نظرة إنسانية لغزة

محمد اسحق الريفي

تتعامل الحكومة المصرية مع حصار غزة من منظور سياسي بحت، وليس من منظور إنساني، كما هو متوقع منها، باستثناء بعض التسهيلات التي تقدمها لتنقل المرضى والمسافرين عبر منفذ رفح البري، وحتى هذه الاستثناءات تخضع لشروط أمنية وسياسية، وتهدف إلى تخفيف الانتقادات الموجهة للنظام المصري، وليس إلى التخفيف من معاناة الغزيين.

ويا ليت الحسابات السياسية للحكومة المصرية حول الوضع الغزي، المقلق لها، يقوم على أسس صحيحة، بعيداً عن الأساليب الدعائية والشعارات المعروفة، التي تتلطى وراء الأمن القومي، وتتجاهل الدوافع السياسية التي من أجلها تدعم الولايات المتحدة الحصار الظالم، وتفرض على مصر بناء الجدار الفولاذي، وتزود الأمن المصري بالمعدات والأجهزة والتكنولوجيا والغازات السامة، لمحاربة الأنفاق، ولمنع نقل البضائع عبرها من الشقيقة مصر إلى غزة، ولتشديد الحصار وعزل غزة عن العالم. فالحسابات السياسية الحقيقية تؤكد عدم التقاء المصلحة المصرية مع مصلحة فارضي الحصار على غزة!

وبغض النظر عن الحسابات السياسية، هناك حسابات إنسانية تتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني المحاصر في سجن غزة الكبير؛ بمرضاه وثكلاه وجوعاه، وبالعالقين من أبنائه على طرفي الحدود المصرية – الفلسطينية، وبطلابه الممنوعين من السفر إلى جامعاتهم في الخارج لإكمال دراستهم...الخ. لقد سئمنا من التذكير بحق الشعب الفلسطيني على العرب، وهو حق مقدس لا يجادل فيه عاقل منتم للأمة العربية والإسلامية، ولا سيما حق غزة على الشعب المصري وحكومته، وهو حق لا يقبل المساومة، حتى إذا رأت الحكومة المصرية أن الدولارات الأمريكية أغلى عندها من أرواح الشعب الفلسطيني وكرامتهم، أو أغلى من فلسطين؛ بقدسها وأقصاها وشعبها وموقعها الاستراتيجي والجيوسياسي بالنسبة لمصر والوطن العربي كله. هذه الحسابات الإنسانية هي التي تدفع المتضامنين العرب والعجم والشرقيين والغربيين إلى التضحية بالوقت والجهد والمال، بل وحتى بالروح، من أجل تقديم المساعدة للمواطنين الغزيين، رغم أن بعض دول المتضامنين يضعون فصائل المقاومة الفلسطينية على قوائمهم للإرهاب! فهل الحسابات السياسية المصرية تسوغ كل هذا التعنت بحق مقدس لغزة على مصر!

ولذلك من حقنا أن نتساءل: لماذا لا تنظر الشقيقة مصر إلى غزة نظرة إنسانية، ولماذا لا تقدر الأمور السياسية تقديراً صحيحاً؟! أليس من مصلحة العرب وجود فئة فلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني بحق وترفض التنازل عن الأرض والحقوق وتحول دون تحول الشعب الفلسطيني إلى جسر للكيان الصهيوني باتجاه الوطن العربي، وخصوصاً أن العدو الصهيوني يطمع في مياه النيل وخيرات مصر، ويحاصر مصر من أثيوبيا ومناطق أفريقية أخرى؟ أليس من مصلحة مصر وجود فئة مقاومة للمشروع الصهيوني – الغربي الذي يهدف إلى أقامة "إسرائيل الكبرى" في الأرض العربية الواقعة بين النيل والفرات؟

في أعقاب ارتكاب الصهاينة مذبحة مرمرة التركية، فتحت الحكومة المصرية منفذ رفح جزئياً أمام المسافرين من كلا الجهتين، وهذا عمل تشكر عليه، ولكنها وفقاً لشهود عيان أوكلت مهمة تصنيف المسافرين إلى مقبول وممنوع إلى فلول عصابات الفلتان الأمني الهاربين من غزة إلى رام الله، والتابعين لمحمود عباس وسلام فياض، ليسمحوا للمسافرين بالسفر، أو يمنعوهم من السفر، بناء على حسابات حزبية وأمنية متعلقة بالتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، فأين هو الجانب الإنساني في هذا الأمر، علماً بأن بعض الممنوعين من السفر مرضى ويحتاجون إلى السفر للعلاج وذنبهم أنهم يدعمون المقاومة ويرفضون أوامر سلطة فتح في رام الله لهم بالاستنكاف عن وظائهم في غزة. إن هذا السلوك هو تسييس واضح لمنفذ رفح وعملية التنقل عبره، ويدحض الادعاء بأن المنفذ قم تم فتحه لاعتبارات إنسانية.

على الحكومة المصرية، إن كانت جادة في تخفيف معاناة أهل غزة، أن تطرد تلك العصابات التي تفرق بين مواطن وآخر من مواطني غزة بناء على اعتبارات وحسابات أمنية صهيونية وأمريكية، وولاءات حزبية مقيتة، وأن تأتي بعرب غير خاضعين لأجهزة الأمن الصهيونية والجنرال الأمريكي "كيث دايتون" وحكومة رام الله الخاضعة له.

10/7/2010