د. غازي حسين
ظهر بجلاء أن الحرب العدوانية على العراق كانت مطلباً إسرائيلياً ومصلحة أميركية إسرائيلية لخدمة مصالحهما الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية واستمراراً لنهجهما في محاربة العروبة والإسلام والقضاء على الوحدة العربية والنظام العربي وصهينة المنطقة وأمركتها، والإطاحة بالأنظمة التي لا تريدها إسرائيل ولا تروق للولايات المتحدة وتصفية قضية فلسطين.
يرجع الموقف الإسرائيلي لإشعال الحرب على العراق وتدميره واحتلاله وتغيير النظام فيه إلى موقف العراق حكومة وشعباً من عروبة فلسطين وتبنيه رؤية قومية تعتبر الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود ومواجهة المشروع الصهيوني ووأده، ودعم المقاومة الفلسطينية المسلحة لتحرير القدس وكل فلسطين التاريخية.
شكّل العراق طرفاً أساسياً في التصدي لتعميم كمب ديفيد، ورفض زيارة السادات للقدس، ومقاومة ومواجهة معاهدة «السلام المصرية الإسرائيلية» عام 1979 لإلغائها. وقاد تمويل عملية عزل السادات عن النظام العربي بسبب توقيعه لاتفاقيتي كمب ديفيد والاعتراف بالعدو وعقد الصلح معه، وأقرتْ قمة بغداد العربية نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
واعتقدت إسرائيل أن النظام العراقي يعرقل تحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي ويدعم تسليح الدول العربية المحيطة بفلسطين ويرفض التسوية السياسية والتفاوض والاعتراف بالكيان الصهيوني، ويؤمن برؤية قومية حول الصراع العربي ـــ الصهيوني.
فقامت في حزيران 1981 بتدمير المفاعل النووي في بغداد، واجتاحت لبنان بالتفاهم والتنسيق الكاملين مع الولايات المتحدة عام 1982. وأشعلت الحرب مجدداً على لبنان في عامي 1993 و1996. وتقوم منذ عام 1948 وحتى اليوم بالإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني لترحيله وتهويد وطنه بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الإمارات والممالك التي أقامتها بريطانيا وتحميها الإمبريالية الأمريكية.
وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وحوّلت موقع إيران من موقع المعادي للعرب والمسلمين وقضية فلسطين إبان عهد الطاغية شاة إيران عام 1979 وشكلت أهم تحول استراتيجي في الشرق الأوسط لدعم المقاومة وإلى الموقع المؤمن بتحرير القدس وفلسطين، وأهدت منظمة التحرير الفلسطينية مقر السفارة الإسرائيلية في طهران واعتبرت «إسرائيل» والصهيونية العالمية الجمهورية الإسلامية في إيران من أكثر البلدان المعادية للصهيونية والكيان الصهيوني.
فحدث خلل استراتيجي كبير في المنطقة لصالح منظمة التحرير الفلسطينية والنظام العربي ومواجهة المشروع الصهيوني، لذلك كانت الحرب العراقية ــ الإيرانية ليصبّ في مصلحة الاستراتيجية الأمريكية وخدم استمرارها وتصعيد القتل والتدمير لدى الطرفين المصلحة الإسرائيلية والأميركيّة.
واستغلت «إسرائيل» اجتياح العراق للكويت في الثاني من آب 1990 للعمل على عرقلة حل الأزمة الخطيرة سلمياً، لأن العراق ربط موافقته لحلّ قضية الكويت بحل قضية فلسطين، مما زاد من تعقيد الموقف الأميركي وإصرار «إسرائيل» وأميركا على عدم حل المشكلة سياسياً وإنما باللجوء إلى الحرب:
ونجح اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بإقناع الرئيس الأمريكي بوش الأب القيام بالحرب وبمشاركة التحالف الدولي الذي نجح وزير خارجيته جيمس بيكر في بلورته.
وجاء إطلاق الصواريخ على تل أبيب وبعض المدن الإسرائيلية والنتائج النفسية التي أحدثها على الجانبين العربي والإسرائيلي ومنع «إسرائيل» من الرد على إطلاق الصواريخ حتى لا يتفكك التحالف الدولي يصب في خدمة العدوّ الذي ترك الأمر للقوات الأميركية لتدمير الجيش العراقي والمنشآت والمؤسسات العراقية والتركيز على جني أكبر كمية ممكنة من بطاريات صواريخ باتريوت من أميركا وهولندا وألمانيا بالإضافة إلى الغواصات النووية من ألمانيا. وكانت «إسرائيل» مقتنعة بأن القوات الأميركية ستقضي على قدرات العراق العسكرية.
وتصاعد العداء الإسرائيلي للنظام العراقي عندما رفضت بغداد تأييد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، مما حمل الولايات المتحدة وضع العراق على قائمة الدول المعادية لعملية السلام.
ورفض العراق اتفاق أوسلو الذي وقعه ياسر عرفات في 13 أيلول 1993 واستمر في تقديم الدعم السياسي والمالي لمنظمة التحرير الفلسطينية ودعم انتفاضة الأقصى وتقديم المساعدات المالية لعائلات الشهداء، مما زاد من نقمة «إسرائيل» وأميركا على النظام العراقي ووصفا هذا الموقف بدعم الإرهاب، لتبرير القضاء على النظام العراقي.
وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وزجت «إسرائيل» واليهودية العالمية النظام العراقي بالأحداث، ورأت الولايات المتحدة بالأحداث فرصة ذهبية للهيمنة على النفط وعلى المنطقة، ورسم خريطة جديدة لها أسوأ من خريطة سايكس ــ بيكو وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
والتقت الأهداف والمصالح الإسرائيلية بالأميركية لتغيير النظام وتدمير الجيش العراقي ومنجزات الدولة العراقية وتنصيب حكومة في بغداد تسير في ركاب الولايات المتحدة الأميركية «وإسرائيل».
وركزت المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة على خطر النظام العراقي ودعمه للإرهاب الدولي وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وتهديده لأمن «إسرائيل» وأمن الولايات المتحدة ووجوب تغيير النظام وإقامة نظام جديد موال للولايات المتحدة وإسرائيل وتفتيت العراق بإقامة دولة كرديَّة في الشمال تخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية، فالمخططات الإسرائيلية لمستقبل المنطقة العربية تقوم على تفتيت الدول العربية الرئيسية بإشعال الفتن الطائفية والعرقية لإقامة كيانات طائفية وعرقية لتدفع بالمنطقة إلى عدم الاستقرار وتهيمن عليها بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية الصغيرة والتي تتواجد على أراضيها القواعد العسكرية الأميركية وإشعال الفتن والحروب الطائفية والمذهبية والعرقية لعدّة عقود.
واستغلت إسرائيل الحرب الصليبية العالمية التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق والتي تشنها «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة وعلى حزب الله وأخذت تروّج بأن الحرب ستشمل مصر والسعودية وفصل مناطق النفط فيها في المنطقة الشرقية من المملكة أي تفتيت السعودية إلى عدة دويلات.
وكان الهدف من هذه الحملة هو ممارسة أقصى أنواع الضغط والابتزاز على البلدين للاستمرار في التنازل عن مواقفهما من الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين والقبول بالمبادرات والمخططات الإسرائيلية والقيام بتسويقها للقيادة والسلطة الفلسطينية. ورددت الأوساط اليهودية أن الولايات المتحدة لن تتوقف عند العراق بل إن العراق هو البداية وستطول الحملة الأميركية عدة بلدان من منطقة الشرق الأوسط، لأن تدمير العراق واحتلاله لا يكفي الأطماع الصهيونية والتي تشمل الأنظمة العربية الغنية والكبيرة والمؤثرة في الصراع العربي ــ الصهيوني وفي مقدمتها سورية العربية.
استغلت الولايات المتحدة استمرار فرض الحصار الدولي على العراق وركزت على استخدام المفتشين الدوليين لإضعافه عسكرياً وتدمير الصواريخ ذات المدى 150 كم لتوجيه ضربة عسكرية له وهو في أضعف أحواله بذرائع كاذبة كعلاقته مع تنظيم القاعدة وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وتهديده للأمن القومي الأميركي. وبالتالي استغلت الولايات المتحدة «الأمم المتحدة» في حربها العدوانية وغيرت النظام السياسي العربي في بغداد ونصّبتْ نظام حكم ومجلس حكم ورئيس وزراء، ومجلس وزراء لخدمة الاحتلال الأميركي في العراق والمصالح الأميركية والإسرائيلية في البلدان العربية والإسلامية، ورسم خريطة جديدة وإقامة الشرق الأوسط الكبير وتولي «إسرائيل» دور القائد في النظام الإقليمي الجديد.
وترمي المخططات الصهيونية والأميركية ليس فقط تحويل العراق إلى قاعدة لنفوذهما وتكرار تجربة حلف بغداد المشؤومة وإنما إلى إقامة ثلاث دول فيه لتفتيته والحيلولة دون استقراره وتطوره واستغلال ثرواته.
وسوّق الموساد للرئيس بوش وطوني بلير أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقاته مع تنظيم القاعدة للإطاحة بالنظام وتدمير العراق وجيشه ومنجزاته ونشر الفتن والحروب الطائفية والعرقية فيه خلافاً لمبادئ القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية الأخرى.
وشاركت دول الخليج في الحرب الأمريكية القذرة على العراق الشقيق مما شكَّل لطخة عار على جبين حكامها إلى أبد الآبدين.