سورة هود
(مثل الفريقين ...)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ 24 (هود)
لشرح هذا المثل لابد من ذكر الآيات الكريمات قبله لندرك من المقصود بالمثل :
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ 19 أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ 20 أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ 21 لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ 22 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 23 مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ 24
تذكر الآيات الكريمة فريقين :
الفريق الأول :
-يصد عن سبيل الله.
-يهدف إلى الانحراف عن الصراط المستقيم
- لا يؤمنون باليوم الآخر (الحساب)
شبه هذا الفريق ومماثله رجل أصم وأعمى ، لأن هذه الصفات تدل على من لم يسمع كلام الحق ولم يدركه ولم ير نتائج هذا الإعراض عن الخالق سبحانه وتعالى، من خسارة كبيرة في الدنيا والآخرة. كما أنه دليل على عدم رؤية الصراط المستقيم المنجي من العثرات والمهالك وما يؤول إليه.
هي صفات من لا يؤمن بالله تعالى بل يكرهه ويعلن ولاءه للشيطان وحزبه ، فهم يصدون عن سبيل الله ، بل يدعون للانحراف عنه ، والصد عن سبيل الله ما هو إلا تعبير عن عدم الإيمان بالله وعدالته وحسابه للخلق يوم يقوم الأشهاد، إنه إعلان للحرب مع الله تعالى.
والنتيجة خسارة النفس أولاً وخسارة جوائزها ثانياً. إنها الخسارة الكاملة البئيسة.
الفريق الثاني:
- آمنوا بالله تعالى خالق الكون وخالقهم بعد رؤية آياته وسماعهم وإدراكهم لدعوة الحق.
- لا يقصرون بعمل الصالحات بل يبحثون عنها كمساعدة الفقراء والمساكين والمرضى والعاجزين. وهو دليل إيمانهم بالجزاء المناسب في يوم الحساب.
- طائعون مذعنون لربهم يتقربون إليه بعبادته ومحبته وعمل ما يرضيه. ويرتقون بمعرفته بالتفكر بأسمائه سبحانه وتعالى.
- إن جميع هذه الصفات لا تصدر إلاَّ من صاحب بصيرة وإدراك.
- مصير هذا الفريق جنات تجري من تحتها الأنهار.
وهكذا ينطبق مثل الفريقين على شخصين متباينين ، الأول أعمى أصم لا يهتدي لشيء وهو خاسر يقع بالعثرات دائماً. وهو مثل الفريق الأول (الكفرة)، والثاني مبصر مدرك فهو يسمع ويرى فيهتدي إلى الصراط المستقيم الذي ينجيه من الوقوع في العثرات. وهو مطابق لفريق المؤمنين.
فهل يستوي مثل هذين الرجلين بالطبيعة والدرجة والمآل ؟ بالطبع لا يستويان مثلاً، فالأول أصم أعمى يعيش في الضلالة وهو خاسر لعمره ورضا ربه والآخر يعيش في النور ويتجنب العثرات فهو ناج ومصيره جنات النعيم .
فلنتذكر المطلوب وليكن مثلنا مثل الفريق المبصر المدرك لنكون من أصحاب النعيم إن شاء الله تعالى.
مثال واقعي بسيط :
مرَّ شخص في الطريق ووجد حقيبة (لقطة) فيها مالاً ، فإن فرح بها واعتبرها ماله وبدأ بالإنفاق منها وكأنها ماله... فسيكون مثلاً للأعمى الأصم، فهو لم ير أن هذا المال ليس ماله وليس من عرق جبينه ولم يسمع بوجوب تعريف اللقطة.
ولو عرَّفها وبحث عن صاحبها وأعادها إليه لكان مثل البصير السميع ، لأنه يكون قد أدرك أن هذا المال ليس جهده وكدّه ، وعرف أنّ هناك من أضاعه وهو ملهوف عليه .
والحمد لله تعالى.