية : قال صلى الله عليه وسلم :" أسلمت على صالح ما سلف لك" فقلت :" يا رسول الله لا أدع شيئاً صنعته في الجاهلية إلا صنعت لله في الإسلام مثله وكان أعتق في الجاهلية مئة رقبة وأعتق في الإسلام مثلها وساق في الجاهلية مئة ( بدنة) وفي الإسلام مثلها .
وهكذا أراد حكيم – رضي الله عنه- أن يفكر عن كل موقف وقفه في الجاهلية أو نفقة أنفقها في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان إذا اجتهد في يمينه قال:" لا والذي نجاني يوم بدر من القتل".
فكان يحمد الله أن أبقاه حتى أسلم وفعل الخير الذي يمحو به خطاياه في الجاهلية.
*يشتري داراً في الجنة:
ولعلكم تعرفون جميعاً " دارة الندوة" التي كانت قريش تعقد فيها مؤتمراتها ومؤامراتها وكان من أقبح تلك المؤامرات – المؤامرة التي عقدوها لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم – فأراد حكيم بن حزام أن يغلق هذا التاريخ الأسود والماضي البغيض فلما آلت إليه دار الندوة – أصبحت في ملكه- باعها بمائة ألف درهم فقال له الزبير: بعت مكرمة قريش فقال: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى إني اشتريت بها داراً في الجنة أشهدكم أني قد جعلتها لله".
*حكيم بن حزام سيد شعاره الحب:
كان – رضي الله عنه –يطوف بالبيت ويقول: لا إله إلا الله نعم الرب ونعم الإله أحبه وأخشاه.
" وقال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه – عز وجل- أحبه وإذا أحبه أقبل إليه وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة وهي تحسره في الدنيا وتروحه في الآخرة.
وقال أبو سليمان الداراني: إن من خلق الله خلقاً ما يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون عنه بالدنيا؟!".
*رحلة الرحيل:
وبعد رحلة طويلة من العطاء للإسلام نام حكيم على فراش الموت فلما دخلوا عليه وجدوه يقول:" لا إله إلا الله قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك".
وفاضت روحه إلى ربه- جل وعلا-.
قال البخاري في " تاريخه" : عاش ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام .
وقال الإمام الذهبي: قلت: لم يعش في الإسلام إلا بضعاً وأربعين سنة.
وهكذا رحل ( حكيم بن حزام) – رضي الله عنه- الذي بدأ حياته في جوف الكعبة وختم حياته والإسلام في قلبه.... فيشتري داراً في جنة الرحمن – عز وجل- ليلحق بالحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه- رضي الله عنهم- في جنات الخلود إخواناً على سرر متقابلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
( منقول : أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لفضيلة الشيخ محمود المصري )
ِِِِِِِ*** تعليقات : فوائد وعبر***
من خلال تلك اللحظات الّتي عشناها في رحاب سيرة هذا الرجل الّذي عاش سيّد قومه ورحل عن دنيا الناس وقد ترك أطيب أثر في الحياة نعمل الفكر لعلّنا نستنبط طائفة من العبر والعظات مما يعود علينا بالخير:
1-صداقة حكيم بن حزام رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلّم في الجاهلية أثمرت حبّاّ راقياً بلغ الغاية في الإخلاص . حتى أنّه فاق كل حب.
2- الهديّة بها تستدام الصحبة وتتعمّق ويدوم الحب ويتجذّر في القلوب وهذا ما فعله حكيم بن حزام السخي النّقي لمّا قدّم عباءة ذي يزن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم , لكنّ النبي صلى الله عليه وسلّم أبى إلاً بالثمن ولعلّه فعل ذلك استنهاضاً له على دخول الإسلام ونيل هذا الشرف العظيم.
3- حزن حكيم رضي الله عنه على تأخّر إسلامه, فما إن اسلم يوم الفتح حتى انطلق بقوة وتصميم وحزم ليعمل على استدراك ما فات وشهد غزوتي حنين والطائف,وانطلق في دنيا الكرم والسخاء والعبادة.
4- إنه من معمّري الصحابة فقد عاش (120) مائة وعشرين سنة ستون في الجاهلية وستون في الإسلام.