معجم معاني حروف وكلمات القرآن
الحسن محمد بن ماديك
المقدمة
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وبعد :
فقد اجتهدت لأجعل من كتابي هذا ـ معجم معاني حروف وكلمات القرآن ـ أداة تعين متدبري القرآن على الاستفادة منه أكثر من ذي قبل بما سيتيح لهم من البيان والتوضيح حول معاني كل كلمة وكل حرف وكل ضمير وكل مضمر مما استقرأته واستنبطته بالتدبر والتتبع ـ والله أعلم بالصواب ـ وسيتبين متدبر القرآن أن كل كلمة من كلمات القرآن فعلا كانت أو اسما تتقلب معانيها كلما أسندت إلى الله أو إلى الرب أو إلى المكلفين فإن أسندت أكثر زادت معانيها وهكذا اختلف مدلول كلمة "عَلَّمَ " لاختلاف السياق إذ أسندت إلى المخلوق وإلى الله في قوله ﴿تعلّمومنهن مما علّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الله في قوله ﴿ واتقوا الله ويعلّمكم الله ﴾ وأسندت إلى الرب في قوله ﴿ ذلكما مما علّمني ربي﴾ ، فالإنسان يعلّم الجوارح بالترويض والله يعلّم الإنسان بأدوات الكسب السمع والبصر والفؤاد وكذلك يعلّم الله المتقين في الكتاب المنزل ما يتقون به غضبه وعذابه ، وعلّم رب العالمين ملائكته وأنبياءه ورسله تعليما خارقا معجزا لا يقدر أحد على مثله لنفسه.
ويقع اليوم عند ربنا على ألف سنة مما سني أهل الأرض، وتقع أيام الله على التي دمّر فيها المكذبين بالرسل بالآيات نوح وهود وصالح وشعيب وموسى وهارون.
وبدأت باسم الله ربنا قبل إيراد الحروف والكلمات حسب ترتيبها الأبجدي والله المستعان.
الله عز وجل:
إن العبد لحقيق بدراية افتقاره وأنه ليس قائما على نفسه ليشكر فاطر السماوات والأرض على نعمه الظاهرة والباطنة وإذ خلقه فجعله شيئا مذكورا ولم يكن، وفضّله على كثير من العالمين كالجن والأنعام والدوابّ والطير ...
هو الله لا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء، لم يلد، ولو يولد، وهو على كل شيء وعد به قدير ، وبكل شيء من الغيب عليم، فعّال لما يريد، اصطفى من بني آدم رسلا وأنبياء فأنزل عليهم الكتاب والميزان ليحكم بين الناس بالحق وليهتدوا إلى صراط مستقيم ووعد بإعدام الكون وبإعادة نشأته مرة أخرى وبالبعث بعد الموت والحساب والجزاء بالنار أو الجنة.
ويعني أن ليس كمثله شيء أن قدرة كل ذي قدرة من الخلق ليست كقدرة الله وهكذا لا يماثل علمه علم عليم ولا قوته قوة قوي وهو السميع البصير، ولن يبلغ غيره من خلقه مثل أسمائه الحسنى، رغم ثبوت الرحمة والقوة والسمع والبصر والخلق في المخلوقات ولا يجحده إلا المغفلون كما لا يتأوّل أسماء الله وصفاته إلا المعطلون بما ألحدوا، وأما قولنا "ليس مثله شيء" فيعني أن ليس شيء مثله ويشمل الذات والصفات ولا يقول به إلا المشبّهون بما أشركوا .
وإن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب أن اسم ﴿الله﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما :
ـ لبيان عبادة وتكليف من الله المعبود يسع جميع المخاطبين به الطاعة والعصيان .
ـ أو لبيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين.
ـ أو لبيان أثر الإيمان والطاعة على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان أثر الكفر والمعصية على المكلفين في الدنيا.
ـ أو لبيان الحساب والجزاء في الآخرة.
فأما بيان ما كلف الله به من العبادة فكما في قوله ﴿اعبدوا الله﴾ وقوله ﴿اتقوا الله﴾.
وأما بيان أسباب العبادة التي أمدّ الله بها المكلفين وأعانهم بها ليعبدوه فكما في قوله ﴿فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له﴾ العنكبوت، من قول إبراهيم يعني اسألوا الله أن يرزقكم لتقوى أجسامكم على الطاعة والعبادة، وقوله ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾ الذاريات، يعني أن الله يرزق الإنس والجن ليتمكنوا بالرزق والقوت من العبادة وقوله ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا وشربوا من رزق الله﴾ البقرة، وقوله ﴿وكفّلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هـذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ آل عمران.
وأما أثر الطاعة على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿ويزيد الله الذين اهتدوا هدى﴾ مريم، وقوله ﴿هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾ يونس، فكانت نجاتهم بسبب أثر طاعتهم في دعوتهم الله مخلصين له الدين.
وأما بيان أثر المعصية على المكلفين في الدنيا فكما في قوله ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم﴾ البقرة، أي بسبب كفرهم وإعراضهم عن النذير عوقبوا بذلك ، وقوله ﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب﴾ الأنفال، والمعنى أنهم بسبب كفرهم بنعم الله التي أنعم عليهم بها ليعبدوه ويطيعوه عذبهم في الدنيا .
وأما بيان الحساب بعد البعث فكما في قوله ﴿ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب﴾ النور، وقوله ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ النور.
وأما بيان الجزاء فكما في قوله ﴿فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين﴾ المائدة، وقوله ﴿ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ فصلت.
إن قوله ﴿باسم الله﴾ حيث وقع في الكتاب فإنما هو للدلالة على عبادة وتكليف من الله يجب أن يقوم به المكلف العابد مستعينا ومبتدئا باسم الله الذي شرع له ذلك الفعل ومخلصا له فيه من غير إشراك معه وكما بدأ طاعته بإعلان أنها باسم الله المعبود الذي شرعها له، وهكذا ركب نوح ومن معه في السفينة كما في قوله ﴿وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها﴾ هود، فأطاع أمر الله حين أوحي إليه قوله ﴿قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن﴾ هود.
ولم يحل من الذبائح والصيد البري إلا ما ذكر اسم الله عليه كما في المائدة أربعة الأنعام وثلاثة الحج ، ويعني حرف الأنعام ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق﴾ أن إزهاق الحياة في الطير والدواب إنما يجب أن يكون باسم الله الذي شرع لنا أكلها لنحيى ونقوى على العبادة، أما ما لم يذكر اسم الله عليه منها فتجرد من هذا القصد والنية فهو فسق خرج به الإنسان عن الوحي الذي جاء به النبيون وعن مقتضى العبودية إلى المعصية والعبث فحرم على المسلمين أكله، ولئن كان النهي عن الأكل من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي منها بـإنهار دمه وذكر اسم الله عليه فما ظنك بقتل الصحيح من الطير والأنعام عبثا وما ظنك بقتل الإنسان إذا لم يكن من المكلف به طاعة لله ورسوله.
إن الذي يقول "باسم الله" قبل طعامه وشرابه المباح قد أطاع الله في تكليفه ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ الأعراف.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويأكل الخنزير والميتة والدم غير مضطر فقد افترى على الله كذبا وادعى أن الله قد شرع ذلك.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويطأ زوجته قد أطاع الله في قوله ﴿وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين﴾ النساء، فهي كلمة الله التي استحللنا بها فروج النساء .
وإن الذي يقول "باسم الله" ويزني قد افترى على الله وادعى أن الله شرع له الزنا وكلّفه به وما أشبهه بسلفه من القرامطة الذين كانوا يقرأون القرآن لابتداء الليالي الحمراء فإذا سكت القارئ أطفئت المصابيح ووقع كل رجل على من تقع يده عليها ولو كانت أخته أو أمه كما سنّه عليِّ ابن الفضل الجدني القرمطي في آخر القرن الثالث الهجري في اليمن.
إن قوله ﴿باسم الله الرحمن الرحيم﴾ ليعني أن قائلها ككاتبها يشهد على نفسه ويقر بأنه يبتدئ فعلا هو من تكليف الله تماما كما تعني رسالة سليمان إلى ملكة سبإ والملإ معها من قومها ﴿إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين﴾ النمل، أن سليمان رسول الله إلى الناس وأن كتابه هذا هو من رسالته إليهم وهم أعم من بني إسرائيل فزيادة التكليف بقدر زيادة التمكين.
رب : تضمن تفصيل الكتاب المنزل ورودها في وصف بعض الناس وأكثر ما وردت وصفا لله الواحد القهار
أما ورودها في وصف ولي النعمة من البشر ففي قوله : ﴿وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك﴾ يوسف، ﴿فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله﴾، وأما في وصف ما يتصوره الناس من معبوداتهم ففي قوله ﴿فلما رأى كوكبا قال هذا ربي﴾، ﴿فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي﴾، ﴿فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي﴾.
وأما قول يوسف مخاطبا امراة العزيز ﴿معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ فيتجلى فيه أن ربه قد آتاه من قبل حكما وعلما، إذ لم تفهم امرأة العزيز غير استحيائه من خيانة زوجها المنعم عليه، غير أن كلام الصديق يوسف صريح في إقراره واستشعاره نعم ربه الخالق عليه بإبعاده عن كيد إخوته وإيوائه في بيت عزيز مصر، وبقرينة إضافة نفسه إلى ربه على غير نسق خطابه صاحب السجن ورسول الملِكِ إذ أضاف كلا منهما إلى الملِك وحرِيٌ بغيره من العوام في مثل حاله أن يقول لصاحب السجن اذكرني عند ربي الملك ليخرجني من السجن.
ووردت في وصف الله غير مقترنة في السياق بمربوب في قوله ﴿بلدة طيبة ورب غفور﴾ سبأ وقوله ﴿سلام قولا من رب رحيم﴾ في يس.
واقترنت في السياق بالمربوبات التالية : العرش العظيم، العالمين، كل شيء، السماوات والأرض وما بينهما، السماوات السبع ، السماء والأرض، رب المشرق والمغرب وما بينهما، المشارق والمغارب، المشرق والمغرب ، المشرقين، المغربين، هذه البلدة التي حرّمها، هذا البيت، العزة، الشعرى، الفلق، موسى وهارون، الناس، وآباؤهم الأولون، وبضمائر يأتي تفصيلها في مادة المضمرات.
وأضاف النبيون والرسل والمتضرعون خفية أنفسهم إلى ربهم فابتدأ كل منهم مناجاته الخفية بقوله : ربِّ، بحذف حرف النداء إلا في قوله ﴿وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا﴾ في الفرقان، ثبتت فيه ياء النداء لأن الرسول سيسمع المكلفين شكواه إلى ربه أنهم اتخذوا القرآن مهجورا فلم يتدبروه ليهتدوا به للتي هي أقوم وإلى الرشد.
وتضمن تفصيل الكتاب المنزل تأصيلا عجيبا من أصول التفسير في سياق خطاب الله نبيا أو رسولا مضيفا ربوبيته إليه لتنبيهه إلى وعده بنصره كما في قوله ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك﴾ هود ﴿قالوا يا لوط إنا رسل ربك﴾ هود ﴿وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى﴾ ﴿ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا﴾ الأنبياء ﴿ولئن جاء نصر من ربك﴾وبينته في تأصيلي الجديد للتفسير.
ولا تسل عن الخفة من المرسل إليهم وهم يخاطبون رسلهم بإضافة الرب إلى الرسول المخاطب كما في قوله ﴿قالوا ادع لنا ربك﴾، ﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هـهنا قاعدون﴾، ﴿هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ﴾، ﴿ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك﴾، ﴿وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك﴾
وإن اسم ﴿رب العالمين﴾ حيث ورد ذكره في الكتاب المنزل فإنما:
ـ ليقوم به أمر أو فعل خارق يعجز العالمون عن مثله وإيقاعه كما يعجزون عن دفعه.
ـ أو لبيان نعمه التي لا كسب للمخلوق فيها وما يجب له من العبادة والشكر.
ـ أو لاستعانته ليهب لنا في الدنيا ما لا نبلغه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر.
وأما بيان أن كل فعل أو أمر أسند إلى ربنا فإنما هو أمر خارق يعجز العالمون عن مثله فكما في قوله ﴿قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر﴾ الإسراء ، من قول موسى في وصف الآيات المعجزة التي أرسله ربه بها وكما في قوله ﴿قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم﴾ فصلت، ولا يخفى أن عاقلا من العالمين لا يستطيع ادعاء مثل هذا.
وأما بيان أمر ربنا الذي يعجز العالمون عن دفعه فكما في قوله ﴿يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود﴾ هود، من قول رسل ربنا من الملائكة الذين أرسلوا بعذاب قوم لوط وكما في قوله ﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ القمر .
وأما بيان نعم ربنا التي لا كسب للمخلوق فيها فكما في قوله ﴿ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله﴾ الإسراء.
وأما بيان ما يجب لربنا من العبادة والشكر على نعمه فكما في قوله ﴿ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون﴾ الزخرف ، وقوله ﴿لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور﴾ سبأ، وقوله ﴿يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم﴾ البقرة .
وأما بيان ما يجب علينا من استعانته ليهب لنا في الدنيا والآخرة من نعمه ويصرف عنا من الضر والكرب ما لا نستطيعه بجهدنا ولا نستحقه بعملنا القاصر القليل فكما في دعاء النبيين وضراعتهم ربهم حيث وقعت في القرآن كما في قوله ﴿وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم﴾ الأنبياء .
ويأتي بيان الفرق بين كل ما أضيف أو أسند إلى الله وإلى ربنا في مواضعه من المعجم.