زهرة خلف الشقاء
قصة قصيرة
من قلم غالب أحمد الغول
@@@@@@@
ولد يبكي بكاء مزدوجاً , بكاء ميلاده , وبكاء نكبته , طفولته المملوءه بالشقاء والبكاء , وشبابه بالكد والعمل , وكهولته التي تزدحم بمرارة الفقر والعناء , يعمل ليلاً ونهاراً ليملأ البطون الفارغة فلم تشبع , أولاده ووالديه وإخوانه كلهم في بيت واحد كعلبة سردين مرتبة ومنمقة ومنسقة على بساط واحد , يجتاح الهم والغم زوايا قلبه , فاحترق فؤاده منذ صغره ولعقود تمتد بالجمر والشرر , يبحث عن ذرات العطف فغابت في غياهب الصحراء , فالصدق غائب , والحنان مفقود والشفقة ليس لها مكان في القلوب حتى من والديه بقسوتهم وإصرارهم على تطبيق قوانين العادات المملوءة بالعيب والحرام والخجل دون أن يكون لذلك ضرورة .
رجل ذكي , يعمل نشاطه اليومي دون كلل أو ملل , سلاحه في الدنيا القرطاس والقلم , تحليل المقالات الصحفية بأنواعها ونقدها , صحفي بامتياز, يبحث في علوم كثيرة , وتعرف على كثير من الصحفيين في مختلف الأقطار .فلم يستأنس لرأيهم , ولا يميل إلى أهوائهم , إلا صحفيه واحدة , كانت تعلق على مقالاته , التي لوقرأتَ ما كتبتْ لعرفت خفة روحها وإخلاصها في العمل وتوددها للصحفين , لم يفهما أحد سواه , وكان يتمنى لو تكون هي الزهرة التي يشتمها كل يوم بعد طول شقاء , وكان يترك لها كل يوم رسالة علمية , وهي ترد الجواب , بكلام علمي مفيد , فتقاربت النفوس , وتآلفت القلوب , وتجاذبت الأرواح , فتبادلا المودة , , ولم يبق لهما إلا البوح في أحلى كلمات الصدق , ولكن هيهات أن يجرؤ أحد بأي لفظ , لكنه بدأ يتودد إليها , ويلتمس عطفها , وهي أحست بذلك , وكم كانت المفاجأة الكبرى , حين رأى حروف كلمة لم يصدق ما رأت عينه , فأبهرت عقله , وخفق لها قلبه , وطار فرحاً وسروراً , ولبس نظارته ليتأكد من رسم الحروف , فبكي شوقاً وشغفاً حين قرأ في آخر رسالتها كلمة ( كنت أحبك ) .