سرٌ بيني و بينك ؟!! بقلم فادي شعار
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
على هدير شلالات نياجارا لفتت صورة الحجر الكريم بلونه الياقوتي انتباه الحفيد "توم" الذي كان يقلـِّب في صور جوَّال جده ، و ببراءة الأطفال سأل جدَّه : هل هذه الصورة لمقذوف بركاني أم أنها حجر مرجاني؟!!
فدنا الجدُّ من "توم" هامساً بإذنه : للصورة حكاية ،، ذكريات و رواية ،، و سأرويها لك ، و لكن ستظل كلماتي سراً بيني و بينك ؟!!
توم : أجل يا جدي...
و عندها بدأ الجد يروي:
قبل أربعين عام أي في عام 2014 تقريباً كنا نعيش في نياجارا ، و كنا شعباً واحداً وكأننا في حارة ،، لا نعرف طعم الانقسام ، ولا نعرف للطائفية معنى أو عنوان ...
توم : و لكن يا جدي أريد أن أعرف هل هذه الصورة لمقذوف بركاني أم أنها حجر مرجاني؟!!
الجد : لا تستعجل سأروي لك بعض التفاصيل ، و كما نبّهْتـُك سيظل الحديث سراً بيني و بينك ؟!!
و يتابع الجد: إذا كان التاريخ قد دوّن توقف مياه الشلالات عام 1848 عدة ساعات لاندفاع كتل جليدية على مدخل النهر ، و لم تعد المياه إلى مجاريها إلا بعد ذوبان الجليد... فإن التاريخ المزوَّر ذاته لم يُدوّن توقف مياه الشلالات عندما حشرت كندا أنفها على أعظم طاقة مائية تستغلها أمريكا في توليد الطاقة الكهربائية؟؟
فعمد الكنديون إلى قطع مياه النهر عن الشعب الأمريكي في نياجارا المحاصرة ، و ذلك لإسقاطها ، و بعدها للأسف انقسمت مدينة نياجارا إلى قسمين قسم كندي و أخر أمريكي!
و أذكر أيامها يا حفيدي العزيز (توم) أنه مع انقطاع المياه عن مدينتنا في القسم الأمريكي بدأت ثورة جماهيرية بسلاحها الفردي سلاح "الغالون" ، فبدأت الحشود بحمل الغالونات البلاستيكية بحثاً عن الماء ،، و حشود أخرى حملت الأواني و الطناجر ،، و بدأت عملية تخزين الماء في البانيوهات و أجران الاستحمام ، من أجل الشرب و الغسيل و النظافة... و ابتدعت حركات للتقنين ، فكانت العائلة حين تدخل حمَّام W C تدخل على التوالي ، و في توقيت واحد ، و كان أخرهم فقط الذي يسكب الماء على ما اقترفوه!!
توم : يا جدي سألتك عن الحجر فأجبتني عن تاريخ لم يدوّن على الورق!!!
الجدَّ : لا تستعجل سأجيبك فلا تملّ التفاصيل ... ولكن كما وعدتني الحديث سيظل...
توم : ....سيظل سراً بيني و بينك ؟!!
يتابع الجدّ : و لكن رغم التقنين ، فالماء في نفاد ، فأبقينا ماء الشرب ، و ودعنا النظافة ، و نسينا الحلاقة التي تستهلك الماء ، بل و أشهرنا الحرب بموس الحلاقة و على الناشف جعلنا حلاقتنا "زيرو زلبطة" ... تفادياً لحروب القمّل و الصيبان ..
و كنا كلما تناحر الجمهوريون و الديمقراطيون و الليبراليون سواء من الكنديين أو الأمريكيين وقعت الطامة على الشعب المسكين..
مع أن خلافاتهم لم تحصد رؤوس الولدان ، و النساء ، و الشيوخ ...
مع أن صراعاتهم لم تقطع عبادة المعتصمين في الصوامع...
مع أن مبادئهم تأمرهم بأن لا يقتلعوا زرعاً أو يقطعوا شجراً...
فقط كانوا يقطعون المياه و الكهرباء ، و من يعترض لفعلهم يقطعون رأسه و نسله ..
و كما اتفقنا يا بني سيظل الحديث سراً بيني و بينك ؟!!..
آآآه يا "توم" لقد عانينا كشعب في نياجارا حتى تمنـّينا أن يصدِّروا لنا قطرة ماء ، و لو كانت القطرة بودرة مجففة قابلة للحل...!!
نعم كنا نريد الحل!!
تعاطفت شعوب العالم مع عطشنا رغم عطشها هي الأخرى فحروب المياه حروب عالمية ... فبدأت ترسل لنا المعونات المائية ، عن طريق المنظمات الاغاثية على شكل حبوب ، و كبسولات دوائية تعطينا احساساً بالارتواء ، فأصبحنا نتعاطى تلك الكبسولات كتعاطي المهدئات ... و لكن كما تعلم أن الكلى بحاجة إلى مياه طبيعية لتفعيل عملية الادرار فبدأت المشاكل الكلوية تظهر في المدينة...
توم : سألتك يا جدي عن صورة حجر ،، فأدخلتني متاهة تاريخية ، و قصص طبية ، و حتى الأن لم أعرف طبيعة هذا الحجر ... بل لم أعد أريد أن أعرف طبيعته فقط اعتقني ودعني و لا تكمل فقد مللت... حديثك السري ؟!!
الجد : لا تستعجل سندخل في لب القضية.. فقد أيامها ظهرت المشاكل الكلوية لدى أغلب الشعب العطشان ، و يبدو أني كنت من جملتهم.. و أذكر يومها ، بينما كنت أقود دراجتي على طاقتي العضلية البديلة للطاقة الكهربائية و النفطية ... التي حرمونا منها.... أصابتني تشنجات كلويّة حادة أصبحت فيها بين الحياة و الموت ،، و كانت جدتك جالسة خلفي على "البسكليته" ، فاستلمت عني القيادة لتأخذني إلى أقرب عيادة ، و عند الطبيب الذي قام بمعاينتي همس في أذن جدتك رحمها الله عندها صحتُ على الطبيب بأن يهمس في أذني فأنا المريض عندها تجرأ و قال لي أمامك 48 ساعة لتكتب وصيتك ...
صحيح أنني لا أخاف الموت لكن مع ذلك انهارت أعصابي ، فأخذتني جدتك إلى البيت ، و جمعت المودعين ، و المودعات عندها بدأت أطلب من النسوة الحاضرات طلبي الأخير من هذه الحياة قائلاً لهن :
يا نسوان ،، يا عماتي .. يا خالاتي ...يا كناتي يا بناتي...
أشتهي الطبق الحلبي ,,
من كبب و محاشي و "حلو" عربي...
فأخذن النسوة بالنفخ و الطبخ ،، و كنتُ أستعجلهن بقولي لهن "لا أريد العيش جائعاً محروماً .. بل أريد الموت شبعاناً متخوماً..."
و بعد ساعات و ضعوا لي ما لذَّ و ما طاب ،، و بدأت أتناول في قمة الأزمة أشهى المأكولات ،، و كأني كنت من قبل في مجاعة ،، و بعد أن انتهيت .. تناولت عشرة كبسولات مائية و لكنني ما ارتويت...
فطلبت للارتواء الجبسة (و هي البطيخ الأحمر) فأحضروها لي تهريب ، فهي من المنوعات على الشعب الامريكي المحاصر ,, و بدأت أهرش و أجرش و أقضم الجبسة ثم ارتميت على الفراش ، و تمددت كي أموت ، فقد بدأت أشعر بأن روحي بدأت تخرج من كثرة ما أكلت ،،
لكن الحقيقة أنني نمت نومة عميقة لأستيقظ و كل ظني بأني في القبر ،، لكن حين مددت يدي وجدت وسادتي و سريري و بيجامتي ، فأدركت أني ما زلت حياً و الذي أكد ذلك أكثر أنَّ تشنجات كلوية أعلنت حاجتي البيولوجية ، فهممت لقضائها في الـ W C و كنت أصيح على جدتك أن تحضر كمَّاشة ، فأحضرتها مع مطرقة وصندوق العدة ،،
فجلستُ و فشّختُ رِجْلـــَيَ ..
فقالت : يا ويلي ما هذا...!؟
فقلتُ لها : أمسكي نتوء الحصوة البارز و اسحبيه بالكمَّاشة..
فسحبته مع صرختي فكان خروج تلك البحصة الكلوية المرجانية ،، من مسالكي البولية ،، ثم صوّرت بجوالي تلك التحفة الأثرية ،،
توم.. حبيبي
هل أدركت أخيراً طبيعة الحجر أرجوك لا تفشِ السر الذي بيني و بينك ؟!!
توم : حاضر جدي مع أنك أعللت قلبي..
الجد : و بدأت عملية الادرار البولي بشكل طبيعي... و ارتحت بعدها راحة غريبة ..لتنتهي أزمتي و أزمة أمتي فانقشعت عنا الغمة .. و العبرة من قصتي أن جدّتك ماتت بشظية ، ثم مُتــْن نسوة الأطباق الشهية ، ثم مات الطبيب الذي أوصاني أن أكتب الوصية ، و ها أنا ما زلت حياً أروي لك سراً بيني و بينك ...و فعلاً كتبت يومها وصيتي فانشرها بعد مماتي :

"وصيتي
كلما اشتدت الأزمة
فعليكم بالكمّاشة
ثم تخيلوا أنكم تبوّلون على من كان سبباً في مأساة انفصال نياجارا إلى قسمين
عندها ستشعرون براحة و سعادة مجتمعتين.
فهل من عاقل يتعظ منا
وهل من واعظ ينقل عنا"
بقلم : فادي شعار