شخصية تتصف بالحكمة يتـناقل أهل الفرات أخبارها



وأكاد أجزم بأنـّهم يقصدون حكيم العرب " أكثم بن صيفي "



ومن طرائف حكمته أنّ أحد أبنائه اختلف معه



لأن الأب " ابن صـفـيـّـة " يحكم بين الناس في كثير من الأحيان



دون بيـّـنة ولاشهود



بل يخالف في بعض أحكامه شهادة الشهود ولايعطيها قيمة



فغادر الابن ديار قومه



ورحل بعيداً حتى انتهى به المطاف ضيفاً في بيت رجل ٍ تزوّج بزوجتين



وقد أنجبت الصغرى ولداً ذكراً بينما لم تـنجب الكبرى



وذات يوم لاحظ الضيف أمراً مذهلاً



فقد قامت أم الولد وهي الزوجة الصغرى



بخنق طفلها ثم غطته بغطاء ٍ وغادرت البيت مسرعة ً



بحجة جمع الحطب



بعد أن طلبت من ضرّتها الزوجة الكبرى وبصوت مسموع ٍ



أن تنتبه إلى الطفل ريثما تعود



لم يطول غياب الأم



عادت بحزمةٍ من الحطب ألقت بها أمام الموقد



ثم دلفت إلى حيث فراش صغيرها



كشفت عنه الغطاء حملته بين يديها



ثم صرخت وولولت وتوعدت بالويل والثبور



لمن خنق صغيرها ونور عينيها وفلذة كبها



ومن يكون القاتل غير الضرّة



وجهت إليها إتهاماً صريحاً بالقتل



والدوافع موجودة إنها الغيرة والحسد



وهكذا تجمّع أهل الطفل القتيل



وتنادى أقرباء الأب والأم مطالبين بدم ابنهم



وأقارب الزوجة الكبرى مدافعين عن ابنتهم



وكيف لها أن تكون قاتلة وهي الصبورة البرّة الفاضلة



وبعد أخذ ٍ ورد وتوسط أهل العقل



اتفق الجميع على أن يكون الحكم الفصل في هذه المعضلة



لحكيم العرب " ابن صـفـيـّـة "



وهكذا وفدوا إليه



ولحق بهم متخفيّاً متنكراً ضيفهم الابن المخالف لأبيه



الذي رأى وعاين بنفسه حقيقة ماجرى



فجلس في مجلس أبيه ليرى كيف يكون الحكم



عرض القوم قضيتهم على العارفة وأدلى كل منهم بحجته



فقال لهم "ابن صـفـيـّـة ": الأمر هيّن ٌ والحقُ بيّنٌ0



ثم وجّه خطابه إلى الأم وضرّتها طالباً منهن دليل براءة



كان طلبه أن تقوم الزوجتان من المجلس وتبتعدان عنه



ثم تعودا إليه مقبلتين وقد كشفت كل منهما عن مواطن عفتها 0



صرخت الكبرى الضرّة المتهمة محتجّةً على الحكم العجيب والطلب الغريب



وصاحت بقومها :



( والله لئن قتلتُ وإيّاكم جميعاً أهون عليّ من أن أكشف ستري) 0



أمّـا الأم القاتلة فقد نهضت مستعدة ً لتنفيذ طلب العارفة



متذرعة ً بحب ّ وليدها المفقود وإثبات براءتها 0



حينها قال العارفة الحكيم :



( أيـّهـا القوم ، الولد قتلته أمّه )0



نهض من بين الرجال رجلٌ كشف اللثام عن وجهه



وتقدّم نحو العارفة فقبّـل يده وعانقه وأعرب عن أسفه



واعترف بسفاهة رأيه حينما كان يعترض على أحكام أبيه



ثم قصّ للقوم قصّـته وكيف أنـّـه شهد الجريمة



ليؤكد حكم أبيه وحكمته



حيث أدرك الأب الحكيم بفطنته أنّ من يهون عليها شرفها



لا تتورع عن قتل ولدها والإفتراء على الأبرياء والبريئات 0



استذكر حكمة " ابن صـفـيـّـة "



في عالم كثر فيه الكذب والجور والفجور



فما أحوجنا لحكيم ٍ يميّـز الأتـقياء الأبرار من البغاة الفجار



دون التأثر بتخريص المنافقين وشهادات أهل الكذب والزور





والله من وراء القصد0