قصص فلسطينية قصيرة جداً
د. يوسف حطيني

1 ـ إعادة تقييم
(بنوع من التردد)..
ـ ألستَ يوسف؟
ـ بلى..
(بنوع من الخوف)..
ـ أتغفر لإخوتك سوء صنيعهم؟
ـ نعم.
(بنوع من الخبث)
ـ نجعلك على خزائن الأرض، وتأتي بأبيك وجدّك وعشيرتك معزّزين مكرّمين إلى هنا.
ـ بل أذهب إليهم.. إلى هناك.

2 / شهرزاد
كل ليلة، يحشد موشيه قذائفه وقنابله وخناجره، في مواجهتها، كي يرسم نهاية حكايته كما يشاء.
كل صباح، تستيقظ المجدلية، كي تروي حكايتها من جديد..

3 / العلم الوطني
في البدء مشت مريم مغتبطة في حقول خضر بلا نهاية، داهمها حقد الطغاة، فدافعت عن نفسها بانتظار ولادة جديدة. وإذ حلّق نسرها الصغير فوق سماء الوطن، استباحت دمه عساكرهم، وهطل على الأرض غيوماً حمراً.
المرأة المتشحة بالسواد، أقسمت، فوق قبر ابنها، أن ترتدي ثوب زفافها الأبيض، رغم كل الجراح، حتى تكون حياتها أطيافاً لعلم سيرفرف لا محالة فوق قمة الكرمل.

4/ الرمادي
في فندق ما.
سألوه عن رأيه في المفاوضات قال، وهو يعقد ربطة عنقه: في المسألة قولان.
استفتوه في العمليات الاستشهادية ضدّ المحتلّين، قال أيضاً: في المسألة قولان.
ثمة رائحة مزبلة تزكم الأنوف، تنبعث من فندق ما.

5/ العجوز والشجرة
حين تقدّم أبراهام بجرافته صوب شجرة الزيتون، اقتربت منها العجوز. احتار أمام المشهد، لم يعرف أيّهما تعانق الأخرى.
كانتا تشبهان أمّاً وابنة، أو لعلهما ابنتان لأم واحدة.
بعد اقتلاعهما.. أقسم العشاق الساهرون في ذلك المكان أنهم يرون كل ليلة ظلالاً تغرس جذوراً في كل شبر من أرض الزيتون.

6/ على دلعونة
أحتسي كأس القهر المرّ، أجرّر نفساً مثقلة بالكوابيس، أسمع غولدا الشمطاء تهذي: فلسطين أرض بلا شعب.
يزورني طيف جدي كنعان، يمسح على رأسي، يزرع شجرة أخرى.
متفيّئاً ظلّها: أكنسُ خيبتي ومرارتي، وأرتّب أحلامي الجميلة، وأغني.

7/ عن الرجال والظلال
راح الجنود يكسّرون عظامنا، ويبتسمون للكاميرا، وقف رجل من جماعتنا إلى جانبي قائلاً:
"وإن جنحوا للسلم...."
قال طفل لم يبلغ الحلم: "لا تصالح"، ثم جرى، وراح يجري خلفه ظلُّه الطويلُ جداً.
لاحظتُ أن الرجلَ الواقفَ إلى جانبي لاظلّ له.

8/ البشرى
يجلس جانب زوجته يفرط حبّات عمره السبعين، عيناها خوختان حمراوان: تتذكر ولديها الذين سقطا في الحرب قبل عشرين عاماً.. تمسح دموعها، وتلتفتت بحنان إلى الرجل العجوز: لو سمعت كلامي.. لو تزوجت.
قال العجوز، وهو يبكي، ربما أول مرة،: أنا لا أغيّر حبيبتي.
ـ ولكننا بحاجة إلى من يكمل الطريق.
جاءه رجع صوت بعيد: "إنا نبشرك بغلام"

9/ عكّا
بينما كان جدي يتكئ على صخرة من صخور عكا، هبّت رياح هوجاء، جمعت غيوماً سوداً، وأمواجاً حمراً، وألقت بها في وجهه.
من بينها رأى وجه بونابرت خائباً منكسراً أمام الأسوار.
قال جدي ساخراً: "يا خوف عكا من هدير البحر".
الرياح ما زالت تهب.
جدي، متكئاً على صخرة من صخور عكا، ما زال يبتسم.

10/ اللصوص
في مدينة من مدن الشمال الباردة، أشعل قلبي إعلان عن معرض للتراث الإسرائيلي، اتّكأت على غيظي، ودخلتُ:
رحّب بي رجل ذو عينين زرقاوين، ثم راح يتجول معي في المكان.
كانت عباءة جدتي وسروال جدي يتوسطان المعرض.
نظرت في عينيه مباشرة، وأخرجت له ـ من جيبي ـ مفتاح بيتنا القديم.
1 حزيران/ يونيو 2013 —