يعد اللاكتوز (أو سكر الحليب)، احد المواد السكرية الموجودة في منتجات الحليب، أو المضاف في أنواع الطعام، إلا أن هناك الكثير من الأطفال وكبار السن ممن يعانون نقص أحد الإنزيمات التي تقوم بتحليل اللاكتوز في الأمعاء الدقيقة، ما يتسبب لهم بحساسية تجاه اللاكتوز، وهي ما تعرف أيضاً باسم متلازمة عدم تحمل اللاكتوز، وهي نوع من الحساسية ينتشر بكثرة بين الأطفال واليافعين خاصة في الدول الآسيوية .


مجلة الصحة والطب حاورت الدكتور حكم ياسين أستاذ طب الأطفال في جامعة الشارقة، استشاري أول ورئيس قسم الأطفال في مستشفى جامعة الشارقة لتسليط الضوء على متلازمة عدم تحمل اللاكتوز، من حيث الأعراض والتشخيص والعلاج .


ما متلازمة عدم تحمل اللاكتوز؟


- هي متلازمة سريرية شائعة جداً حيث يشكو المصاب من واحد أو أكثر من الأعراض التالية: آلام في البطن، انتفاخ، غثيان، وإسهال . وتحدث هذه الأعراض، بعد تناول المصاب الحليب بشكل خاص أو أحد مشتقاته المحتوية على سكر اللاكتوز .


ما الأطعمة التي تحتوي على اللاكتوز؟


- يوجد سكر اللاكتوز في حليب الثدييات عامة، وبالتالي فهو موجود في كل الأغذية اللبنية وغيرها من الأطعمة التي تحتويها أو تضاف إليها، (كالحلويات والخبز وغيره) .


كيف تحدث هذه المتلازمة؟


- ينجم عدم تحمل اللاكتوز عن فقدان تدريجي لخميرة أو إنزيم اللاكتاز، وهذه الخميرة تكون موجودة عادة في الزغابات المعوية الدقيقة . وتبدأ الأعراض بالظهور تدريجيا بعد عمر السنتين . ومن النادر حدوث عدم التحمل الكامل قبل عمر خمس سنوات .


ما معدل انتشار هذه المتلازمة؟


- هناك ما يقدر بنحو أربعة مليارات شخص مصاب بمتلازمة عدم تحمل اللاكتوز في العالم، ويختلف المعدل من بلد إلى آخر . ففي أمريكا مثلا هنالك حوالي 20% من الأشخاص البالغين وجد لديهم انعدام تام لخميرة اللاكتاز (وهي إنزيم يوجد بشكلٍ طبيعي عند البشر في الأمعاء وعنصر مهم في هضم سكر اللاكتوز)، أما في أوروبا فالنسبة اقل من ذلك بكثير، وترتفع النسبة في شرق آسيا لتصل إلى أكثر من 90% من السكان، أما في الهند وباكستان فيختلف معدل الإصابة حسب الأقاليم بين 20-60%، ولا توجد أية دراسات في العالم العربي لانتشار هذه المتلازمة، ولكن من المؤكد أن الحالة موجودة وبنسب مختلفة .


هل تنتج المتلازمة عن فقد خميرة اللاكتاز؟


- هنالك سببان لعدم تحمل اللاكتوز، الأول هو عدم تحمل بروتين الحليب الذي يظهر بشكل مبكر في الأسابيع والأشهر الأولى من العمر ويختفي غالبا بعد عمر السنة، والسبب الثاني هو عدم تحمل اللاكتوز الذي يظهر بعد عمر الخمس سنوات ويمتد للكهولة، وقد يحدث عند الأطفال ما يسمى بعدم تحمل اللاكتوز العابر الذي يأتي غالبا بعد التعرض لإصابات فيروسية أو بكتيرية داخل الأمعاء ما يؤدي إلى أذية الزغابات المعوية، وبالتالي فقد مؤقت لخميرة اللاكتاز، وقد يحدث هذا النقص العابر أيضاً في حالات سوء التغذية الشديدة وعدم تحمل الغلوتين وغير ذلك من الأمراض المعوية .


هل هذه المتلازمة وراثية؟


- غالباً ما يكون هذا الاضطراب وراثياً، ويتجلى بدرجات مختلفة من شخص لآخر وذلك لتدخل عوامل أخرى في فعالية خميرة اللاكتاز مثل الهرمونات، فالكورتيزون مثلا ينشطها وهرمون الدرق يقلل من فعاليتها، وقد تمكن العلماء من تحديد الجين أو المورثة المسؤولة عن عدم تحمل اللاكتوز، وهذا الجين موجود على الكروموزوم الثاني، والوراثة فيه تتبع نمط الوراثة الجسمية القاهرة .


ما آلية حدوث المرض؟


- اللاكتوز هو سكر ثنائي التركيب موجود في كل المنتجات اللبنية التي تنتجها الثدييات بكافة أنواعها بما فيها الإنسان، وعندما يصل اللاكتوز إلى الأمعاء الدقيقة تقوم خميرة اللاكتاز بتحليله إلى غلوكوز وغالاكتوز ليسهل امتصاصه إلى داخل الجسم، كما أن بقاء اللاكتوز داخل الأمعاء يؤدي إلى سحب الماء من الأوعية الدموية إلى داخل الأمعاء وحدوث الإسهال . وعندما يصل اللاكتوز غير المهضوم للأمعاء الغليظة تقوم البكتيريا الكولونية بتحويله إلى غاز الميثان والهيدروجين وغاز الكربون فيحدث شعور بالانتفاخ ويطبل البطن وأحياناً آلام .


ما أنواع وتصنيف متلازمة عدم تحمل اللاكتوز؟


- هناك عدة أنواع يمكن إجمالها على النحو التالي:


1- نقص اللاكتاز الشائع/الأولي، هو غياب اللاكتاز المطلق، ويتطور بشكل تدريجي في سن الطفولة الباكرة ليصل أقصاه في سن البلوغ والكهولة، وهو مرض وراثي يتبع نمط الوراثة الجسمية القاهرة، وقد قدرت بعض الأبحاث عدد المصابين بهذا النوع بأكثر من 70% من سكان العالم .


2- نقص اللاكتاز الثانوي، ويحدث عند الرضع في الأشهر الأولى من العمر، وينجم إما عن إصابة الأمعاء الدقيقة بالتهاب (فيروسي، بكتيري، طفيلي) أو نقص التغذية الشديد، أو استعمال بعض الأدوية، كما نجده أحياناً بإصابات الأمعاء الأخرى مثل الحساسية للبروتين البقري، أو الداء الزلاقي (عدم تحمل الغلوتين) .


3 - نقص اللاكتاز الخلقي، أو الولادي وهو عيب نادر جداً ووراثي، وقد كان هذا المرض مميتا في بدايات القرن الماضي لعدم إمكانية توفر بديل لحليب الأم .


- نقص اللاكتاز التطوري العابر، ويحدث لدى الأطفال الخدج الذين ولدوا قبل إتمام الأسبوع الرابع والثلاثين من الحمل وسببه عدم نضوج مخاطية الأمعاء الدقيقة .


ما أعراض المرض؟


- تظهر أعراض متلازمة عدم تحمل اللاكتوز في شعور المريض بانتفاخ البطن وغثيان بعد تناول الحليب أو مشتقاته بساعة أو ساعتين، وقد لا تظهر هذه الأعراض إذا كانت كمية اللاكتوز أقل من 12 غراماً، وغالبا لا يشكو الكبار من آلام بالبطن ولكن هذه الآلام تكون أكثر شيوعا عند الأطفال والمراهقين، أما العرض الثاني والأهم فهو الإسهال حيث يصبح البراز مائيا وتكثر الغازات والشعور بقرقرة داخل الأمعاء نتيجة لزيادة حركة الأمعاء، ومن الشائع أيضاً توقف الشخص عن شرب الحليب من تلقاء نفسه وحتى قبل مراجعة الطبيب . أما بالنسبة للأطفال الذين يشكون من نقص اللاكتاز الثانوي، أي بعد الإسهالات الشديدة، فنجد أن الإسهال (ما زال مستمرا لبضعة أسابيع بعد الشفاء من الالتهاب) ونلاحظ تحسن الطفل عند إعطائه الحليب الخالي من اللاكتوز لفترة زمنية لا تزيد على أربعة أسابيع .


متى تبدأ الأعراض بالظهور؟


- غالباً ما تبدأ الأعراض في سن السابعة بشكل تدريجي، وقد تتأخر أحيانا لتبدأ بعمر العشرين، وتتوقف شدة الأعراض على كمية اللاكتوز المتناولة، ولا تحدث أبداً عند المصابين الذين لا يأكلون المنتجات اللبنية، وقد نلاحظ أنه مع مرور الوقت غياب تدريجي للأعراض، ويعود السبب إلى نمو بعض البكتيريا المعوية الهاضمة للاكتوز وليس لتفعيل اللاكتاز، حيث إن هذه الخميرة لا يمكن تفعيلها أبدا .


ما فائدة سكر اللاكتوز؟


- هو سكر مهم، يعمل على تنشيط امتصاص المعادن داخل الجسم مثل الكالسيوم والمغنيزيوم والزنك داخل الأمعاء الدقيقة التي هي المكان الأمثل لهذا الامتصاص، كما يقوم اللاكتوز بتعزيز نمو البكتيريا المتحولة bifido bacteria وعندما ينقسم اللاكتوز إلى غلوكوز وغالاكتوز فإن هذا الأخير يعتبر عاملاً أساسياً لنمو وتطور الدماغ وكذلك نمو العظم، لذلك يجب الانتباه في حال وضع أي شخص على حمية خالية من اللاكتوز أن يعطى هذا الشخص كمية كافية من الكالسيوم لتمكين الجسم من القيام بوظائفه،


كيف يتم تشخيص حساسية اللاكتوز؟


- يشخص المرض من القصة التي يرويها المريض غالباً، ويمكن كذلك تجريب حمية خالية من اللاكتوز لمدة أسبوعين، ويسمى هذا اختبار تجنب اللاكتوز، فنلاحظ اختفاء جميع الأعراض الهضمية المزعجة، وأحياناً نجري اختبار تحمل اللاكتوز .


هل هناك أي فحص مخبري يساعد على التشخيص؟


- نعم، فحص البراز يظهر غالباً حموضة زائدة بسبب وجود ما يسمى بالمواد الراجعة التي هي عبارة عن سكريات متخمرة جزئياً بسبب عدم امتصاصها داخل الأمعاء، كما يمكن إجراء فحص للدم لتحديد الأسباب الجينية ولتشخيص أنواع سوء الامتصاص الأخرى إن وجدت، أما أخذ عينة من الأمعاء فنادراً ما يجرى .


بماذا تنصح المصابين بحساسية اللاكتوز؟


- في البداية يجب التركيز على نقطتين، الأولى إن تناول الطعام المحتوي على اللاكتوز لن يؤذي بطانة الأمعاء على عكس أنواع سوء الامتصاص الأخرى، والنقطة الثانية أن وضع الطفل أو المراهق على حمية خالية من الحليب ومشتقاته توقف الأعراض، ولكن في الوقت نفسه يتأثر امتصاص الكلس ومعادن أخرى، وهذا من شأنه التأثير في نمو العظم، واضطراب الكثير من العمليات الحيوية داخل الجسم، لذلك يجب التنبيه على الآباء بأن إقصاء الحليب والمنتجات اللبنية ليس ضرورياً للعلاج، بل على العكس يحرم الجسم من بعض البروتينات الضرورية ويؤثر سلباً في امتصاص كل من الكلس والمغنيزيوم والزنك، ويعرض الشخص البالغ لمرض ترقق العظام بشكل مبكر .


ما طرق العلاج؟


- يكون العلاج في حالة عدم تحمل اللاكتوز حسب الحالة، ففي حال نقص اللاكتاز الولادي النادر، ينصح بإعطاء الحليب الخالي من اللاكتوز، وقد أثبتت بعض الدراسات جدوى إعطاء حليب الأم الممدد بطريقة خاصة ومعدلة (أي ليس مجرد التمديد بالماء)، كما يمكن تحسين الحساسية عن طريق بعض الحيل الغذائية، حيث يمكن تحريض العصيات اللبنية البكتيرية في القولون على النمو وبالتالي المساعدة على هضم اللاكتوز وتخفيف الأعراض . وهناك العلاج عن طريق المكملات الغذائية، إذ يمكن إضافة اللاكتاز (سائلاً ومسحوقاً وكبسولات) إلى الطعام أو تناولها مع الوجبات اللبنية المحتوية على اللاكتوز، أو عن طريق اللبن الرائب أو الزبادي الذي يعتبر فقيراً نسبياً باللاكتوز، علاوة على أنه يحتوي على البكتيريا الهاضمة، لذلك غالباً ما يكون متحملاً بشكل جيد من قبل هؤلاء الأشخاص .


وقد وجد أيضاً أن اللبن والحليب الممزوج بالشوكولا أو الفاكهة يخفف من الأعراض الهضمية المرافقة لنقص اللاكتاز، كذلك لوحظ أن أكل الأجبان لا يترافق بأعراض المتلازمة .


أما بالنسبة لعدم تحمل اللاكتوز العابر الذي يظهر بعد الإصابات المعوية الشديدة فينصح بإعطاء الطفل الحليب الخالي من اللاكتوز ولفترة محدودة أقصاها أربعة أسابيع ويفضل اقل حتى لا يتأثر امتصاص المعادن كما ذكرت سابقاً .


ويمكن أن يكون الحل المؤقت تجنباً لألبان لفترة قصيرة جداً ريثما يتوفر العلاج بالخمائر الخاصة ولا ننسى إعطاء المكملات الضرورية مثل الكلس وفيتامين دال .


كما ينصح هؤلاء الأشخاص التأكد مما يأكلون إذ إن اللاكتوز موجود في الكثير من الأغذية المضاف لها الحليب مثل الخبز والفطائر والحلويات .


د . حكم ياسين


- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/....mT3hDwEg.dpuf