شعراء الهجاء ... حسن غريب أحمد


كان يسكن شمال الجزيرة العربية ومنتصفها منذ ألف عام قبل الميلاد ، رحل هم دون ريب أجداد من أسموهم ( عربي ) على ما ورد في وثائق آشورية في القرن الثامن قبل الميلاد ، عاش فيها البدوي حياة قاسية مضطربة في مسالك قفرة وصحراء شاسعة تنازعوا فيها على الكلأ والماء ونطقوا بالشعر ( غناء وفخراً وشجاعة ورثاء وهجاء )

وقد جاء في لسان العرب لابن منظور عن معنى كلمة هجاء فقال : هجاه – يهجوه – هجواً أى شتمه بالشعر ، والهجو الوقيعة بالأشعار فكان شاعرهم خطيب القبيلة والمدافع عنها على منابر الهجاء وغيرها من ملامحم وبطولات وأشهر قصائدهم في ذلك المعلقات ( السبع الطوال ) ومن الشعراء الذين اشتهروا بالهجاء ( الحطيئة وأصحاب النقائض جرير والأخطل والفرزدق بالإضافة إلى بشار ودعبل وطرفة ) فقد وصلوا في هجائهم إلى الملوك والأمراء فكانت لهم النهاية في أبشع صور الهلاك .

- اولاً : طرفة بن العبد ، البكري

ظلم عشيرته :

شاعر جاهلي أدركه ظلم العشيرة في أحياء بني بكر واسمه عمرو بن العبد ولقبه طرفة لقوله هذا البيت :

لا تعجلا بالبكاء اليوم مطرفاً ولا أمير كما بالدار إذ وقفا

وكانت حياته مأساة منذ أصابه اليتم ولد في البحرين وكان والده غنياً فتقاسم أعمامه مال أبيه بدعوى إنصراف طرفه إلى اللهو والمجون مع أنهم مغمورون به ، كان العبد والد طرفة أخاً للمرقش الأصغر وابن أخ للمرقشي الأكبر وكلاهما شاعر وخاله الشاعر المتلمس فما ترعرع طرفة حتى قال الشعر وما شب حتى نبغ فيه ، ومن روائع الشعر عند طرفة معلقته وفيها ثورته على أعمامه وظلم العشيرة له كما ظهرت ألوانه الشعرية وبراعته وصوره الذاتية وحكمه الخالدة ومنها قوله :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهـلاً
ويأتيــك بالأخبـار ما لا تـزود
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتــــــــدي
أرى الدهر كنزاً ناقصاً كل ليلــة
وما تنقص الأيام والدهر ينقـص
أرى قبـر نحـام قليـــــــل بماله
كقـبر غـوي في البطالة مفســـد

الغلام القتيل :
- أجمع الرواة أنه قتل على يد عمرو بن هند ملك الحيرة وذلك أن طرفة خرج مع خاله المتلمس إلى بلاط الملك عمرو بن هند وعاشا في رخاء وكرم وحدث أن رأى طرفة أخت الملك فقال فيها شعراً غاظ أخيها وفي اليوم الثاني نقلهما عمرو بن هند إلى بلاط أخيه قابوس ، فاختلفت الحياة عنده ولم يستطيعا الوصول إليه فهجاه طرفة مع أخيه الملك في بيتين من الشعر .

- و لما سمع الملك كظم غيظه حتى سنحت الفرصة فأرسلهما إلى عامله في البحرين ( ربيعه بن الحرث ) أمره بقتلهما ولكن المتلمس شعر بالخطر وعرف الغدر ففر هارباً إلى الشام وضرب المثل بصحيفته فيقل ( أشأم من صحيفة المتلمس ) أما طرفة فتابع إلى البحرين ولكن عاملها لم يقتله وأعلم الملك بذلك فأرسل عمرو بن هند عاملاً آخر اسمه ( معضد بن عمرو ) فقتل العامل السابق وأثنى عليه بطرفة فقتله واختلفت الروايات في قتله فقالوا :

- أولاً : أفصد الأكحل وهو سكران .

- ثانياً : قطعت رجليه ويديه ودفن حياً وقالوا صلب .

ورثته أخته الخرنق بأبيات منها :

عددنا له ستاً وعشرين حجة
فلما توفاهـا استوى سيداً ضخماً
فجعلنـــــا لما رجونا أيابه
على خير حال لا وليداً ولا قحما

ذلك الغلام القتيل طرفة بن العبد ابن العشرين

- ثانيـاً : مصرع المرء بن فكيه
بشار بن برد ( 96 هــ - 168 هــ )

- بشار بن برد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية كنيته أبا معاذ ويلقب بالمرعث لرعثات كانت في أذنه وهو من طبقات المحدثين بإجماع الرواة ورئاسته عليهم فقد كان لبشار قريحة سمحة وعقل نير وخيال يأتي بالصور الطريفة من الواقع بالإضافة إلى متانة لغته وسعتها وغناها وإذا أنشد صفق بيديه وتنحنح وبصق فكان يأتي بالعجب .

- كان بشار شعوبياً يكره العرب ويمدح الفرس وعندما يرى الغلبة ينتسب للعرب ويفتخر بولائه لعقيل بقوله :

أنني من بني عقيل بن كعب
موضع السيف من طلى الأعناق

- وقال الأصمعي : ( كان بشار من أشد الناس تبرماً بالناس )

- وقالوا كان بشار : جباناً رعديداً جشعاً نهماً شهوانياً فاحشاً ماجناً مستهتراً أفسد بغزله نساء البصرة وشبانها فهذا مالك بن دينار يقول فيه : ( ما شيء أدعى أهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى )

- وقال واصل بن عطاء فيه إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى له ألست القائل :

في حلتي جسم فتى ناحل
لو هبت الريح به طاحا

- قال بشار نعم ، قال الرجل :

- لو بعث الله الريح التي أهلك بها الأمم الخالية ما حركتك من مكانك فبهت بشار ولم يقل شيئاً

- وكان بشار مداحاً مستجدياً فهو يقول لخالد بن برمك :

فإن تعطيني أفرغ عليك مدائحي
وإن تأب لم يضرب علي سداد
ركابي على حرف وقلبي مشيع
ومالي بأرض الباخلين بــلاد

- وعن بخله قالوا أراد أبو الشمقمق أن ينال منه دراهماً فقال له يا أبا معاذ مررت بصبية ينشدون هذا البيت :

إن بشار بن برد
تيس أعمى في سفينه

فأخرج بشار مائتي درهم وقال خذها ولا تكن راوية الصبيان يا أبا الشمقمق .

هلاك بشار :
هجا بشار عظام الدولة العباسية وأشراف الناس والخليفة المهدي ووزير ابن أبي داؤد فقد وضعهما بين الغناء والطرب فهو يقول :

بني أمية هبوا طال نومكـــم
إن الخليفة يعقوب بن داؤد
ضاعت حلافتكم ياقوم فانتبهوا
خليفة الله بين الذق والعود

ويقال أن بشارا " هجا " المهدي بأبيات يشمئز القلم من نقل عباراتها فبلغ الخبر المهدي فكاد أن ينشق غيظا من بشار فأمر بإحضاره وكان في حراقه وأمر بأن يضرب سبعين سوطاً فضرب حتى شارف على الموت وألقى في سفينة حتى مات فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة ودفن فيها وقد فرح الناس بموته وهنأ بعضهم بعضاً وقيل في خبر موته أنه أذن وهو سكران فضربه المهدي حتى أتلفه ومن هجائه لصالح بن داؤد أخي يعقوب الوزير:

هم حملوا فوق المنابر صالحاً
أخاك فضجت من أخيك المنابر

وقد وصف الدكتور ( طه حسين ) في حديث الأربعاء شعر بشار بالكذب ونفى عنه صدق العاطفة وقال أبو هاشم الباهلي يهجو بشار وحماد عجرد:

قد تتبع الأعمى قفا عجـرد
فأصبحنا جارين في دار
قالت بقاع الأرض لا مرحبا
بروح حماد وبشـــــــار
صارا جميعا في يدي مالك
في النار والكفار في النار

ومما يدل علي كفر قوله :

إبليس خير من أبيكــم آدم
فتنبهوا يا معشر الفجــــار
إبليس من نار و آدم طينـة
والنار معبودة مذ كانت النار

و كثيراً ما كان بشار يبرر أعماله ومواقفه بقوله ( ليس على الأعمى حرج ) ولكنه نسي المثل العربي .

الهوامش :

1 – ديوان بشار بن برد – جمع وتحقيق الشيخ محمد الطاهر بن عاشور – تونس 1976 م – ص 17 .
2 – سيدة إسماعيل كاشف : مصادر التاريخ الإسلامى ومناهج البحث فيه ، الطبعة الثانية 1976 م – ص 12 .
3 – تجربة الشعر العربية للدكتور صلاح فضل – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002 م .
4 – تاريخ الأدب العربى للدكتور بلاشير وتاريخ الأدب العربي لحنا فاخوري .
5 – سلسلة الروائع ط 6 لعام 1986م بيروت بعنوان المعلقتان طرفة بن العبد ولبيد بن ربيعة .
6 – كتاب بشار بن برد تأليف عبد القادر المازني .
7 – كتاب رحلة الشعر من الأموي للعباسي للدكتور مصطفى الشكعة ببيروت 1971 م .

* حسن غريب أحمد عضو اتحاد الكتاب / مصر
hassan–ghrib@yahoo.com