منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رأس الحكمة

  1. #1

    رأس الحكمة

    بين يديّ كتاب اعتنى كاتبه في سرد أهم الأحداث التي جرت إبان الحرب العالمية الثانية، وقد مرّ بالذكر على ما أصاب بريطانيا على يد النازيين من مهالك وأوجاع، لم أكن أتصوّر أن الحال وصل بالبريطانيين إلى التفكير بإرسال أعداد من الفتيان والفتيات الإنكليز، إلى بلاد آمنة للمحافظة على الجنس والعرق الإنكليزي، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تلك الحال الصعبة التي عاشتها بريطانيا، الخوف من فناء النوع، وقرأت أيضاً مواقف السير ونستون تشرتشل الذي كان رئيساً لوزراء بريطانيا في تلك المرحلة، وتصميمه الدفاع عن بلاده، واستحالة رفع راية الاستسلام للنازيين.
    ولعل أشد ما استرعى اهتمامي، وبريطانيا تعاني أشد الويلات، أن يعقد ونستون تشرشل اجتماعاً لوزارته ليطمئن فقط على مسيرة القضاء والتعليم في البلاد، وعندما وصل إلى قناعة بأن القضاء والتعليم بخير قال مقولته الشهيرة: (إذاً نحن بخير).
    أعادتني تلك القراءة إلى ماضٍ بعيد، وصل بي إلى العام 1945، وحكايات جدي.
    في تلك الليلة، بدت على وجه جدي علامات الحيرة، وعندما رآنا ننتظره بلهفة، انفرجت أساريره، تنهد، وقال:
    ـ الأيام هي هي، لكن الإنسان هو الذي يتبدل ويتغير.
    تبادلنا نظرات مستغربة، لكنه تابع يقول:
    ـ إن تحقيق العدل بين الناس، هو رأس الحكمة في مسألة القضاء والقضاة، ولكن يبدو أن إغراءات المال والجاه تبدّل أخلاق بعض الناس.
    نظر إلينا، ثم ابتسم وقال:
    ـ بسبب شجار بسيط نشب بين ابن جاري «فريد»، وبعض المتسكعين في السوق تطوّر إلى تماسك بالأيدي، قامت دورية بريطانية بالقبض على المتشاجرين جميعاً وإيداعهم السجن.
    هذا أمر طبيعي.. لكن ما هو غير طبيعي هو ما جرى بعد ذلك، فقد تصالح المتخاصمون، وأسقطوا كل ادعاءات بينهم، لكن رئيس قسم الشرطة «الإنكليزي» رفض الإفراج عنهم جميعاً قبل أن يدفع كل واحد منهم خمسة جنيهات فلسطينية، يعني على سبيل الرشوة، وتم الإفراج عنهم.
    كأننا قلنا، دون أن نقول: ثم ماذا.؟!
    تفرّس جدي في وجوهنا، ثم قال:
    ـ ذكّرتني الحادثة بما جرى إبان الحكم العثماني في عكا، فقد ألقت الشرطة القبض على صديق لنا كان يعمل موظفاً في «الإسبيتاليا» المستشفى الوحيد في عكا، وكان المستشفى لا يتسع لأكثر من عشرة أسرّة للمرضى، يتزاحم المحتاجون للاستشفاء عليها، ومن المفترض أن يجري اتباع نظام «الدور ودرجة حاجة المريض»، لكن صديقي، قَبِلَ أن يتلقى هدية بسيطة من أحدهم ليقوم بحجز سرير له على غير وجه حق، هذه الهدية كانت عبارة عن علبة من البسكويت الفاخر اعتبرتها السلطات رشوة مقابل تلك الخدمة التي وفّرها للراشي، وأودع السجن بسبب ذلك.
    يومذاك قلنا: إن المرتشي يجب أن ينال الجزاء العادل.
    لكن ما جرى بعد ذلك كان أغرب من أي تصوّر، فقد تكلّفت أسرة صديقي المسجون «الذي لم تنفع معه كل الدفوعات القانونية، ولا المدة التي قضاها في السجن، ولا تجريده من الحقوق المدنية» دفع أكثر من خمسين ليرة ذهبية «رشادي» عدا أجور المحامين ومصاريف الدعوى، رشوة للقضاة والكتاب والمدونين والفراشين لتأمين الإفراج عنه،بسبب رشوة لا يزيد ثمنها على خمس «مجيديات».
    كان ذلك في مطالع العام 1945، عن حادثة جرت قبل العام 1916.!
    عندما أعادتني الذاكرة إلى ذلك الوقت البعيد، وإلى تلك الحكاية، كنت أتابع حكايات مماثلة تقف في دهاليز المحاكم والقضاء، قلت، لقد صدق الله سبحانه عندما قال في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم، (وتلك الأيام نداولها بين الناس) صدق الله العظيم.


    موقع عدنان كنفاني
    http://www.adnan-ka.com/

  2. #2
    قرأت واستمتعت وبارك الله بك أيها الأديب عدنان , لك ألف تحية وسلام

المواضيع المتشابهه

  1. الحكمة في كتاب
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-29-2014, 01:50 AM
  2. الحكمة في القرآن
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-15-2012, 07:26 AM
  3. تذكر هذه الحكمة
    بواسطة المتفائل في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-09-2010, 08:53 AM
  4. الحكمة الإدارية
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-16-2010, 08:55 AM
  5. الحكمة من ذكر الموت .
    بواسطة فاطمه الصباغ في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 10-12-2006, 02:23 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •