لفظ العلم في القرآن الكريم
لفظ (العلم) في القرآن الكريم ورد بتصريفاته المختلفة فيما يزيد عن سبعمئة وخمسين مرة، مشفوعاً معظمها بالدعوى إلى التدبر في آيات الله المسطورة، كما في قوله تعالى: ﴿ كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ﴾ [فصلت:3]، والتفكر في آياته المبثوثة، كما في قوله سبحانه: ﴿ وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ﴾ [الأنعام:97].
ولفظ (العلم) جاء في أغلب مواضعه في القرآن بمعنى العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته، كقوله تعالى: ﴿ أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾ [البقرة:77]، وقوله: ﴿ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾ [البقرة:216] .
غير أن لفظ (العلم) ورد في مواضع من القرآن على معان غير معنى العلم بالشيء، ومعرفته على حقيقته. وهذه المعاني هي كالتالي:
بمعنى (الرؤية)، من ذلك قوله سبحانه: ﴿ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ﴾ [آل عمران:142]، قال ابن عباس رضي الله عنهما - فيما نقله عنه ابن كثير -: لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء. ونقل عنه أيضاً في تفسير قوله تعالى: ﴿ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ﴾ [البقرة:143]، قال: إلا لنرى؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم.
بمعنى (الأذن)، ومنه قوله تعالى: ﴿ فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ﴾ [هود:14]، قال مقاتل: بعلم الله، أي: بإذن الله. وهذا على قول في تفسير (العلم) في الآية.
بمعنى (الدين)، ومنه قوله سبحانه: ﴿ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ﴾ [البقرة:120]، قال أبو حيان: أي: من الدين. وجعله عِلْماً؛ لأنه معلوم بالبراهين الصحيحة، وقال الرازي: أي: من الدين المعلوم صحته بالدلائل القاطعة.
بمعنى (الدليل والحجة)، ومنه قوله تعالى: ﴿ قل هل عندكم من علم فتخرجوه ﴾ [الأنعام:148]، قال البغوي: أي: كتاب وحجة من الله، وقال الشوكاني: هل عندكم دليل صحيح من العلم النافع، فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره.
بمعنى (النبوة)، ومنه قوله سبحانه: ﴿ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ﴾ [يوسف:22]، قال مجاهد: يعني النبوة. وروي عنه أيضاً، أن (العلم) هنا: الفقه في الدين.
بمعنى (التمييز)، ومنه قوله تعالى: ﴿ وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا ﴾ [آل عمران:166-167]، قال ابن كثير: إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك؛ ليتميز الخبيث من الطيب.
بمعنى (الفضل)، ومنه قوله سبحانه: ﴿ قال إنما أوتيته على علم عندي ﴾ [القصص:78]، روى ابن كثير عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال في معنى الآية: لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال، وقال ابن قتيبة: معناه: أعطاني المال لفضل عندي.
وجاء لفظ (العلم) بمعنى (ما يعده أصحابه علماً، وإن لم يكن كذلك)، ومنه قوله تعالى: ﴿ فرحوا بما عندهم من العلم ﴾ [غافر:83]، قال السدي: فرحوا بما عندهم من العلم بجهلهم، فهو من قبيل قوله تعالى: ﴿ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ﴾ [الأنعام:148]، وقال ابن عاشور: إطلاق العلم على اعتقادهم تهكم وجري على حسب معتقدهم، وإلا فهو جهل.
والمتأمل في المعاني التي جاء عليها لفظ (العلم) في القرآن الكريم، يجد أنها وإن كانت تحمل دلالات محددة، يقتضيها سياق الآية، غير أنها في نهاية المطاف لا تعارض بينها ولا تنافر، بل هي في المحصلة ترجع إلى المعنى الرئيس من لفظ (العلم)، وهو معرفة الشيء على ما هو عليه.
موقع الشبكة الإسلامية