1
رسالة من نفق مظلـــــــم ..
للقاص الأديب : أحمدالتابعـي
عزيزي/ الكاتبالفاضل
أرسل لك تلك الرسالة المُترجمةلحياة حمراء
لا أدرى لماذاأرسلها لك وأنا لن أقرأها، لكن ربما كنت أريد أن أترك ُوريقة تبقىمنى لعل أحد يقرأها ..ويجدحلا للواقفين صفا بعدى انتظارا لدورهم المفروض عليهم للدخول في ذلك النفق المظلمربما ينجون من رعب الانزلاق البطيء الخانق المرعب إلى داخله..وبذلك أكون قد فعلتشيئا في وطن لا يجد أبناؤه فرصة لفعل شيء؛ لأن من يملكون أقدارنا في ذلك الوطن لايتركون لنا شيئا.
حتىإرادتنا وقدرتنا على الاختيار مُغتصبة منا بعنفوتجبر.
قد تسير الحياة بنا بخطواتتبدو بطيئة لكن أحيانا ما تكون مُبهجة ولذيذة خاصة في سنوات الطفولة التي قضيتها فيأحضان أسرة متوسطة الحال، لكنها أسرة دافئة المشاعر يعشش رب تلك الأسرة على أفراخهبما أوتى من حول وقوة.ولكن تكون الكارثة الكبرى عندما يسقط رب الأسرة في منتصفالطريق ويترك أفراخه التي لم يكتمل ريشها بعد عُرضة لرياح ماكينة حياة أُنتزع منقلبها الشرس قطرات الرحمة.
لن أحدثك عن معاناة أم تناطح العمر والأيام لتجعل لأنوفنا ثغرة نتنفسمنها نسمات تحيينا في حجرة الحياة المتزاحمة.تخرجت..وجدت عملا ، أيام كانت هناك فرصعمل للمواطن.
سارتالأيام!!؟؟ ولا يهم كيف سارت بمرها قبل حلوها النادر ثم تزوجت مثل كل البشرالطبيعيين ولا يهم وقتها كيف ومن تزوجت، لكن المهم أنني الآن عندي أربعة من الأولادوالبنات وبدأتالحياة تبطئ من خطواتها متثاقلة تلقيني في وجه أعتى لحظات الضيقوالألم وقلة الحيلة،أمام أفواه تريد أن تحيا وتعيش لا يهم كيف ولكن..الوالد لا بد أنيوفر لهذه الأفواه على الأقل خبز وفول وعدس وأرز وقليل من الزيت!!هذه هي مشكلتي..لمأستطع توفير تلك المطالب من أين أحضر لهم تلك الأشياء كل شهر بمرتب لا يتجاوزستمائة جنيه، أي عشرين جنيه يوميا..أنتبه سيدي مازال هناك متطلبات عديدة لم أذكرهامثل:فاتورة الكهرباء والنظافة المُجحفة وأنبوبة الغاز والعلاج(لأننا نمرض مثل كلالبشر) أو الأسمال التي نريد أن أستر بها الأجساد.
طرقت كل أبواب البحث عن العمل وكانت الإجابة شبهواحدة:-
(الشباب العاطلاللي يشتغل بصحة أحسن منك ميت مرة مش ملاقيين له شغل يبقى أنت نلاقى لك شغل..روحيا عم ربنا يسهل لك)
وجاءيوم لم يكن في البيت سوى بقايا لقيمات جافة وقطعة من الجبن وسمعت الأولاد وهميتصارعون على تلك الغنيمة..وصرخوا ينادون من ألم الجوع بعد فناء تلك اللقيمات.. وبعد أن تأهبت المعدة لتلقى العون(بابا إحنا لسة جعانيين) وتناهى إلى سمعي منبعيد صوت أمهم تحاول مواستهم ومد حبل الأمل بأننا سوف نحضر لهمطعاما.
وشعرت لحظتها كأن حجرتيالبالية تضيق على جسدي حتى كادت تحطم ضلوعي وامتلأت الحجيرة بأناس آخرين ما هذا؟...أكتاف الآخرين تقتحم عظام كتفي وأنفاسهم تكاد تخترق رئتي بصوت فحيح ورائحةعطنة.
ونظرت إلى أقداميأريد أن أتحرك ولكن من أين سأجد مساحة الحركة،رفعت رأسي لأعلى ربما وجدت نافذةيتبعث منها قليل من الهواء شبه المنعش ، ولكن الجدران صماء والضوء شحيح يجعلك فقطترى عذاب تواجدك مع أشباح الأكتاف التي تزاحمك في الحجرة تنظر إليك بعيون باردةكالثلج ،صماء كالحجر منزوعة الروح..
صرخت ماذا تريدون منى لماذا تزاحمون أنفاسي؟ كيف تسلبون هوائي الذيأتنفسه؟
ولم أسمعمجيبا..وزاد التدافع وتطاحن الأكتاف ..وأصبح الهواء يدخل صدري كأنه كرابيج إفعوانيةتلهب الصدر والقلب، تصبب العرق من جسدي ..لم يجد مكانا يتساقطفيه.
فظل العرق المحمل بكلهمومي متشبثا بجسدي وزاد اندفاع العرق.
.ثم تهاويت من فرط ثقله .صرخت بأعلى صوتي..ولامُغيث..
تهاويت وأنا لاأسمع سوى صوت (طقطقة) عظام جسدي وهى تتحطم..وقرقعة بقايا وهى تُطحن
ثم وجدتني محمولا إلى نفقمظلم...خرجت من نفق مظلم إلى نفق مظلم
وتبدو على بعد من النفق وشوشات ضوءقادم.