فيصل بن جاسم بن محمد الأحمد آل ثاني
الكتاب:
إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية
بالتطبيق على قناة (الجزيرة) الفضائية
المؤلف:
فيصل بن جاسم بن محمد الأحمد آل ثاني
هناك كتب تتجاوز ذاتها، لا تستطيع أن تطوقها بالعبارات التقليدية، لا تُقرأ بالطريقة الاعتيادية، تناضل من أجل ألاّ يفلت منك تتابع المعلومات.
قبل أيام ظفرت بكتاب يحمل ذات الصفات، ويمتاز بذات الجينات، وأظن أني محظوظ لسببين:
الثاني منهما: أني نجحت ـ وبتفوق ـ في لعبة الألغام التي يصنعها بائعو الكتب هذه الأيام. هذه اللعبة لا يمكن أن تدركها حاستك، حتى لو كانت متفوقة؛ إذ هناك أكثر من خمسين حفرة، واحدة فقط تلك التي تحظى بالكنز، والبقية كلها مشانق للجيوب، ولأنك تحترف القراءة كان عليك أن تعود لشنق جيبك مرة أخرى، ومرة ومرات حتى تحظى ببغيتك.
أما الأول: فلأني وصلت لذات الشعور الذي لم أجده إلاّ يوم كنت أقرأ للروائية المميزة أحلام مستغانمي، هذا الشعور هو الذي يناديك من أعماق الترجي، بألاّ ينتهي الكتاب فتفقد معه متعتك، ونادراً ما تحظى الكتب بهذه الميزة.
هذا الكتاب الذي اختصر المسافة ما بين القارئ والغلاف بمحاوره المهمة الجاذبة:
1- قناة (الجزيرة) الفضائية كمحور للدراسة التطبيقية.
2- الجودة الشاملة.
3- المؤلف وقربه من مطبخ الدراسة.
يحمل الكتاب العنوان التالي: "إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية بالتطبيق على قناة الجزيرة الفضائية ما بين 2004- 2006"
لمؤلفه: فيصل بن جاسم بن محمد الأحمد آل ثاني، والذي قدمه لنيل شهادة الماجستير من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان وحاز على الامتياز.
لماذا قناة الجزيرة؟
يبتدر المؤلف كتابه بتوضيح الأسباب التي قادته للاهتمام بهذا الموضوع، ومن ثم فقد تحدث عن أهمية مفهوم الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية، مع إلقائه الضوء على أهميتها في المجالات الصناعية والتجارية المختلفة، كما يوضح الكاتب في الصفحات الأولى هدفه الرئيس من البحث الذي يتمثل في دراسة تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية على قناة (الجزيرة) الفضائية في قطر، واختبار بعض الفروض العلمية التي وضعها قبل الشروع في الدراسة والتي تتمثل في:
1- هناك علاقة بين التخطيط الإستراتيجي ومستوى أداء قناة (الجزيرة) الفضائية.
2- هناك علاقة بين إدارة الجودة الشاملة ومستوى أداء قناة (الجزيرة).
3- هناك علاقة بين مبادئ الجودة الشاملة ومستوى أداء قناة (الجزيرة).
ويشير المؤلف إلى أن دراسته أثبتت صحة الفرضين الثاني والثالث، فيما اتضح أن الفرض الأول غير صحيح، وتم رفضه.
سعى المؤلف (فيصل بن جاسم آل ثاني) في بحثه هذا إلى تحقيق عدد من الأهداف أشار إليها في مقدمة كتابه؛ فقد أراد من خلال البحث تقديم دراسة منهجية تقيس الحجم الحقيقي للاهتمام بأثر إدارة الجودة الشاملة داخل المؤسسات الإعلامية، مع التركيز على قناة (الجزيرة) الفضائية. إلى جانب تمهيد الطريق أمام الباحثين والمختصين لإجراء دراسات مقارنة بين المؤسسات الإعلامية المختلفة من أجل قياس مدى أثر إدارة الجودة الشاملة عليها، إضافة إلى هدف مهم آخر هو تقديم النموذج الأفضل –من وجهة نظر المؤلف- على مدى أهمية إدارة الجودة الشاملة داخل المؤسسات الإعلامية.
يعتقد مؤلف كتاب (إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية) أن أهمية دراسته تكمن في أنها تُعدّ من المحاولات الأولى للاهتمام بزاوية أثر إدارة الجودة الشاملة للمؤسسات الإعلامية، ووضعها في بؤرة الاهتمام؛ إذ تمثل الإدارة المؤسسية للآلة الإعلامية المحرك الداخلي للعمل، كما أن التنظيم الإداري وإدارة عمليات الإنتاج الإعلامية واستخدام معايير الجودة الشاملة والتخطيط الإستراتيجي للمؤسسة الإعلامية من أبرز أعمدة نجاح واستمرار المؤسسات عامة والإعلامية منها بشكل خاص.
لقد استغرق هذا الكتاب من المؤلف وقتاً مقدراً، أجرى خلاله الكثير من المقابلات الشخصية مع المختصين في المجالات ذات العلاقة المختصة في البحث والملاحظة، وذلك كمصدر أولي للبحث، كما عمد المؤلف إلى الاستفادة من الكتب والدوريات والبحوث العلمية والتقارير السنوية والمطبوعات التي تصدرها قناة (الجزيرة)، وذلك كله لكي يأتي البحث موفياً للموضوع حقه، ومغطياً لكل جوانبه.
الجودة.. المفهوم والتطور
أفرد المؤلف الفصل الأول من الكتاب -الذي يتكون من خمسة مباحث- للحديث عن مفهوم إدارة الجودة الشاملة، وأهميتها، والتطور التاريخي لها، كما ألقى الضوء على أهم روادها، قبل أن يتحدث أخيراً عن أهم جوائز الجودة في العالم.
ويقرر المؤلف عند حديثه عن مفهوم الجودة الشاملة أن المصطلحات التي كان يستخدمها المديرون في السابق عند البدء في تحديث كيفية إدارتهم لمؤسساتهم، مثل مصطلحات بناء الفريق، والتميز، وتفويض السلطة أصبحت غير مستخدمة حالياً بذات الانتشار السابق؛ وقد حلت بدلاً عنها مصطلحات جديدة، مثل: الجودة الشاملة، وإدارة الجودة، وهي كلمات –كما يقول المؤلف- أصبحت رنانة، وذات جذب خاص لأكثر المديرين والشخصيات القيادية. وفي هذا الصدد يؤكد المؤلف بثقة كبيرة بأنه مثلما حظيت المصطلحات السابقة باهتمام كبير بعدما أثبتت صلاحيتها وكفاءتها، فإن إدارة الجودة الشاملة، أخذت نفس الطريق، بل إنها أصبحت المعيار الذي تُقاس به منتجات المؤسسات.
ومفهوم الجودة -كما يذهب هذا الكتاب- مفهوم شائك وبه كثير من التعقيد، كما أن هناك فرقاً بيّناً واضحاً بين إدارة الجودة ومفهوم إدارة الجودة الشاملة، على ما فيها من تشابه، فبينما ينصرف الأول (إدارة الجودة) إلى جودة المنتج، ينصرف الثاني (إدارة الجودة الشاملة) إلى فلسفة إدارية معاصرة تستهدف أن يسري هم جودة الأداء في كافة القطاعات والإدارات وأقسام العمل بالمؤسسة بشكل شامل، وأن تكون الجودة مسؤولية تضامنية بين كافة المستويات والتخصصات، ويكون التحسين المستمر هو عماد هذه الفلسفة الإدارية.
ومن بين التعريفات المتعددة للجودة التي تضمنها الكتاب هناك تعريف للجودة يرى بأنها مجموعة من المزايا والخصائص الخاصة بالمنتج أو الخدمة، والتي تساهم في إشباع رغبات المستهلكين، وتتضمن: السعر والأمان والتوفير والموثوقية الاعتمادية وقابلية الاستعمال. وهناك تعريف لضبط الجودة ابتكرته الجمعية الأمريكية، والذي ينص على أنها مجموعة من مزايا وخصائص المنتج أو الخدمة القادرة على تلبية حاجات المستهلكين.
وعن مفهوم إدارة الجودة الشاملة – الذي يختلف عن مفهوم الجودة- يورد المؤلف هنا أيضاً مجموعة من التعريفات التي تنتمي كل واحدة منها لمدرسة مختلفة، ونختار منها ذلك التعريف الذي يقول بأنها "التزام شامل بأداء العمل بشكل صحيح". كما أن إدارة الجودة الشاملة من وجهة نظر أخرى تعني خلق عادة التحسين على مستوى النظام الإنتاجي؛ إذ إن جوهر فكرة الجودة الشاملة هي تأسيس فكرة التحسين المستمر، والعمل على جعل هذا (التحسين) أمراً داخلياً وصلباً.
التحسين المستمر
ولا تعني الجودة الشاملة -كما يقول المؤلف- أن المؤسسة يجب أن تسعى لتحقيق الكمال، بل تعني بأنه ينبغي تحقيق أعلى جودة ممكنة في ضوء الإمكانيات والظروف التي تواجه المؤسسة.
وفيما يتصل بأهمية الإدارة الشاملة للجودة، يوضح المؤلف مجموعة من المحاور التي تكشف عن أهمية الموضوع، مثل: تحقيق إرضاء العميل، تحسين الأرباح، زيادة الفعالية التنظيمية، تحقيق القدرة على المنافسة، السعي للحصول على شهادات الجودة، وفشل المداخل الجزئية في حل مشكلات المؤسسات.
وفصّل المؤلف كذلك في جانب التطور التاريخي، وشرح بشكل وافٍ المراحل التاريخية التي مر بها هذا المفهوم، وكشف عن أن الجودة والاهتمام بها ليس مقتصراً على العصور الحديثة، بل لها جذور تاريخية ضاربة في القدم؛ إذ أوضحت مدونة (حمورابي) حوالي سنة 1700 قبل الميلاد، اهتمام هذا الملك بالجودة، وعمله على تأكيدها في مجتمعه. وفي معرض شرحه هذا تحدث المؤلف عن الجودة الشاملة في الإسلام، وقال: إن التراث الإسلامي يحفل بالكثير مما يحض على الجودة، مثل قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105]... وقوله تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)... وبالتالي فإن إجادة العمل (الجودة) هي في الأصل تلبية لأوامر الشريعة الإسلامية.
وواصل المؤلف (فيصل بن جاسم آل ثاني) الحديث عن المراحل التاريخية لمفهوم الجودة الشاملة، واستعرض باستفاضة تمرحلات المفهوم في عصر ما قبل الثورة الصناعية، وما بعدها حتى وصل إلى مرحلة الإدارة العلمية، وفيها أيضاً تنقل مع المفهوم في جميع مراحله، حتى وصل إلى مرحلته الراهنة، وفي هذا الجانب أكد الكتاب أن مفهوم الجودة مر بشكل عام بأربع مراحل:
أولها: مرحلة الفحص: وقد كانت تحليلات الجودة تركز فقط على فحص المنتج، والثاني: ضبط الجودة.
والثالثة: مرحلة تأكيد الجودة. وأخيراً
المرحلة الرابعة: وهي إدارة الجودة الشاملة.
ولم يتجاهل المؤلف التأريخ لروّاد إدارة الجودة الشاملة والتعريف بهم، فخصص لهم مبحثاً خاصاً، تحدث فيه عن (ارماند فيغنباوم) الذي يُعدّ أول من قدم مفهوم رقابة الجودة الشاملة، و(ادوارد ديمنغ) الذي يُلقّب بأبي ثورة إدارة الجودة الشاملة، و(جوزيف جوران)، و(فيليب كروسبي)، و(كارو ايشيكاوا)، وتحدث عن إسهامات كل واحد من هؤلاء الروّاد وإضافاته للمفهوم.
كذلك تناول الكتاب أهم جوائز الجودة الشاملة التي منها جائزة (ديمنغ)، وجائزة (مالكولم بالدريج) القومية، والجائزة الأوروبية للجودة.
مبادئ الجودة الشاملة
وانتقل المؤلف بعد ذلك ليدخل في لب التعريف بإدارة الجودة الشاملة، وذلك من خلال الحديث -وبشكل مستفيض- عن مبادئ وأساسيات ومراحل تطبيق إدارة الجودة الشاملة، وذلك في الفصل الثاني من الكتاب؛ إذ تحدث في المبحث الأول منه عن مبادئ إدارة الجودة الشاملة والتي حصرها في التالي: التركيز على العميل، أداء العمل أداء صحيحاً من المرة الأولى، وهو من المبادئ الهامة.
وركز المؤلف على كيفية تحقيق هذا المبدأ، واستعرض عدداً من التجارب لشركات ناجحة استطاعت بفضل هذا المبدأ تحقيق مدخلات جيدة في أرباحها، كما تحدث عن المبدأ الثالث المرتكز على عامل (التحسين المستمر)، والذي يشمل التحسين الإضافي، والتحسين المعرفي الإبداعي الجديد بوصفهما جزءاً من العمليات اليومية. وأعطى المؤلف مجموعة من الطرق التي تُعدّ خطواتٍ للوصول لعملية التحسين المستمر وتحقيقها.
أما عن أساسيات إدارة الجودة الشاملة -التي خصص لها المبحث الثاني من الفصل الثاني- فقد تضمن التعريف بها وكيفية تحقيقها في بيئة العمل هذه الأساسيات وهي: التزام الإدارة العليا تجاه تطبيق إدارة الجودة الشاملة، القيادة، وتنظيم إدارة الجودة الشاملة، إنشاء ثقافة الجودة الشاملة ونشرها، الموارد البشرية وتدريبها، والاهتمام بها، التمكين، الموردون وهؤلاء يقصد بهم من يورد المنتج للمنشأة. كما كان هناك حديث مفصل في هذا الإطار عن مراحل التنظيم لإدارة الجودة الشاملة، من أهمها المرحلة الأولى التي يتم فيها إنشاء مجلس للجودة في المنشأة.
وفي المبحث الثالث المخصص للحديث عن إدارة الجودة الشاملة و(الايزو 9000)، تحدث المؤلف عن المفهومين وأهم الفروقات بينهما؛ فـ(الايزو 9000) تمثل نظاماً للجودة يقوم على مواصفات موثقة، بينما إدارة الجودة الشاملة هي إدارة للجودة من منظور شامل، وألقى المؤلف الضوء على مراحل تطبيق إدارة الجودة الشاملة والحصول على (الايزو 9000)، فتحدث عن المرحلة الأولى وهي مرحلة الإعداد وفيها مجموعة من الخطوات، والمرحلة الثانية وهي مرحلة التقييم للوضع الحالي، ثم المرحلة الثالثة وهي مرحلة التنفيذ، وفيها أيضاً مجموعة من الخطوات التي يسترشد بها في تحقيق التطبيق الفاعل والسليم، والمرحلة الرابعة التي تحدث عنها الكتاب هي مرحلة تبادل ونشر الخبرات، وهي مرحلة يستثمر فيها الخبرات التي تم التوصل إليها من واقع التطبيق والتنفيذ، كما تحدث كذلك عن مرحلة خطوات الحصول على شهادة (الايزو 9000)، وهي بدورها تنقسم إلى مجموعة من الخطوات.
التخطيط الإستراتيجي
وانتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن التخطيط الإستراتيجي، وذلك في الفصل الثالث من الكتاب، وكان ذلك من خلال مبحثين تضمنهما هذا الفصل، جاء المبحث الأول بعنوان مفهوم التخطيط الإستراتيجي، والثاني أهمية التخطيط الإستراتيجي.
وفي المبحث الأول أوضح المؤلف المفاهيم المختلفة للإستراتيجية والتعريفات الخاصة بها، كما استعرض عدداً من التعريفات التي ولدها الخبراء لمفهوم التخطيط؛ فالتخطيط الإستراتيجي يُنظر إليه من قبل الكثير من المديرين الناجحين على أنه عبارة عن منهج حياة، ورؤية قيادية شاملة تتيح معرفة المنظور الأكبر لكل المؤسسة.
وتعرّض المؤلف كذلك إلى بعض التصورات الخاطئة عند البعض عند الحديث عن التخطيط الإستراتيجي؛ إذ يضمون إليها ما ليس بها. أيضاً كان هناك التفاتة للفرق بين التخطيط الإستراتيجي والتخطيط التكتيكي، والأخير هو عملية مركزية تتم في إطار التخطيط الإستراتيجي. كما أنه يهتم مثلاً بحقائق ومشكلات التشغيل، فيما يهتم التخطيط الإستراتيجي بالتنمية والبقاء على المدى الطويل، وغير ذلك من الاختلافات بين المفهومين.
وعن أهمية التخطيط الإستراتيجي يقول المؤلف: إن التخطيط الإستراتيجي يتيح للمجتمعات الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات المتاحة للجميع، ويشير هنا إلى مقولة أحد خبراء التخطيط: إن قضاء دقيقة في التخطيط يوفر من ثلاث إلى أربع دقائق عند بدء التنفيذ، ويفصل المؤلف في هذا الجانب، ويتحدث عن أهمية التخطيط الإستراتيجي للمؤسسات والمجتمعات، ودوره في التنمية، مع إعطاء مثال دولة ماليزيا التي تحوّلت في ظرف عشرين عاماً من دولة نامية واقتصاد متخلف إلى (نمر) آسيوي في الصناعة، ويؤكد المؤلف غير مرة أن التخطيط يساعد على تحديد الاتجاه، ويحدد ملامح المؤسسة الحقيقية، وأنه ضروري لوضوح الرؤية المستقبلية، والتنبؤ بالتغيير، ويساعد في التجهز لهذا التغيير، كما أنه يفرض منهج التفكير العقلاني لدى المنشأة وقيادييها وموظفيها.
مراحل وخطوات
وبعد التفصيل في أهمية التخطيط الإستراتيجي في العمل والحياة، ينصرف المؤلف في الفصل الرابع إلى توضيح مراحل عملية التخطيط الإستراتيجي، والتي تشمل مرحلتين رئيستين هما: وضع الخطة الإستراتيجية، ثم ثانياً تنفيذ هذه الخطة الإستراتيجية. وذكر أن المرحلة الأولى تعتمد على خطوتين في تنفيذها:
الأولى: هي ما سماها بالتخطيط للتخطيط.
والثانية: استعراض القيم والمبادئ، وقد استعرض المؤلف عدداًً من نماذج التخطيط مثل: النموذج الذي قدمه الدكتور طارق السويدان، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن الخطوة الثالثة: وهي الرؤية، وهي كما يراها المؤلف بمثابة حلم بمؤسسة أفضل، وقد أعطى بعض النصائح عن كيفية تحديد الرؤية.
وتحدث المؤلف عن صياغة الرسالة بصفتها خطوة رابعة في وضع الخطة الإستراتيجية، ثم حدد الخطوة الخامسة وتتمثل في وضع الأهداف الإستراتيجية، والسادسة وهي تحليل البيئة الخارجية، ويقصد بها تحليل العوامل الخارجة عن سيطرة المؤسسة لتحديد كيفية التعامل معها، وكذلك من المهم بالنسبة للمؤسسات أن تعمل كذلك على تحليل البيئة الداخلية لها، وهذه تحدث عنها الكتاب باعتبارها خطوة سابعة في وضع الخطة، إضافة إلى تحليل الفجوات الإستراتيجية، وتحديد البدائل الإستراتيجية، ثم وضع وصياغة الخطة الإستراتيجية كآخر خطوة في وضع خطة كتابة الخطة الإستراتيجية.
الجزيرة نموذجًا
وبعد استعراض مطول ومفصل للجودة الشاملة وإدارتها ومفهومها ومبادئها وأسسها، عرج المؤلف إلى الجانب التطبيقي للجودة في مجال الإعلام، وأفرد له الفصل الخامس من الكتاب، وفيه ثلاثة مباحث، تحدث الأول عن الاتصال والإعلام كمفهوم، وظهور نظرية المسؤولية الاجتماعية للإعلام وأسباب ظهورها، وتحدث عن الأخلاق العامة التي تحكم عمل المؤسسات الإعلامية والصحفي العامل فيها، إلى جانب الأسس الأخلاقية لكتابة الخبر، والموضوع الصحفي بشكل عام.
وفي المبحث الثاني ولج الباحث للحديث عن أساسيات قناة (الجزيرة)، وتحدث مفصلاً عن رؤيتها ونشأتها في فبراير من عام 1996، والمراحل التي مرت بها حتى انتهت إلى شبكة متكاملة بدلاً من قناة، وأرّخ لمجموعة مكونات الشبكة من القناة الإنجليزية، والموقع الإلكتروني، والقناة الوثائقية، وقناة الأطفال، ومركز التدريب، ومركز الدراسات والأبحاث، واستشهد في كل ذلك بأقوال مجموعة من قيادات المذيعين والصحفيين العاملين بها، وعرج إلى قضايا مهمة في سياسة القناة مثل: تمويلها، وعلاقتها بالحكومة القطرية، ومدى التزامها بالاستقلالية المهنية والتحريرية، وميثاق الشرف المهني ومحتوياته، وكيفية تأثيره على العاملين في القناة، كما أفرد المؤلف مبحثاً مستقلاً للحديث عن إستراتيجيات قناة (الجزيرة) من خلال تسليط الضوء على أهدافها، وتقديم قطر لنموذج جديد للإعلام الديموقراطي الحر، وإيجاد الإعلام السياسي المستقل، والارتقاء بالإعلام العربي، ومنافسة القنوات الغربية، والسياسة الإعلامية للقناة وآثارها.
ويشتمل الفصل السادس للكتاب على دراسة ميدانية حاول فيها المؤلف اختبار فرضياته العلمية حول إدارة الجودة الشاملة في قناة (الجزيرة)، وكان ذلك عبر عدة مباحث، تحدث في الأول عن إجراءات الدراسة الميدانية، و في الثاني تحليل البيانات الشخصية، والثالث عن العلاقة بين التخطيط الإستراتيجي ومستوى الأداء في قناة (الجزيرة). وقد تمثل مجتمع البحث في مسؤولي الإدارة العليا بقناة (الجزيرة)، والذين بلغ عددهم (50) مسؤولاً، وقد تم اختيار كل مجتمع البحث، و استعان الباحث بأسلوب تحليل الشخصية؛ إذ تم استفسار المبحوثين حسب الجنس ذكراً أم أنثى، وكذلك حسب الفئة العمرية، وحسب الحالة الاجتماعية، المستوى التعليمي، المستوى الوظيفي، وحسب مكان الميلاد.
وعاد المؤلف في المبحث الثالث للحديث عن العلاقة بين التخطيط الإستراتيجي ومستوى الأداء في قناة (الجزيرة)، وهذا المبحث مكّن الباحث من اختبار فروضه وتصحيح الخاطئ منها.
ويذكر المؤلف أنه عند سؤاله للمبحوثين عن تطبيق قناة (الجزيرة) للتخطيط الإستراتيجي ذكر (21) من المبحوثين أنهم يوافقون على أن قناة (الجزيرة) تطبق التخطيط الإستراتيجي، بينما ذكر ثمانية أنهم لا رأي لهم، فيما أفاد (21) بعدم موافقتهم على أن قناة (الجزيرة) تطبق التخطيط الإستراتيجي.
وعند سؤالهم عن مستوى الأداء في القناة، قال (9) من المبحوثين إن مستوى الأداء في الجزيرة مرتفع، بينما جاءت آراء (34) أنه متوسط، وبلغت نسبة من أفادوا أن مستوى الأداء منخفض (7) أفراد.
وفي سؤال آخر تعلق بثقافة الجودة الشاملة، وهل تسود في قناة (الجزيرة)؟ ذكر (6) أفراد من المبحوثين بأنهم يوافقون على أن ثقافة الجودة الشاملة تسود القناة، بينما ذكر (19) منهم أنهم لا رأي لهم، فيما أفاد (25) منهم بعدم موافقتهم على أن ثقافة الجودة الشاملة تسود في (الجزيرة).
كما سُئلوا عن اهتمام القناة برأي العميل، و هل تبني سياستها على تحقيق مستوى مهني عالٍ، فكانت الإجابات كالتالي: (35) من المبحوثين أفادوا بأنهم يوافقون على أن (الجزيرة) تهتم برأي العميل، بينما ذكر (8) أنهم لا رأي لهم، وأفاد (7) بعدم موافقتهم على أن قناة (الجزيرة) تهتم برأي العميل، وتبني سياساتها على مستوى مهني عالٍ.
الخلاصة
وخلص البحث في نهايته إلى أن هناك علاقة جوهرية أو حقيقية بين كل من مبادئ إدارة الجودة الشاملة وإدارة الجودة الشاملة والتخطيط الإستراتيجي وبين مستوى أداء قناة (الجزيرة) الفضائية، وتؤيد هذه النتائج النظريات العلمية في هذا المجال.
وقد قدم المؤلف نحو (25) توصية كان من أهمها ضرورة فهم الإدارة العليا في المؤسسات الإعلامية لفلسفة الجودة الشاملة ومجالاتها، وماذا ستقدم لها من إضافة، وأهمية المبادرة في تطبيق إدارة الجودة الشاملة كنظام إداري حديث في المؤسسات الإعلامية، وأهمية انتهاج سياسة التحسين المستمر داخل المؤسسة الإعلامية، وأهمية حصول المؤسسات الإعلامية على شهادة عالمية في الجودة (الايزو 9000)، كما يجب على المؤسسات الإعلامية أن تستوعب أهمية التخطيط الإستراتيجي وتطبقه، وتعمل على تجديد الرؤية لمستقبل الشركة، ووضع منظومة القيم والمبادئ الحاكمة للمؤسسة الإعلامية، والتخلي عن الإدارة التقليدية، وأخيراً إدخال مقرَّر إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات الإعلامية على كليات الإعلام في العالم العربي .
هذا الكتاب تجاوز الرسائل العلمية والتي غالباً ما تأخذ طابع الجمود لاستهدافها قضايا ذات اهتمام محدود, وما كانت دفّتاه وما حوتا إلاّ مجالاً يسرح فيه جميع الفئات العمرية على اختلاف مشاربهم لزخم معلوماته واختصار الطرق للوصول لها عبر العبارة المنسجمة مع الفكرة، فلم يُدخلك دهاليز التوهان عبر جزئيات يظن القارئ أنها أساسيات أو أساسيات تموت في داخل جزئياتها.
ولعلي أختم بهذا الموقف الطريف.. كان هذا الكتاب على مكتبي أطالع فيه بين غدوة وروحة وبين تعب الاجتماعات وجديتها، حتى زارني أحد الزملاء وكان الميعاد مرتباً بوعد مسبق، جلس على الكرسي وتلقيت حينها اتصالاً مهما أراد صديقي استغلال الوقت خلال فترة الاتصال، فتناول هذا الكتاب وجلس يقرأ، أنهيت أنا اتصالي، أما هو فظل يقرأ ويقرأ حتى انتهى الموعد، وتفرقنا دون أن نتحدث بشيء!!
لم أعرف حينها أن الوعد كان مع الكتاب وليس معي!!
عادة.. الكتب الجميلة هي التي تنهزم أمامها.
المزيد:
http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-99-104866.htm
http://www.google.com/search?hl=ar&q...l=&oq=&gs_rfai=